4 مهرجانات سينمائية تشكل رئة فنية لبيروت التي تخنقها السياسة

200 فيلم على امتداد 26 كم

مهرجان بيروت الدولي للسينما

4 مهرجانات سينمائية تشكل رئة فنية لبيروت التي تخنقها السياسة

يعيش سكان العاصمة اللبنانية بيروت خريفا حارا هذا العام. ضاعف ذلك من شعور عام بالاختناق يصارعه اللبنانيون على الدوام. فظروفه حاضرة بقوة: التلوث، الضيق من احتمال تجدد الحرب الإسرائيلية "رسميا"، وكذلك الأسى الذي يخلفه تصيد الضحايا على طرق جنوب البلاد، كل يوم.

وسط ذلك كله، ثمة نسائم لطيفة، تهب بشكل خاص من خريطة سينمائية مستحدثة، في العاصمة ومحيطها الأقرب، يبلغ طولها نحو 26 كم، وتعرض زهاء 200 فيلم محلي وعالمي خلال أقل من شهر واحد.

في صالات عريقة وأخرى حديثة، وداخل مسارح جامعية تبث على الشاشات أحلام ونبض وعزيمة طلاب أقسام "السمعي والبصري" و"الأفلام"، ووسط أحياء تعوم بطوائف وطبقات شتى من البشر، وبمساندة وحضور باحثين وأكاديميين وصناع أفلام وراسمي سياسات ثقافية وعشاق للفن السابع وضيوف عالميين، تخط 4 مهرجانات، ارتحلت "المجلة" في عوالمها، خرائط تليق بروح المدينة، فتحمل سمات: الإرادة، الحلم، الضياع، التنقل، الهجرة، الصمود، الحرب، السلام، التآخي، العنصرية، الخوف والأمل.

المهرجانات هي على التوالي "بيروت الدولي للأفلام القصيرة" (الدورة 19، 88 فيلما)، "سيدة اللويزة الدولي للأفلام" (الدورة 18، 52 فيلما)، "بيروت للأفلام الفنية" (الدورة 11، 35 فيلما) و"أصوات" (الدورة 3، 21 فيلما).

بلا أشباح

تتصاعد أنغام آلة الكمان بلحن أغنية "ليالي الأنس في فيينا" داخل حديقة المكان الذي كان ذات يوم مصنعا للنسيج داخل منطقة برج حمود. انها ليلة افتتاح مهرجان "بيروت شورتس" (الأفلام القصيرة).

نعمل بجد لكي نضخ أملا في نفوس الشباب من صناع الأفلام اللبنانيين الذين يعيشون دوما صراعات البقاء أو الهجرة، واتباع مسار السينما أو التخلي عنه

 أعطى برج مراقبة بناه إقطاعي في بداية القرن السابع عشر لمراقبة عمال أرضه، الحي اسمه. رحل الإقطاع، بصيغته الكلاسيكية، من لبنان، وحلت مكانه أزمات أخرى مثل الفقر والنهب وإغراق مؤسسات الدولة التربوية والصحية والاجتماعية بالفساد. جف نهر بيروت واختفت السهول الزراعية منها، وبقي العمال في تلك البقعة من العاصمة، المرتبط قدرها بأقدار المهاجرين والنازحين.

شعار مهرجان بيروت الدولي للأفلام القصيرة

يتنقل كل من المدير والمدير الفني سام لحود ونيكولاس خباز، المؤسسين الشريكين، بين ضيوف الأمسية الأنيقين، من جموع الفنانين والاعلاميين والمحكّمين في فئات المسابقات ومسؤولي المهرجانات العالمية والمدعوين، بابتسامة وتواضع لافتين: "نعمل بجد لكي نضخ أملا في نفوس الشباب من صناع الأفلام اللبنانيين الذين يعيشون دوما صراعات البقاء أو الهجرة، واتباع مسار السينما أو التخلي عنه. نثبت لهم ومعهم أن الامر في كل مرة يستحق العناء. لا نعرض فقط أفلامهم، نكافئهم أيضا بالجوائز، ونساهم بتمويل شرائطهم ونربطهم بخبراء ومبرمجين عالميين لكي يضعوا مولودهم على طريق سديد"، يصرّحان في لقاء خاص مع "المجلة".

