"تشات جي بي تي" لن يكون "وادي عبقر" القرن 21

تجربة شعرية مع برنامج الذكاء الاصطناعي

Nicola Ferrarese
Nicola Ferrarese
"تشات جي. بي. تي." يعرّف عن نفسه بأنه مدرب على "مجموعة بيانات ضخمة بما فيها البيانات النصية"

"تشات جي بي تي" لن يكون "وادي عبقر" القرن 21

مشهورة قصة (أسطورة؟) أبي نؤاس مع معلمه خلف الأحمر، حين استأذنه لقول الشعر، فطلب إليه خلف الأحمر أن يحفظ ألف مقطوعة من الشعر، وحين حفظها وألقاها على مسامعه، أمره الأحمر بأن ينساها قبل أن يجيزه لقول الشعر.

تذكرت هذه القصة خلال استخدام برنامج الذكاء الاصطناعي، "تشات جي بي تي"، حيث طلبت منه، بداية بالإنجليزية، ثم بالعربية، كتابة قصيدة تتضمن مجموعة من المفردات اخترتها سلفا له. وعلى عكس ما يتواتر عن أخطاء البرنامج الفادحة في مجالات الأرقام والعلوم، بدا واضحا أنه يستطيع "إنتاج" قصيدة، بالفعل. ولا أبالغ إن قلت إن القصيدتين (العربية والإنجليزية)، والمكوّنتين من مقاطع عدّة تتخذان نموذجا لهما القصيدة الموزونة الإنجليزية (أما بالعربية فتبدو أقرب إلى الترجمة، إذ يبدو أن لا نموذج معتمدا بعد)، ليستا أسوأ بكثير من أطنان الشعر الذي تحفل به خصوصا منصات التواصل الاجتماعي. لكنّ السؤال يبقى: هل ما أنتجه البرنامج هو شعر حقا؟

الإجابة بالطبع: لا.

ولكن قبل الاستطراد في هذه المسألة، لا بأس بتفصيل تجربتي قليلا في كتابة الشعر عبر "تشات جي بي تي".

بين قصيدتين

بدا لافتا بالنسبة إليّ، أن البرنامج ارتبك حين طلبت منه كتابة قصيدة بالعربية تتضمن مفردات: "ليل، حزن، صباح، فرح، بيت وغابة"، وظلّ متوقفا عند الكلمات الأولى: "يا ليل الحزن، بي...". وبعد محاولات لم تنجح في تجاوز هذه الكلمات لأكثر من عشر دقائق، قمت بتبديل الكلمات، فجعلتها "اكتب قصيدة فيها بيت، حب، فرح، ضوء، سماء"، فأنتج البرنامج خلال ثوان قصيدة سمّاها بنفسه "قصيدة الحب السماوية". لا بأس بمشاركة هذه القصيدة هنا، إذ لعلها تكون أول قصيدة عربية يكتبها هذا البرنامج، وقد جاءت من أربعة مقاطع:

في ذاك الليل الهادئِ الجميلِ

وأنا أسيرٌ في أفكاري الدَّليلِ

إذ تعالى بيتٌ في قلبي ينبضُ

بأنغامِ الحبِّ والفرحِ المُفتَرِضِ

وفجأة أشرقَتْ سماءٌ بأنوارٍ

تداعبُ الفؤادَ وتشعُّ في الأذهانِ

وفي ضوئها الناعمِ العذبِ الرائعِ

تحوّلتْ الأحلامُ إلى واقعٍ تراهُ الأعيانِ

فما أجملَ هذا الحبِّ الذي يسكُنُ

في قلبي ويسري في شراييني

وما أروعَ هذا الفرحِ الذي يغمُرُ

روحي ويجعلُها ترتقي إلى السَّماءِ المحيطةِ بيني

فليسَ هناكَ أجملُ من هذا الضَّوءِ

الذي ينيرُ دروبَ الحياةِ المضيئةِ

ويشعُّ بالأملِ والتفاؤلِ

ويزرعُ في القلبِ السُّرورَ والسَّعادةِ.

