مرصد الأفلام... جولة على أحدث عروض السينما العربية والعالمية

مرصد الأفلام... جولة على أحدث عروض السينما العربية والعالمية

نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إنتاجات السينما العربية والعالمية، ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطل شهريا، دليلا يجمع بين العرض والنقد لجديد الشاشة الكبيرة، على أن تتناول الأفلام الجماهيرية والفنية، من الأنواع كافة، بالإضافة إلى إعادة تقديم فيلم من ذاكرة السينما الكلاسيكية.

السادة الأفاضل

تأليف: مصطفى صقر، محمد عز الدين، عبد الرحمن جاويش.

إخراج: كريم الشناوي.

بلد الإنتاج: مصر.

الفيلم الثاني لمخرجه كريم الشناوي خلال هذا الموسم للكوميديا السوداء، التي صار حضورها عزيزا في السينما التجارية المصرية خلال السنوات الأخيرة، بعد أن عرض له من قبل "ضي" ولاقى اهتماما لافتا. يصنف "السادة الأفاضل" ضمن ا، لأسباب عدة لعل أهمها ضعف كتابة السيناريو، وحصر المنتجين طموحهم في تحقيق وصفات بائتة من الكوميديا التي لا تضحك، أو الأكشن الذي لا يقنع.

"السادة الأفاضل" يعرف أين يريد أن يذهب. كتابه يتمتعون بذكاء يسمح لهم باستثمار حالة التنمر ضد أهل الأرياف، التي ضخمتها وسائل التواصل الاجتماعي، وجعلتها مقبولة بتواتر النكات و"الميمز". تدور أحداث الفيلم في قرية ما، لكنها قد تصير مجازا عن المدينة، بحيث تترجم تحولات حادة تجري في المجتمع المصري منذ سنوات، خلاصتها الغياب التام للقيم، وتغليب المصالح الشخصية الضيقة والآنية على كل ما سواها. ولا يمر هذا، كما يظهر الفيلم، إلا بإبراز عيوب الآخرين وطهارة الذات الزائفة، كأننا مغموسون في "الخطيئة" لكننا مصممون على رمي الآخرين بالأحجار.

تدور أحداث الفيلم في قرية ما، لكنها قد تصير مجازا عن المدينة، بحيث تترجم تحولات حادة تجري في المجتمع المصري منذ سنوات

على العموم، يحتشد الفيلم بالخيوط الدرامية، وكل منها يصلح لفيلم مستقل في ذاته. ثمة خطة عائلة الحاج جلال أبو الفضل (في أداء لافت لبيومي فؤاد)، لإبعاد العم خيري (أشرف عبد الباقي) عن الميراث، والأخير يريد الاستحواذ عليه بصورة غير شرعية، رغم أنه شيخ ولا يتوقف عن زجر ابنه محمود (ميشال ميلاد) على أصغر زلاته. ثم تورط محمود هذا، في خطة ثانية مع عصابة يتزعمها جوهري (طه دسوقي)، ويريد السطو على مكتب البريد وسرقة المعاشات، كي تتسنى له الهجرة لأنه يشعر "أنه مش شبه بقية أهل القرية". ثمة أداءات ممتعة لانتصار ونهاد السباعي ومحمد شاهين وهنادي مهنا إلى آخر فريق العمل، بجوار ضيوف الشرف الذين يكملون لوحة الفيلم.

ملصق "السادة الأفاضل"

يعرض "السادة الأفاضل" هذه الحيوات المتشابكة والمتقاطعة بالمونتاج المتوازي، وهو يسخر منها، متوجها أكثر إلى جمهور الطبقة المتوسطة. صحيح أن خاتمته تبدو ملفقة إلى حد ما، مرتبكة، وعلتها ربما ما يتعلق بضرورة تقديم حكم أخلاقي على الشخصيات، خشية غضب رقابي أو اجتماعي، إلا أنه في المحصلة أحد أهم الأفلام التجارية المصرية هذا العام، وكان يستحق موعدا أفضل لطرحه في دور العرض.  

Dracula: A Love Tale

تأليف: لوك بيسون (عن رواية برام ستوكر).

إخراج: لوك بيسون.

بلد الإنتاج: فرنسا.

