الوطن هو الأرض والانتماء والحياة والانتساب، وهو حالة من تقاسيم الحياة وروحها، وهو المكان الذي يرتبط به الإنسان روحيا وثقافيا وجغرافياً. وهو ليس مجرد قطعة من الأرض، بل هو المكان الصغير والمتسع الذي يعيش وينشأ فيه الإنسان، ويشعر بالانتماء إليه، ويشمل قضايا مادية وأخرى معنوية، ومن هنا جاءت كلمة وطن.
وهو الهوية والانتماء الذي يربط الإنسان بأرضه، وبشعبه وتاريخه، ويتكلم بلغته، ويهتم دائما بالشعور والحنين له، لأن الإنسان هو نتاج بيئته ووطنه، وارتباطه بأرضه وشعبه وتاريخه وثقافته. والوطن ذلك المكان الذي ترعرع فيه الإنسان وتكاثر فوق أرضه وتزايدت أجياله جيلا بعد جيل، ونما الحب له مع تتابع هذه الأجيال، وهو الذي يشعر فيه أن له قيمة مادية ومعنوية وله ارتباط عضوي لكل ما فيه، فهو ينتمي لسكنه ولبيته وقريته، ولمدنه والبوادي التي فيه، ومناظره الخلابة من غابات وجبال شامخة، وصحرائه الواسعة ورماله وواحاته وبساتينه، وما تطرحه الأرض، وما تعطيه الحياة الفطرية من مزايا لهذه الأرض، وكلٌّ يهوى وطنه كما يحب ويشتهي، ولا مقياس محددا لمعرفة موجة الانتماء والحب والعشق لهذا الوطن من ذاك، فكل وطن له محبوه، وله عاشقوه، وله مريدوه، وله من يتحسس لشعور داخلي محبة ومودة ولا يريد غيره بديلا.
والأوطان هذه تحكمها علاقة غير مفهومة ولا يمكن حتى قياسها، ولكن يمكن التعبير عنها لأنها ذات خصوصية تختلف من شخص لآخر، ومن مجموعة لأخرى، ولكن حب الوطن هو إيمان داخلي، يحس به من لديه قابلية الانتماء ومحدداته متوارثة ومتعايشة، وليست ذات نسق واحد أو مدلولات واحدة، فلكل وطن شعبه، ولكل شعب وطن، وهو حالة واستمرارية، وتتعلق إما بالفطرة، أو مكتسبة، واستمرارية هذا تكون على الدوام، ولأن من الضرورة أن يشعر الإنسان والناس أن لهم أوطانا يحملون جيناتها الوراثية، ويزدادون تألقا بها وشعورا دائما بأنها هي، وهي تلك العلاقة الدائمة بين الإنسان وبيئته مهما امتد به الاغتراب، ولا يتم تقدير الوطن والحنين إليه إلا في حالة الاغتراب أو البعد أو الفقدان، ولكن ما أصعب أن يفقد الإنسان وطنه لأن قيمته تهتز، وشعوره ينكفئ، وحياته تكون غير مستقرة، لأن الوطن يعطي للإنسان حالة الاستقرار، ويشعره دائما بأنه في خاطره، وفي حياته أنّى اتجه أو سافر، أو تغرّب، لذلك يقول الشاعر: ولي وطن آليت أن لا أبيعه/ وأن لا أرى غيري له مالكا.