الحرب العالمية ممكنة في الثمانينات

الجنرال جون هاكيت لـ«المجلة»:

الحرب العالمية ممكنة في الثمانينات

الحرب.. هل تقع؟

ما رأي العسكريين في إمكان وقوع الحرب العالمية الثالثة ؟
يظل الحديث عن احتمالات الحرب العالمية نظريا إلى أن يعالجه العسكريون أنفسهم..
من هذا المنطلق التقت «المجلة» الجنرال السير جون هاكيت صاحب کتاب «الحرب العالمية الثالثة» الشهير، وسألته رأيه.
في الوقت نفسه طلبت «المجلة» من خبيرها العسكري في باريس بول تيبو أن يضع سيناريو للحرب الثالثة استنادا إلى معلوماته وآراء الخبراء العسكريين الأوروبيين في هذا الشأن..
فكتب تصورا لانفجار الحرب مختلفا عن التصورات الأخرى المتداولة وفي ما يأتي المقابلة مع الجنرال هاکیت وسيناريو الخبير العسكري:

الجنرال جون هاکیت قائد متقاعد في الجيش البريطاني، كان قائدا لقوات الحدود في فلسطين زمن الانتداب البريطاني، ثم تولى قيادة قوات البحرية البريطانية في الراين، قبل أن يصبح عضوا في قيادة قوات الحلف الأطلسي في بروكسل. له من العمر 69 سنة، وقد لقي كتابة الأخير- الحرب العالمية الثالثة، الذي صدر سنة 1978 رواجا كبيرا، وترجم إلى لغات عديدة، واعتبره المسؤولون في الدوائر العسكرية الأوروبية أول توقع منطقي لاحتمالات حرب عالمية جديدة..

* سالنا الجنرال هاكيت: هل تعتقد أن الظروف القائمة حاليا في العالم تبرر الحديث عن حرب عالمية ثالثة؟
- أعتقد أن الحرب العالمية الثالثة ممكنة، لكنها في هذا الوقت ليست محتملة. إنها ربما أكثر احتمالا مما كانت قبل أشهر أو قبل سنوات، لكنها لیست محتملة كثيرا، بمعنى أنها ليست حتمية، لأنه يجب أن تقع أزمات متعددة في وقت واحد، كي تشكل سببا للحرب الثالثة. وفي هذا الوقت لا أعتقد أن هذه الأزمات قائمة. طبعا هناك مشاكل في العلاقات الدولية، لكن احتواءها لا يزال ممكنا في هذا الوقت.

* أنت متهم، من خلال كتاب «الحرب العالمية الثالثة»، أنك مبشر بالحرب، لأنه بينما الناس يتحدثون عن السلام وعن الوفاق، كان حديثك أنت عن الحرب، هل تعتقد أن كتابك كان مجرد سيناريو للحرب، أم أنه كان خرافة علمية؟
ـ أنا لست مبشرا بالحرب، لكنني رجل واقعي، فنشوب الحرب أمر ممكن، لكنني أريد أن أقنع الناس أن هذه الحرب يمكن تلافيها، ومن أجل تجنب الحرب وضعت هذا الكتاب، فإذا كان التقاء الأزمات عاملا لإشعال الحرب فمن الضروري احتواء هذه الأزمات وضمان الاستقرار في العلاقات الدولية مما يحقق التوازن بين الكتلتين الدوليتين.

* ما هي الوسائل المتوافرة لاحتواء هذه الأزمات؟
ـ يجب الاستعداد أولا لتجنب الحروب التقليدية عن طريق المحافظة على قوة الغرب، فإذا أصبحت قدرات الغرب ضعيفة في مجال الأسلحة التقليدية، فإننا نصبح أمام أحد خيارين إما الخضوع للنفوذ السوفياتي أو مواجهة احتمال الحرب النووية، وما أريد تلافية هو الوصول إلى قرار يفرض علينا الاختيار بين الخضوع الكامل للشيوعية أو الحرب النووية. وأعتقد أننا إذا أمنا الإمكانات الدفاعية، استطعنا مواجهة هذا القرار لأنه إذا أصبحت إحدى الكتلتين الدوليتين ضعيفة، فسيكون هناك خطر أزمة، لقد أشعل عمل صغير مثل اغتيال أرشيدوق النمسا الحرب العالمية الأولى، الآن أيضا هناك أزمات يمكن أن تكون خطيرة على السلام العالمي. فإذا انقطع النفط عن الغرب، يمكن أن يكون ذلك بمثابة أزمة خطيرة، وإذا حصل شيء من نوع التدخل السوفياتي في مناطق النفط فإن ذلك سيؤدي حتما إلى الحرب، وليس مهما في ذلك الأسباب، سواء كانت بسبب سقوط الشاه في إیران، أم لأسباب أخرى. والخطر نفسه قائم في البحر الكاريبي حيث يتسع النفوذ الشيوعي ويمتد من كوبا إلى نيكاراغوا إلى جامايكا، ويطوق الولايات المتحدة في إحدى مناطق أمنها الحساسة.

