لثمانية عشر شهرا، ظل صوت معمر إبراهيم هو الوحيد الذي يخترق حصار الفاشر الممتد، لينقل للعالم ما تعجز الكلمات عن وصفه. مدينة ظلت تحتضر ببطء تحت وطأة الحرب والحصار. كان هذا الصحافي السوداني الشاب واحدا من قلة اختارت البقاء، يوثق أفرادها بكاميراتهم وأقلامهم ما يحدث في عاصمة شمال دارفور، آخر معاقل سيطرة الحكومة في الإقليم، بينما فر آخرون بحثا عن الأمان.
عدد سكان المدينة تناقص تدريجيا خلال أشهر الحصار الثمانية عشر من حوالي مليونين إلى ثلاثمئة ألف بحلول أكتوبر/تشرين الأول. وفي السادس والعشرين من أكتوبر 2025، اجتاحت ميليشيا "الدعم السريع" المدينة، وتحول معمر من شاهد على الجريمة إلى ضحية لها.
ظهرت مقاطع فيديو مروعة، صورها أفراد الميليشيا أنفسهم بفخر مقيت، لتُظهر معمر وهو يتعرض للإهانة والمعاملة المذلة بعد اختطافه من قبلهم وهو يحاول الخروج من المدينة التي فُتحت فيها أبواب الجحيم بعد سقوطها في يد الميليشيا. تلك الصور لم تكن مجرد انتهاك لكرامة إنسان، بل كانت رسالة واضحة من إعلام الميليشيا: من يوثق جرائمنا سيصبح عبرة لغيره. وبينما تتسرب أنباء عن تدهور حالته الصحية وتعرضه لسوء المعاملة المستمر، يبقى السؤال الأكبر معلقا: كم من الانتهاكات يجب أن ترتكبها الميليشيا قبل أن يتحرك المجتمع الدولي؟

اختطاف معمر إبراهيم يمثل انتهاكا فاضحا لاتفاقيات جنيف الأربع، لا سيما المادة الثالثة المشتركة التي تحظر "الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطّة بالكرامة". كما ينتهك بشكل مباشر قرار مجلس الأمن رقم 2222 (لعام 2015) الذي يدين استهداف الصحافيين في مناطق النزاع المسلح.
قضية معمر ليست استثناء، بل هي قطرة في بحر من المعاناة. فوفقا لتقرير لجنة الخبراء المعنية بالسودان الصادر عن الأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني 2025، فإن ميليشيا "الدعم السريع" مسؤولة عن "نمط منهجي من الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري"، مع توثيق مئات الحالات في دارفور وحدها. "منظمة العفو الدولية" وثقت في تقريرها لعام 2024 أكثر من 450 حالة اختفاء قسري في ولاية شمال دارفور خلال الأشهر الستة الأولى من العام، مع احتمال أن يكون العدد الفعلي أكبر بكثير نظرا لصعوبة التوثيق في مناطق النزاع.

