جيجي حزيمة لـ"المجلة": معظم ما يحدث في الخارج مصدره ذواتنا

بعد عرض فيلمها "ثم يأتي الشتاء" في باريس

المخرجة جيجي حزيمه

جيجي حزيمة لـ"المجلة": معظم ما يحدث في الخارج مصدره ذواتنا

عرضت المخرجة السعودية جيجي حزيمة فيلمها "ثم يأتي الشتاء" مساء الأحد الماضي في إحدى أشهر دور السينما في باريس، ضمن عروض أفلام السينما السعودية المستقلة، والمتضمن فيلمين قصيرين، "سُبحة" للمخرجة ريم البيات، و"محض لقاء" للمخرج محسن أحمد. الفيلم يحفر في أعماق الألم الإنساني رغم محيطه الصاخب بكل ما هو مرعب ومدمر.

بدا الفيلم الذي شارك في تمثيله عدد من الممثلين الأميركيين إلى جانب ممثل فرنسي (جان- كاليكست غروس- أندري) امتدادا لجواهر السينما التي تهتم بكل ما هو حميمي وخاص بالإنسان، ذلك الذي يعيش أجواء اضطرابات اجتماعية وكوارث حروب تحول دون النظر إلى ما هو داخلي فيه، أو الإصغاء إلى صرخاته المكبوتة.

الموت هو الحياة

منذ البدء نرى أشجارا تتهيأ لدخول الشتاء، وفي أجوائها طلقات تأتي من بعيد، تثير الخوف والرعب والتساؤلات لدى عائلة ريفية لا تعرف كيف تتصرف مع حال كهذه، فيرتد الحوار بينها إلى الداخل، إلى حديث عن الحياة والموت، إذ "الموت هو الحياة"، كما تقول إحدى الشخصيات. المخرجة التي كتبت القصة والسيناريو، لا ترى في الموت نهاية لكل شيء، بل قد يكون بداية لشيء ما، كما هي الحرب، "فلا توجد حرب غير منتهية، سوى الحرب التي في داخلنا".

أنجذب إلى كل ما هو نفسي في الإنسان، وأنظر دائما إلى ما هو في داخله. أحب أن أركز على العاصفة الداخلية، عاصفتنا

سبق لجيجي أن قدمت العديد من الأفلام أبرزها "هو ينتمي لنا" و"مكان مهجور" و"ذلك الشعور الذي"، وقد اتخذت في تجربتها الفنية هذا المنحى لتكون قريبة من هواجس الإنسان وعذاباته الشخصية. ففي هذه الأفلام تصور إشكاليات الوحدة والاكتئاب، والعيش بعد تجربة انتحار، والعلاقات المنبعثة من الماضي مع مشاعر الفقدان والندم.

المخرجة جيجي حزيمه

في مقهى بباريس التقيناها مع زوجها الأميركي هاري شيلد، الذي يشاركها في إنتاج الأفلام، وسألناها عن وجهتها الفنية التي تهتم بالمشاعر الإنسانية أكثر من أي جانب آخر فقالت لـ"المجلة": "في كتابتي للقصة وصناعة الأفلام أنجذب إلى كل ما هو نفسي في الإنسان، وأنظر دائما إلى ما هو في داخله. أحب أن أركز على العاصفة الداخلية، عاصفتنا. هناك كثير من الأفلام تتناول ما يحدث في الخارج، من أحداث سياسية واجتماعية. لكن ما يهمني أكثر هو الاقتراب من المشاعر الإنسانية، من خلال التساؤل عن الأشياء التي تخيفنا أو تحفزنا على التفكير. أظن أن معظم ما يحدث في الخارج منبعه ومصدره ذواتنا".

حروب داخلية

لذا بدت الحرب في الفيلم خلفية لحروب داخلية لا نهاية لها، مع أن جيجي تظن أن لكل حرب نهاية، مهما تلتها حروب. في هذا الفيلم لا يوجد مكان محدد تحدث فيه الحرب، قد يظن المشاهد لوهلة أنه أمام مشهد في أوكرانيا أو في بلد في الشرق الأوسط أو غيرهما، لكن هذا المشهد الخارجي لا يدوم طويلا، إذ سرعان ما تعود الكاميرا إلى حروب أخرى داخل جدران منزل، قد تكون أثناء الاستيقاظ أو مع الطبخ، أو حتى أثناء النوم على هيئة صرخات مكبوتة تتراكم في اللاوعي وتغدو ملازمة للأحلام.  

