ربما يتساءل قارئ رواية "حكاية جدار" للأسير الفلسطيني المحرَّر من سجون الاحتلال الإسرائيلي ناصر أبو سرور، بعد أن سمع وقرأ خبر إطلاق سراح الكاتب في الفترة الأخيرة، عن شعور نَنّا، حبيبته في الرواية، وهي تراه حرّا بعد أن كانت يئست من حدوث ذلك فغادرت حياته.
الرواية التي صدرت عن "در الآداب" (2022)، حازت أخيرا، بنسختها الفرنسية الصادرة عن "دار غاليمار" بعنوان مختلف، "أنا حرّيتي"، جائزة "معهد العالم العربي" و"مؤسسة جان لوك لاغاردير" في باريس، ويتوقع صدورها بلغات أخرى قريبا.
ننّا، في الرواية، محامية، عائدة إلى أرض جدها وأبيها، تزور ناصر في السجن، وتثمر مقابلاتها له عن علاقة حب متأججة بلهيب الأشواق للحرية بعيدا من الجدار الذي يفصلهما.
ربة خيمة
لا تظهر حكاية حب ناصر لننا في الرواية سوى في الجزء الثاني منها، أما الجزء الأول فيكتب فيه ناصر عن علاقته بالجدار والعائلة والوطن والأصدقاء والحب والانتفاضة، علاقته بكل شيء، وذلك من خلال أسئلة وجودية عن الحياة والأبوة والعائلة والمجتمع وأنواع السلطة والتسلط والقمع: "جئت في عصر العجز والتواطؤ لأسرة هامشية سكنت مكانا هامشيا تملؤه شخوص هامشية، تصدرت أخبارها حناجر من فقدوا القدرة على الصراخ ولا صوت لهم".
يستعيد الكاتب/السارد، في ما يشبه السيرة، ولادته في مخيم للاجئين في بيت لحم التي لا تزال "يُطلق عليها مدينة السلام على الرغم من أنها لم تعرف من السلام إلا غيابه". كان الأب يجهل تاريخ المدينة ويظن أن قصصها خيالية، أما الأم فسرعان ما تتحول من طفلة في قرية إلى ربة خيمة في المخيم. ومع أحوال متغيرة تتبدل الأدوار والمصائر ما بين الأب والأم، وهنا يسرد ناصر بمشاكسة أيديولوجية، معاينته للمحيط: "خالفت أمي ما قرره ماركس بأن الحريات وهم برجوازي، وقامت بتوسيع مساحة الحريات على أنواعها معلنة بدء عهد جديد". فيما ظل الأب يمارس صغير أعماله كبائع ملابس، يذهب معه ابنه ناصر للبيع على "من قصُرت أيديهم، وامتلأت جيوبهم بهواء".


