الملك سلمان: نحث المجتمع الدولي على تكثيف الجهود لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وضمان خلو منطقة الشرق الأوسط منها

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.

الملك سلمان: نحث المجتمع الدولي على تكثيف الجهود لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وضمان خلو منطقة الشرق الأوسط منها

شدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على ضرورة العودة لتغليب صوت الحكمة والعقل وتفعيل قنوات الحوار والتفاوض والحلول السلمية بما يوقف القتال ويحمي المدنيين ويوفر فرص السلام والأمن والنماء للجميع، مؤكداً موقف بلاده الداعم للجهود الدولية الرامية إلى إيجاد حل سياسي يؤدي إلى إنهاء الأزمة الروسية - الأوكرانية، ووقف العمليات العسكرية بما يحقق حماية الأرواح والممتلكات ويحفظ الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين.

وقال: «كانت المملكة العربية السعودية ولا تزال وسيطةً للسلام ومنارة للإنسانية وللعالم قاطبة، لمكانتها الرفيعة بين الأمم ودورها المحوري في السياسة الدولية، وريادتها في دعم كل ما فيه خير للبشرية. وتبرز في هذا السياق جهود سمو ولي العهد في تبني المبادرات الإنسانية تجاه الأزمة الروسية - الأوكرانية، ونجاح وساطته بالإفراج عن أسرى من عدة جنسيات، ونقلهم من روسيا إلى المملكة وعودتهم إلى بلدانهم»، مضيفاً: «وانطلاقاً من دورها الإنساني والريادي واستشعاراً لمسؤولياتها تجاه المجتمع الدولي، فإن المملكة ملتزمة بمساعدة الدول الأكثر احتياجاً، والدول المتضررة من الكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية. وهي أكبر دولة مانحة للمساعدات الإنسانية والتنموية على المستويين العربي والإسلامي، وإحدى أكبر ثلاث دول مانحة على المستوى الدولي».

ولفت إلى أن بلاده تعمل جنباً إلى جنب مع الشركاء الدوليين «لتخفيف وطأة الآثار السلبية للنزاعات المسلحة وانعكاساتها المؤلمة على الأمن الغذائي، وتعطيلها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، خصوصاً هدف القضاء على الجوع»، مجدداً تأكيد السعودية على أهمية السعي لتسهيل تصدير الحبوب والمواد الغذائية؛ «لأن استمرار ارتفاع أسعار الغذاء سيدفع الكثير إلى مواجهة خطر المجاعة».

جاء ذلك لدى افتتاح خادم الحرمين الشريفين أعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى السعودي، بحضور الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وذلك عبر الاتصال المرئي مساء الأحد.

إلى ذلك، قال خادم الحرمين: «لبلادنا إسهامات كبيرة في هذا الجانب، فقد بلغ إجمالي مساعدات المملكة في مجال الأمن الغذائي والزراعي ما يقارب مليارين و890 مليون دولار، كما أعلنت المملكة مع أشقائها بالمنطقة عن تخصيص 10 مليارات دولار لهذا الغرض عبر تنسيق وتوحيد جهود 10 صناديق تنموية وطنية وإقليمية».

وأشار إلى الأداء الاقتصادي السعودي، الذي أكد أنه مستمر «بتحقيق معدلات نمو مرتفعة»، على الرغم من الارتفاعات الكبيرة لمستويات التضخم عالمياً. وقال: «استطاعت المملكة ـ ثم سياستها النقدية والمالية والاقتصادية - الحد من آثار التضخم وتسجيل معدلات تعد من الأقل عالمياً، فيما واصل معدل البطالة الانخفاض في الربع الثاني، مقارنة مع الربع الأول من عام 2022، ليصل إلى 9.7 في المائة، حيث انخفض معدل البطالة للسعوديين الذكور إلى نسبة 4.7 في المائة، مقارنة بـ5.1 في المائة، وللسعوديات إلى نسبة 19.3 في المائة، مقارنةً بـ20.2 في المائة، تماشياً مع خطط الوصول إلى المعدل المستهدف 7 في المائة في 2030».