حتى لو أخذنا "القصيدة" أعلاه على بساطتها و"آليتها"، سنجد فيها كلمات وتعابير لا يمكن استخلاص معنى منها ولا صورة شعرية، مثل "وأنا أسيرٌ في أفكاري الدليل" أو "الفرح المفترض" (بكسر الراء) أو "السماء المحيطة بيني" أو "ينير دروب الحياة المضيئة"، وهذا أقرب ما يكون إلى التعامل مع روبوت بدائي لا يزال يتهجّى لغة (الشعر) لا قبل له بها.

أما القصيدة التي طلبتها من البرنامج باللغة الإنجليزية، فلا تتضمن مثل المشكلات الواضحة التي تتضمنها زميلتها العربية، وقد أعطاها البرنامج عنوان "قصيدة حب ليلة ماطرة"، وهذا نصها بالإنجليزية:

 

Love and sadness mix like rain on leaves

Falling softly in the night like whispered grieves

Trees sway in the wind, their branches low

A sight to behold, like the ebb and flow

 

The table stands still, a silent witness

To the emotions that spill, like an endless bliss

With each drop of rain, love and sadness unite

In a dance that's both pain and pure delight

 

The night is dark, but the rain brings light

Cleansing the soul with its misty might

Trees stand tall, like sentinels of the heart

Guiding us through the storms that tear us apart

 

And so the rain keeps falling, night after night

A reminder of love that's both beautiful and bright

The table remains steadfast, a symbol of hope

That through the rain and sadness, love can cope

على عكس ما يتواتر عن أخطاء "تشات جي بي تي" الفادحة في مجالات الأرقام والعلوم، بدا واضحا أنه يستطيع "إنتاج" قصيدة، لكن هل هي شعر حقا؟

 

هذه القصيدة المنبثقة من مئات آلاف القصائد المخزنة في ذاكرة البرنامج، تحمل السمات المدرسية نفسها للمثال السابق بالعربية، بمعنى أنها تستند إلى ما هو قائم ومعروف ومألوف، لكنها تظلّ أكثر تماسكا وخلوا من المشكلات الواضحة التي تحتوي عليها النسخة العربية. سأترجم هنا المقطعين الأولين من القصيدة، لتوضيح الفكرة أكثر:

الحب والحزن يتمازجان كقطرات المطر على وريقات الشجر

عندما بنعومة تهطل ليلا مثل أسى يُهمس

الأشجار تتمايل في الريح، منخفضة الغصون

منظر يأسر العين كالمد والجزر

الطاولة تقف بسكون، شاهدة صامتة،

على المشاعر المنسكبة مثل نعمة أبدية

مع كل قطرة مطر يتّحد الحبّ والحزن

في رقصة فيها الألم والمسرة الخالصة

Getty Images
شعار "تشات جي.بي.تي" على هاتف ذكي

بالمقارنة بين القصيدتين المنتجتين آليا، فإن الخلل الواضح في القصيدة العربية (السذاجة المدرسية، المباشرة، فقر المخيلة، الفشل حتى في إنتاج الإيقاع الذي نجده سلسا في القصيدة الإنجليزية)، يعود على الأرجح إلى الخلل الذي تعاني منه العربية عموما في علاقتها بالإنترنت والترجمة الآلية. ففي حين قطعت اللغات الأوروبية المختلفة واللغة الإنجليزية، مسافات كبيرة في تطوير الترجمة الآلية والوصول بها إلى حدّ الكمال عبر مختلف الشركات والبرامج (بما في ذلك غوغل)، لا يزال أمام اللغة العربية الكثير من النواقص والثغر، في ظلّ غياب الشركات التي تتنكّب مشاريع كبرى في هذا المضمار، ونقص الشراكة مع المطورين العالميين من أمثال غوغل.

يضاف إلى ذلك بالطبع، النقص الفادح في المحتوى العربي على الإنترنت، وهو نقص يتفاقم خصوصا في حالة الفنون والآداب، حيث لا يشكل المحتوى العربي، الموثوق به على الأقل، في ما يتعلق بتراث العرب وأشعارهم ونتاجهم الأدبي والفني، سوى نسب لا تكاد تذكر من المحتوى الموجود عالميا على الإنترنت. من هنا، فإن أيّ محاكاة آلية تعتمد في النهاية على الخزين والتفاعل والتجارب المتراكمة، ستجد نفسها مربكة تماما لدى إنتاج نص عربي، وستكون النتيجة نصوصا ركيكة كالذي أوردناه أعلاه.