قصة برام ستوكر الشهيرة هذه عن الكونت دراكولا لا تتقادم أبدا. تحبها السينما، ويخيل إلى السينمائيين دائما أن في وسعهم تقديمها بصيغة مختلفة. صانع السينما الفرنسي الشهير لوك بيسون يتصدى هذه المرة للمهمة في هذا الفيلم، الذي يقرر له، كما يشي عنوانه، التركيز على قدرة دراكولا الصادقة والمتطرفة على الحب، بما يجعل من تحوله إلى مصاص لدماء الناس طريقة مثلى للتعبير عن غضبه. منذ المشهد الأول، يصف بيسون سينمائيا عمق الرابطة بين فلاد، أحد أمراء رومانيا (كالب لاندري جونز) وزوجته ومحبوبته إليزابيتا (زويه بلو). تصاحب هذا الوصف ثيمة موسيقية جميلة من تأليف داني إلفمان، يستلهم الفيلم مزاجه منها، من بين عناصر أخرى. لكن العالم، الذي لا يتسع للحب على ما يبدو، يقاطع هذه العاطفة الملتهبة، ويجبر الأمير على الذهاب لقتال العثمانيين، بأمر من الكنيسة، وترك محبوبته ليد القدر. يطلب الأمير المضطر من البابا الكنسي أن يعده بحفظ زوجته، ويقول له البابا إنه سيصلي من أجل ذلك. غير أن الرب بشكل ما لا يستجيب.

ملصق Dracula: A Love Tale

يركز بيسون في الفيلم على تطور شخصية دراكولا من أمير عاشق إلى غاضب من الرب، راغب في إيذاء مملكته على الأرض. في المقابل، يلعن الرب فلاد ويحرمه من الموت. هكذا بطريقة ما، يتحول فلاد إلى دراكولا، ويفقد ملامحه الإنسانية، يصير جسده أقرب الى خنثى. يجند البشر، لا سيما الأطفال كما نرى في نهاية الفيلم، في خدمته. ومع ذلك يعيش دراكولا الشرير على أمل أن تتجسد روح حبيبته النقية في امرأة معاصرة.

الفيلم الممتع للغاية في تجربة مشاهدته، يدفعنا إلى صف دراكولا، متفهمين نقمته مما حدث له. ولعل هذه النقمة تتغذى من شعورنا بسهولة الظلم في عالمنا

الفيلم الممتع للغاية في تجربة مشاهدته، والذي يخاطب أفلاما شهيرة عن مصاصي الدماء، من بينها "نوسفيراتو"، و"خطاة"، بل وحتى "عطر"، يدفعنا مع الوقت إلى صف دراكولا، متفهمين نقمته مما حدث له. ولعل هذه النقمة تتغذى من شعورنا بسهولة الظلم والقتل والذبح في عالمنا. أما النهاية فهي النقطة الإشكالية في الفيلم. إذ يضطر دراكولا إلى الاختيار مجددا بين أن يعيش أبديا كمارق، أو أن يعود إلى طريق الرب طالبا منه الغفران، وبالتالي يموت. ربما يمكن تأويل الاختيار الذي ذهب إليه بيسون في النهاية وفقا لتأويلات عدة، لكن في مستواه المباشر، قد يبدو خطوة الى الخلف، أقرب لردة على ثورة دراكولا ضد العالم.

Sound of falling

تأليف: لويز بيتر، ماشا شيلينسكي.

إخراج: ماشا شيلينسكي.

بلد الإنتاج: ألمانيا.

الفيلم الفائز بجائزة لجنة التحكيم في دورة هذا العام من مهرجان كان، من بين جوائز ومهرجانات أخرى عديدة. "صوت السقوط" وعنوانه الفرعي في اللغة الألمانية "التحديق في الشمس"، يصف إلى حد كبير تجربة مشاهدته. هو الذي يوحي مزاجه وحضور نفس مخرجته بأنه مأخوذ عن عمل أدبي، من تلك الأعمال التي تنسج حكايات جيل بعد جيل، وهنا من نساء عائلة واحدة، عاشت على ما يبدو في بيت واحد. ويهيأ للمتفرج أنه مأخوذ من رواية عن الصدمة، أو مختلف أنواع الصدمات النفسية التي يمكن أن تحيق بالنساء. لكن "التحديق في الشمس" ليس في الحقيقة مأخوذا عن عمل أدبي، على الرغم من تعقيده البنائي الواضح، وإن كانت الحكايات تتناسل إحداها من الأخرى، مثيرة كل مرة ذكرى من حكاية تسبقها أو تليها. وكأنها حياة واحدة تتكرر على نحو ما، مما يوحي في النهاية بأن نساء ذلك البيت، أو تلك العائلة، لم يكن في وسعهن أن يغيرن شيئا من مصائرهن أو مصائر بناتهن.

