الوحدة الوطنية هي المسألة المركزية في سوريا

أعلنت الدولة السورية الجديدة أنها مع الحقوق الثقافية القومية للمكون الكردي، لكنها لا تقبل أن يشكل إقليما مستقلا عن سوريا

رويترز
رويترز
تجمع للسوريين خلال إحياء الذكرى السنوية الأولى لسقوط بشار الأسد، في حلب، سوريا، 8 ديسمبر 2025

الوحدة الوطنية هي المسألة المركزية في سوريا

لعلنا لا نبالغ كثيرا في ضرورة التركيز بعد عام مضى على إسقاط النظام السابق، أن يتم التركيز الجاد والرصين للبحث في المسألة الأساسية، وهي تحقيق الوحدة الوطنية في سوريا أرضا وشعبا، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، بعد أن تشظت الجمهورية العربية السورية خلال السنوات السابقة إلى مقاطعات وأقاليم يتحكم بها من لا يخطر في باله وفي نيته أن تلتحم هذه الأقاليم وتلك المقاطعات مع انعدام سبب وجودها، في ظل حالة الحرب التي كانت قائمة منذ 2011.

كما انتهى النظام السابق الذي عمل على تفتيت وحدة الشعب والأرض السورية ما وسعه إلى ذلك سبيلا، مدعوما بقوى إقليمية وأخرى دولية، وأخرى ناتجة عن قصور في فهم إدارة الدولة والشعب وتقديم دائرة الانتقام وتوسيعها لتشمل كل الخارطة السورية.

ولم يكن في وسع ذلك الذي كان إلا هذا السبيل. من أجل ماذا؟ من أجل أن يستمر في كرسي الحكم المهزوز والمترنح والمحاط بالوحوش الآدمية التي أوسعت قتلا وتعذيبا واختفاء بحق الآلاف من الشعب السوري، في ظاهرة رسّختها القوى التي كانت تدعمه، والقوى المستفيدة من وجود نظام كهذا، من أجل السرقات، وجني الأموال الحرام، وصولا إلى تشكيل عصابات مختصة بتصنيع المخدرات وتسويقها وتهريبها لدول الجوار وإلى العالم، ومتخفية تحت شعارات باردة وسمجة لا أحد قادر على تصنيفها، وهي شعارات كان ظاهرها شيء وباطنها أشياء أخرى. والضحية هو الشعب في مجموعه ونسبته العظمى، حيث سقط هذا الشعب في الفقر وفي العوز وفي ضياع أية إمكانية لنهوضه، وتخلصه من آلة القتل التي طالت معظم السوريين الذين فقدوا أعزاء لهم، وتحلّوا بالصبر طويلا، وتشتت أكثر من نصف هذا الشعب، وظهرت الرواسب التي نزلت إلى قاع المجتمع، وحفرت في ذهنية السوريين عميقا.

السؤال كان: كيف الخلاص؟ وكان الخلاص بقدرةٍ سماوية وتدبير من لدن من كانوا يرونه قريبا ونراه بعيدا، وكان يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، صباحا أبلج وأغر، ودخل المقاتلون وهم فتيةٌ آمنوا بربهم فزادهم هدى. وكان النصر حليف الشعب الذي قاتل وضحّى، وجاءت لحظة الحقيقة. نعم جاءت أيام الحقائق، واندفع الشعب ليؤيد، إلى الساحات العامة، وتنفّس الناس الصعداء بعد ليل مظلم طويل، وبلاد مكسورة الخاطر، متألمة، وسوريا بلد الخير والنماء كانت في أسوأ أحوالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ماذا علينا أن نفعل؟ وكيف ننطلق؟ وأين البداية؟

أكثر ما آلم السوريين هو تمزيق النسيج الوطني، وتآكله والرغبة في الانتقام، والرغبة في تعليق المشانق ليشفي قلوبا مجروحة ومظلومة. لكن القيادة السورية كانت أكثر وعيا، فلا انتقام ولا احتراب، وإنما الدعوة لكل السوريين للانخراط في التفكير مليا، ماذا علينا أن نفعل؟ وكانت الأسئلة الأكثر إلحاحا كيف ننطلق وأين البداية؟ فسوريا مكبلة بالعقوبات الكثيرة من قبل المجتمع الدولي، ومكبلة بالعقوبات الأميركية، وسوريا لن تقف أمام الذكريات الأليمة لبعض الدول التي شاركت في العدوان عليه.

