قرار مجلس الأمن بشأن غزة... البحث عن سد فجوة هيكلية في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي

ماذا بعد التفويض الدولي الشامل

أ ف ب
أ ف ب
أعضاء مجلس الأمن يصوتون على قرار وقف إطلاق النار في غزة، 18 سبتمبر 2025

قرار مجلس الأمن بشأن غزة... البحث عن سد فجوة هيكلية في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي

فشل المفاوضات التي سعت لتحقيق تسوية سياسية قابلة للحياة بين إسرائيل والفلسطينيين خلال العقود الماضية يُعزى بدرجة كبيرة إلى غياب آليات رقابة فعّالة تضمن الامتثال لعشرات القرارات التي أصدرها مجلس الأمن فيما يتعلق بالصراع بين الطرفين.

فالقرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي أيّد خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن غزة، لن يتجاوز حدود البلاغة الخطابية ما لم يُرفق بآلية رقابية على أرض الواقع.

افتقرت الجهود السابقة لإنهاء الصراع إلى إنشاء قوة مراقبة ميدانية ذات تفويض من مجلس الأمن، وبناء عليه فإن جميع ما سُمّي بخريطة الطريق وآليات لدفع "عملية السلام" منذ عام 1948 فشل في أن يتحقق أو أن يؤدي إلى جدول زمني لقيام دولة فلسطينية.

كما أن جميع اللجان والهيئات التي شُكّلت على أمل الوصول إلى السلام بين الطرفين بقيت في معظمها جهودا تنسيقية بلا سلطة تنفيذية على الأرض.

إضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد على الاجتماعات الرسمية رفيعة المستوى، بما في ذلك القمة الأخيرة في شرم الشيخ بمصر، أو على عبارة "حسن النية" التي يكررها بعض القادة الفلسطينيين والإسرائيليين، أثبت أنه غير كافٍ في ظل استمرار العنف وانعدام الثقة العميق بين الطرفين.

ورغم أن مقترحات مثل نشر قوات مراقبة بقيادة أميركية أو مراقبين من أطراف ثالثة قد طُرحت وأحيانا قُبلت من حيث المبدأ، إلا أنها ظلت أفكارا تفتقر إلى السلطة على الأرض أو التفويض الشامل.

وتتضمن خطة ترمب الجديدة لغزة، التي حصلت الآن على تفويض ودعم من مجلس الأمن الدولي، إنشاء قوة دولية مؤقتة في القطاع. وتنص في أحد بنودها على تشكيل "مجلس السلام" لإدارة غزة لمدة عامين، بحيث يشرف المجلس على نزع سلاح حركة "حماس"– وهو مطلب رئيس لإسرائيل– وعلى إعادة إعمار غزة.

هل ستكون تلك القوة بمثابة آلية الرقابة الدولية المرتجاة لتحقيق الاستقرار المنشود حقا؟ 

جوهر هذا المقال يتمحور حول "فجوة التنفيذ" في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فهل هذه القوة المدعومة من مجلس الأمن في غزة يمكن أن تكون خطوة فعّالة لسد هذا لرأب الصدع في آليات التنفيذ؟

نظريا هذه القوة، إذا ما أُنشئت فعلا، ستملك السلطة للتعامل مع أي طرف بالقوة إذا لزم الأمر، مما يمكّن المجتمع الدولي من تجاوز الخطاب وضمان التنفيذ الفعلي للاتفاقيات. ولكن عمليا، قد تصطدم بواقع غزة، وواقع الصراع الأزلي.

نزع سلاح "حماس" واليمين المتطرف الإسرائيلي

تواجه فعالية مثل هذه القوة الدولية لفرض السلام في غزة تحديا عميقا من حركة "حماس"، التي ترفض نزع سلاحها، واليمين الإسرائيلي المتطرف ورئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، الذي أعلن رفضه إقامة دولة فلسطينية.

رفضت "حماس" تاريخيا نزع سلاحها بالقوة، وما زالت تحافظ على وجود مسلح حتى بعد عامين من حرب مدمرة مع إسرائيل، معتبرة نفسها حركة مقاومة شرعية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

أ.ف.ب
فتاة فلسطينية تمرّ قرب إحدى البنايات المدمرة في غزة

وقد كتبت الحركة على تطبيق "تلغرام" بعد صدور القرار أن الخطة "تفرض آلية وصاية دولية على قطاع غزة، وهو ما يرفضه شعبنا وفصائله". وأضافت أن "إسناد مهام وأدوار للقوة الدولية داخل قطاع غزة، بما في ذلك نزع سلاح المقاومة، يجردها من حيادها ويحوّلها إلى طرف في الصراع لصالح الاحتلال".

من المفترض أن قوة الاستقرار الدولية المزمعة ستعمل مع إسرائيل ومصر، إلى جانب قوة شرطة فلسطينية جديدة مدرّبة ومختارة بعناية، للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية وضمان عملية نزع سلاح الجماعات المسلحة غير الحكومية بشكل دائم، بما فيها "حماس".

هذان العائقان يخلقان فجوة هيكلية في التنفيذ قد لا تتمكن قوة دولية مدعومة من مجلس الأمن وحدها من سدّها

لكن نزع سلاح "حماس" قضية معقدة وصعبة، وليس واضحا حتى لحظة كتابة هذا التحليل كيف ستتمكن القوة الدولية الجديدة من نزع سلاح الحركة الفلسطينية، رغم أنها تحظى بدعم دولي لتكون قادرة على تحييد "حماس" وفصائل أخرى في القطاع.

ولذلك فإن رفض "حماس" نزع السلاح يعرّض قوات حفظ السلام لخطر النظر إليها باعتبارها قوة منحازة، مما قد يقوّض شرعيتها ويزيد من هشاشتها أمام هجمات فصائل مسلحة ترفض الوجود الأجنبي، وقد تتعامل معها كأنها قوة احتلال أخرى.

وقد طُرحت عدة دول للمساهمة في قوة الاستقرار الدولية في غزة، بما فيها إندونيسيا وتركيا ومصر، لكن لم تلتزم أي منها حتى الآن بإرسال قوات. كما أنه من المرجح أن ترفض إسرائيل أي دور تركي تحديدا في غزة بعد الحرب. كما أنه من المستبعد أن تشارك الولايات المتحدة بقوات أميركية في تلك القوة.

ويتمثل عائق آخر كبير أمام فعالية القوة الدولية في غزة في اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يطمح إلى إعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية في القطاع. فهؤلاء المتشددون، بمن فيهم أعضاء في الحكومة الحالية، يرفضون أي تنازلات بشأن ما يعتبرونه "أرض إسرائيل"، وهي أيديولوجيا تتناقض بشكل مباشر مع جوهر المساعي المستمرة لإيجاد سلام دائم في الشرق الأوسط.

وهذان العائقان يخلقان فجوة هيكلية في التنفيذ قد لا تتمكن قوة دولية مدعومة من مجلس الأمن وحدها من سدّها. فأي عملية سلام تحتاج أن تكون جزءا من اتفاق سياسي شامل يعالج الأسباب الجذرية لرفض "حماس" نزع السلاح ولأيديولوجيا اليمين الإسرائيلي المتطرف. وقبل معالجة هذين العائقين، فإن أي حديث عن تجاوز مرحلة نزع السلاح والانتقال مباشرة إلى إعادة الإعمار سيكون غير واقعي.

font change