تحول في الجغرافيا السياسية شهدته منطقة "القرن الأفريقي"، يعيد هندسة التحالفات الأمنية والسياسية في حوض البحر الأحمر. ففي خطوة غير مسبوقة كسرت حاجزاً دبلوماسياً استمر لأكثر من ثلاثة عقود، أعلنت إسرائيل اعترافها رسمياً بإقليم أرض الصومال (Somaliland) كدولة مستقلة وذات سيادة، عاصمتها "هرغيسا"، لتصبح بذلك أول دولة عضوا في الأمم المتحدة تتخذ هذا القرار.
وجاء الإعلان عبر "إعلان القدس" المشترك الذي وقعه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعن إقليم أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله (عيرو)، مؤسساً لعلاقات دبلوماسية كاملة وتبادل للسفراء، في خطوة وصفت بأنها تأتي "بروح اتفاقيات إبراهيم".
لكن هذا التحول لم يكن ليحصل لولا التغيرات الداخلية في إقليم "أرض الصومال" في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حيث أُجريت انتخابات أدت إلى تغيير في هرم السلطة، ومهدت الطريق لسياسات خارجية مختلفة عما كان سائداً. فقد أفرزت الانتخابات الرئاسية فوز مرشح المعارضة عبد الرحمن محمد عبد الله، المعروف بلقب "عيرو"، زعيم حزب "وطني"، الذي يمتلك خلفية دبلوماسية، إذ عمل سابقاً في السلك الدبلوماسي الصومالي قبل الانهيار.
وتبنّى "عيرو" مقاربة تهدف إلى كسر العزلة الدولية المفروضة على الإقليم بأي ثمن، بعد ثلاثة عقود من عدم الاعتراف الدولي به، وشكلت هذه المقاربة أرضية خصبة لمفاوضات سرية مع إسرائيل.
القناة السرية... زيارة أكتوبر 2025
لم يكن إعلان ديسمبر/كانون الأول خطوة مستعجلة بالنسبة للإقليم، بل سبقه حراك استخباراتي ودبلوماسي مكثف، وكشفت تقارير إسرائيلية أن الرئيس "عيرو" قام بزيارة سرية إلى إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2025، قبل شهرين من الإعلان الرسمي، حيث التقى بمسؤولين في جهاز الموساد ووزارة الخارجية.
هذه الزيارة، التي رُتبت بعناية بعيداً عن الأضواء، وضعت الأسس الأمنية والسياسية للاعتراف، وركزت على تبادل المصالح الأمنية عبر معادلة "الاعتراف مقابل الموقع الاستراتيجي". وقد وجّه نتنياهو في خطابه الرسمي شكراً خاصاً لرئيس الموساد ديفيد برنياع، ما يؤكد أن الملف أُدير عبر القنوات الأمنية كملف "أمن قومي" إسرائيلي بالدرجة الأولى.
يمثل الاعتراف بأرض الصومال إحياءً وتحديثاً لـ"عقيدة الأطراف" الإسرائيلية، التي تقوم على الوصول إلى مواقع في المحيط الإقليمي بهدف تأمين ممرات رئيسة ومنها الطوق الجنوبي عبر البحر الأحمر. وبالنسبة لنتنياهو، فالاتفاق يمثل تقدماً دبلوماسياً في المنطقة، يحمله معه إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