خلال أقل من سنة، نفضت سوريا عن كاهلها كل القيود السابقة، وتم إلغاء العقوبات واحدة بعد أخرى، وأصبح في الإمكان التحرك بكل يسر وسهولة للانطلاق نحو بناء الدولة السورية

وكان التفكير، كما تم، في عودة سوريا إلى محيطها العربي والإقليمي والدولي، وكانت الوقفة الكبرى للمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي والأردن وتركيا، بحد ذاته بداية موفقة، وكانوا مع موعد مع هذا الذي حدث في سوريا.

و"كان وعدا علينا نصر المؤمنين"، كلمات تنبع من المسؤوليات الكبرى التي قالها الله في كتابه العزيز، "ولينصرنّ الله من  ينصره". وبدأت الحكاية من هنا، وبلطف وعمل صالح، كان للموقف الكبير للمملكة العربية السعودية بما لها من ثقل ووزن عالمي وإقليمي، بدأت في فكفكة ما كان يحبط أية محاولة للدولة السورية الجديدة للانعتاق من عقوبات ليس لشعب سوريا فيها ناقة ولا جمل، وكان لقاء الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس دونالد ترمب في السعودية وبوساطة من سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، فكان الدور المشهود، وكانت المصافحة التاريخية بين الرئيس السوري والرئيس ترمب الذي وجد فيه ماضيا قاسيا وقيادة قادرة وثقة في هذه القيادة لتحقيق تطلعات الشعب السوري الذي يملك كل الإمكانات المادية والمعنوية للنهوض والتحرك نحو بناء سوريا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بمساعدة من يود الاستثمار فيها.

سوريا تنفض القيود

وخلال أقل من سنة، كانت سوريا قد نفضت عن كاهلها كل القيود السابقة، وتم إلغاء العقوبات واحدة بعد أخرى، وأصبح في الإمكان التحرك بكل يسر وسهولة للانطلاق نحو بناء الدولة السورية، وأمامها الكثير من الفرص.

أ.ف.ب
الرئيس السوري أحمد الشرع ومحافظ مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية يحملان إحدى العملات النقدية الجديدة في قصر المؤتمرات بالعاصمة السورية دمشق، 29 ديسمبر 2025

وإذا كان قد تحقق ما ذكرنا، فإن النوازع المشبوهة والعميقة، التي تم العمل عليها لسنوات وسنوات طويلة، بهدف واضح وظاهر ومستتر وهو تمزيق الدولة السورية، وتحويلها إلى كانتونات متصارعة، ربما لسنين قادمة، وهذا مشروع استباقي، الهدف منه هو الترحم على النظام السابق الذي كان أسيرا لاتفاقيات وتفاهمات مع دول كثيرة معادية لسوريا لضمان عرشهم وعروشهم المبنية على الرمال والآيلة للسقوط، ولكن من يفهم؟

وفي المقدمة كان العدوان الإسرائيلي الذي شنّ نحو ألف عملية جوية عسكرية، مستهدفا الأسلحة التي اشتراها الشعب السوري من جوعه وفاقته، فدمّر البحرية، ودمر الدفاعات الجوية، ودمر الطيران، حتى الطائرات المنسقة، وبدأ في تحدٍ واضح لتخطي اتفاقية فض الاشتباك الموقعة بين الرئيس حافظ الأسد وإسرائيل بوساطة وزير خارجية الولايات المتحدة هنري كيسنجر، للفصل بين القوات بعد حرب 1973، وهو اتفاق 1974 حيث تقف القوات الدولية حاجزا بين القوات السورية والإسرائيلية لأكثر من خمسين سنة.

إسرائيل تعتدي على سوريا

وجدت إسرائيل فرصتها في ذلك فتقدمت خلف الحاجز الأممي واحتلت مرصدي جبل الشيخ لتطل على دمشق ودول الشرق الأوسط وتراقب، وتقدمت إلى احتلال مساحات قدرت بـ250 كيلومترا مربعا. والأدهى من ذلك أنها تمارس يوميا التدخل في القرى السورية الحدودية وتمارس القتل والاعتقال كما حدث في كل من قرية معربة وكويا بمحافظة درعا، وكما حدث في جباتا الخشب وأوفانيا والحميدية وخان أرنبة مركز محافظة القنيطرة، وفي إزالة الغابة الكثيفة الموجودة بالقرب من بلدة جباتا الخشب والمسماة "غابة السودان". وبدأت تطلب نزع السلاح الثقيل والخفيف من غرب مدينة دمشق إلى الحدود ومن محافظة القنيطرة بالكامل، ومن محافظة درعا بالكامل وإيجاد ممر سموه "ممر داود" للاتصال بينهم وبين السويداء.