على بعد كيلومترات قليلة غربا، وفي الليلة التالية، يقف في واحدة من صالات "متروبوليس" خمسة شباب من جامعات مختلفة لا تتجاوز أعمار أكبرهم الثالثة والعشرين، ليتلقوا الاطراء الذي منح لهم، بعرض شرائط مشاريع تخرجهم الجامعية في الاستهلال: بيا عيد (الحقيقة)، مارك عيسى (السقوط)، مارغريتا نخول (لم يكن خيارها ابدا)، يارا صوفيا عوض (حيثما ذهبت) ورفقا حلو (عن بعد، الدجاج لها أنياب) تحدثوا باقتضاب المتهيّب من اعتلاء المسرح للمرة الأولى، ربما، عن أثر صناعة الافلام على حياتهم، وكذلك فعل العشرات غيرهم على مدى خمسة أيام: "تعلمت أن أثق بنفسي وتوقعاتي"، "واجهت صعوبة مع كتابة السكربت وأيضا مع عمليات ما بعد الإنتاج لكن النتيجة كانت مذهلة على الشاشة"، "أنا وعائلتي نعرف جيدا المعاناة التي واجهتها لعام كامل في تحقيق الفيلم لكنه عناء يستحق"، "تدربت على كيفية التعامل مع ممثلين من فئة الاطفال استدعت قصة فيلمي وجودهم وكانوا الغالبية".

مهرجان بيروت الدولي للأفلام القصيرة

جسر الى العالم

بعد تأسيسه في 2006، تمكن المهرجان سريعا من توثيق عرى الثقة بينه وبين الجيل السينمائي الشاب. حشد أيضا منصات تعتبر الأرقى بين المحافل السينمائية الدولية، داخل نسيجه: تصنيف معتمد من قبل الأوسكار الأميركي، يتيح للفيلم المعروض عبره مسارا موثقا تجاه الترشح للجائزة الأقوى دوليا، صلات وثيقة تبلورت بتبادل مستمر للوفود الزائرة مع "كليرمون فيران" الفرنسي الأضخم في مجال السينما القصيرة عالميا، وفود حاضرة إلى بيروت من "لوكارنو الدولي" و"بيرلينالي" و"غلاسكو" و"دريسدن" و"تريستي" وغيرها، تشارك في التحكيم والـ"ماستر كلاس" واللقاءات، وأخيرا الإفادة من إمكانات المنظومة الكبرى التي ينتمي اليها "بيروت شورتس" وهي "مجتمع بيروت السينمائي". هذه الأخيرة هي مؤسسة غير ربحية أسسها لحود في 2007 تسعى إلى ترويج السينما المسؤولة وتزخيم دور لبنان السينمائي في العالم، إضافة إلى تقديم خدمات لصناع الأفلام اللبنانيين ورفع سقف حرية التعبير: "نساهم في برمجة الفيلم اللبناني في 80 مهرجانا وفعالية حول العالم، من شانغهاي إلى جنوب أفريقيا، ومن السويد إلى تونس والمغرب ومصر وتركيا وغيرها. كذلك، نقف وراء تأسيس تظاهرات أيام السينما اللبنانية في كندا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية ودول أخرى"، يقول لحود.

يتلمس شريكه نيكولاس خباز سمة خاصة للأفلام اللبنانية التي وردت للمهرجان هذا العام: "يبتعد صانع الفيلم اللبناني شيئا فشيئا عن سينما الضرورة. اي الغوص في الهم الآني الذي يفرضه الحدث. يتخذ مسافة من الإخباري لصالح الاقتراب أكثر من السينمائي. هناك تأمل أكثر وفنيات أكثر".

كنا سابقا نرغب في أن نكون 'مستشفى العرب' أو 'فندق العرب'، لكن بيروت مؤهلة بجدارة لتكون 'حضنا سينمائيا' لصناع الأفلام في المنطقة

 استقبل خباز وفريقه 2000 فيلم، شاهد منها في مرحلة أولى 400 فيلم قبل التصفية النهائية. إقبال كبير قد يساعد المهرجان في استقطاب شركاء يدعمون أهدافه المستقبلية: "نسعى إلى خلق مركز للأفلام اللبنانية القصيرة، وأيضا منصة وساطة بين صناع الافلام اللبنانية القصيرة ومنصات العرض العالمية". سعي يبدأ من توطيد مزيد من الشراكات المستدامة مع الجهات اللبنانية الخاصة (أعلن في الافتتاح شراكة مقبلة مع شركة الصبّاح للإنتاج هدفها نموذج مشترك للإفادة من كفاءات الشباب والنساء بشكل خاص) والرسمية على غرار وزارة الثقافة اللبنانية. في هذا الصدد، يصرّح علي الصمد، مدير عام الشؤون الثقافية في الوزارة: "تسعى الدولة اللبنانية إلى أن يشكل المنتج الإبداعي الثقافي 6% من الناتج المحلي الاجمالي، وتلعب مهرجانات السينما، مثل بيروت شورتس دورا في تحقيق ذلك. كنا سابقا نرغب في أن نكون 'مستشفى العرب' أو 'فندق العرب'، لكن بيروت مؤهلة بجدارة لتكون 'حضنا سينمائيا' لصناع الأفلام في المنطقة".