* هناك حديث عن حاجة الاتحاد السوفياتي للنفط قبل سنة 1983. هل تتصور أن من الممكن تلافي الأزمة الدولية عن طريق اقتسام النفط بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، أي عن طريق «يالطا نفطية» بين الدولتين؟
ـ إن هناك سببا أساسيا لا يسمح للاتحاد السوفياتي بالتدخل لقطع النفط عن أميركا، وهذا السبب لا يذكره أحد من المعلقين، فالمحاصيل الزراعية في الاتحاد السوفياتي عاجزة عن تأمين الحبوب اللازمة للمواطنين، والسوفيات يحصلون على قسم كبير من غذائهم من الولايات المتحدة ولذلك فإن من مصلحة الاتحاد السوفياتي أن لا يقطع النفط عن الغرب.

* المتداول في الأوساط العسكرية أن الحلف الاطلسي أضعف في إمكاناته الدفاعية من حلف وارسو. ألا ترى أن هذا الوضع يمكن أن يشكل خطرا على التوازن الدولي؟
- صحيح أن الحلف الأطلسي أضعف من حلف وارسو في الأسلحة الوقائية، ولكن ما يستطيع الغرب أن يفعله أهم بكثير مما يمكن أن يفعله السوفيات، فقدرات الغرب أكبر، ولكن على الحلف الأطلسي في كل حال أن يرفع مستوى أسلحته إلى ما هو في مستوى الروس، إن لم يكن أكثر. وعندها ستقل إمکانات الحرب. وإذا لم يفعل ذلك فإننا سنجد أنفسنا في أحد الأيام خاضعين للنفوذ السوفياتي.

* الصين قوة كبرى
* لكن السوفيات يقولون إن نواياهم سلمية، فقد بدأوا سحب قواتهم من ألمانيا الشرقية، وعرض بريجنيف إعادة توحيد ألمانيا إذا نزع الغرب أسلحته منها؟
ـ عرض بريجنيف مجرد خرافة. فالوفاق بالنسبة إلى السوفيات مجرد تكتيك، بينما الوفاق بالنسبة إلى الغرب أمل يمكن عن طريقه الوصول إلى السلام.
إن السوفيات يستطيعون خلال 24 ساعة أن يصلوا إلى أوروبا الغربية، ولكن إذا سحبت الولايات المتحدة أسلحتها من أوروبا الغربية، فإنها ستكون أبعد من ذلك بكثير.

* هل تعتقد أن الخلاف الصيني ـ السوفياتي يمكن أن يشكل سببا من أسباب الحرب العالمية؟ وما هو الحجم الذي تحتله الصين في هذه الحرب إذا وقعت ؟
- الصين قوة كبرى في منطقة جنوب شرق آسيا فالحرب محتملة مثلا بين الصين وفيتنام والاتحاد السوفياتي لا يخاف من نتائج هذه الحرب. ولكن الصين ليست في هذا الوقت عاملا في الحرب العالمية، يمكن أن تصبح الصين قوة عسكرية دولية بعد عشر سنوات، ولكن ليس الآن، فالمسألة ليست فقط بالمدافع والدبابات، بل بالرجال الذين يعرفون استخدام هذه الأسلحة بطريقة فعالة.

* ماذا عن الانفتاح بين الصين وأوروبا؟ ما هي فائدة هذا الانفتاح بالنسبة إلى الغرب؟
- هذا الانفتاح مفيد من النواحي السياسية والاقتصادية. لكنني لا أرى أن له فوائد على الصعيد العسكري. نريد إقامة علاقات وثيقة مع الصين، سياسيا واقتصاديا ولكن دون نوايا عسكرية، لا ضد الاتحاد السوفياتي ولا ضد غيره. يمكن أن تأتي هذه المرحلة في ما بعد، لكنها ليست هدفا بالنسبة إلى الغرب في الوقت الحاضر.