كل ذلك حدث ويحدث ولا زال خلال العام المنصرم من عمر الدولة السورية الجديدة، والأكثر من ذلك تحاول إضعاف سيطرة الدولة السورية على محافظاتها فهي تشد عصب الشيخ حكمت الهجري ومجموعته لفك السويداء وجبل العرب عن الدولة السورية الأم، إلى درجة أنهم سمّوها "دولة الباشان"، من أين جاءوا بهذه التسمية؟ هذا هو جبل العرب وجبل سهل حوران، وأن الشيخ الهجري هذا لا ينفك عن الحديث لتشكيل دويلة ليس فيها أية إمكانية للحياة.

الأغلبية الساحقة من أهل الجبل يتوجهون نحو دمشق ولا يمكن أن يقبلوا بالخيانة والتآمر على قطعة عزيزة من الوطن السوري، وهم كابرا عن كابر كانوا مدافعين عن وحدة سوريا

والسويداء أرضا وشعبا جزء لا يتجزأ من الدولة السورية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وشعب السويداء عروبي الأصل والمبتدأ والخبر، وفيه الكثير من المثقفين والانتماءات الحزبية السورية، وهم لا يقبلون عصابة تخطف تاريخهم ومستقبلهم، والأكثرية تعلن كل يوم أنهم جزء من سوريا، ولن يكونوا غير ذلك، وجعلوا من الأحداث المؤسفة التي كانت أصلا وفصلا بين بعض المكون الدرزي، والمكون العشائري البدوي، وقد تأذى كلا الطرفين مما حدث. والدولة السورية قررت في لجنتها تحديد المعتدي والمعتدى عليه، واللجنة الأممية أيضا. وللعلم فإن العشائر البدوية اضطرتها مجموعة الهجري للتهجير، وها هم لا زالوا يعيشون في مخيمات لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء، ودورهم وأملاكهم سطت عليها جماعة الهجري.

والدولة السورية بالصبر المعهود منها وعدم الانزلاق لحرب مدمرة تنال من أهل الجبل أولا، ولو كانت إسرائيل معهم، وهم لا يقبلون أن يحتموا بإسرائيل في أغلبيتهم. لكن هذا شيء فظيع، حيث تقف الدولة السورية في حيرة من أمرها، كيف المآل لحل هذا الإشكال؟ على أن الأغلبية الساحقة من أهل الجبل يتوجهون نحو دمشق ولا يمكن أن يقبلوا بالخيانة والتآمر على قطعة عزيزة من الوطن السوري، وهم كابرا عن كابر كانوا مدافعين عن وحدة سوريا.

أ.ف.ب
أفراد من عشائر البدو على متن شاحنة تسير على طريق في بلدة الطرة، بمحافظة السويداء جنوب سوريا، في طريقها إلى درعا، في 21 يوليو 2025

وفي منطقة الساحل السوري، وخاصة من سكان الجبال وليس اللاذقية وجبلة وطرطوس، هؤلاء كانوا البيادق الذين سخرهم "نظام الأسدين" لمواجهة الشعب السوري، وأعملوا فيه قتلا وتشريدا ومسالخ بشرية، وكان جُلّ القيادات العسكرية والمخابراتية منهم، وهم السلطة الواضحة منذ 1970، إلى موت حافظ الأسد، والشاهد مذابح حماة وجسر الشغور وحمص وحي الطلامسة والمشارقة في حلب، وقد قتل ضباط وجيش رفعت الأسد، وضباط حافظ الأسد نحو 50 ألفا، ودمّروا حماة عن بكرة أبيها. نكّلوا بكل السوريين الذين تعاطفوا مع حماة، واعتقد حافظ الأسد وضباطه القتلة أنّهم دفنوا حماة ومجازرها بالتعاون مع المخابرات الدولية، ولم نسمع والعالم لم يفهم ما حدث، لأن الطمس المتعمد كان وسيلة لفلفة هذه العمليات الإجرامية، وما تلاها من إعدامات ميدانية لآلاف الشباب والنساء التي تلت هذه العملية، وهؤلاء الذين يتحركون في الساحل يشعرون أن العقاب سيطالهم، وأن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، إذن عليهم أن يتحركوا، كيف؟ بشكل مجموعات مسلحة ومدججة ولا يعجبهم ما أعلنته القيادة السورية بعد النصر الكبير.

