أثار الإعلان عن توصل إسرائيل و"حماس" إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح ما تبقى من الرهائن الإسرائيليين موجة من الفرح المفهوم على جانبي الصراع.
غير أن الطريق ما زال طويلا أمام الطرفين إذا كان لهذا الاتفاق أن يشكل بداية حقيقية لإنهاء نزاع دام عامين وأودى بحياة ما يقارب 67 ألف فلسطيني.
في غزة، استقبل السكان الخبر بمظاهر ابتهاج تعكس تطلعهم إلى نهاية معاناتهم الطويلة، فيما عمّت أجواء مماثلة تل أبيب، حيث احتشد الإسرائيليون في "ساحة الرهائن" التي تحولت إلى رمز لمعاناة الأسرى ومركز للحراك الشعبي المناهض للحرب.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي استثمر جزءا كبيرا من رصيده السياسي في الدفع نحو الاتفاق، بدا متفائلا كعادته حين بدأت تتكشف تفاصيل التفاهم بعد أيام من المفاوضات المكثفة في مصر.
كان ترمب يعقد مؤتمرا صحافيا حول قضايا داخلية حين قاطعه وزير الخارجية ماركو روبيو ليبلغه نبأ التوصل إلى الاتفاق، فسارع الرئيس إلى إعلان الخبر بفخر على منصته قائلا: "أنا فخور جدا بأن أعلن أن إسرائيل و"حماس" قد وافقتا معا على المرحلة الأولى من خطة السلام التي قدمناها. هذا يعني أن جميع الرهائن سيُطلق سراحهم قريبا جدا، وأن إسرائيل ستسحب قواتها إلى خط متفق عليه كخطوة أولى نحو سلام قوي، دائم، وأبدي".
ويُعتقد أن حماسة ترمب لإنجاز الاتفاق بهذه السرعة كانت مدفوعة بأمله في أن تُكلل جهوده بالحصول على جائزة نوبل للسلام هذا العام، المنتظر إعلانها يوم الجمعة.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن الحديث عن الجائزة قد يكون سابقا لأوانه، إذ لا تزال بنود عديدة من خطة السلام التي طرحتها إدارته قيد التفاوض ولم تُحسم بعد.
مارس ترمب ضغوطا قوية على قيادة "حماس"، محذرا من أن الحركة ستواجه "إبادة كاملة" إذا رفضت الموافقة على الاتفاق
ورغم ذلك، لم يتردد ترمب في نسب الفضل لنفسه في هذا التطور، إذ قال في مقابلة مع وكالة "رويترز": "العالم بأسره اجتمع على هذا الأمر، إسرائيل، وكل الدول، اجتمعت على هذا. لقد كان يوما رائعا. يوم رائع للجميع".
ولا شك أن تدخل ترمب في المفاوضات التي بدأت حين أعلن عن خطته المؤلفة من عشرين بندا لإنهاء النزاع خلال لقائه الأخير برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، ترك أثرا واضحا، خصوصا في إصراره على الضغط على الزعيم الإسرائيلي لوضع حد للقتال.
وكانت التوترات بين ترمب ونتنياهو قد تصاعدت بعد محاولة إسرائيل الشهر الماضي اغتيال كبار مسؤولي "حماس" في قطر، وهي الدولة التي أدت دورا محوريا في محادثات وقف إطلاق النار. وقد أصر ترمب حينها على أن يقدّم نتنياهو اعتذارا رسميا للقطريين عن تلك العملية، ضمن بنود خطة السلام ذات العشرين بندا.
وفي المقابل، مارس ترمب ضغوطا قوية على قيادة "حماس"، محذرا من أن الحركة ستواجه "إبادة كاملة" إذا رفضت الموافقة على الاتفاق.
وبموجب التفاهم الذي توصّل إليه الوسطاء في مصر، ستفرج "حماس" عن عشرين رهينة إسرائيليا يُعتقد أنهم ما زالوا على قيد الحياة بدءا من يوم الاثنين، كما ستُسلّم رفات ما يصل إلى ثمانية وعشرين إسرائيليا متوفى يُعتقد أن فصائل مختلفة تحتفظ بها.
في المقابل، ستطلق إسرائيل سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من سجونها، وستبدأ بالانسحاب من أجزاء من غزة، مع مضاعفة حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع.
ورغم أن هذه الخطوات، إذا نُفذت كما هو متفق عليه، تمثل اختراقا مهماً في الجهود الرامية إلى إنهاء سفك الدماء في غزة، فإن الطريق نحو تسوية دائمة لا يزال مليئا بالعقبات.
فعلى الرغم من التفاهم على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن، فلم يتم حتى الآن حسم عدد من القضايا الجوهرية في خطة السلام ذات العشرين بندا، وعلى رأسها مطلب واشنطن بنزع سلاح "حماس".
ولا يزال قادة الحركة يخشون أن نتنياهو لا يعتزم فعليا إنهاء العمليات العسكرية بمجرد الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين المتبقين، خصوصا وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يُبدِ حتى الآن أي إشارة إلى استعداده لوقف الحرب بعد عودة جميع الرهائن.
وسيشكّل هذا التطور تحديا حقيقيا لـ"حماس"، إذ إن تحرير جميع الرهائن يعني خسارتها ورقة تفاوضية أساسية في أي محادثات مستقبلية حول مصير غزة. ولهذا طالب مفاوضوها بضمانات واضحة بأن لا تُستأنف الحملة العسكرية الإسرائيلية بعد الإفراج عن الرهائن.
أما بالنسبة لنتنياهو، فإن عودة جميع الرهائن ستضعه أمام معادلة سياسية دقيقة. فإصراره على مواصلة الحرب حتى تحقيق ما يسميه "الانتصار الكامل" على "حماس" لم يعد يحظى بتأييد واسع داخل إسرائيل، حيث يزداد السخط الشعبي من استمرار النزاع. وأي عودة إلى العمليات العسكرية بعد صفقة الإفراج لن تؤدي سوى إلى تعميق عزلة إسرائيل دوليا، خصوصا في واشنطن، حيث يسعى ترمب إلى ترسيخ صورته كصانع للسلام في الشرق الأوسط.
وثمة عامل آخر لا يقل أهمية في حسابات نتنياهو، وهو الحفاظ على تماسك ائتلافه الحاكم. فالأحزاب اليمينية المتطرفة المشاركة في الحكومة هدّدت بالانسحاب إذا لم تكن راضية عن نتائج المفاوضات. ورغم أن القانون الانتخابي الإسرائيلي ينص على إجراء الانتخابات في موعد أقصاه أكتوبر/تشرين الأول 2026، فإن فشل نتنياهو في احتواء أزماته الائتلافية قد يدفع البلاد إلى انتخابات مبكرة.
لذلك، وعلى الرغم من موجة التفاؤل التي رافقت إعلان الاتفاق في القاهرة، فإن الطريق إلى سلام مستدام لا يزال محفوفا بالتحديات، ولن يكون من السهل وضع نهاية نهائية لهذه الحرب الطويلة في غزة.