هذه المعضلات تظلّ تواجه، بالعربية، النصوص العادية، بما في ذلك المقالات الأكاديمية والأبحاث والدراسات العلمية والمقالات الصحافية، التي يمكن تداركها بمزيد من الجهود والاستثمارات التي من شأنها تقليص الفجوة مع بقية العالم. أما الأدب، والشعر خصوصا، فيظلّ مسألة أخرى، ويظلّ إمكان إنتاجه عبر برامج الذكاء الاصطناعي، مسألة دونها عقبات تكاد تطاول جوهر التجربة الإنسانية، أو ما تسميه فرجينيا وولف "الروح"، تلك التي من دونها لم تتصور الكاتبة، في الربع الأول من القرن العشرين، إمكان كتابة أدب يستطيع التعبير عن العالم المتحول يوما بعد يوم، خارج الأعراف والتقاليد السائدة.

في حين قطعت اللغات الأوروبية المختلفة واللغة الإنجليزية، مسافات كبيرة في تطوير الترجمة الآلية والوصول بها إلى حدّ الكمال، لا يزال أمام اللغة العربية الكثير من النواقص والثغر

 

شيطان الشعر

عادة ما تُروى قصة أبي نؤاس وخلف الأحمر التي ذكرتها في بداية هذا المقال، لتؤكد وتشرح سمتين تبدوان متناقضتين: الأولى هي أن الشاعر، لكي يأتي بالجديد، لا بدّ من أن يكون عارفا بالقديم، ملما بشعر أسلافه من الشعراء، أي أن يمتلك ذاكرة وقدرة على الحفظ، تكون بمثابة البوصلة بالنسبة إليه للوصول إلى صوته الخاص. أما السمة الثانية، فهي أن الشاعر لا بدّ من أن يكون مطبوعا على الشعر، متمتعا بالفطرة الشعرية التي تمنح صوته خصوصية وتفردا. السمتان تلتقيان إذا، عند نقطة واحدة، هي نقطة التقاء النقيضين ظاهريا: الفطرة والصناعة، أو سمّهما التجربة والموهبة، أو اختصارا الطبع والتطبع.

مثل هذا اللقاء لم يكن يوما شرطا، خصوصا في كتابة الشعر، إذ أحيانا تكفي الفطرة، تلك التي كانت العرب تسميها "شيطان الشعر"، في إشارة إلى الملغز والسحريّ  والإلهامي في العملية الشعرية، لقول الشعر وكتابته. ذلك الملغز الغامض هو الذي خلق عند العرب أسطورة "وادي عبقر"، ذلك الذي يعرّفه "لسان العرب" بأنه "موضع تزعم العرب بأنه من أرض الجنّ... ثم نسبوا إليه كلّ شيء تعجبوا من حذقه أو جودة صنعته وقوته فقالوا عبقري".

أمام هذا العجب أو الذهول أو اللغز الذي اسمه الشعر، جعل العرب الأوائل لشعرائهم شياطين تختص بكل منهم، فكان لكلّ منهم، بحسب تلك الأساطير، قرين أو صاحب من الجنّ، ومنهم "لافظ بن لاحظ" صاحب امرئ القيس و"هبيد بن الصلادم" صاحب عبيد بن الأبرص و"هاذر بن ماهر" صاحب النابغة الذبياني، بين أصحاب وشعراء آخرين يذكرهم كتاب "جمهرة أشعار العرب" لأبي زيد القرشي.

