يقدم الشاعر العماني سيف الرحبي في كتابه الأحدث، "رعود هائمة في الفجاج"، تجربة تتجاوز حدود التصنيف الأدبي، ليؤسس نصا يتقاطع فيه الشعر بالتأمل، والسرد بالرحلة، والذاكرة بالوعي الوجودي. هذا العمل، الصادر أخيرا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن، يشبه مرآة تتحرك فيها الذات وسط عواصف العالم، محاولة العثور على معنى للحضور الإنساني في فضاء مفتوح على القلق والبحث والحنين.
تبدو تجربة الرحبي امتدادا لسيرته التي توزعت بين الجغرافيا والثقافات، فقد عاش متنقلا بين عمان والعالم العربي والغرب، محملا أسئلة المكان والانتماء، وهو ما منح لغته بعدا كونيا ورؤية تعبر من التفاصيل اليومية إلى أفق فلسفي وإنساني واسع. الكتابة عنده وصف يتجاوز العالم لتصبح مشاركة في تكوينه، إذ تتحول الكلمات إلى وسيلة للفهم ومجال لممارسة الحياة في وجه الفناء.
مرآة القلق الإنساني
يتضمن الكتاب نصوصا تتأرجح بين النثر الشعري واليوميات الفكرية، لكنها تحتفظ بخيط داخلي يوحدها في نبرة متأملة ومتوترة في آن. عنوان العمل ذاته "رعود هائمة في الفجاج"، يضع القارئ أمام رمز كثيف، إذ تبدو الرعود صوتا داخليا يتردد في أعماق الذات، والفجاج فضاء مفتوحا على المجهول. الرعد هنا حدث يتجاوز الطبيعة، علامة على اهتزاز الكائن، وعلى القلق الذي يصاحب الوعي بالوجود، وعلى اللحظة التي يتقاطع فيها الخطر بالجمال.



