مهرجان الثقافة العربية في ميلانو: منصة عالمية لمناقشة الرؤى والأفكار

الترجمة في قلب الحوارات والجلسات

ملصق دورة هذا العام من المهرجان، تصميم المصمم والشاعر خالد الناصري، مدير دار "المتوسط" المشاركة في تنظيم المهرجان.

مهرجان الثقافة العربية في ميلانو: منصة عالمية لمناقشة الرؤى والأفكار

ميلانو: يأتي عنوان الدورة السادسة من المهرجان هذا العام، أي "جسر بابل" امتدادا لكل الثقافات العالمية التي يمثلها، حيث تعدّدت الأصوات على مدى أيام ثلاثة من 16 مارس/ آذار وحتى 19 منه، لتجيب عن تساؤلات عديدة، منها ما هو قديم ومنها ما هو حديث متصل بتطورات العصر، وكانت المفاجأة، كما قال الدكتور وائل فاروق، القيّم على المهرجان والأستاذ المساعد للغة والثقافة العربية في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو، في ختام الجلسة الأخيرة من المهرجان: "حاولنا من خلال هذا اللقاء أن نجيب عن بعض الأسئلة واكتشفنا في النهاية أن الأسئلة قد تضاعفت، وربما هذه أفضل نتيجة حصلنا عليها من خلال مداخلات ضيوف المهرجان".

لماذا نترجم؟

سؤال يحار المرء في الإجابة عنه، إلا أن ستيفانو أردويني، أستاذ علم اللغة بجامعة "روما لينك كامبوس"، حاول الإجابة عنه، من خلال ورقته البحثية "غرباء في المسير: المترجمون"، انطلاقا من فكرة أن الترجمة هي التجربة التي تعطي معنى لعلاقتنا بالآخر، كما أنها تعطي معنى لهويتنا. فما يحدث في فعل الترجمة هو الوعي بالاختلاف وتطور القدرة على ذلك الوعي، فيصبح الآخر قريبا لأنه يجعلنا كما نحن. فليست نقطة التواصل الفعلية بيننا وبين الآخر في الحجج التي نتخيل بها بأننا نتقرّب من الآخر، بل في غربتنا المشتركة، وفي مشاركة مصيرنا. فقد نختلف نحن والآخر في كل شيء إلا أننا في حقيقة الأمر غرباء في مكان ما.

حسّ الغربة هذا، نجد صداه في كلمات الشاعر السوري نوري الجراح، الذي افتتح المهرجان بأمسية شعرية قرأ فيها مجموعة من قصائده الأخيرة، بترجمة عن اللغة الإيطالية لفرانشيسكا كوراو، أستاذة اللغة العربية في كلية العلوم السياسية بالجامعة الدولية الحرة للدراسات الاجتماعية غويدو كارلي، وذلك انطلاقا من ترجمة جديدة بالإيطالية صدرت بالتزامن مع المهرجان.

مارتينو دييز، أستاذ مساعد للغة العربية وآدابها بالجامعة الكاثوليكية بميلانو، الذي صدر له العديد من المؤلفات، منها ترجمة "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري (2011)، وترجمة قصائد أبي الطيب المتنبي تكريما لسيف الدولة الحمداني (2009)، حملت مداخلته عنوان: "المكين أو أن تكون في المكان المناسب في الوقت" عن ابن المكين، جرجس بن العميد، وعن كتاب التواريخ، ويتكون من ثلاث مخطوطات، عن كل من تاريخ العالم والتاريخ الإسلامي وتاريخ الكنيسةوالمجالس المسكونية السبعة بالإضافة إلى المجالس اللاحقة التي قبلها الأقباط.

