ترمب وفلسطين... الخطوط الحمراء "العالقة"

الأفعال أبلغ من الأقوال

رويترز
رويترز
ترمب في مكتبه بالبيت الأبيض، 25 سبتمبر

ترمب وفلسطين... الخطوط الحمراء "العالقة"

تتحول بوصلة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط من أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك إلى العاصمة واشنطن، حيث يلتقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في رابع لقاء بينهما خلال ثمانية أشهر.

وكان ترمب قد استغل خطابه أمام الجمعية العامة لتأكيد جملة من القضايا المحورية في رؤيته للعالم، من بينها خطابه المتشدد تجاه الهجرة وتشكيكه في تغيّر المناخ، غير أنه لم يقدّم ما يمكن اعتباره خطة عملية واقعية للتعامل مع أعقد التحديات التي يواجهها العالم.

ولكن ما لفت الأنظار كان اجتماعا عقده على هامش الجمعية العامة مع عدد من كبار الدبلوماسيين والشخصيات من الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى تصريح أدلى به بشأن احتمال ضم إسرائيل للضفة الغربية، وهو ما شكّل تمهيدا للقاء المرتقب بين ترمب ونتنياهو.

ونظرا إلى ميل ترمب الواضح للتصرف على نحو غير متوقع، وافتخاره بالتناقض الدائم بين أقواله وأفعاله على الساحة الدولية، يصعب الركون إلى اجتماع واحد أو تصريح علني بعينه، رغم ما قد يحمله من مؤشرات على التوجه الذي قد يعتمده ترمب في الأسابيع المقبلة تجاه قضايا الشرق الأوسط.

بوادر خطة ترمب الثانية للسلام

قال ترمب هذا الأسبوع، بعد عودته إلى البيت الأبيض قادما من نيويورك: "لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية". وأضاف مؤكدا: "لقد بلغ الأمر حدّه. آن الأوان لوضع حدّ لذلك".

السياق يفرض التذكير بأمرين مهمين. أولا، درج رؤساء الولايات المتحدة على تحديد "خطوط حمراء" في محطات سابقة، إلا أنهم أخفقوا مرارا في الوفاء بتعهداتهم.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما صرّح به الرئيس الأميركي باراك أوباما في بدايات الحرب الأهلية السورية، حين اعتبر أن استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية سيشكّل "خطا أحمر" يؤدي إلى "عواقب هائلة"، قد تدفعه إلى إعادة النظر في موقفه من التدخل العسكري الأميركي المباشر في ذلك الصراع الدموي.

غير أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيماوية مرارا ضد شعبه، من دون أن تواجه إدارة أوباما الأمر برد واضح أو فعّال، ما أرسل رسالة صارخة إلى أنحاء الشرق الأوسط حول حجم التردد والشكوك التي باتت تحيط بالدور الأميركي ومراميه في المنطقة.

اعتاد ترمب إطلاق تصريحات حول قضايا مختلفة من دون أن تقترن بسياسات واضحة أو خطوات عملية

ثانيا، اعتاد ترمب إطلاق تصريحات حول قضايا مختلفة من دون أن تقترن بسياسات واضحة أو خطوات عملية. وغالبا ما يلجأ إلى تغييرات مفاجئة في مواقفه، كما حدث الأسبوع الماضي بشأن الحرب في أوكرانيا، حين أكد أن كييف قادرة على استعادة جميع الأراضي التي خسرتها لصالح روسيا، في تناقض صارخ مع ما كان قد أعلنه خلال الأشهر الأولى من ولايته الثانية.

ولم تعكس مواقف ترمب المعلنة ولا سياساته تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا خلال ولايته الثانية أي تقارب يُذكر مع وعوده الانتخابية العام الماضي، حين ادّعى قدرته على إنهاء الحرب في يوم واحد فقط. وهو ما يجعل وعوده المتكررة تفتقر إلى المصداقية، خاصة في ظل تقلباته المستمرة، ما يجعل تصريحه حول الضم عديم الجدوى، خاصة إن لم يصاحبه تحوّل فعلي في السياسات.

ولأن الأفعال أبلغ من الأقوال، فإن الاجتماع الذي عقده ترمب هذا الأسبوع مع عدد من القادة العرب والمسلمين، لعرض ملامح خطة سلام تتعلق بغزة، قد يكون أكثر دلالة من تصريحه المعارض لضم إسرائيل للضفة الغربية.

أ.ف.ب
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مداخلته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 26 سبتمبر

وقد جاء هذا الاجتماع في الأسبوع ذاته الذي نظّمت فيه فرنسا والسعودية ودول أخرى جلسة للاعتراف بدولة فلسطين، وهي خطوة قوبلت بالرفض من إدارة ترمب. وإذا استُخدمت الخطة التي يُقال إنها تتألف من 21 نقطة، وتتناول ملامح المرحلة المقبلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، خصوصا في ما بعد الحرب على غزة، كأساس لإشراك عدد من الدول المحورية في الشرق الأوسط– بما في ذلك اللقاء المرتقب بين ترمب ونتنياهو– فقد يسهم ذلك في إحياء الأمل بإنهاء هذه الحرب المروعة، ويفتح الطريق أمام اتفاق سلام دائم.

خطر الحرب التي لا نهاية لها

بصرف النظر عمّا قد يسفر عنه اجتماع ترمب ونتنياهو، فإن واقعا جديدا بدأ يتبلور فعليا على الأرض، في كل من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

ففي غزة، تواصل القوات العسكرية الإسرائيلية تنفيذ عملياتها الرامية إلى القضاء على ما تبقى من حركة "حماس" وتقويض قدرتها على تهديد إسرائيل، فيما تتصاعد الكلفة البشرية لهذه العمليات يوما بعد يوم. وتُنفَّذ هذه العمليات في ظل غياب إجابات علنية واضحة عن الأسئلة المحورية المتعلّقة بكيفية إنهاء الصراع، والجهة التي ستتولى إدارة هذه المناطق وتوفير الاحتياجات الأساسية لسكانها.

وفي غياب رؤية سياسية واضحة لنهاية هذا الصراع، تحظى بدعم الأطراف الإقليمية الفاعلة، فإن إسرائيل تُخاطر بالتورط في حرب مفتوحة الأمد، على غرار ما واجهته الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان خلال معظم العقدين الأولين من القرن الحالي. ومن هنا، فإن الأنباء المتداولة عن إعداد فريق ترمب لخطة ملموسة قد تمثل مؤشرا ذا دلالة بالغة.

font change