 JOSEPH EID / AFP
مركبات تمرّ أمام جدارية ضخمة للممثلة والمطربة اللبنانية الراحلة صباح في شارع الحمرا ببيروت

المحو والتقفي

على مقربة مما كان "أوبريون" وبات اليوم " يونيون ماركس"، يحيك داخل "سينما رويال"، قيّمو ورواد مهرجان ثان هو "أصوات" بساط بحث يشترك في نسجه خبراء من عالم الإنسانيات وفنانون في المجال الصوتي والسمعي. على هذا البساط تفرد خرائط الاستعمار وما بعده، في عالم "ما بعد الإبادة"، ويوجه لها نقدا قاسيا، ويسائل عبر وسائط السينما، عن أثرها على حياة الناس الرازحين تحت سطوة القهر واللاعدالة. تبرز فلسطين في الجزء الأكبر من العروض التي تتوالى داخل سينما الحي المرتبط تاريخه بمأساة لاجئين آخرين: الأرمن. يتآخى الضحايا مع اختلاف الأزمنة والظروف، وتقرب بين التواريخ شاشة "رويال" المضاءة.

حول ثنائيات الاكتشاف والتخييل، التقفي والاحساس، التشاركية والنشر، الحفر والتجريب، الاقتناء والسماع، تمحور اختيار الافلام التي سردت حكايات محلية وعالمية متعددة، في "أصوات"، لكن الحصة الفلسطينية حظيت بدلالة خاصة: "صور مرممة" (محاسن نصر الدين، 2012) حيث حياة أول مصورة فوتوغرافية فلسطينية هي كريمة عبود (بيت لحم، 1893) ساهمت صورها في مواجهة سردية استعمارية استيطانية رائجة عن عدم وجود "حياة نشطة" داخل الأرض المحتلة قبل النكبة.

بينما أتاح فيلم "تقسيم" (ديانا علان، 2025) عبر العودة إلى ارشيف الاحتلال البريطاني لفلسطين من المصادر الإنكليزية وتوليفها في السياق المعاصر مع أصوات لاجئين فلسطينيين إلى التأمل في "ما تختزنه الأجساد بينما تهمله الإمبراطويات". في السياق ذاته، صور فيلم "أبوك ولد من 100 سنة وكذلك النكبة" (رزان الصالح، 2017) "عودة افتراضية" للجدة أم أمين إلى بيتها الذي منعت عن الارتحال الواقعي اليه في بيت لحم ولم يبق لها إلا اللجوء لتجسيد استعماري آخر، وإن بشكل رقمي، للخريطة، اي "غوغل ماب".

JOSEPH EID / AFP
الممثلة المصرية نيللي كريم خلال العرض الإقليمي لفيلم "فوي! فوي! فوي!" في بيروت

ثلاثة أصداء قوية خرجت من جوقة "أصوات" تسردها في حديث إلى "المجلة" أناييس فارين، الباحثة في السينما ومبرمجة أفلام المهرجان: "أولا هناك ذلك الهوس البحثي الذي يحيل صانع الفيلم الوثائقي إلى لعب دور شبيه بالمحقق، وثم الفعل المقاوم عبر طرح وجهة نظر بديلة لممارسات الأرشيف ورسم الخرائط، وثالثا هناك الكتابة البديلة التي تستعيد معارف منسية حول فئات همشتها الرواية الرسمية السلطوية في المجتمعات".

هناك ذلك الهوس البحثي الذي يحيل صانع الفيلم الوثائقي إلى لعب دور شبيه بالمحقق، ثم الفعل المقاوم عبر طرح وجهة نظر بديلة لممارسات الأرشيف ورسم الخرائط

هل يقترح المهرجان وصفة إنقاذ للبحوث العلمية عبر السينما كوسيط مؤثر؟: "لا يمكننا قول ذلك فعلا، فالسينما تواجه أيضا تحديات خاصة بها وصناع الأفلام يجاهدون لإنتاج أعمالهم. ما نفعله هو توظيف إمكانات الحقبة الرقمية التي تبلورت خلال الربع قرن الماضي لاستعادة تلك العلاقة الوثيقة بين السينما وبين الأبحاث العلمية، وهي علاقة عريقة تبلورت في أوروبا ثم في الاتحاد السوفياتي ووصلتنا مع بداية الألفية"، يجيب لـ"المجلة"، ميشال ثابت، وهو أحد منظمي ورش المهرجان، ومخرج عرف بأفلامه التسجيلية التي تلحظ العلاقة بين مشاعر التفجع والخريطة اللبنانية، سواء عبر تصويره مراسم مناسبة "عاشوراء" في الجنوب أو أثر تفجير المرفأ على سكان بيروت.

