لن نتوه عن ملجأ أسامة غنم في دمشق، ففي حال لم نجده في فسحة "قهوة مظبوطة" المطلة على ساحة النجمة، سيكون منشغلا بإطلاق ورشة مسرحية جديدة، كان فكر في تضاريس خريطتها الأولية فوق طاولة حجرية في ركن من المقهى محاطا بكوكبة من متخرجي المعهد العالي للفنون المسرحية وهواة التمثيل تحت مظلة "مختبر دمشق المسرحي" الذي أسسه عام 2009 كفضاء مسرحي مستقل للتجريب والبحث واستكشاف الطاقات الشابة.
هكذا حقق هذا المختبر منذ تأسيسه إلى اليوم 25 ورشة عمل، ونحو 5 عروض مقتبسة عن نصوص عالمية لطالما كانت خارج اهتمامات الخشبة السورية الرسمية، وذلك بإعادة توليفها محليا برؤية دراماتورجية تضع النص في مهب أسئلة راهنة، وإذا بصمويل بيكيت وتينيسي وليامز وهارولد بنتر وسام شيبرد وفرانز كزافيه كروتز وداريو فو، وآخرين، ينطقون بلغة الضاد في شوارع دمشق، كأنهم سكان أصليون. ولعل ما أضفى مذاقا مختلفا على تلقي هذه العروض، استخدامها فضاءات بديلة مثل قبو في فندق، أو محمصة قديمة، أو ملجأ مهجور، أو صالة لتدريبات الرقص.
من حواضر البيت
ورشة مسرحية أم مخيم غجر متنقل؟ سؤال يدهمنا بغتة ونحن نستعرض مشقة عمل هذه الورشة الطليعية التي استضافت نحو 130 ممثلا وباحثا وهاويا، هاجر معظمهم تحت وطأة الضيق في بلاد عاشت حربا طويلة، إلا أن أسامة غنم رفض مغادرة مكانه، مكتفيا بمائدة من حواضر البيت، وبضيوف من خارجه، وجد في نصوصهم سقفا مفتوحا لحرية عمل المخيلة، من تشيخوف إلى بريخت، وحتى سعد الله ونوس.
المسافة بين عرض "الشريط الأخير" (2009)، عن نص لصمويل بيكيت، و"شمس ومجد" الذي حمل توقيع أسامة غنم، كتابة وإخراجا للمرة الأولى، تنطوي على مجازفات مدروسة في تأصيل مغامرة مسرحية متفردة، وتحديقة مختلفة نحو أثقال الحياة اليومية لجهة العزلة والقسوة والعنف والأحلام المجهضة، كما في عروض "العودة إلى البيت"، و"حدث ذلك غدا"، و"دراما"، و"زجاج" وصولا إلى "شمس ومجد".