* أین هي النقاط الحارة في العالم التي تراها محتملة كمناطق انفجار الحرب العالمية في الثمانينات؟
- أولا، أريد أن أقول إن الحرب العالمية الثالثة يمكن أن تقع في الثمانينات. لكن هذا الاحتمال ليس من النوع الأكيد. أما مناطق النزاع، فهناك النفط، كما قلت سابقا. ثم هناك أمن الولايات المتحدة وأمن الاتحاد السوفياتي. الآن من واجب الغرب تخفيف عامل الخوف لدى الروس، وكذلك من واجب الاتحاد السوفياتي تخفيف هذا العامل لدى الغرب. فاستقرار الديمقراطيات الغربية أمر أساسي، قيام نظام شيوعي في فرنسا أو في بريطانيا مثلا سيكون خطرا كبيرا على أوروبا. في أفريقيا هناك أيضا نقاط انفجار كثيرة ونجاح اللورد کارنغتون (وزير الخارجية البريطاني) في إيجاد حل لأزمة روديسيا، يمكن أن يؤدي إلى ضمان الاستقرار في أفريقيا الجنوبية ولكن إذا فشل تطبيق هذا الحل، ستظل المشكلة قائمة.

* وقضية الشرق الاوسط؟
- لا أرى أن الغرب يفهم جيدا قضية الفلسطينيين والقدس. أنا من رأي صديقي اللورد گارادون أن مفتاح حل أزمة الشرق الأوسط هو وضع القدس. وإذا لم تحل المشكلة، لن يكون هناك سلام.

* جنرال هاکیت، عندما تتحدثون في الغرب عن احتمال قيام أزمة نامية، تتجاهلون أن معظم الدول النفطية صديقة للغرب. من أين يأتي خطر قيام هذه الأزمة؟
- هناك خطر وقوع حادث من نوع سقوط شاه إیران مثلا، فالاتحاد السوفياتي يسعى الآن إلى ممارسة سياسة خطيرة جدا في منطقة الخليج، وبين أفغانستان وعدن يقوم الروس بتطويق المنطقة ضمن دائرة نفوذهم. لا أعرف إذا كانوا سينجحون في ذلك، لكن هناك خطرا من هذه الخطة السوفياتية.

لا تغيير في السينارية
* لو أردت أن تكتب من جديد سيناريو الحرب العالمية الثالثة في هذا الوقت، ماذا يمكن أن يتغير في تصوراتك؟
ـ لا أعتقد أنه سيتغير الكثير، عندما فكرنا أنا ورفاقي الذين اشتركوا معي في تأليف الكتاب، بإعادة طبعه، تدارسنا ماذا يمكن أن يتغير. وكنا متفقين على أن كل العناصر لا تزال صالحة، ولكن هناك طبعا عوامل جديدة حصلت في العالم، فشاه إیران سقط مثلا، مع أنه في الكتاب يلعب دورا رئيسيا في الخليج، وهناك أيضا انتخاب بابا بولوني لقد كنت أتمنى لو أضفت هذا الحدث، لأنه في أهمية سقوط الشاه. لكن في النهاية ليس ضروريا تغيير الكتاب، لأنه مجرد نموذج للحرب، وليس صورة حقيقية لها.

* هل تعتقد أن البابا البولوني يمكن أن يلعب دورا في الحرب العالمية الثالثة؟
- إن خطوط الاتصال بين الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية تمر في بولونيا. والبولونيون لا يحبون الروس. فهم كاثوليك وليسوا مارکسیین حقيقيين، وزيارة البابا في السنة الماضية لبولونيا زادت من حماسة الناس للدين ضد الماركسية، إن هذه التطورات تشكل خطرا على أمن الاتحاد السوفياتي، ويمكن أن تهدد الاستقرار في أوروبا.

* ما هي أهمية ألمانيا في التوازن الأوروبي؟ ولماذا تعتبرون وضعها أكثر دقة من أي بلد أوروبي آخر؟
ـ إن الروس يخافون من ألمانيا الغربية. فهم يعتقدون أن المانيا الغربية لا تزال نازية، وأن حلمها لا يزال تدمير الاتحاد السوفياتي. بالإضافة إلى ذلك ألمانيا هي أهم بلد في أوروبا من النواحي الاقتصادية والصناعية. وأكثر دول أوروبا تقاربا مع الولايات المتحدة، وبالنتيجة فإن الاتحاد السوفياتي يعتقد أن أكبر خطر من جانب الغرب يأتي من ألمانيا كدولة نازية. وكدولة قوية صناعيا. إن حدیث بريجنيف عن إعادة توحيد ألمانيا هو مجرد تكتيك لأنه إذا كانت هناك ألمانيا موحدة، فستكون زعيمة العالم الشيوعي، والاتحاد السوفياتي يصبح عند ذلك في الدرجة الثانية.