في ورشة  باسم "رسم الخرائط: ممارسة نقدية" اختبر 11 مشاركا إمكانات بديلة لدور الخرائط في الاكتشاف والتخييل وبث المعلومات ونشرها. لقد تحرروا، عبر ممارساتهم اليومية خلال أيام الورشة، في اختبار روابطهم الاجتماعية أثناء وجودهم داخل "سينما رويال" وفي محيطها، من الممارسات السلطوية التقليدية لعلم الخرائط، ورسموا خرائط جديدة عبر طرق وأدوات يرتاحون للعمل بها مثل الفيديو والصورة والسماع والكتابة والرسم وغيرها. بينما ضمت ورشة "الإنثروبولوجيا بصريا وصوتيا" 10 طلاب من الجامعة اللبنانية، توزعوا على أقسام علم الاجتماع والسمعي البصري والأفلام، وعملوا ضمن فرق ثنائية، نتجت منها 5 أفلام قصيرة سوف تعرض في نسخة العام المقبل وقد تجد حياة لعرضها في مناسبات مختلفة.

مهرجان بيروت الدولي للسينما

امرأة ملهمة

على مسافة كيلومترات قليلة، في اتجاه "طريق دمشق"، تتصاعد من "مسرح بيريت" في "جامعة القديس يوسف" نغمات بيانو هذه المرة، في ليلة افتتاح أخرى، لمهرجان ثالث: "بيروت للأفلام الفنية" الذي يرفع شعار "الإنسانية" أولا، جنبا الى جنب شعاراته الثابتة طوال العقد الماضي: إيصال السينما إلى تلامذة المدارس في كل لبنان، التخصص بعرض الأفلام التي تتمحور حول جماليات الفنون التقليدية والمعاصرة، إحياء التراث الفني اللبناني وحشد الباحثين والمريدين حوله، "كونه قادرا على توحيد اللبنانيين أكثر من أي شيء آخر"، كما تصف لـ"المجلة" أليس مغبغب، مؤسسة المهرجان ومديرته، وأخيرا تسليط الضوء على دور المرأة بوصفها "تجسيدا للطبيعة الأم القادرة على انتشالنا من داء تدمير أنفسنا"، حسب ما تشرح.

هكذا تحضر المرأة بقوة في اختيارات الشخصيات المكرمة في كل دورة، وأحدثها الفنانة سينتيا زافين، وهي رسّامة وموسيقية وفنانة صوتية، "يتمحور عملها حول الروابط بين الصوت والذاكرة والهوية حيث تتلاقى الموسيقى والسينما والفنون البصرية والأدائية"، وكذلك في المعرض الاستعادي للبنانية الأميركية، الشاعرة والرسامة الراحلة، إيتل عدنان، وتحضر في "ضع روحك على يدك وامشِ" (سبيدي فارسي، 2025) قصة الصحافية الفلسطينية فاطمة حسونة التي قتلت خلال حرب غزة، الحاضرة أيضا في طاولة مستديرة وتوقيع كتاب.

 JOSEPH EID / AFP
الممثلة المصرية يسرا في مهرجان بيروت الدولي لأفلام المرأة

بينما يحضر الرجال في أفلام مؤثرة وحديثة يعرض بعضها لأول مرة في لبنان. ففي "توراندوت" (ماكسيم ديرفيانكو، 2025) استعراض لتجربة الفنان الصيني الشهير آي ويوي، المعروف في مجال النحت والعمارة، في دخوله إلى عالم الأوبرا من بوابة الإخراج، لـ"توراندوت" بوتشيني، ويرتحل راقص الهيب هوب والأداء المعاصر الفرنسي مراد مرزوقي الى أرمينيا لتسليط الضوء على مئوية المخرج السوفياتي الأرمني سيرجي باراجانوف (1924-1990) فيستلهم من فيلمه الشهير "لون الرمان"، أداء مسرحيا راقصا يسجله في وثائقي جديد يحمل العنوان ذاته. وفي "غبار للغبار" (كوساي سكيني، 2024) نتابع رحلة مصمم الأزياء الياباني يوويما ناكازاتو إلى باريس لعرض أزياء يكشف من خلاله عن الوجه القبيح لصناعة الأزياء السريعة واستغلال العمالة في دول أفريقية مثل كينيا لتضخيم أرباح تجارة شركات الموضة الأوروبية والأميركية.