هل تتحدث جيجي عن تجربة شخصية في هذا الفيلم؟ تقول إنها تستعيد ذكرى من حرب الخليج بين العراق والكويت وهي في التاسعة من عمرها في السعودية، حيث كانت أمها تجمع أولادها لتضمهم بين ذراعيها أثناء سماع صفارات الإنذار.

المجلة
مشهد من فيلم "ثم يأتي الشتاء" للمخرجة جيجي حزيمه

في الفيلم، نرى مشهدا مؤثرا، حيث نجد أفراد عائلة يجتمعون وهم يلبسون الأقنعة الواقية أثناء صفارات الإنذار، إذ يتقاربون بحميمية وكأن الخوف قد وحدهم. وبقدر ما بثت الصفارات الرعب والخوف في نفوسهم، بدت إنذارا دائما بحدث جلل على الجميع التنبه له.

مع ذلك، تكتفي المخرجة بتصوير اللحظة، فنشاهد الوجوه قبل الأقنعة وبعدها في وهج تعبيري نادرا ما نجده في السينما العربية. وجوه تقول بحركتها التعبيرية البطيئة كل شيء. إذ تقابل صفارات الإنذار المفزعة حوارات صامتة، وحركة عيون والتفاتات، ورغبات ومشاعر وفقدان لأشياء غير مرئية لا يمكن قولها  بالكلمات.

المجلة
مشهد من فيلم "ثم يأتي الشتاء" للمخرجة جيجي حزيمه

سينما بلا حدود

تقول جيجي حزيمة: "أنا أعتز كثيرا بكوني سعودية"، لكنها كفنانة، ترفض حصر هوية الفنان أو منتجه السينمائي في مكان الولادة، أو البلد الذي جاء منه، أو من خلال لون بشرته والمواضيع التي يتناولها. تعتقد أن من حقها عمل ما تراه مناسبا في أفلامها. وتقول "إن هذا التصنيف يقتل الفن، يقتلني أنا شخصيا. كثيرا ما أتلقى انتقادات في المهرجانات، فأسمع قولهم إنني سعودية، لذا يتساءلون عن وجود السعودية في أفلامي. ولا أعرف من أعطاهم الحق في أن يقولوا لفنانة ما يجب أن تعمله".

الطريق الأمثل يكمن في تشجيع ودعم السينما المستقلة، لأن هذا الدعم كفيل إيجاد نهضة فنية أكثر رسوخا وإبداعا

نشأت حزيمة في وقت لم يكن للسينما حضور في المملكة. كانت كلمة "مخرجة" تبدو غريبة على أسرتها حين قالت لهم إنها ستمتهن الإخراج السينمائي، بعد دراستها في بريطانيا والولايات المتحدة. وهي، وإن كانت لا تستهين بالتعبيرات السينمائية الأخرى، قررت أن تعبر في أفلامها عن نفسها كإنسانة، وعن هواجسها كفرد.  لذا، يمكن القول إن المقولة المعتادة في عالم الأدب والفن التي تشير إلى أن المنجز الفني المحلي هو بالضرورة مدخل إلى العالمية، ليست صحيحة دائما. فها هي وقد درست تجارب سينمائية متعددة، تبرهن أن من الممكن عمل فيلم سينمائي يتجاوز الحدود من دون الاعتماد على هوية مكانية أو ثقافية، فـ"الفن ليس له هوية أو حدود" كما تقول، كما أن الممثلين في أفلامها من جنسيات متعددة، ويتحدثون الإنكليزية مع وجود ترجمات.

المجلة
مشهد من فيلم "ثم يأتي الشتاء" للمخرجة جيجي حزيمه

النهوض الفني

اللافت في العروض الأخيرة في باريس، أنها عكست مدى اتساع الأنشطة الثقافية في المرحلة الراهنة في السعودية لتشمل الكثير من الفعاليات الاجتماعية غير المؤطرة بالمؤسسات الرسمية. فالفنانة جيجي حزيمة رغم مجيئها من الولايات المتحدة، فضلت أن تكون الفعالية تحت عنوان "السينما السعودية المستقلة".

ولا تخفي حزيمة ارتياحها للانفتاح الثقافي في بلدها خلال السنوات الأخيرة "الذي أدى إلى وجود حركة ونهضة سينمائية بغض النظر عن مستوى الأفلام وجودتها". وتقول إن "الطريق الأمثل يكمن في تشجيع ودعم السينما المستقلة، لأن هذا الدعم كفيل إيجاد نهضة فنية أكثر رسوخا وإبداعا".

font change

مقالات ذات صلة