يمكن وصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بثقة، بأنه عصر الصراع الذي لم يسلم منه إنسان بطريقة أو بأخرى.
لنأخذ النزاع في السودان الذي يريد البعض تصويره كنزاع داخلي فقط. وعلى الرغم من ضخامته وتورط جزء كبير من المجتمع الدولي، فإن العالم الحديث ما زال يستخف بأهميته وخطورته.
الحقيقة أن الصراع في السودان قد تحول– بكل المقاييس– إلى كارثة إنسانية لكل المنطقة. فإذا قيست الأزمة بعدد القتلى والنازحين، لدينا في السودان أكثر من 150 ألف قتيل. وإذا اتخذنا التهجير القسري، فلدينا نحو ثلاثة عشر مليون مشرد، ناهيك عن الجوع والأمراض اللذين جعلا حوالي 30 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية (بما في ذلك أكثر من 3.5 مليون طفل). هذه الأرقام تجعل الصراع في السودان يتجاوز كثيرا من الصراعات المعاصرة، ويضاهي من حيث الحجم الحرب في أوكرانيا.
منذ أبريل/نيسان 2023، والقوات المسلحة السودانية، الممثلة بالحكومة والمجلس السيادي الانتقالي بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، و"قوات الدعم السريع" شبه العسكرية، بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، منخرطان في صراع ضار من أجل السلطة والسيطرة على المناطق الاستراتيجية في البلاد.
وتستمر الأوضاع العامة في التدهور وسط قتال عنيف لا هوادة فيه، وتتصاعد عمليات القتل خارج نطاق القضاء والإعدامات الجماعية والتطهير العرقي والنهب وانتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان. وفوق ذلك، يتسبب الصراع في تفكك السلطة وبروز جماعات مسلحة صغيرة، ما يزيد من عدم الاستقرار في السودان وعلى نطاق أوسع في المنطقة.
وجد المجتمع الدولي نفسه منخرطا في الصراع بدرجات متفاوتة. فبينما تتورط بعض الدول بشكل علني، تعلن دول أخرى حيادها، ولكنها تشارك بنشاط من خلال توريد المعدات العسكرية والأسلحة، ونشر المدربين العسكريين، وتسهيل تجنيد المرتزقة، وتقديم المساعدات الإنسانية، واستضافة اللاجئين وشحنات الإغاثة. من بين هذه الدول إثيوبيا وإريتريا وكينيا، وهي دول جارة للسودان ومن المفترض أن تلعب دور الوساطة، ولكنها منجذبة إلى الصراع.