لعلنا لا نبالغ كثيرا في ضرورة التركيز بعد عام مضى على إسقاط النظام السابق، أن يتم التركيز الجاد والرصين للبحث في المسألة الأساسية، وهي تحقيق الوحدة الوطنية في سوريا أرضا وشعبا، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، بعد أن تشظت الجمهورية العربية السورية خلال السنوات السابقة إلى مقاطعات وأقاليم يتحكم بها من لا يخطر في باله وفي نيته أن تلتحم هذه الأقاليم وتلك المقاطعات مع انعدام سبب وجودها، في ظل حالة الحرب التي كانت قائمة منذ 2011.
كما انتهى النظام السابق الذي عمل على تفتيت وحدة الشعب والأرض السورية ما وسعه إلى ذلك سبيلا، مدعوما بقوى إقليمية وأخرى دولية، وأخرى ناتجة عن قصور في فهم إدارة الدولة والشعب وتقديم دائرة الانتقام وتوسيعها لتشمل كل الخارطة السورية.
ولم يكن في وسع ذلك الذي كان إلا هذا السبيل. من أجل ماذا؟ من أجل أن يستمر في كرسي الحكم المهزوز والمترنح والمحاط بالوحوش الآدمية التي أوسعت قتلا وتعذيبا واختفاء بحق الآلاف من الشعب السوري، في ظاهرة رسّختها القوى التي كانت تدعمه، والقوى المستفيدة من وجود نظام كهذا، من أجل السرقات، وجني الأموال الحرام، وصولا إلى تشكيل عصابات مختصة بتصنيع المخدرات وتسويقها وتهريبها لدول الجوار وإلى العالم، ومتخفية تحت شعارات باردة وسمجة لا أحد قادر على تصنيفها، وهي شعارات كان ظاهرها شيء وباطنها أشياء أخرى. والضحية هو الشعب في مجموعه ونسبته العظمى، حيث سقط هذا الشعب في الفقر وفي العوز وفي ضياع أية إمكانية لنهوضه، وتخلصه من آلة القتل التي طالت معظم السوريين الذين فقدوا أعزاء لهم، وتحلّوا بالصبر طويلا، وتشتت أكثر من نصف هذا الشعب، وظهرت الرواسب التي نزلت إلى قاع المجتمع، وحفرت في ذهنية السوريين عميقا.
السؤال كان: كيف الخلاص؟ وكان الخلاص بقدرةٍ سماوية وتدبير من لدن من كانوا يرونه قريبا ونراه بعيدا، وكان يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، صباحا أبلج وأغر، ودخل المقاتلون وهم فتيةٌ آمنوا بربهم فزادهم هدى. وكان النصر حليف الشعب الذي قاتل وضحّى، وجاءت لحظة الحقيقة. نعم جاءت أيام الحقائق، واندفع الشعب ليؤيد، إلى الساحات العامة، وتنفّس الناس الصعداء بعد ليل مظلم طويل، وبلاد مكسورة الخاطر، متألمة، وسوريا بلد الخير والنماء كانت في أسوأ أحوالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ماذا علينا أن نفعل؟ وكيف ننطلق؟ وأين البداية؟
أكثر ما آلم السوريين هو تمزيق النسيج الوطني، وتآكله والرغبة في الانتقام، والرغبة في تعليق المشانق ليشفي قلوبا مجروحة ومظلومة. لكن القيادة السورية كانت أكثر وعيا، فلا انتقام ولا احتراب، وإنما الدعوة لكل السوريين للانخراط في التفكير مليا، ماذا علينا أن نفعل؟ وكانت الأسئلة الأكثر إلحاحا كيف ننطلق وأين البداية؟ فسوريا مكبلة بالعقوبات الكثيرة من قبل المجتمع الدولي، ومكبلة بالعقوبات الأميركية، وسوريا لن تقف أمام الذكريات الأليمة لبعض الدول التي شاركت في العدوان عليه.