ملصق Sound of falling

هنا لا خطوط سردية واضحة، لا ترهق صانعة الفيلم نفسها حتى بتعليمنا مَن ابنة مَن؟ أخت من؟ أو خادمة من؟ على الرغم من أن القصص محكية بصريا بأسلوب سينمائي لافت وخاص، يتشكل من أزياء وإكسسورات تدل على المرحلة. الأداء التمثيلي يعتصم بالصمت، والعبارات القليلة التي تقال لا تقيم الأود، إلى جانب حركة الكاميرا وتكوينات الكادر القاتمة. هذا الحكي البصري، لا يعدم درجة من السحر. الطريقة التي تزحف بها الكاميرا في الظلام، أو المشاهد الأقرب الى حلم/ كابوس وكأنها مشغولة بأن تتأمل جمال نفسها، عن أن تحكي قصتها بوضوح.

الطريقة التي تزحف بها الكاميرا في الظلام، أو المشاهد الأقرب الى حلم/ كابوس وكأنها مشغولة بأن تتأمل جمال نفسها، عن أن تحكي قصتها بوضوح

هناك صدمة الاعتداء الجنسي أو التحرش، لكن أيضا صدمة اكتشاف الرغبة عند الآخر. هناك إغراق في التعبير السينمائي عن الموت، وعن العري، وعن الفقر، وعن الغضب الأعمى الذي لا يورث إلا ذنبا مقيما وقاتلا. لكن هناك لحظات قليلة من الصفاء السردي، التي تبيعنا وهم أننا سنفهم في نهاية الفيلم كل شيء، غير أن هذا أيضا لا يحدث. ربما سيحتاج المشاهد، إن أصر، إلى أن يعيد الفرجة مرات عدة، وأن يجري مونتاجه الذهني الخاص لفيلم لا ينسى بسهولة، ولا يذكرنا بشيء محدد مع ذلك.

Father Mother Sister Brother

تأليف وإخراج: جيم جارموش.

بلد الإنتاج: الولايات المتحدة، إيطاليا، فرنسا، أيرلندا، ألمانيا.

يضم هذا الفيلم ثلاث قصص سينمائية، أو ثلاثة أفلام أصغر، تدور كلها حول ثيمة العلاقات العائلية بخفة ظل تمس وترا حساسا من حكاياتنا الشخصية نحن أيضا كمتفرجين. مع كل قصة، ثمة اجتماع أسري سنوي، يكشف شيئا عن طرافة الديناميكيات العائلية، لكن أيضا عن سميتها أحيانا. هناك عناصر بصرية مشتركة بين القصص الثلاث، وإن كانت كل واحدة تدور في عالم مستقل، وبطاقم ممثلين مختلفين تماما. من فيلم صغير إلى آخر، يتكرر الحديث عن ساعة "رولكس" يبدو أنها غير زائفة، لا يعرف أحد من أين أتت. كما يتطرق الحديث العائلي إلى الأبراج الفلكية وصفات المنتمين إليها. أما الثيمة البصرية الأهم، فهي الفتيات والفتيان الذي يظهرون في لحظة معينة، على زلاجاتهم في الشارع، إلى جوار الابن أو الابنة في الطريق إلى البيت. أولئك تستعرضهم الكاميرا ببطء، مؤكدة السحر، والتحرر، ولو مؤقتا من عصبية اللقاء الأسري.

ملصق Father Mother Sister Brother

 في القصة الأولى يزور الشقيق والشقيقة الأب، وفي القصة الثانية تزور شقيقتان أمهما، وفي الثالثة شقيق وشقيقة يزوران بيت الوالدين في غيابهما. كل مرة أيضا تتجه الأنظار إلى بطل أو بطلة. يصبح هو مركز السرد، بإرادته أو بدونها. مثلا تركز القصة الأولى بعنوان "أب" على غرابة شخصية الأب الذي يعيش حياتين، مدعيا الفقر والزهد مع ابنه المتعاطف، عائشا حياة ملذات في السر، تستشعرها أكثر الابنة البعيدة عاطفيا. في الثانية نكتشف غرابة أطوار الشقيقة التي تخترع لنفسها حياة أخرى كي تجاري لمعان واستقرار حياة كل من شقيقتها وأمها. وفي الثالثة يكتشف التوأم أن أمهما وأباهما اللذين لقيا حتفهما في حادث عائلي يخفيان أسرارا غريبة يبدو أن أحدا لن يكتشفها.