ولنا في شعراء معاصرين مثل رامبو والماغوط، وفي الكثير من تجارب ما يسمّى "الدفق الشعري" كما عند بعض شعراء "جيل البيت" في أميركا، والشاعر بوب كوفمان، وحتى بعض تجارب السوريالية، وما سمّي إبان الحداثة وما بعدها بالمصادفة و"الحدوثية" Happening الإبداعية، أمثلة كافية على أهمية دور الفطرة، بما فيها المصطنعة (أي التي تعمل على تفجير الكتابة بصورة تبدو عفوية لكنها عمليا قائمة على نماذج وتجارب سابقة)، في العمل الإبداعي.

Getty Images
خورخي لويس بورجيس يزور مدريد لاستلام جائزة سرفانتس عام 1979 في مدريد، إسبانيا.

النموذج واللغز

ما نجده في برامج الذكاء الاصطناعي، مثل "تشات جي بي تي"، هو تماما "النموذج" الذي يفترض أن يكون قادرا على التكاثر والتوالد والخلق، بناء على ما تم تحفيظه للبرنامج من معلومات واحتمالات تكاد تكون لا متناهية، وأيضا بناء على تفاعل الذكاء الاصطناعي مع المستخدم و"تعلمه" منه. لكنّ ما يظلّ  ناقصا في هذه المعادلة هو ذلك "الشيطان"، تلك اللحظة الشعرية السحرية، أو ما يسمّيه خورخي لويس بورخيس عن حق "لغز الشعر"، وهذا الأخير هو عنوان المحاضرة الأولى من محاضراته الستّ عن الشعر التي صدرت في كتاب حمل عنوان "صناعة الشعر" (ترجمه إلى العربية الراحل صالح علماني عن دار "المدى").

أبقى قليلا مع الأرجنتيني بورخيس، الذي لم يجد سوى التواضع مدخلا لنقاش سرّ الشعر، وعلى الرغم من أنه كان يربو على السبعين حين ألقى محاضراته تلك، لم يجد حرجا من الاعتراف بأنه ليس لديه ما يقدّمه سوى الشك حين يتعلق الأمر بكيفية ولادة الإبداع، ليضرب في سياق حديثه مثلا دالا مشتقا من الفيلسوف الأيرلندي جورج بيركلي (الأسقف بيركلي) (1685-1753) الذي كتب يقول: "إن طعم التفاحة ليس في التفاحة نفسها، فالتفاحة بذاتها لا طعم لها، ولا في فم من يأكلها، وإنما هو في التواصل بين الاثنين".

كان بورخيس بكلامه هذا يضيء على مسألة جوهرية في العملية الإبداعية، وهي اللغز أو السرّ أو السحر من جهة، واللقاء أو التواصل بين الإبداع ومتلقيه (الذي قد يكون المبدع نفسه أحيانا). أما في حالة برامج "التعلم الذاتي" أو الذكاء الاصطناعي، فسنجد دوما أن عنصر اللغز هو الغائب، وأن الساحة كلها يحتلها "الحفظ" و"التعلم" و"المحاكاة" و"النسخ".

ما يظلّ ناقصا في هذه المعادلة هو ذلك "الشيطان"، تلك اللحظة الشعرية السحرية، أو ما يسمّيه خورخي لويس بورخيس عن حق "لغز الشعر"

 

فرانكنشتاين وبروميثيوس

مثل هذا النقاش يفتح الشهية على العديد من الأسئلة، التي تتمحور جميعها حول لغز الخلق، وهل يستطيع الإنسان خلق "روح" أو بثّها في ما لا روح فيه؟ الروائية الإنجليزية ماري شيلي (زوجة الشاعر الكبير بيرسي شيلي) طرحت باكرا هذا السؤال في روايتها الشهيرة "فرانكنشتاين أو بروميثيوس المعاصر" (1818) التي يعدّها كثر أمّ ما بات يعرف اليوم بأدب "الخيال العلمي". ومن المعلوم أن بطل الرواية فيكتور فرانكنشتاين هو العالم الشاب الذي يستعين بالعلم لصنع إنسان (أسطورة بروميثيوس)، وبالفعل يتمكن من ذلك بعد سنتين من التجارب الشاقة وباستخدام تقنيات علمية لا تفصّل شيلي في شرحها، فيخلق رجلا يتمتع بجميع الأعضاء الحيوية، بل ويمتلك المشاعر ويستطيع التحدث والتفكير والتحليل، لكنه في النهاية لا يصبح إنسانا بالفعل، ولا يُقبل اجتماعيا بهذه الصفة، مما يجعله يلجأ إلى الانتقام والسعي إلى قتل كلّ من يحبهم "خالقه" فرانكنشتاين.

