اللون الأصفر الصارخ الذي يغطي شعر رأسه يعطي انطباعا عما يمكن أن تكون عليه الدقائق القادمة في غرفة المؤتمرات الصحافية الخاصة بنادي برشلونة. المعادلة على أحد طرفيها مراهق في السابعة عشرة، وعلى طرفها الآخر عشرات العدسات ومئات الصحافيين من أنحاء العالم الذي أتوا بحثا عن تفسير للتفاوت بين ما يرونه من هذا الصبي على أرض الملعب وتاريخ ميلاده المسجل في بيانات جواز السفر.
يختصر هو عليهم الطريق بإجابته عن سؤال يضع على الطاولة اتهاما صريحا له بالغرور قائلا: "طالما أفوز، لا يستطيع أحد أن يقول لي شيئا"، هكذا ببساطة: الفائز يبقى على الأرض، القانون الوحيد الذي يحكم مباريات من هم في عمره في شوارع أي مكان في العالم هو من يمنحه تلك الثقة المتجاوزة لحقيقة أنه مجرد صبي في السابعة عشرة يلعب في أحد أكبر أندية العالم.
في برشلونة التي يعرفها الناس بفن جاودي المعماري وناديها لكرة القدم الذي يحمل شعار "أكثر من مجرد نادٍ"، في إشارة لدوره في تعزيز القومية في إقليم كتالونيا المطالب بالانفصال عن إسبانيا، أبصر لامين يامال النور ابنا لمهاجرين أتيا من أفريقيا بحثا عن لقمة العيش هما المغربي منير النصراوي الذي يعمل في طلاء المنازل والنادلة شيلا إيبانا من غينيا الاستوائية.
لكن برشلونة في صيف 2007 لم تكن تأبه سوى بميلاد واحد، حيث كان النادي الكتالوني يجهز على نار هادئة تلك الموهبة التي يعدها لتكون الأفضل على الإطلاق. إنه ليونيل ميسي، الهداف التاريخي للنادي ومن يعده الملايين حاليا أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم، والذي كان وقتها الموهوب الأرجنتيني الخجول قصير القامة الذي يلعب على فترات ويعيش في ظل نجوم بقيمة البرازيلي رونالدينيو والفرنسي تييري هنري والكاميروني صامويل إيتو.
كان ميسي قد بات جاهزا لأن يكون هو من يحمل إرث النادي الذي يدافع عن أفكار موهوب آخر يوهان كرويف، عراب "الكرة الشاملة" التي أتى بها من هولندا لتجد جذورا في برشلونة، الذي وجد في تبني ذلك المفهوم عن كرة القدم عبر مدرسة ناشئيه "لاماسيا" شيئا من المقاومة للنموذج الذي يقدمه الغريم اللدود ريال مدريد في العاصمة، حيث بريق النجوم الذين يشتريهم النادي بمئات الملايين من كل أندية العالم يؤصل لفكرة مختلفة عن كيفية تحقيق الفوز داخل الملاعب وفي قاعات توقيع عقود الإعلانات.
برشلونة الذي تنازل في صيف 2007 عن تقليد تخطى عمره المئة عام يمنع وضع إعلانات على قميصه، من أجل أن يروج لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، لم يكن يدري أن إعلانا لتلك المنظمة سيجمع ميسي مراهقا لم يتجاوز العشرين برضيع تصادف أن يكون لامين يامال، أصبح الآن الصورة الأكثر تداولا بين مشجعيه، الذين يحيرهم كل أسبوع كيف يمكن لمدينتهم أن يضربها برق الموهبة الاستثنائية مرتين الأولى في صورة ميسي، والثانية في صورة الطفل الذي يجلس في الصورة داخل حوض الاستحمام، مبتسما لشخص لم يكن يعرف وقتها أنه سيكون مكتوبا عليه أن يقارن به طالما بقي لاعبا لكرة القدم.
لكن ما يقدمه لامين يامال الذي نشأ في ضاحية "روكافوندا" المهمشة في بلدة "ماتارو" على بعد نصف ساعة بالسيارة من برشلونة منح الكثيرين أسبابا للمقارنة، ورسم خطوطا متقاطعة بين بداية الموهبتين اللتين تنطلقان من قدم يسرى لا تضاهى تتحرك على يمين الملعب دون حدود لما يمكن أن تصل إليه الكرة وهي بحوزتهما.