مرصد الأفلام... جولة على أحدث عروض السينما العربية والعالمية

مرصد الأفلام... جولة على أحدث عروض السينما العربية والعالمية

نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إنتاجات السينما العربية والعالمية، ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطل شهريا، دليلا يجمع بين العرض والنقد لجديد الشاشة الكبيرة، على أن تتناول الأفلام الجماهيرية والفنية، من الأنواع كافة، بالإضافة إلى إعادة تقديم فيلم من ذاكرة السينما الكلاسيكية.

ضد السينما

سيناريو وإخراج: علي سعيد

بلد الإنتاج: السعودية

بعد عرضه الأول في الدورة الأخيرة من "مهرجان القاهرة السينمائي"، كان من المتوقع أن يكون للفيلم السعودي "ضد السينما" نصيب من جوائز هذا العام، وبرغم انتمائه إلى السينما التسجيلية، ذلك النوع الذي يواجه في الغالب عزوفا جماهيريا، وبخاصة مع امتداد زمنه إلى ساعتين، فقد استُقبل بحفاوة لافتة، قبل أن يتوج بالجائزة الخاصة للجنة تحكيم مسابقة آفاق السينما العربية. الفيلم من تأليف وإخراج الكاتب والمخرج علي سعيد.

درس سعيد الإعلام وعمل في الصحافة قبل انتقاله إلى الإخراج، كما خاض تجارب في الكتابة الأدبية وكتابة السيناريو، لذا ليس بمستغرب أن يمزج في سرده بين تقنيات سينمائية وأدبية متنوعة، في قالب يقترب من التحقيق الصحافي الاستقصائي، في صوغ درامي بصري.

يُستهل الفيلم بصوت الراوي يخبرنا: "بين ما يقال وما لا يقال تولد الحكاية... وبين ما يرى وما لا يرى يولد الفيلم"، ثم ينطلق في رحلة تبدأ عام 1918، الذي شهد المحاولات الأولى لعرض الأفلام في جدة من طريق أحد الفرنسيين، كأول العروض السينمائية في الجزيرة العربية.

خلال هذا المسار الطويل، يوضح لنا العمل كيف تعرضت السينما في السعودية لدورات متتابعة من الانقطاع والعودة، كان آخرها الانقطاع الطويل الذي تلا حادثة الحرم عام 1979، والذي أدى إلى غياب الفن السابع عن المملكة لأكثر من ثلاثة عقود. ومع فتح باب التراخيص لدور العرض في 2017، دارت عجلة الصناعة في تصاعد ملحوظ، إذ ارتفع عدد الشاشات اليوم إلى نحو 700 شاشة عرض، موزعة على المناطق كافة.

ضم الفيلم مساحات واسعة من مواد أرشيفية تمثل مختلف السينمات، العربية والعالمية، ناهيك عن أرشيف الصحف والمجلات والمقاطع الصوتية، مما صعب مهمة عملية المونتاج، خصوصا في ضبط الإيقاع. مع تحد من هذا النوع، كان لا بد من الاستعانة بفريق نجح في ترويض هذا التداعي، هما أحمد الجارودي وحمزة التونسي.

في مدينة محاصرة ومتهالكة، تتجول عدسة الفيلم بين شوارع غزة سنة 2007، مع بداية إعلان الحصار على القطاع، متتبعة حكاية عادية وبسيطة لصديقين

في الرياض كانت تعرض الأفلام بداية الستينات يوم الخميس من كل أسبوع، من خلال ما عرف بالأحواش، مثل حوش بن لادن وأحواش جدة وحي المربع. تراوح سعر التذكرة آنذاك بين ريال أو ريالين، وفي المقابل، كان فؤاد جمجوم يعرض الأفلام في صالات مخصصة للعائلات، قبل أن يتجه إلى صناعة الأفلام كواحد من رواد الإنتاج السعودي. يذكر أن شركة "جمجوم للأفلام" أنتجت عددا كبيرا من الأفلام المصرية، من بينها، "رمضان فوق البركان" و"الصبر في الملاحات".

كما يأتي الشاعر والسينمائي السعودي أحمد الملا ضمن ضيوف الفيلم، ليس بصفته رئيس مهرجان "أفلام السعودية" فحسب، بل كواحد ممن خاضوا مواجهات مع التيار المتشدد. بينما يعمل الملا وفريق المهرجان حاليا على وضع برنامج الدورة الثانية عشرة، يستعيد مشاهد حدثت ذات يوم في النادي الأدبي بالدمام بداية الألفية، مع إعلان عرض أحد الأفلام السينمائية. حينها، اعترضت إدارة النادي على مشهد في الفيلم، يظهر زوجين في عناق وداع، وكان على الملا الخيار بين حلين، إما قص اللقطة كما اقترح أحد أعضاء المجلس، على طريقة المراقب في فيلم "سينما باراديزو"، وإما أن يتحايل على الموقف، وهو ما كان، لصعوبة عملية الحذف تقنيا.

