الطاقة الشمسية مرحلة جديدة في مسار التحول الأخضر في قطر

مقومات مثالية وفرص واعدة في مقابل بطء تنظيمي وغياب الحوافز

المجلة
المجلة

الطاقة الشمسية مرحلة جديدة في مسار التحول الأخضر في قطر

يقف قطاع الطاقة في قطر على أعتاب مرحلة مهمة اليوم. فبعد أن تميزت بهيمنتها على الغاز الطبيعي المسال لعقود طويلة، تتجه الدولة الآن نحو تنويع مصادر الطاقة باتخاذ خطوات مدروسة في هذا الميدان. من أبرز التطورات الواعدة، ظهور مشاريع ألواح الطاقة الشمسية الكهروضوئية، مدعومة بمزيج من موارد الطاقة الشمسية الوفيرة وإطار سياسي يتطور تدريجيا. وفي حين تبدو قطر أكثر حذرا باعتماد مصادر الطاقة المتجددة من جيرانها في الخليج، فقد بدأت معالم وظروف نمو مشاريع منظومات الطاقة الشمسية بالتبلور فيها.

موارد شمسية غير مستغلة

تعتبر قطر من البلاد الغنية بالإمكانات في مجال الطاقة الشمسية. فهي تحظى بما معدله 9,5 ساعات من أشعة الشمس يوميا، ويصل إشعاعها الأفقي العالمي (GHI) إلى نحو 2,140 كيلوواط/ساعة لكل متر مربع سنويا. تضع هذه الأرقام قطر بين البيئات الأكثر ملاءمة عالميا لأنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية.

رويترز
ألواح شمسية لتوليد الطاقة لملعب في الدوحة خلال بطولة كأس العالم 2022، 10 سبتمبر 2010

ومع هذه المستويات العالية من الإشعاع الشمسي على مدار العام، يعتبر وضع البلاد جيدا لتسخير الطاقة الشمسية في شتى المجالات. وهذه الميزة الطبيعية تقابلها الآن، وإن ببطء، إشارات سياسية تدل على الاهتمام المتزايد بنشر الطاقة النظيفة. في أحدث استراتيجيا للتنمية الوطنية، أوضحت الحكومة القطرية أنها تهدف إلى زيادة سعة الطاقة المتجددة إلى 4 غيغاواط في حلول عام 2030، وهو ما يمثل قفزة بالغة الأهمية في المضي قدما، إلا أن هذا الهدف لا يزال أقل بكثير من الهدف الذي قدمته رؤية السعودية المعدلة لعام 2030 البالغ 130 غيغاواط، كما أنه بعيد أيضا عن الـ 19,8 غيغاواط المخطط لها في الإمارات العربية المتحدة من حجم الطاقة المتجددة في حلول عام 2030. بيد أن هذا الهدف يعكس تحولا في التفكير من شأنه أن يفتح آفاقا جديدة لشركات منظومات ألواح الطاقة الشمسية.

الالتزامات المناخية

في إطار أشمل، تمثل أهداف الدولة المتمثلة في الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتحسين كفاءة الطاقة، اتجاها سياسيا يدعم نشر منظومات الطاقة الشمسية، بما فيها ألواح الطاقة الكهروضوئية.

تهدف الحكومة القطرية إلى زيادة سعة الطاقة المتجددة إلى 4 غيغاواط في حلول عام 2030، وهو ما يمثل قفزة بالغة الأهمية في المضي قدما

التزمت قطر خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 25 في المئة في حلول عام 2030، وفقا لما نصت عليه خطة عملها الوطنية لمواجهة تغير المناخ، وبما يتوافق مع رؤية قطر الوطنية 2030. وتضم الخطة أكثر من 30 إجراء للحد من الانبعاثات وأكثر من 300 إجراء للتعديل في قطاعات مثل الطاقة والنقل والبناء. تعكس هذه الأهداف نهجا عمليا خاصا بكل قطاع لخفض الانبعاثات، يضع أولوية الابتكار التشغيلي والتكنولوجي قبل الالتزامات الرمزية. ويأتي إطلاق وزارة البيئة وتغير المناخ لاستراتيجيا 2024-2030 تعزيزا لهذه الأجندة، مع التركيز على التنسيق المؤسسي، وانخراط المواطنين، ورصد الانبعاثات.