* وهل هناك احتمال في إعادة توحيد ألمانيا؟
- هذا الاحتمال غير وارد. وآمل أن لا يحصل فليس الروس وحدهم الذين يخافون ذلك الأوروبيون أيضا يخافون من توحيد ألمانيا.

========================

حرب المستقبل في الفضاء

في الثاني عشر من أكتوبر (تشرين الأول) 1979، عقد في واشنطن لقاء سري بين أعضاء اللجان الدفاعية التابعة لمجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، وعدد من ممثلي الصناعات الإلكترونية والشركات المهتمة بشؤون الدفاع الجوي النووي، تم خلاله عرض مشروع دفاعي متطور يعتبر فاتحة عصر جديد في مجال الحروب الفضائية.
في هذا اللقاء تولى شرح التفاصيل المتعلقة بهذا المشروع، الذي يبدو خياليا تماما، خبراء تابعون لشركة لوكهيد وشركة تي آر دبليو، ومختبرات درابـر، وبركان المر، السؤال الوحيد الذي طرحه الحاضرون في الاجتماع هو: كم تبلغ كلفة هذا المشروع؟
- وقد أوردت الصحف الأميركية، في ما بعد بعض الخطوط العريضة حول هذا المشروع وهي تتعلق بإقامة محطات فضائية تسبح في فلك محدد على ارتفاع 800 ميل عن سطح الأرض، ومجهزة بأشعة ليزر، قادرة على تدمير الصواريخ النووية السوفياتية خلال أجزاء من الثانية، على بعد ثلاثة آلاف ميل ولحظة انطلاقها من قواعدها. وبإمكان كل من هذه المحطات الإشراف على ألف صاروخ، وهي قادرة على تحويل اتجاهها نحو أهداف جديدة كلما انتهت من ضرب هدفها السابق.
وتشير تقديرات الخبراء المشرفين على هذا المشروع إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى 24 محطة من هذا النوع للإشراف على الكرة الأرضية بأكملها والتصدي لأي هجوم نووي أيا كان مصدره: الأرض أو الجو أو البحر. وستكون هذه المحطات جاهزة للعمل خلال العام 1986، في حال الموافقة على إقامتها وستسمح للولايات المتحدة بتحقيق السيطرة المطلقة عند اندلاع أي حرب فضائية بينها وبين الاتحاد السوفياتي وتستهدف هذه المحطات الفضائية المزودة باشعة «ليزر» كما يقول السيناتور الجمهوري مالكولم والسب عضو اللجنة الخاصة بالمخابرات السرية في مقال له نشرته حديثا مجلة «استراتيجيك ريفيو» الأميركية: «التعرض لأهداف محض عسكرية دون إلحاق الأذى بالسكان المدنيين. فهذه الأسلحة المتطورة تسمح بتجنب زهق الأرواح البريئة (ماعدا رواد الفضاء مشؤومي الحظ) أو تدمير المدن، لكنها قد تؤدي إلى بعض الحروق في حال تعرضها خطأ للمدنيين»، وأكثر المدنيين تعرضا لهذه الأخطار هم بالطبع السوفيات. ويبدو أن استخدام أشعة «ليزر» في المجالات الدفاعية شكلت العمود الفقري للأبحاث والتجارب العسكرية الأميركية، خلال العقد المنصرم.
ويبحث الخبراء العسكريون الأميركيون كذلك حاليا، إمكانية إقامة شبكة صواريخ استراتيجية متحركة في باطن صحراء نيفادا وفي أوتا، تكون بمثابة رادع نووي يمنع السوفيات من القيام بتوجيه الضربة الأولى إذ إنه سيكون من الصعب جدا على أقمار التجسس السوفياتية تحديد المواقع التي توجد فيها الصواريخ النووية الحقيقية والواقع أن مخاوف الأميركيين من قيام السوفيات بتوجيه الضربة النووية الأولى دفعت العلماء في الولايات المتحدة إلى تطوير الأجهزة الدفاعية بشكل يتخطى أحيانا في تصوراته حدود الخيال.

font change