Getty Images
ماري ولستونكرافت شيلي (1797-1851)، كاتبة بريطانية اشتهرت بفرانكشتاين، والزوجة الثانية للشاعر بيرسي بيش شيلي.

المفارقة أنه إلى يومنا هذا، يعتقد معظم الناس أن فرانكنشتاين هو اسم "المسخ" وليس الكائن الذي خلقه، وجميع أفلام "الرعب" التي اقتبست من هذه الرواية تحمل هذا الاسم أيضا، ربما لأن المسخ" الحقيقي في النهاية، والمرعب حقا، هو العالم الذي قام بمثل هذه التجربة، وليس الكائن المسكين الذي ولد منها.

 

هوكني والآيباد

لعل النار (الشغف؟) التي لم يستطع بروميثيوس  -شيلي (فيكتور) سرقتها من جبل الأولمب لخلق "إنسان" اعتمادا على المعادلات العلمية والتطور التقني، استطاع الرسام البريطاني ديفيد هوكني سرقة قبس منها على الأقل. فهو من أوائل الفنانين الذين رأوا فرصة في التكنولوجيا، بدلا من أن تكون تهديدا، ومنذ منتصف الثمانينات استخدم برنامج الكومبيوتر "باينت بوكس" وطوّعه لإنتاج أولى لوحاته الرقمية، وصولا إلى استخدام "الآيباد" و"الآيفون"، وقد أقام هوكني معارض بأكملها على لوحات منتجة رقميا. لا أحسب أن هوكني الذي تنتمي موضوعاته إلى عالم الرسم الكلاسيكي من مناظر طبيعية وبورتريهات، وليس إلى مفردات العصر التكنولوجي، كان ليتصالح باكرا مع برامج الكومبيوتر لو لم يسبقه آندي وارهول ومن جاء بعده من فناني "البوب آرت" إلى فكرة "إنتاج" العمل الفني ونسخه واستنساخه في ما سماه "المعمل" الذي كان له مساهمة كبيرة في تحويل الفنّ إلى "سلعة" جماهيرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

Getty Images
يقف الرسام البريطاني ديفيد هوكني في متحف Orangerie في باريس، في 7 أكتوبر 2021، أمام لوحته "عام في نورماندي"، وهي لوحة يبلغ طولها 91 مترا رسمت خلال فترة الإغلاق في عام 2020.

لكنّ ما تجدر ملاحظته في تجربة هوكني، ربطا بـ "تشات جي بي تي"، وإمكان إنتاج الشعر (والأدب والفن عموما) أن الفنان في نهاية المطاف لم "يطلب" من برنامج الكومبيوتر إنتاج لوحة، فقال للبرنامج مثلا: "أعطني منظرا طبيعيا يتضمن بحيرة وأشجارا وعصافير"، بل إنه استخدم رقعة الألوان والخطوط والريش الرقمية، ليقوم بإنتاج لوحته وتضمينها رؤيته وتجربته ومفرداته الخاصة، ليحصل في النهاية على عمل أصلي بالكامل، بصرف النظر عن طبيعة الأدوات التي استخدمت في إنتاجه.

وهذه، أي تجربة هوكني الناجحة، هي أقرب ما يمكننا الركون إليه في مسألة العلاقة الإيجابية بين التكنولوجيا والفن، وهي علاقة ربما يتبين خلال سنوات قليلة أنها غير مستحيلة تماما في مجال الأدب كذلك، شريطة أن يتوفر لها العنصر الأساس، وهو الكاتب، وأن تتوفر لهذا الكاتب المقدرة على تسخير التكنولوجيا في العملية الإبداعية، لا أن ينتظر أن يأتي له الذكاء الاصطناعي بنار بروميثيوس لكي يتمكّن من بثّ الروح في نصوصه.

font change

مقالات ذات صلة