وأكد أن قمة جدة للأمن والتنمية التي عقدت بمشاركة الولايات المتحدة وقادة 9 دول عربية، عكست التأكيد المشترك على أهمية العمل الجماعي لبناء مستقبل أفضل للمنطقة ودولها وشعوبها، وتكثيف التعاون في إطار مبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي تقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية واحترام استقلالها وسلامة أراضيها واحترام قيم المجتمعات وثقافتها.

وتطرق خادم الحرمين إلى مكانة المملكة ودورها المحوري على الصعيدين السياسي والاقتصادي وموقعها الاستراتيجي، موضحاً أن تلك المكانة «جعلتها دائماً في قلب العالم، مواكبةً لمستجداته، ومُسهِمةً في مواجهة تحدياته، ومستثمرةً لفرصه ومجالاته؛ بما يحقق مصالحها ومصالح أشقائها وأصدقائها ويخدم الإنسانية جمعاء».

وتابع: «حرصاً على تعزيز علاقات المملكة مع دول العالم، فقد قام سمو ولي العهد بزيارات رسمية لعدد من الدول الشقيقة والصديقة، كما استقبلت بلادكم زعماء من دول العالم وكبار مسؤوليها، وأثمرت هذه الزيارات توقيع اتفاقيات مهمة ستسهم في خدمة المصالح المشتركة»، لافتاً إلى تطلع بلاده نحو تحقيق مزيد من الارتقاء بالعمل الخليجي المشترك بما يعزز مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية على جميع الأصعدة، ونؤكد أهمية استكمال بناء تكتل اقتصادي مزدهر، ومنظومتي الدفاع والأمن المشترك، بما يدفع بدور هذه الدول على المستويين الإقليمي والدولي من خلال توحيد المواقف السياسية وتطوير الشراكات مع المجتمع الدولي.

كما أكد الملك سلمان بن عبد العزيز أن المملكة تسعى حثيثاً نحو ضمان مناعة ركائز عالم الطاقة الثلاث مجتمعة؛ وهي أمن إمدادات الطاقة الضرورية، والتنمية الاقتصادية المستمرة من خلال توفير مصادر طاقة موثوقة، ومواجهة التغير المناخي، وقال: «تعمل بلادنا جاهدة ضمن استراتيجيتها للطاقة، على دعم استقرار وتوازن أسواق النفط العالمية، بوصف البترول عنصراً مهماً في دعم نمو الاقتصاد العالمي، ويتجلى ذلك في دورها المحوري في تأسيس واستمرار اتفاق مجموعة (أوبك بلس) نتيجة مبادراتها لتسريع استقرار الأسواق واستدامة إمداداتها، وكذلك حرص المملكة على تنمية واستثمار جميع موارد الطاقة التي تتمتع بها».

وأضاف: «لقد جاء اكتشاف عدد من حقول الغاز الطبيعي في بعض مناطق المملكة، ومنها (حقل شدون بالمنطقة الوسطى، وحقلا شهاب والشرفة بالربع الخالي، وحقلا أم خنصر، وسمنة للغاز الطبيعي غير التقليدي بمنطقتي الحدود الشمالية والشرقية)، ليضيف نعمة من نعم الله على هذه البلاد، ويعزز المخزون من الثروات والموارد، بما يدعم المكانة الرائدة للمملكة في قطاع الطاقة العالمي، ويسهم في التنوع الاقتصادي والأثر الماليّ الإيجابي على المدى الطويل».

