ارتبطت أفريقيا في الوعي العالمي بالصراعات المسلحة الداخلية لعقود طويلة. واليوم، تمتد هذه الصراعات إلى معظم أنحاء القارة، وتتفاوت في نطاقها وشدتها: من المواجهات الإقليمية في منطقة الساحل، إلى الحرب الأهلية الفعلية في السودان، مرورًا بالنزعة الانفصالية المحلية في الكاميرون، والنشاط الجهادي في موزمبيق. ورغم الخصوصيات المميزة لكل حالة، فإن ثمة سمات مشتركة تجمع بينها جميعًا.
تزداد أنشطة الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة، بقدر ما تتوسع أفعال قوات الأمن الحكومية. كما أن اتساع رقعة الجيوش الوطنية والأجهزة الأمنية، إلى جانب تشكيل الميليشيات الموالية للحكومة، يشجع على تجنيد المزيد من الجهات المسلحة غير الحكومية، ويدفعها إلى العمل بمزيد من التنسيق.
فالسياسات الحكومية الرامية إلى تفكيك القواعد والمعسكرات، وقطع قنوات الإمداد، وتعطيل الشبكات اللوجستية، تدفع القوات المعارضة إلى اتخاذ تدابير مضادة. ونتيجة لذلك، تتزايد الهجمات على الحاميات العسكرية، ويتسع نطاق السيطرة على الأراضي وطرق النقل، وتتعزز الشبكات اللوجستية، وتتعدد أساليب وقنوات الإمداد غير القانونية.
ويتدهور وضع المدنيين في مناطق النزاع بسرعة. فهم يصبحون ضحايا ليس فقط للعمليات القتالية، بل أيضًا للانهيار الاقتصادي العميق. إذ يتراجع الإنتاج، وتتضاءل التجارة، ويقيد جزئيا الوصول إلى الأراضي والمراعي والمياه، وتختفي مصادر الدخل، وترتفع أسعار السلع الأساسية. وتكتسب التحديات التي تواجه المجتمع بُعدًا وجوديا، فتدفعه إلى حافة البقاء.
وبذلك يتراجع الحراك الاجتماعي، وتنهار الروابط القائمة بين الأفراد، وتضعف المؤسسات التقليدية، وتتراجع الثقة بالدولة. وفي المقابل، يتعاظم نفوذ الجماعات المسلحة، والقادة غير الرسميين بقدر ما تضعف الدولة وآلياتها التنظيمية التقليدية.
وهناك سمة أخرى على قدر كبير من الأهمية، ترتبط ارتباطا وثيقا بما سبق، وغالبا ما يُستهان بها في الخطاب الأكاديمي والسياسي: فعلى الرغم من أن الصراعات المسلحة تستنزف موارد المناطق المتضررة، فإنها لا تقضي تمامًا على النشاط الاقتصادي. فالحياة الاقتصادية تستمر، لكنها تخضع لتحولات عميقة لتتكيف مع الواقع الجديد. إذ يُعاد تشكيل المشهد الاقتصادي في المناطق المتأثرة بالقتال: تتغير مراكز النشاط وأقطابه السابقة، وتفقد الدولة، وكذلك المؤسسات التقليدية إلى حد ما، مكانتها. وفي هذا السياق المتغير، تبرز ظاهرة اجتماعية واقتصادية جديدة: اقتصاد الصراع.
من الحقائق التي لا يمكن إنكارها أن القطاع غير الرسمي يشكّل جزءًا كبيرًا من اقتصاد الدول النامية، ويعمل هذا القطاع خارج إطار التنظيم الحكومي والإحصاءات الرسمية. ويمكن اعتباره في ظروف معينة شبه قانوني، إذ تقتصر المخالفات عادة على غياب الضرائب والاستقلال عن أجهزة الدولة التنظيمية الرسمية.
إن ضعف تطور الاقتصاد الرسمي يدفع شريحة واسعة من السكان النشطين، إلى الاعتماد على أشكال مختلفة من العمل الحر، مثل البيع في الشوارع، والحرف اليدوية، والزراعة، وقطاع الخدمات. ويؤدي الاقتصاد غير الرسمي دورا تعويضيا، إذ يخفف من أوجه الضعف المؤسسي للدولة، ويؤمّن سبل العيش الأساسية. وهو يمتلك أدوات وآليات اقتصادية خاصة، بما في ذلك النظم المالية وآليات الضمان. وبالاستناد إلى الثقة، وشبكات العلاقات الشخصية، والالتزامات المتبادلة، يساهم في الحد من مخاطر الانهيار الاجتماعي.
ويمتاز هذا القطاع بمرونة عالية وقدرة كبيرة على التكيّف، حيث يواصل نشاطه حتى في ظروف الاضطراب المؤسسي. كما أنه يمتد عبر الحدود الوطنية، ويشمل مختلف الفئات الاجتماعية، بغض النظر عن الانتماءات العرقية أو الدينية.