منذ 2018 يعمل هذا المختبر على مشروع أرشفة مجموعة من أفلام السينما اللبنانية وتحويلها إلى أرشيف رقمي، يصل عددها إلى 350 بكرة

وتحصي مغبغب في الدورة الحالية للمهرجان مضاعفة في عدد الشباب من الحضور، مقارنة بالسنوات الماضية، حيث "نجول في أفلامنا على امتداد الاراضي اللبنانية، بعد انقضاء اول أسبوعين في العاصمة، ونصل إلى 25 مركز عرض مختلفا، بينما تستقطب مبادرتنا (معا في التراث) في الحد الأدنى 2500 مشارك، ونتوجه عبر نسخة المهرجان الخاصة بالتلامذة إلى 6500 منهم يتوزعون على 164 مدرسة شريكة".

تعميم وترميم

في اتجاه الشمال، ومع مغادرة بيروت، يؤدي الولوج إلى حرم جامعة "سيدة اللويزة"، للعبور الى تجربة أكاديمية عريقة، لا ينفصل سحر السينما عنها. منذ العام 2007، بات المهرجان السينمائي الذي حمل اولا عنوان "سينما الطلاب" قبل أن يكتسب التوصيف الأشمل بوصفه "مهرجان لبنان السينمائي الدولي"، قبلة جادة لكل متخرج يسعى إلى الاعتراف والانطلاق. تمتلئ صفحة المهرجان على منصة "إنستغرام" بمقاطع فيديو مسجلة لمخرجين وممثلين ومنتجين ومصممي صوت من المشاهير والمتحققين في لبنان يسردون فيها، بحنين وامتنان، حكايات تربطهم بهذا المهرجان، الذي كان من الأوائل الذين جلبوا خبراء العالم في الأفلام إلى مقاعد الطلاب. في دورات  سابقة، زار المهرجان جورج شمعون، المدير الفني والإخراجي لمهرجان "فيلم موناكو"، الذي تدرب على يد رومان بولانسكي وأندره تاركوفسكي، كذلك المخرج والمصور السينمائي الفرنسي ألكس روتارو، والمخرج المكسيكي أليخاندرو غونزاليس، وكاتب السيناريو التشيكي بافل جيرش، والممثل البريطاني (النيجيري الأصل) حكيم كاي ـ كظيم.

ويبدو أن ذلك النهج لن يغيب قريبا عن خطط المهرجان: "نعلن قريبا شراكة مع احد أهم مهرجانات السينما في العالم"، يقول لـ"المجلة"، المدير الفني جورج طربيه معددا نقاط قوة "مهرجان أن دي يو": "كل عروضنا مجانية، لدينا أكبر صالة عرض سينمائية على مستوى لبنان تتسع لـ 650 متفرجا، ومسرح اضافي يتسع لـ 400 وثلاثة غيره لورش العمل والندوات". هكذا، يشعر المتقدمون بالأفلام من 86 جهة إنتاج جغرافية كانت وراء تقديم 1343 فيلما صفيت إلى 52، بالارتياح الكبير لحجم الجمهور الذي سيشاهد شرائطهم المعممة.

مهرجان بيروت الدولي للسينما

كذلك يكتسب المهرجان ميزة انتمائه للمكان الوحيد في لبنان الذي حظي بثقة تزويده أرشيف أحد أعرق استوديوهات الإنتاج وأشهرها في عصر بيروت الذهبي منتصف ستينات القرن الماضي: "استوديو بعلبك". إذ "تمتلك الجامعة مختبرا خاصا للترميم وإعادة توضيب، ونعمل على مشروع إعادة ترميم كل أفلام الاستديو"، كما أشار أخيرا رئيس الجامعة الأب بشارة خوري.

ومنذ 2018 يعمل هذا المختبر على مشروع أرشفة مجموعة من أفلام السينما اللبنانية وتحويلها إلى أرشيف رقمي، يصل عددها إلى 350 بكرة. وتكتسب هذه الجهود أهمية كبيرة في ظل الجدال العالمي المثار منذ سنوات حول جهود ترميم وتخزين وضمان الوصول إلى التراث البصري والسمعي للشعوب، الذي لا يقل ثراء وتعقيدا عن نقاش الخرائط.

font change