جهوزية السوق القطرية لألواح الطاقة الشمسية

بالنسبة الى الشركات والمستثمرين، يقدم تطوير منظومات ألواح الطاقة الشمسية فرصة واعدة. فالكثافة العمرانية في قطر، وارتفاع استهلاك الكهرباء، والوعي المتزايد بالاستدامة، كلها عوامل تهيئ بيئة ملائمة لنشر وتركيب منظومات الطاقة الشمسية. وتعتبر المباني التجارية والمجمعات السكنية والبنية التحتية العامة مواقع مناسبة لنشر ألواح الطاقة الشمسية. إضافة إلى ما سبق، أصبحت البيئة التنظيمية أكثر مرونة واستيعابا. إذ تسمح وزارة التجارة والصناعة الآن بملكية أجنبية بنسبة 100 في المئة للشركات المحدودة المسؤولية، بما فيها تلك التي تركز على تركيب وصيانة وبيع منظومات الطاقة الشمسية. وتتولى المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء، "كهرماء"، إدارة التراخيص، وتشرف على موافقات المقاولين والاستشاريين، بينما تصدر وزارة البيئة والتغير المناخي القطرية التصاريح البيئية.

وقد طبقت بالفعل نماذج تشغيلية عدة، مثل التأجير ونقل الملكية في نهاية مدة الإيجار، ومن المتوقع الحصول على المزيد من الدعم التشريعي. وتعمل "كهرماء" حاليا على إعداد إرشادات إضافية لتوضيح متطلبات التشغيل والامتثال للوائح والقيود، مما يسهل دخول شركات منظومات ألواح الطاقة الشمسية إلى السوق وتوسعها. وتشير هذه التطورات إلى أن قطر ترسي الأسس لسوق أكثر ديناميكية لمنظومات الطاقة الشمسية، حتى وإن سار التقدم بشكل تدريجي.

العقبات والتحديات

قبل المضي قدما لا بد من دراسة الفرص ومقارنتها بالتحديات. فسوق منظومات الطاقة الشمسية في قطر لا تزال في مراحلها الأولى، وثمة عوائق هيكلية وسلوكية عديدة. كما أن الوعي العام بالطاقة الشمسية محدود، والإقبال عليها من المستهلكين القاطنين ضعيف. كذلك، فإن هيمنة الدعم الحكومي على الكهرباء، الذي يبقي الأسعار منخفضة بشكل مصطنع، يقلل الحافز المالي للأسر والشركات للاستثمار في أنظمة الطاقة الشمسية. وفي ظل غياب إصلاح حقيقي لأسعار استهلاك الكهرباء وإعانات تستهدف شرائح معينة لاعتماد الطاقة الشمسية، ستبقى الجدوى الاقتصادية لمنظومات ألواح الطاقة الشمسية الكهروضوئية مقيدة ومحدودة.

رويترز
الرئيس التنفيذي للشركة قطر للطاقة ووزير الطاقة سعد الكعبي، يتحدث في مؤتمر صحافي، 18 أكتوبر 2022

ويشكل الجمود المؤسسي عائقا أيضا. فقطاع الطاقة في قطر يتسم بالمركزية منذ فترة طويلة، مع احتكار عدد قليل من الكيانات الرئيسة لعملية صنع القرار. وعلى الرغم من أن الإصلاحات الأخيرة سمحت بمرونة أكبر، فإن التغيير يسير حتى الآن بوتيرة بطيئة. إن غياب سياسات القياس الصافي (وهو نظام فوترة يسمح للمستهلكين الذين لديهم أنظمة طاقة متجددة، مثل الألواح الشمسية، بتلقي رصيد في مقابل فائض الكهرباء الذي يرسلونه مرة أخرى إلى شبكة المرافق)، وأسعار التغذية، والحوافز الواضحة لإنتاج الطاقة عبر الألواح الشمسية، يحد من جاذبية منظومات الطاقة الشمسية لدى العديد من المستخدمين المحتملين.

لم يعد التحول في مجال الطاقة في الخليج العربي مجرد ممارسة نظرية، بل أصبح ساحة تنافسية تؤخذ فيها الاعتبارات المتعلقة بالسمعة والاستراتيجيا في الحسبان

من جهة ثانية، وعلى الرغم من تحسن الإطار التنظيمي، فإنه يفتقر حتى اليوم إلى الوضوح والاستجابة اللازمين لاحتضان النمو السريع ودعمه. فإجراءات الحصول على التراخيص قد تكون مبهمة، والتنسيق بين الجهات المعنية ليس سلسا دائما. قد يجد المستثمرون الأجانب أن العملية قابلة للإدارة، لكنها لا تخلو كليا من العقبات. وسيكون تعزيز الشفافية وتبسيط الموافقات أمرا ضروريا لجذب استثمارات مستدامة في مجال منظومات ألواح الطاقة الشمسية.