اتفق الملا مع مشغل الفيلم أن يدوس على ذر الانتقال عند بداية اللقطة، محددا له التوقيت بالثانية، إلا أن الرجل أخطأ وضغط على الإيقاف ما نتج منه تثبيت صورة العناق على الشاشة، الأمر الذي أفضى إلى ثورة من الجماعة، كادت تفتك بالمكان لولا تدخل الجهات الأمنية.

مع انتقال الحراك من الدمام إلى جدة، شهدت المدينة انطلاق مهرجان جدة للعروض المرئية، كأول تظاهرة من نوعها في المملكة. إلى جانب هذا، يتطرق الفيلم إلى عدد من المحطات المستقلة المهمة في الحراك السينمائي برزت خلال الربع قرن الفائت، مثل مواقع الأفلام العربية ومجموعات محبي السينما من جيل يستحق أن تروى قصته، كما يرد على لسان الراوي، أحد أبناء هذا الجيل من الثمانينات الذين نشأوا على حب السينما دون وجود صالات عرض، مما جعل البعض يقطع أحيانا خمسمئة كيلومتر لمشاهدة فيلم.

اكتملت النسخة النهائية لفيلم "ضد السينما" في سبتمبر/أيلول الماضي، فيلم بنار الفرن كما يقال، إلا أن مراحل العمل استغرقت ما يزيد على ست سنوات. بدأت عام 2019 حين حصل على دعم مبادرة مركز "إثراء"، واقتنص الجائزة من بين أكثر من 400 مشروع مقدم.

كان يا ما كان في غزة

تأليف: عامر ناصر وماري لوغراند، بمشاركة المخرجين

إخراج: عرب وطرزان ناصر

بلد الإنتاج: فلسطين، فرنسا

ما إن عرض فيلمهما البديع "غزة مونامور" سنة 2020، حتى لفت الأخوان عرب وطرزان ناصر انتباه الكثير من محبي السينما وعشاقها، مما خلق شغفا في مراحل تالية، خصوصا مع الحديث عن فيلمهما التالي. وقد ثبت بالدليل أن الأنظار تتجه طواعية إلى العمل اللاحق، لا سيما إذا كان على هذا القدر من الجمال والتكامل الفني والأداء الاستثنائي للفنان الفلسطيني الكبير سليم ضو.

في فيلمهما الجديد، "كان يا ما كان في غزة"، يرسخ الأخوان خطوة مضافة لمشروعهما الغزاوي في ثلاثية غزة، حتى الآن على الأقل، فقد أشارا في حوار اخيرا، إلى أن مشروعهما المقبل سيكون بعنوان "غزة للأبد"، كما يمكن اعتبار فيلمهما القصير، "كوندوم ليد" 2013 امتدادا أوليا للمشروع.

يبدأ الفيلم بإعلان لفيلم "الثائر البطل"، أول فيلم "أكشن" في غزة من بطولة يحيى ناصر، كما تخبرنا العناوين، "قصة كفاح شعب تحت الاحتلال". بروح كاريكاتورية، يقدم السيناريو مستقبل بطله، ساخرا من فكرة البطولة كلية، فالبطل هنا يذكرنا بداستن هوفمان في فيلم "Hero"، صاحب البطولة المجانية وليدة المصادفة. أضف إلى ذلك، تاريخ تجارته المشبوهة. يرسخ الفيلم هنا عبثية البحث عن بطولة في واقع كهذا، معيدا تفكيك مفهوم البطولة من الأساس، الذي يشبه البحث عن إبرة في كومة قش، حيث تتوارى كل صور البطولة أمام نضال من نوع مختلف، تحكمه مصلحة الجماعة لا الفرد.

كان من الجيد أن يعود "العراب" في دور أكثر رحابة بعد تكرار ظهوره بشكل عابر أو بالمشاركة في أفلام متواضعة

في مدينة محاصرة ومتهالكة، تتجول عدسة الفيلم بين شوارع غزة سنة 2007، مع بداية إعلان الحصار على القطاع، متتبعة حكاية عادية وبسيطة لصديقين، أسامة- مجد عيد و"يحيى -نادر عبد الحي، يتخذان من عملهما في محل شعبي لبيع الفلافل، ستارا لتجارة الحبوب المخدرةز ينقلب الحال حين يصطدمان بضابط الأمن المنحرف، أبو القاسم- رمزي مقدسي.

