لا يزال الوضع الأمني في منطقة الساحل شديد الاضطراب، حيث تتواصل الاشتباكات العنيفة، في النيجر وبوركينا فاسو ومالي، مع الجماعات الجهادية والانفصالية، وتستمر الهجمات على المدن والقواعد العسكرية، مع تزايد أعداد الضحايا المدنيين.
تبذل حكومات دول تحالف الساحل جهودا متصاعدة لمواجهة هذه التحديات، فهي تكثف من توريد الأسلحة والمعدات العسكرية وتستعين بخبراء روس وأتراك ومدرّبين عسكريين، فضلاً عن مشاركة وحدات من فيلق أفريقيا الروسي في عمليات مشتركة مع الجيش المالي. كما أعلنت تلك الحكومات تعبئة إضافية، وارتفع عدد خريجي الأكاديميات العسكرية التي تُؤهل الضباط وضباط الصف.
ومع ذلك، وبسبب محدودية موارد الجيوش الوطنية، بدأت الميليشيات الموالية للحكومات– وهي تشكيلات مسلّحة غير نظامية أُنشئت تحت رعاية دول التحالف في عام 2025– تلعب دورا متزايد الأهمية في مواجهة الجماعات الجهادية.
النيجر: برنامج "غاركوار كاسا"
في 19 أغسطس/آب، أطلقت حركة "M62" (القيادة العسكرية في النيجر) برنامجا لتعبئة الميليشيات المدنية عُرف باسم "غاركوار كاسا" (أي درع الوطن)، بهدف تشكيل وحدات متطوعين لدعم الجيش، حيث يخضع المتطوعون لتدريب في العاصمة نيامي قبل نشرهم في مناطق النزاع إلى جانب قوات الأمن الوطنية.
وعلى الرغم من أن النيجر عانت في الماضي معاناة مريرة مع الميليشيات، عندما استغل المتطرفون هذه التشكيلات لتحقيق أجنداتهم، فإن ندرة الموارد تدفع السلطات اليوم إلى تحمّل المخاطر الكبرى من جديد. وتأتي النيجر متأخرة نسبيا– إقليميا– في تبنّي هذا النموذج، وهي تقتدي في حركتها بتجربة "المتطوعين للدفاع عن الوطن" في بوركينا فاسو (VDP).
بوركينا فاسو: ظاهرة "المتطوعين للدفاع عن الوطن"
تُعَدّ قوات "المتطوعين للدفاع عن الوطن (بالفرنسية: Volontaires pour la défense de la patrie – VDP) إحدى البُنى شبه العسكرية التابعة للدولة في بوركينا فاسو. وقد أُنشئت رسميا عام 2020 بمرسوم من الرئيس روك مارك كريستيان كابوري لدعم الجيش وقوات الأمن في مواجهة الجماعات الجهادية.
جاء تأسيسها بعد انتشار مجموعات دفاع ذاتي نشأت عفويًا في أنحاء البلاد. وكان عماد هذه المجموعات أخويات صيد تقليدية مغلقة، شائعة في أفريقيا جنوب الصحراء، تاريخها مرتبط بمحاربة الصيادين غير الشرعيين والعصابات المعروفة بـ"قُطّاع الطرق"، وأهم هذه الأخويات "الدوزو" أو "الدانصو".
هذا الطابع الهامشي جعل هذه الجمعيات حاضرة في النزاعات المسلحة بالقارة. فقد شارك الدوزو في حروب ساحل العاج بين عامي 2002 و2011، وفي أفريقيا الوسطى بين 2012 و2019. وفي بوركينا فاسو عُرفت الجماعة لاحقا باسم "كوغلوويغو" Koglweogo، أي حُرّاس الغابة بلغة الموري، اللغة الأم لأكبر قومية في البلاد، قومية الموسي.
دخلت التوترات التاريخية بين شعب الموسي والفولاني الرحل، المرتبطة أساساً باستخدام الأراضي، مرحلة أكثر خطورة. ووجّهت اتهامات إلى الوحدات الموالية للحكومة، التي تتكوّن أساسا من الموسي، بارتكاب انتهاكات تصل إلى حد التطهير العرقي ضد الفولاني، الذين استقطبت منهم الجماعات الجهادية معظم مقاتليها.