آفاق إيجابية لتحول الطاقة

على الرغم من هذه التحديات، ثمة ما يدعو الى التفاؤل. فأجندة قطر للاستدامة الأوسع، التي تشمل التزامات بموجب اتفاقية باريس وخطة عمل قطر الوطنية لتغير المناخ، تمهد الطريق للتوسع المستقبلي. وتؤكد خطة عمل "المساهمة الوطنية المحددة" المحدثة توافقها مع أهداف المناخ العالمية وعزم قطر على لعب دور إقليمي استباقي في معالجة أخطار تغير المناخ. وتتجسد هذه الجهود في إنجازات ملموسة، مثل استبدال أكثر من 70 في المئة من حافلات النقل العام بأخرى كهربائية. وتندرج منظومات ألواح الطاقة الشمسية ضمن هذا الإطار، فهي تقدم حلا واضحا وقابلا للتطوير، يتسق مع تطلعات قطر في كفاءة الطاقة والحفاظ على البيئة.

.أ.ف.ب
قوارب بحرية تقلدية قبالة ساحل العاصمة القطرية الدوحة، 4 أغسطس 2023

ومن ناحية أخرى، قد تحفز الديناميكيات الإقليمية المزيد من التقدم. فمع استمرار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الاستثمار بكثافة في مصادر الطاقة المتجددة، تواجه قطر ضغوطا متزايدة لمواكبة هذا التطور. لم يعد التحول في مجال الطاقة في الخليج العربي مجرد ممارسة نظرية، بل أصبح ساحة تنافسية تؤخذ فيها الاعتبارات المتعلقة بالسمعة والاستراتيجيا في الحسبان. إن منظومات ألواح الطاقة الشمسية، بعوائق منخفضة نسبيا للدخول إلى السوق مع وضوح الرؤية، توفر لقطر فرصة لإظهار مواكبتها والتزامها دون استنزاف مواردها.

الطريق إلى الأمام

كي تتمكن قطر من إدراك كامل إمكاناتها المحتملة واستغلالها، ستحتاج إلى تبني نهج أكثر استباقية. وهذا يتطلب تطوير إطار سياسي واضح لمنظومات ألواح الطاقة الشمسية، وتقديم حوافز مالية لتشجيع تبنيها، والاستثمار في حملات التوعية العامة. كما يتطلب إرساء آليات لتعزيز التنسيق بين الهيئات التنظيمية، كإنشاء مركز موحد لإصدار التصاريح، أي نظام "النافذة الواحدة"، أو تشكيل فرق عمل منتظمة مشتركة بين الوكالات. وفي الوقت نفسه، يتعين على قطر أن تتعاون مع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص، باعتبارهم شركاء في تحول الطاقة، بدلا من حصرهم في المناقصات الكبرى التي تقودها الدولة. على سبيل المثل، يمكن أن توفر بيئة الاختبار التنظيمية (وهي بيئة خاضعة للرقابة ومحدودة المدة، تنشئها جهة تنظيمية حكومية، وتتيح للشركات اختبار منتجات أو خدمات أو نماذج أعمال جديدة في ظروف واقعية مع مجموعة مخفضة من المتطلبات التنظيمية) مساحة آمنة للشركات لاختبار نماذج أعمال جديدة لمنظومات الطاقة الشمسية وتخزينها، وتمهيد الطريق لنشرها بمجرد اكتمال اللوائح التنظيمية.

لم تصل سوق ألواح الطاقة الشمسية في قطر إلى مرحلة النضج بعد، ولكنها لم تعد قطاعا يعتمد على التكهن والتخمين أيضا. فظروف النمو آخذة في التبلور، والفرص حقيقية. ومع تضافر الجهود في مجالات الدعم السياسي والإصلاح التنظيمي والاستثمار الاستراتيجي، يمكن منظومات ألواح الطاقة الشمسية أن تصبح ركيزة أساسية لمستقبل الطاقة في قطر. ربما لا تزال البلاد تتلمس طريقها بخطى وئيدة، إلا أن اتجاه المسار يزداد وضوحا.

font change