البراميل والصواريخ

أضف لكل ما تقدم، كيف مارس المزيد من هؤلاء عمليات القتل والتعذيب حتى الموت وقصف المدن والقرى بالبراميل المتفجرة والصواريخ وتدمير الحواضر السورية الشاهدة على إرهاب هؤلاء، وملء السجون التي هي مسالخ بشرية والتعمّق في رمي الغازات السامة والكيماوية على السوريين الآمنين. ووصل تعداد القتلى خلال الأربع عشرة سنة من هذا التغول غير المعقول إلى قتل مليون إنسان سوري، وإلى تغييب نصف مليون إنسان وإعطاب مليوني سوري، ولا زالت المقابر الجماعية التي تكتشف يوميا تدل على جنونهم وجرائمهم، واستقدام 65 من الميليشيات الطائفية وإيران وروسيا لذبح الشعب السوري الذي كانوا يدخلون عليه أنّه شعبهم العظيم.

"قسد" و"مسد" وجبال قنديل، الذين لم يقاتلوا النظام السوري ولم يتحرشوا به، بل استولوا على مقدرات سوريا من البترول والغاز في المنطقة الشرقية الشمالية من سوريا

لكن هؤلاء المجرمين فروا هاربين إلى دول الجوار، وأقصد كبار مجرميهم، فهم موجودون في لبنان عند "حزب الله" شريكهم في قتل السوريين، وهم موجودون في العراق عند شركائهم من جماعة الميليشيات الطائفية، وهم موجودون عند "قسد" في الجزيرة السورية لممارسة العمل ضد وحدة سوريا، وهم موجودون عند الشيخ الهجري، وقادة الدفاع الوطني لـ"باشان الهجري".

وهؤلاء لم يفهموا أن سوريا قد أصبحت خارج السيطرة القاتلة لهم ولكن بإصرار من دول معينة خاصة إسرائيل، وبعض أجهزة المخابرات الدولية، يتحركون بأموال رامي مخلوف السارق الأهم، هو وبشار  الأسد وماهر الأسد. وهم يحاولون الاستنجاد بالشيخ غزال غزال المنسوب لهم وهو على شاكلة الهجري، لكنه لا يدعو للعنف، هو وآخرون من جوقة النظام "البعثي" السابق أو الأسدي السابق، حتى لا نظلم "البعث" لأن حزب "البعث" قومي وعروبي، ولكن هؤلاء طائفيون وانعزاليون وركبوا موجة إسرائيلية تدفعهم، والهدف هو الدعوة لإقامة كانتون طائفي علوي في الساحل السوري. حتى العلويون في معظمهم ضجوا منهم ويكرهونهم، لقد بنيتم القصور وجلبتم الكهرباء والماء والطرق لقصوركم، وتركتم الضيع العلوية تعاني الفاقة والحرمان، وأصبحت الشُّقة بعيدة بينكم وبينهم.

ماذا يريدون؟

هؤلاء أصحاب السوابق والملاحم والمجازر، ماذا يريدون؟ هم لا يستطيعون أن يحركوا قرية أو ضيعة في جبال العلويين لأنهم منبوذون، ولا زالت أعمالهم الخسيسة تدل عليهم، ولا زال الفقر الذي يلف أهاليهم شاهدا على الاستهتار بهم، هؤلاء الغالبية العظمى من العلويين كانوا وقودا لحرب شنتها العصابة على السوريين، ففقدوا أبناءهم ليدافعوا عن كراسي بيت الأسد ومن لف لفه، وتشير إحدى الإحصائيات أن القتلى من شبابهم يزيدون على 150 ألفا، فماذا يريد هؤلاء المغامرون المرتبطون بأجندات خارجية؟

أما "قسد" و"مسد" وجبال قنديل، فهؤلاء الذين لم يقاتلوا النظام السوري ولم يتحرشوا به، بل استولوا على مقدرات سوريا من البترول والغاز في المنطقة الشرقية الشمالية من سوريا، حقول النفط في الحسكة والشدادي، وكونكو، وعمر وتيم والتنك، بدأوا يتاجرون بالنفط السوري تجاه إقليم كردستان وتركيا وسوريا، وسوريا هذه التي هي صاحبة النفظ وحقوله تشتري النفط منهم. لقد كسبوا مليارات الدولارات من بيع النفط والتصرف به، وتخريب آبار النفط.