وأكد الملك سلمان أن بلاده تمضي بخطى متسارعة نحو مواجهة التحديات البيئية وفي مقدمتها التغير المناخي، «مستهدفة الحياد الصفري للانبعاثات، وإطلاق وتبني حزمة من المبادرات التي ستسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن بشكل سنوي، بحلول عام 2030، إضافة إلى الوصول بالطاقة المتجددة إلى حصة 50 في المائة من الطاقة الإنتاجية لمزيج الكهرباء، ومبادرة البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة، وبناء واحدٍ من أكبر مراكز العالم في إنتاج الهيدروجين الأخضر بمدينة نيوم، واستثمارات بقيمة 700 مليار ريال للإسهام في تنمية الاقتصاد الأخضر، وإيجاد فرص عمل نوعية واستثمارية للقطاع الخاص، وترسيخاً لدور المملكة الريادي عالمياً في مجال الاستدامة، أطلقت المملكة مبادرتي (السعودية الخضراء)، و(الشرق الأوسط الأخضر)، داعمة بذلك الجهود الوطنية والإقليمية بهذا الشأن، وطرحت مبادرات نوعية لحماية البيئة وتعزيز التشجير المستدام، وهذا إدراكٌ منها لأهمية التعامل مع تحديات التغير المناخي وضرورة معالجة آثاره السلبية تحقيقاً لأهداف اتفاقية باريس، من خلال تبني نهج متوازن، وذلك بالانتقال المتدرج والمسؤول نحو نظم ومصادر طاقة متنوعة وأكثر ديمومة تأخذ بالاعتبار ظروف وأولويات كل دولة».

وحول مكافحة الفساد، قال خادم الحرمين الشريفين إن «اهتمامنا بمكافحة الفساد والمضي بالتعاون في هذا الشأن على المستويين المحلي والدولي، إدراكٌ تامٌ منّا بأن الفساد يمثل العدو الأول للتنمية والازدهار، إذ لا يمكن مكافحته دون تعاون دولي وثيق، ونعمل في ذلك ضمن الاتفاقية العربية واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، لدرء مخاطره وآثاره المدمرة، بما يخدم المصالح المشتركة ويحد من الملاذات الآمنة للفاسدين».

وأوضح الملك سلمان أن المملكة دعمت قطاع السياحة، ودعت الدول المانحة لتمويل الصندوق الدولي المخصص لدعم قطاع السياحة؛ كونها محركاً أساسياً في دفع عجلة النمو الاقتصادي والثقافي ودعم المجتمعات، «حيث حققت المملكة، وفقاً لمؤشر تطوير السفر والسياحة (TTDI) الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي، إنجازاً جديداً بتسجيلها المركز 33 متقدمة 10 مراكز دفعة واحدة عن عام 2019».

وشدد على أن تأكيد صندوق النقد الدولي متانة اقتصاد المملكة ووضعها المالي وإيجابية الآفاق الاقتصادية لها على المديين القريب والمتوسط، إضافة إلى قوة مركزها الاقتصادي الخارجي، «ليعكس ذلك جانباً من جهود الدولة وإصلاحاتها الاقتصادية من خلال رؤية المملكة 2030 نحو تحسين بيئة الأعمال وتبسيط القواعد التنظيمية، ورقمنة العمليات الحكومية، والعمل على مجموعة واسعة من المشروعات في قطاعات مختلفة».

وأردف: «تعكس التقديرات الإيجابية لوكالات التصنيف الائتماني عن اقتصاد المملكة، فاعلية الإصلاحات التي اتخذتها الحكومة في إطار برنامج الاستدامة المالية، حيث حققت الجهات الحكومية في هذا الإطار أثراً مالياً يزيد على 540 مليار ريال خلال السنوات الماضية، وتم توجيهها إلى مصروفات ذات أولوية».

كما أكد خادم الحرمين الشريفين أن مستهدفات الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2023 «تأتي استكمالاً لمسيرة العمل على تعزيز وتقوية الموقف المالي للمملكة، والمحافظة على معدلات إيجابية مرتفعة للنمو الاقتصادي، والاستمرار في تمكين القطاع الخاص وتحفيز البيئة الاستثمارية، وتنفيذ مشروعات وبرامج (رؤية المملكة 2030)».