Easy's Waltz

سيناريو وإخراج: نيك بيتزولاتو

بلد الإنتاج: الولايات المتحدة

قيل إنه واحد من أكثر الممثلين إقناعا في تاريخ السينما. لم يكن دوره الاستثنائي مطلع السبعينات في ملحمة "العراب"، سوى انطلاقة لأدوار لاحقة، منها ما هو أكثر عبقرية، نسج من خلالها آل باتشينو بصمة مميزة لا يخطئها السمع قبل العين، يمتد أثرها لما يزيد على خمسة عقود بتوقيع النجم الكبير. شارك باتشينو اخيرا بطولة الفيلم الأميركي "Easy's Waltz"، تأليف وإخراج الروائي وكاتب السيناريو نيك بيتزولاتو في باكورة تجربته الإخراجية. الفيلم من بطولة فينس فون وسيمون ريكس، وتنطلق أحداثه من أشهر مدينة قمار في العالم، لاس فيغاس.

قبل نحو شهرين، شهد "مهرجان تورونتو السينمائي" العرض الأول للفيلم ضمن برنامج العروض الخاصة، في دورة اليوبيل الذهبي للمهرجان. وسابقا، نجح المخرج في لفت الانتباه من خلال مسلسل الإثارة الدرامي "True Detective"، محققا من طريقه جماهيرية يبدو أنها كانت كفيلة بدفعه الى خوض تجربته الأولى، خصوصا أنه يشارك في إنتاجها، مما يزيد خطورة المغامرة. وبرغم الطابع التجاري الغالب على مساحات كبيرة من الفيلم، تبقى للأفلام المستقلة أهمية خاصة، حيث تعد هذه التجارب، في مختلف اتجاهاتها، متنفسا حقيقيا لصناعة تحكمها قوانين متغيرة، من هنا يمكن اعتبار فيلمنا هذا احدى هذه التجارب.

كان من الجيد أن يعود "العراب" في دور أكثر رحابة بعد تكرار ظهوره بشكل عابر أو بالمشاركة في أفلام متواضعة، في موسم هذا الخريف، مثل: "In the Hand of Dante" أو "Dead Man'sWire".

في "Easy's Waltz" يجسد آل باتشينو شخصية ميكي ألبانو، أحد العرابين القدامى في عالم الترفيه، الذي يعجب بموهبة إيزي، مغني صالات متقاعد، رغم أنه في منتصف العمر. تتاح أمامه فرصة لتوزيع عدد من الأغنيات على امتداد الحكاية، وهو يملك مطعما متعثرا ويبدو عالقا في حياة لا تليق بأحلامه القديمة. من خلال صفقة، بطابع فاوستي واضح، يعرض عليه أن يعيده إلى الأضواء ويصنع منه نجما، لكن على طريقته القديمة. هكذا تتحول رحلة الصعود المتأخر إلى اختبار مزدوج للموهبة ولقدرة إيزي على مصالحة ذاته قبل المصالحة مع الاتفاق المبرم.

 

Papa Buka

سيناريو: دانيال جونردهاجت، بمشاركة المخرج

إخراج: بيجوكومار داموداران

بلد الإنتاج: الهند، بابوا غينيا

منذ شهرين تقريبا، احتفلت بابوا غينيا الجديدة باليوبيل الذهبي لاستقلالها. تزامن الحدث مع إعلان ترشح فيلم سينمائي يمثلها للمرة الأولى في التنافس على جوائز الأوسكار، في الدورة الثامنة والتسعين 2026، مما زاد استثنائية اللحظة، حتى إن رئيس لجنة اختيار الأفلام في بابوا غينيا الجديدة، دون نايلز، علق قائلا: "إنها لحظة تاريخية لسينما بابوا غينيا الجديدة"، مضيفا، "يجسد فيلم Papa Buka قصصنا وتقاليدنا وصوتنا الفني، نحن فخورون بتقديمه الى العالم من خلال منصة جوائز الأوسكار".

ينبش داموداران عن تجربة غير مألوفة في تاريخ بابوا غينيا الجديدة، مستحضرا مشاركة الجنود الهنود في الحرب العالمية الثانية على أراضي الجزيرة

الفيلم من إخراج بيجوكومار داموداران، المعروف باسم الدكتور بيجو، أحد أشهر الأسماء في السينما الهندية المعاصرة. في عام 2007 عرض فيلمه الأول Saira ضمن فعاليات الدورة الستين من "مهرجان كان السينمائي"، الذي يمزج في أسلوبه بين الواقعية والحس الشعري، فيما تركز غالبية أفلامه على موضوعات إنسانية مثل المساواة بين الجنسين والعدالة البيئية وحقوق المجتمعات المهمشة. من أشهر أفلامه: "أشجار تحت الشمس"، "لوحة الحياة"، "الطريق إلى المنزل". إلى جانب صناعة الأفلام، يمارس بيجو الطب البديل في كيرالا.

