إذا أخذنا بتوصيف أهل المنطقة أنهم يكثرون الكلام مقارنة بشعوب أخرى أقل كلاما، فإن المبعوث الأميركي توماس باراك يكون قد حافظ على هذه الخاصية من أصوله اللبنانية شبه المنسية. فالرجل تحول خلال أشهر بل أسابيع قليلة إلى أكثر المسؤولين العرب والأجانب تصريحا وإسهابا في استنتاجات وخلاصات، المتوقع منها وغير المتوقع قياسا إلى اللغة الدبلوماسية الكلاسيكية، ولا غرابة ما دام الرجل يأتي من عالم الأعمال والعقارات وليس من عالم السياسة أو الدبلوماسية. لكنه في النهاية أسلوب الرئيس دونالد ترمب الذي سيكون من المثير مع الوقت مراقبة مدى تأثيره في السلوك السياسي والدبلوماسي ليس على مستوى أميركا وحسب بل على مستوى العالم كله.
توماس باراك يتحدث ويستفيض وكأنه يحمل ثأرين، ثأر من إرث باراك أوباما ابن المؤسسة الأميركية والدولة العميقة، وثأر من إرث الاستعمار الأوروبي للمنطقة، متناسيا أنه لولا هذا الاستعمار- الذي يقتصر بالنسبة إليه على وضع أعلام على مضارب القبائل وجعلها دولا- لما وجدت إسرائيل ربما. ثم إنّ دمج باراك بين فكرتين، الأولى أن إدارة ترمب لا تطمح إلى تغيير الأنظمة، والثانية أن إسرائيل لا تعترف باتفاقية "سايكس-بيكو"، مؤداه أن واشنطن ترمب لم تعد تكترث بتغيير الأنظمة لكنها تتسامح مع تغيير الحدود، ولاسيما إذا كان على يد إسرائيل، وهذا يدخل المنطقة في هواجس جديدة، لا تقتصر على الحدود الدولية بين الدول بل تشمل دواخل هذه الدول التي تقوم على فالق من النزاعات الهوياتية-الجغرافية.