القصص مشبعة بالتفاصيل، وعالم كل منها يسمح بإخراج فيلم تام عنها، كما لا تخلو من دفء وتأمل في معنى قرابة الدم والحرية

في هذا النوع من الأفلام، غالبا ما ينحاز المتفرج إلى قصة على حساب الأخرى، وربما لا يفضل إحداها بشكل خاص. وبينما سارت القصتان الأولى والثانية على نهج واحد، خرجت القصة الثالثة قليلا عن بناء القصتين السابقتين. وكأن مخرج الفيلم يقول لنا لا يمكنكم التنبؤ بما سترون. القصص مشبعة بالتفاصيل، وعالم كل منها يسمح بإخراج فيلم تام عنها، كما لا تخلو من دفء وتأمل في معنى قرابة الدم والحرية. وقد لا نتصور اجتماع الكلمتين في عبارة واحدة.

How to build a library

تأليف: كريستوفر كينغ، مايا ليكو.

إخراج: ريكاردو آكوستا، كريستوفر كينغ، مايا ليكو.

بلد الإنتاج: الولايات المتحدة، كينيا.

يذكرنا هذا الفيلم "كيف تبني مكتبة"، بفيلمين تسجيليين عرضا العام الماضي، ولقيا اهتماما نقديا وجماهيريا. هما "داهومي" من إخراج ماتي ديوب، ويدور حول عودة بعض آثار مملكة داهومي المنهوبة من باريس إلى أرض وطنها في بنين، وتعاطي الشباب الأفريقي مع هذا الحدث، نقاشاته حول مصير هذه الآثار التي يعطيها الفيلم صوتا تصف به تغريبتها الطويلة. والفيلم الثاني هو "شريط صوت لانقلاب عسكري" الذي استعان بمشاهد أرشيفية لنضال فناني الجاز في أميركا، ضد العنصرية البيضاء من جانب، ومع حركات التحرر في العالم الثالث من جانب آخر، مركزا في الأخص على نضال أهل الكونغو ضد الاستعمار البلجيكي.

ملصق How to build a library

"كيف تبني مكتبة" يضم بصورة ما أرواح مثل هذه الأفلام، لكنه يسلك طريقه بزهد أقل في الجمالية الفنية، وبانغماس أكبر في الواقع اليومي. واقع حياة سيدتين كينيتين هما شيرو وواشوكا، مثقفتين طامحتين، عادتا إلى نيروبي العاصمة، بعد دراسة في الخارج، وتبنتا مشروع تجديد "مكتبة ماكميلان"، التي تأسست على يد عائلة من المستوطنين البريطانيين عام 1931، بحيث تخدم المحتلين الإنكليز. حظر دخول المكتبة على أهل البلد من الكينيين، ولم يسمح لهم بارتيادها إلا عام 1958. للمكتبة ثلاثة فروع، كل فرع في مدينة كينية. تسعى شيرو وواشوكا اليوم إلى ترميمها، بل بالأحرى إعادة تأسيسها، إذ أن المكتبة ليست هي الهيكل والبناء فقط، بل هي أيضا الكتب التي تضمها. وهذه الكتب كانت لسنوات تعبر عن وجهة نظر المستعمر حصرا.

ماذا سنفعل إن كان مستعمرو الأمس هم الضمان الوحيد لاستمرار العمل على حلم استعادة التاريخ المنهوب؟ 

يتبع الفيلم رحلة البحث عن تمويل لأعمال الترميم في المكتبة، ونفقات التشغيل. كما يتابع متاهة عذابات شيرو وواشوكا بين مكاتب الحكومة الكينية، التي بدت في الكثير من الأحيان خصما لجهود السيدتين. إلى ذلك، يعرض الفيلم صورا أرشيفية وجدت في قبو المكتبة تقدم لحظات مهمة أو حرجة من التاريخ الكيني تحت الاستعمار. كالصور التي توثق لزيارة روزفلت إلى كينيا. وصور أخرى لأول عملية إعدام لكيني بيد المحتل. ويمر الفيلم بلا تفصيل كبير على قصة معسكر اعتقال النساء الكينيات أيام الاحتلال أيضا.