في فيلمه الجديد، ينبش داموداران عن تجربة غير مألوفة في تاريخ بابوا غينيا الجديدة، مستحضرا مشاركة الجنود الهنود في الحرب العالمية الثانية على أراضي الجزيرة، وما تتركه مثل هذه الحقب من أثر على المجتمعات المحلية، بأسلوب يجمع بين الواقعية التاريخية والمعالجة الإنسانية للشخصيات. كذلك تعكس اللغة البصرية في الفيلم عمق البيئة الطبيعية والاجتماعية للجزيرة، مع توظيف الإيقاع واللقطات الطويلة لإتاحة مساحة للتأمل، مما يمنح المشاهد فرصة لاستكشاف أثر الماضي على حاضر مجتمع صغير، مع الاحتفاظ بروح السينما المستقلة.

يشارك في البطولة عدد كبير من الأسماء، منهم، سين بوبورو، ريتاباري تشاكرابورتي، براكاش بير. ويشير فريق الإنتاج إلى أن ما يزيد على 60 في المئة من طاقم العمل من النساء، الأمر الذي جعل المشروع يُقدم كنموذج فعلي للشمول والتمكين، بحسب ما تؤكده المنتجة الهندية وونوم.

Egghead Republic

سيناريو: أرنو شميدت، بمشاركة المخرجين

إخراج: بيلا كاجيرمان، هوغو ليليا

بلد الإنتاج: السويد

يقدم فيلم "Egghead Republic"، للثنائي السويدي بيلا كاجيرمان وهوغو ليليا، اللذين تربطهما شراكة فنية وزوجية في الوقت نفسه، عملا لا يتجاوز تسعين دقيقة، يمزج بين عالم الخيال العلمي وأجواء السخرية السياسية، منطلقا من فرضية ديستوبية تتصاعد فيها توترات الحرب الباردة بين القطبين الأشهر، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، روسيا في ما بعد.

الفيلم مأخوذ عن رواية "جمهورية البيض" للكاتب الألماني أرنو شميدت المنشورة سنة 1957. يتعامل السيناريو مع مادته الأدبية بقراءة نفسية، تركز على عبثية السلطة واستغلالها لأحلام البسطاء أو اليائسين، مجسدا هواجس الذعر النووي التي تضع الإنسان المعاصر في حالة من القلق الدائم على حدود الانفجار.

في جو أشبه بالهلوسة الدماغية، تتقاطع فيه العديد من المشاهد الحلمية كأنها تدور في لاوعي البطلة، تكلف صحافية شابة وطموحة، سونيا-إيلا راي رابابورت، السفر إلى كازاخستان السوفياتية بعد أن تحولت إلى منطقة مشعة تعج بالشائعات، وذلك لتغطية هذه الظاهرة لصالح إحدى الإمبراطوريات الإعلامية، بحثا عن مزيد من الإثارة. ومع معاونة من دينو- تايلر لابين، يبدأ البطلان في تحدي مرافقيهما العسكريين، متوغلين في المنطقة لاستكشاف هذه الكائنات المتحولة. حينئذ، وكما هو متوقع، تخرج الأمور عن السيطرة تماما، مما يزيد جرعة الهزل السوريالي المطعم بنقد لاذع للمتجمع الإعلامي.

نجح المخرجان في خطف انتباه المشاهد بصور غارقة في لون برتقالي كثيف، أقرب الى عالم يقع بين الحياة والعدم، بينما تتصاعد رمال انفجار نووي

منذ اللقطات الافتتاحية، نجح المخرجان في خطف انتباه المشاهد بصور غارقة في لون برتقالي كثيف، أقرب الى عالم يقع بين الحياة والعدم، بينما تتصاعد رمال انفجار نووي لتغطي على أشباح مخلوقات غامضة تحاول الفرار خارج الكادر. ورغم الميزانية المنخفضة للفيلم، أظهر الثنائي قدرتهما على ترويض الإمكانات المحدودة.

تميز الفيلم أيضا بقدرته على تفكيك العلاقة بين الثالوث المعروف (الصحافة، السلطة، الجمهور)، رغم أن النهاية جاءت أقل قوة من المتوقع. هذه التجربة هي الثانية الروائية الطويلة للثنائي، بعد فيلم "Aniara" 2018، الذي ينتمي أيضا إلى نوعية الخيال العلمي، ويتتبع رحلة فلسفية وجودية لسفينة فضائية تنقل مستوطنين إلى المريخ، لكنها تنحرف عن مسارها، مما يدفع الفريق الى التأمل وإعادة التفكير في مكانه ضمن هذا الكون الشاسع.