أ.ف.ب
جندي من قوات (أندوف) يقف حارسا في نقطة مراقبة بمدينة القنيطرة قرب الحدود مع مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل في جنوب سوريا في 21 سبتمبر 2025

كما أن هذه المنطقة التي تشكل 28 في المئة من مساحة سوريا وتشمل محافظات الرقة-دير الزور، الحسكة، يشكل إنتاج الحبوب منها نحو 75 في المئة من إنتاج سوريا، وكذلك القطن وتربية المواشي كالأغنام والأبقار، هذه منطقة غنية بكل شيء تسكنها عشائر عربية معروفة، وقد سطت جماعة "واي بي جي" ومعهم بعض الكرد وليس كلهم، وشكلوا "قسد" و"مسد" وتحالفوا مع الولايات المتحدة التي تدفع لهم ميزانية سنوية تصل إلى 150 مليون دولار، كما أن نسبة الكرد في الرقة ودير الزور صفر في المئة، وفي الحسكة نحو 28 في المئة في قرى متناثرة، وهم ينتمون لعدة أحزاب في غالبيتها تؤيد الدولة السورية الجديدة، لأن منهم من ناضل ضد النظام السابق.

لأن الوحدة الوطنية غير قابلة للمساومة، فإنها في ضمير السوريين الذين تعايشوا مع بعضهم البعض، قبل أن يأتي طوفان الطائفية والحكام المستبدين

وقد أعلنت الدولة السورية الجديدة أنها مع الحقوق الثقافية القومية للمكون الكردي، لكنها لا تقبل أن يشكل إقليما مستقلا عن سوريا، لأنه ليس كذلك، ولا يشبه إقليم كردستان في شمال العراق، كما قال الرئيس مسعود بارزاني ورئيس الإقليم السيد نجيرفان بارزاني لي، بأن من مصلحة "قسد" و"مسد" الانضواء تحت راية الجمهورية العربية السورية، وقد تم توقيع اتفاق 10 مارس/آذار 2025 بين الرئيس السوري وقائد "قسد" مظلوم عبدي، وتم طرح الاندماج الكامل في الدولة السورية جيشا وسياسة وإدارة محلية كما في المحافظات السورية الأخرى. وللعلم فإن "قسد" و"مسد" وقواتهما العسكرية يشكل فيها العنصر العربي نحو 75 في المئة، لكن القيادة في جبال قنديل، وهؤلاء يعيقون عملية الاندماج، لأن الاندماج يعني التخلص من القيادات غير السورية أصلا.

ولا زال الانتظار الممل والتحايل قائما، ومع نهاية المدة المحددة للاندماج مع نهاية هذا العام، فإن الجهد الأميركي والسوري وأجزاء من "قسد" و"مسد"، تحاول الوصول إلى حل وفق مبدأ التفاهم دون الانجرار لحرب قد يكون الخاسر الأكبر فيها هم السوريون، سواء كانوا عربا أم أكرادا.

وبعد هذا الذي قدّمنا، تبدو المسألة الوطنية السورية ووحدة الأراضي السورية والشعب السوري هي القضية المركزية التي يجب التركيز عليها دون الإخلال بها، لأن سوريا لا تقبل القسمة ومن يركز على ذلك خاسر لا محالة، ولكن التعقل والنظر لمصلحة سوريا والسوريين تضع هذه الأزمة المتعددة الأطراف ومحركاتها الخارجية الداخلية في عين العاصفة، فلا الدولة السورية تقبل بالطروحات إياها، ولا الشعب بعمومه، وهو القوة الأكيدة التي يستند إليها النظام القائم ويحدد توجهاته من أجل بلورة الوحدة الوطنية الحقيقية للتراب السوري والشعب لكي تنصرف الدولة نحو البناء والإعمار وتحقيق مستويات متقدمة من العيش للشعب السوري.

ولأن هذه الوحدة الوطنية غير قابلة للمساومة، فإنها في ضمير السوريين الذين تعايشوا مع بعضهم البعض، قبل أن يأتي طوفان الطائفية والحكام المستبدين ليجعلوا من سوريا مجالا حيويا لأطماع إسرائيل ومن يغزل على منوالها.

font change