بالتوازي، يتتبع الفيلم رحلة شيرو وواشوكا الشخصية، ومسارهما المهني وأحوالهما الصحية التي تأثرت بتعسر المشروع. قبل أن يباغتنا بالنهاية المحيرة، فماذا سنفعل إن كان مستعمرو الأمس هم الضمان الوحيد لاستمرار العمل على حلم استعادة التاريخ المنهوب؟

من ذاكرة السينما

صور من الذاكرة الخصبة (1981)

إخراج: ميشال خليفي.

بلد الإنتاج: ألمانيا، فلسطين، هولندا، بلجيكا.

أول فيلم فلسطيني طويل يصور في الأراضي الفلسطينية المحتلة، داخل ما يعرف بالخط الأخضر، أو حدود ما قبل 1967. وهو كذلك أول فيلم فلسطيني يعرض في "مهرجان كان"، ضمن تظاهرة أسبوع النقاد. ينتمي إلى نوع "الدوكيو دراما"، الذي يمزج بين الوثائقي والدراما. يتابع فيه المخرج ميشال خليفي حياة امرأتين فلسطينيتين من جيلين وخلفيتين مختلفتين. الأولى هي رومية فرح، التي تعيش مع أولادها وأحفادها في الناصرة، وتعمل في مصنع للملابس. وهي سيدة ترملت مبكرا وأعالت أسرتها بأعمال شاقة منذ شبابها. على وجهها نقرأ ملامح الشقاء، والعناد ربما، لكن أيضا الأصالة والتمسك بالهوية. ترفض رومية بيع الأرض التي تملكها الأسرة، رغم إلحاح ابنها، إلى حد يصبح معه هذا التمسك هوسا يجعلها تزور الدجالين، كما يرينا.

أول فيلم فلسطيني يعرض في "مهرجان كان"، ضمن تظاهرة أسبوع النقاد. يتابع فيه المخرج ميشال خليفي حياة امرأتين فلسطينيتين من جيلين وخلفيتين مختلفتين

أما الثانية فهي الكاتبة والروائية سحر خليفة، تعيش في رام الله بالضفة الغربية، وقد بدأت حياتها الفكرية والمهنية، كما تروي لمخرج الفيلم بعد طلاقها من زوجها. لم تعد سحر تؤمن بنظام الزواج العربي الذي يمنح الرجل كل الصلاحيات، ويعزل المرأة بين أربعة جدران. لذا هي مهمومة أكثر بأوضاع المرأة الاجتماعية، وبتفكيك تناقضات المجتمع العربي. ضمن شريط الصوت في الفيلم نسمعها تقرأ مقاطع من كتبها، ونلمس صدق نضالها الفكري، الذي ترفض مع ذلك تسميته بالنضال حين يسألها ميشال خليفي في بداية الفيلم. إنها ترى أنها لم تسجن ولم تتعذب ولم تخرج في تظاهرات ضد الاحتلال، كما عانى آخرون، وتقترح عليه صادقة "يمكن لازم تدور ع واحدة تانية غيري". لكنها تسمح له مع ذلك بالتسرب إلى حياتها، تصويرها وهي جالسة مع ابنتها، أو وهي تداعب قطتها.

Kino International
صور من "الذاكرة الخصبة"

لا تلتقي رومية سحر أبدا طوال أحداث الفيلم. قد تبدوان إلى حد ما متناقضتين، حين تعلن سحر مثلا إيمانها بضرورة تحرر المرأة من قيود المجتمع. بينما تصر رومية على الحكم على النساء الأخريات من منطلق هذه القيود. إلا إنهما في القلب، متشابهتان في التشبث بالعمل والحياة، وبالهوية والأرض، كل على طريقتها. يجعلنا الفيلم نختبر حياة السيدتين، في البيت ومع الناس وفي الشارع، نعايش العادات والأفكار وأنماط الحياة في الدوائر المحيطة بهما. فيلم عذب وأليم إلى حد ما، اختاره السينماتيك البلجيكي لترميمه العام الماضي.

font change