 من ذاكرة السينما

يوميات نائب في الأرياف

سيناريو: ألفريد فرج، بمشاركة المخرج

إخراج: توفيق صالح

بلد الإنتاج: مصر

تمر هذه الأيام الذكرى العشرون على رحيل الكاتب المصري ألفريد فرج، المولود في الرابع عشر من يوليو/حزيران سنة 1929. اشتهر فرج كواحد من ألمع كتاب المسرح المصري الحديث، إلا أن هذا لم يمنعه من مشاركة المخرج توفيق صالح في كتابة سيناريو فيلم "يوميات نائب في الأرياف"، عن الرواية الشهيرة لتوفيق الحكيم. عرض الفيلم للمرة الأولى سنة 1969، الرقم نفسه (69) الذي يحتله في الترتيب ضمن قائمة أهم مائة فيلم مصري، وضم فريق مساعدي الإخراج آنذاك، اثنين سيصبحان من أشهر مخرجي السينما المصرية لاحقا، خيري بشارة ونادر جلال.

يبدأ الفيلم بالليلة الأولى من الليالي الاثنتي عشرة التي خطها الحكيم في روايته، "نمت في تلك الليلة، وأنا أسأل الله أن ينيم الغرائز البشرية في هذا المركز بضع ساعات". غير أن حادثة طارئة لمقتل قمر الدولة علوان، تشعل الليلة وما تبعها من أيام، نتعرف من خلالها الى أوجه عديدة وطبقات متراكمة من التدهور الاجتماعي في ريف مصر خلال ثلاثينات القرن الماضي. سبق لتوفيق صالح أن تناول عالم القرية في فيلم "صراع الأبطال" 1962، بطولة شكري سرحان وسميرة أحمد، راصدا تبعات ظهور وباء الكوليرا في إحدى القرى، فترة الأربعينات.

حفل فريق التمثيل في اليوميات بعدد من الأسماء من بينهم توفيق الدقن وعايدة عبد العزيز ونبيلة السيد وشفيق نور الدين، بمشاركة مميزة للفنان المتعدد المواهب عبد العظيم عبد الحق في دور عصفور، مبروك القرية. فيما جسد أحمد عبد الحليم شخصية النائب، أو الحكيم نفسه. ومن خلال منظور اشتراكي تبناه توفيق صالح في معظم أفلامه، يطرح تتر المقدمة تقسيمة للشخصيات لمستويات ثلاثة، تبدأ بالإدارة، يمثلها المأمور والعمدة والمعاونون وهو الطرف المتهم دوما بالتلاعب بالمصلحة العامة من أجل مكاسب شخصية، يليهم فريق رجال القضاء، المنشغلين بتوافه القضايا على شاكلة سرقة كوز ذرة أو تهمة الاستحمام في مياه الترعة. فيما يحتل الشعب المستوى الأخير، كونه محل النزاع الرئيس في معادلة تحقيق العدالة بين شقي القانون وقوة تنفيذه. في مشهد دال يعلق البطل قائلا: "هكذا تضعف قبضة النيابة، أمام عبث الإدارة".

رسم صالح مشروعه الفني، ولم يكن ذلك في معزل عن توجهه السياسي الذي تجلى في كل أفلامه، مما جعله يخوض عددا من الحروب والمضايقات على أكثر من جبهة

رحل توفيق صالح قبل أن يبلغ التسعين بقليل. ورغم هذا العمر، فإن رصيده من الأفلام محدود جدا، انطلق منتصف الخمسينات ومع بداية عقد الثمانينات ابتعد عن الصناعة، لكنه لم يغب عن المشهد. برؤية مغايرة عن معاصريه، رسم صالح مشروعه الفني، ولم يكن ذلك في معزل عن توجهه السياسي الذي تجلى في كل أفلامه، مما جعله يخوض عددا من الحروب والمضايقات والتعنت على أكثر من جبهة، بداية من صناع السينما أنفسهم، حيث وصف بعضهم سينماه بالفذلكة والتعالي، أما هو فأكد في أكثر من لقاء أن السينما أداة تغيير لا تكريس لتخلف الواقع ودغدغة مشاعر الجماهير قبل النوم، "مع كل الأماني الطيبة بأحلام سعيدة"، على حد قوله.

https://www.youtube.com/watch?v=KVMqip3VPns

font change