وفي السياق، عدّ خادم الحرمين الشريفين أمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها، أمراً «يتطلب الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وإقامة دولة فلسطين مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية»، وأشار إلى إدانة الرياض «جميع الإجراءات الأحادية التي تقوض حل الدولتين، وتدعو لوقفها الفوري الكامل».

وفي اليمن، أعرب الملك سلمان بن عبد العزيز عن أمله في «أن تؤدي الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة تماشياً مع مبادرة المملكة لإنهاء الأزمة في اليمن، للوصول إلى حل سياسي شامل وتحقيق السلام المستدام بين الأشقاء في اليمن»، وأكد «حرص المملكة ودعمها لمجلس القيادة الرئاسي اليمني بما يحقق لليمن وشعبه الشقيق الأمن والاستقرار»، مجدداً موقف بلاده «الراسخ والداعم لكل ما يسهم بوقف إطلاق النار بشكل دائم، وبدء العملية السياسية بين الحكومة اليمنية والحوثيين؛ بما يحفظ لليمن سيادته ووحدته وسلامة أراضيه، وضرورة وقف الانتهاكات الاستفزازية الحوثية المسلحة داخل اليمن».

عراقياً، قال خادم الحرمين إن أمن العراق واستقراره ركيزة أساسية لأمن المنطقة واستقرارها، «وتؤكد المملكة دعمها لأمنه واستقراره ونمائه ووحدة أراضيه، وهويته العربية ونسيجه الاجتماعي، وتطوير أوجه التعاون ثنائياً وجماعياً، ومساندته في مواجهة الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة».«ونجدد دعمنا للشعب السوداني الشقيق، ولكل جهد يسهم ويشجع الحوار بين القوى السياسية والأطراف السودانية والحفاظ على تماسك الدولة ومؤسساتها، ومساندة السودان في مواجهة التحديات الاقتصادية».

وفيما يتصل بالشأن السوري، أكد خادم الحرمين الشريفين ضرورة «الالتزام بقرارات مجلس الأمن بما يحفظ سيادة سوريا واستقرارها وعروبتها، ونشدد على أهمية منع تجدد العنف، والحفاظ على اتفاقات وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين السوريين».

وفي لبنان، أكد ضرورة «تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة تقود إلى تجاوز أزمته، وأهمية بسط سلطة حكومته على جميع الأراضي اللبنانية لضبط أمنه والتصدي لعمليات تهريب المخدرات والأنشطة الإرهابية التي تنطلق منها مهددة لأمن المنطقة واستقرارها».

وفي ليبيا، أوضح الملك سلمان أن بلاده «تدعم وقف إطلاق النار الكامل في ليبيا، والدعوة الليبية إلى المغادرة التامة للقوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة دون إبطاء، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2570 الصادر عام 2021».

كما أورد خطاب الملك سلمان بن عبد العزيز تأكيداً سعودياً حول ضرورة «مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية لأفغانستان، والحرص على دعم أمنها وعدم تحولها إلى منطلق للعمليات الإرهابية أو مقر للإرهابيين».

وحول استتباب السلم والأمن الدوليين، أكد خادم الحرمين الشريفين أن ذلك «لا يتحقق من خلال سباق التسلح أو امتلاك أسلحة الدمار الشامل، بل من خلال التعاون بين الدول لتحقيق التنمية والتقدم، ومن هنا نحث المجتمع الدولي على تكثيف ومضاعفة الجهود في سبيل منع انتشار أسلحة الدمار الشامل وضمان خلو منطقة الشرق الأوسط منها»، داعياً إيران «للوفاء عاجلاً بالتزاماتها النووية، والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واتخاذ خطوات جِديّة لبناء الثقة بينها وبين جيرانها والمجتمع الدولي».

 

font change