كانت زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني الأخيرة إلى بكين الأولى من نوعها لمسؤول سوري رفيع المستوى منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد. وينظر كثير من المراقبين إلى هذه الزيارة، التي طال انتظارها، باعتبارها نقطة تحول في العلاقات السورية–الصينية. فالصين، التي كانت يوما الحليف الأشد تمسكا بالأسد، استخدمت مرارا نفوذها الدبلوماسي في مجلس الأمن لتعطيل قرارات تهدد حكمه، بما في ذلك قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في إدلب، التي كانت آنذاك معقلا لـ"هيئة تحرير الشام" بقيادة أحمد الشرع، الذي بات الآن رئيسا للبلاد.
وقد أسفرت الزيارة عن نتائج إيجابية، كان أبرزها اتفاق البلدين على بحث ملف إعادة إعمار سوريا، والتعهد بالتعاون في مكافحة الإرهاب، بما يمهد لعلاقات سورية–صينية قد ترقى إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة المعلنة.
لكن التحديات لا تزال قائمة. من أبرزها قلق الصين من وجود مقاتلين من الإيغور داخل الجيش السوري، إضافة إلى الاطمئنان إلى حدوث استقرار سياسي مستدام. ولا تزال هذه الهواجس تلقي بظلالها على العلاقة الثنائية، وتدفع بكين إلى تبني مقاربة متفائلة ولكن حذرة في تعاملها مع دمشق.
هواجس أمنية بشأن المقاتلين الإيغور
لعب المقاتلون الأجانب دورا مهماً في الإطاحة بالأسد، ومن بينهم نحو خمسة آلاف مقاتل إيغوري غادروا الصين للقتال في سوريا. معظمهم انخرط تحت راية "الحزب الإسلامي التركستاني"، وهو تنظيم انفصالي إيغوري ينحدر من إقليم شين جيانغ غرب الصين. ومنذ سقوط الأسد، جرى دمج هؤلاء المقاتلين في الفرقة الرابعة والثمانين التابعة للجيش السوري، ورقي أحد قادة الحزب في سوريا إلى رتبة عميد، فيما رقي اثنان آخران إلى رتبة عقيد.
ورغم أن عودتهم إلى الصين تبدو مستبعدة، فإنهم يشكلون تهديدا حقيقيا للمصالح الصينية في الخارج، سواء في العراق أو باكستان أو غيرهما، فضلا عن قدرتهم على نشر أفكارهم عبر الإنترنت. لذلك دعت بكين دمشق مرارا إلى الوفاء بالتزاماتها في مكافحة الإرهاب والقضاء على "الحزب الإسلامي التركستاني"، محذرة من أن إيواء الإرهابيين يشبه تربية نمر، وسينتهي حتما بكارثة.
في المقابل، أكدت دمشق مرارا لبكين أنها لن تتحول إلى أرض خصبة للإرهاب. وقد جرى تجديد هذا الالتزام في البيان المشترك الصادر خلال زيارة الشيباني، حيث شددت دمشق على أنها تأخذ المخاوف الأمنية الصينية على محمل الجد، وأنها لن تسمح باستخدام أراضيها للإضرار بأمن الصين أو سيادتها أو مصالحها.
ومؤخرا، امتنعت الصين عن التصويت على مشروع قرار أمام مجلس الأمن الدولي يقضي برفع اسم الشرع من قائمة العقوبات الدولية. ورغم أن الامتناع عن التصويت وعدم استخدام حق النقض جاء بعد خطاب ألقاه المندوب الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة فو كونغ، أكد فيه أن القرار لا يعالج بما يكفي المخاوف الصينية المتعلقة بالإرهاب، فإن هذه الخطوة بدت مشجعة. فهي توحي بأن بكين باتت تعتقد أن دمشق جادة في التعامل مع هواجسها الأمنية.
