صعوبة "الطلاق" مع أميركا

هناك صعوبة ان تحل الصين محل أميركا في الخليج

جنود أميركيون ويابانيون في قاعدة اميركية في اليابان في يونيو ٢٠٢٢(غيتي)

صعوبة "الطلاق" مع أميركا

كيف تنظر اليابان إلى المنافسة الأميركية- الصينية على السعودية والخليج؟ هل يمكن اعتبار الولايات المتحدة والصين في سباق على الخليج؟

سؤال أثارته زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ للسعودية في ديسمبر/كانون الأول الماضي مع جملة من التكهنات الأخرى.

الحال أن العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين في تزايد، سنة إثر سنة، ولا ريب في أن المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي رحّبت بالرئيس شي جينبينغ بحرارة وتقدير. ولا ريب أيضا في أن دول مجلس التعاون الخليجي باتت تعلّق أهمية أكبر على العلاقات بينها وبين الصين، ولا سيما في المجال الاقتصادي.

أما هل ستتوسع هذه العلاقات المعزّزة لتشمل مجالات أخرى أبعد في مجالي السياسة والأمن، فأمر لا يزال من المبكّر تقديره.

ثمّة تقارير تقول إن العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة قد فترت بسبب الخلافات السياسية حول الوضع في أوكرانيا وإنتاج النفط، وبنيت هذه التقديرات على المعاملة الفضلى التي أبداها القادة الخليجيون للزعيم الصيني والتي تفوّقت على المعاملة التي أبدوها للرئيس الأميركي جو بايدن.

ولكن من الناحية العملية، كان ترحيب دول الخليج بالزعيم الصيني قائما على الاحترام الواجب وحسن الضيافة أسوة بقادة العالم الآخرين، بمن في ذلك قادة الدول الشقيقة المجاورة.

العلاقة مع الصين لن تحلّ، ولو جزئيا، محلّ العلاقة مع الولايات المتحدة.

لا شكّ في أن شهية الولايات المتحدة لانخراطها في الشرق الأوسط قد تراجعت بشكل عام مقارنةً مع ذروة الحرب على الإرهاب، وخفّت ثقة دول الخليج في الضمان الأمني من الولايات المتحدة عن ذي قبل، بعدما رأت تردّد إدارة بايدن في مواجهة الاعتداءات المباشرة.

مع ذلك، فإن العلاقة مع الصين لم تحلّ، ولو جزئيا، محلّ العلاقة مع الولايات المتحدة. وسوف يعوَّض الضعف الجزئي في العلاقات مع واشنطن ويستكمل من خلال تعزيز العلاقات مع الحلفاء المقربين منها، مثل دول "حلف شمال الاطلسي" (ناتو) وإسرائيل أو بعض الدول الإقليمية المحايدة مثل الهند، وليس مع تلك الدول المتنافسة مع الولايات المتحدة، مثل روسيا أو الصين.

إن تعزيز العلاقات مع الدول التي لديها صلات عدائية أو تنافسية مع الولايات المتحدة لن يؤدّي إلا إلى تدهور الوضع الأمني الأساسي لدول الخليج بدل تحسينه.

إلى ذلك، فإن وجود الصين في دول الخليج لن يؤثر كثيرا على هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد السياسي الدولي.

إن أهم ركيزتين للتنافسية الأميركية في القرن الحالي هما العملة والتكنولوجيا المتقدمة. وفي كلا المجالين، لم تحقّق الصين الكثير لمواجهة الهيمنة الأميركية.

تم التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2004 التي لم توقَّع بعد.


صحيح أن الرئيس شي جينبينغ أعلن، خلال اجتماعه مع قادة دول الخليج، أنه سيعزز التعاون في شأن تنفيذ التسوية التي وضعها اليوان الصيني لتجارة النفط والغاز، لكن ذلك لم ينعكس كما رأينا في البيان المشترك بعد الاجتماع. وقد وردت تقارير عن إدخال "الرنمينبي" (عملة الشعب) لتسوية تجارة النفط والغاز وزاد الحديث عنه كثيرا منذ عام 2016 تقريبا، لكن ذلك لم يتحقق مطلقا. هناك فجوة كبيرة بين مواقف الجانبين. ولأن لدى دول مجلس التعاون الخليجي فائضا تجاريا كبيرا، مقارنة بالصين بسبب تصدير النفط الخام والمنتجات البترولية، فإن استخدام الرنمينبي سيكون محدودا.

كما تم التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2004 التي لم توقَّع بعد.

وسيكون من شأن اتفاقية التجارة الحرة الشاملة مع إلغاء التعريفات أن يتسبب في تدفق المنتجات الصينية إلى السوق المحلية والإقليمية، الأمر الذي يمكن أن يعيق بشكل كبير تنويع الصناعة في دول مجلس التعاون الخليجي.

أي كلمات وتعابير مثل تعاون "شامل" أو "استراتيجي" ليست ولن تكون بدائل للعلاقة الطويلة والمؤسسية

الواقع أن الصين لا تملك القدرة على تطوير تقنيات متقدّمة يمكن أن ترفع من قدرتها التنافسية الاقتصادية وأمنها في المستقبل، مثل أشباه الموصلات المتقدمة. ومن المتوقع أن تتسع هذه الفجوة أكثر في ضوء تنفيذ قرارات أكثر صرامة تعقّد نقل التكنولوجيا من الولايات المتحدة إلى الصين، في ظلّ زيادة الفصل بين الدولتين. لقد انتهت أيام "تقديم الهدايا" إلى الصين التي لم يعد يمكنها استخدام التكنولوجيا المتقدمة للولايات المتحدة والدول الحليفة لها والإفادة منها بحرية. تعطي الولايات المتحدة الآن الأولوية لـ"الأمن الاقتصادي" حيث توجد رقابة صارمة على نقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الدول التي لا تشاركها معايير سيادة القانون والتجارة الحرة نفسها.

أعلنت الصين العديد من أشكال التعاون الشامل بما في ذلك المجالات السياسية والأمنية بالإضافة إلى المجال الاقتصادي، مثل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة في طهران في مارس/آذار 2021. مع ذلك، لم يسفر هذا التعاون عن أي نتائج محددة حتى الآن على الرغم من الإعلان أن تنفيذ ذلك سيبدأ في يناير/كانون الثاني 2022.

إن أي كلمات وتعابير مثل تعاون "شامل" أو "استراتيجي" ليست ولن تكون بدائل للعلاقة الطويلة والمؤسسية القائمة على القيم المشتركة والثقة، وكذلك المصلحة.

font change