من جلسات مهرجان الثقافة العربية في ميلانو

سمير جريس، وهو مترجم مصري مقيم في ألمانيا، حاصل على جوائز عديدة، من بينها جائزة معهد غوته للترجمة الألمانيةـ العربية في عام 2014، ارتأى في مداخلته "نشر الترجمة – عوائق وتحديات"، الالتفات إلى المشكلات التي تواجه المترجم العربي مع دور النشر، التي تختلف تماما عما يصادف المترجم في الغرب. وهو يرى أن هذه المشكلات تبدأ في غياب مفهوم "الحقوق"، سواء حقوق دار النشر الأصلية، أو حقوق المترجم، وغياب المراجعة الدقيقة في عدد كبير من الدور العربية، واقتصارها –إن وجدت- على المراجعة النحوية. حتى إنه، في بعض الأحيان، تُجرى تعديلات من دون التشاور مع المترجم، فتأتي تلك "التصحيحات" بنتائج عكسية، تلحق بالترجمة أخطاء لم تكن فيها، دون أن ننسى المحاذير التي يفرضها الناشر (أو المجتمع) وتنتهك الترجمة، مثل تلك السياسية والدينية والأخلاقية.

في بعض الأحيان، تُجرى تعديلات من دون التشاور مع المترجم، فتأتي تلك "التصحيحات" بنتائج عكسية، تلحق بالترجمة أخطاء لم تكن فيها، دون أن ننسى المحاذير التي يفرضها الناشر أو المجتمع وتنتهك الترجمة، مثل تلك السياسية والدينية والأخلاقية.

سمير جريس، مترجم عن الألمانية

مشكلات الترجمة

وكان لا بد أيضا من التطرق إلى "مشكلة ترجمة الحوارات في الروايات الأجنبية"، كما في مداخلة ألدو نيقوسيا، أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة "باري" الإيطالية، مبينا أن القارئ الناطق بالعربية، اعتاد تقريبا دون وعي، قراءة روايات من الآداب الأجنبية التي تقدم شخصيات تتحدث باللغة العربية الفصحى، مع أننا نشهد إصدار عدد متزايد من الروايات العربية التي تحتوي حوارات باللغة العربية العامية أو العامية المختلطة مع الفصحى.متسائلا في النهاية، ما إذا كان على المترجم استخدام لغة فصيحة غير معبرة عن الثقافة المحلية لإحدى الدول العربية؟ أم يُفضل أن يستخدم المترجم لهجة عربية خاصة؟

"ترجمة الشعر: الفضائل والمخاطر"، كان موضوع مداخلة الناقد والمترجم السوري المقيم في فرنسا، صبحي حديدي، والذي استعرض  حقول الترجمة عموماً، وتلك الأدبية منها خصوصاً، حيث ترجمة الشعر هي الأكثر تعقيداً بما لا يُقاس مع الرواية أو المسرح أو القصة القصيرة أو المقالة النقدية، نظراً إلى طبيعة الشعر ذاته ومكوّناته الفنية العديدة والعلاقات العضوية بين المحتوى والشكل في القصيدة، فضلاً عن اللغة الشعرية والمجاز والإيقاع والانزياحات الدلالية والسمات الإيحائية العالية للمفردة الواحدة داخل الجملة، وللجملة ذاتها ضمن معطى تركيبي وأسلوبي أوسع. 

الروائي والمترجم والباحث المصري أحمد عبد اللطيف، كان لديه أكثر من تساؤل حول "الترجمة الأدبية، وهل هي فرع للمعرفة أم سلعة للترويج وحسب؟". فالترجمة كفرع للمعرفة تحتاج إلى ثقافة المترجم الواسعة وتعاون دور النشر من أجل نقل المعارف الأجنبية إلى العربية، والترجمة كسلعة تشبع رغبات قراء لم يصلوا بعد لتأهيل جمالي يسمح لهم بتذوق الأعمال الأدبية الصعبة، أو ربما يميلون أكثر للأسماء المعروفة والمكرّسة. ما خطورة ذلك؟ وما هي المعضلة؟ ينطلق الطرح من مسألة فنية تخص المترجم كقارئ متميز، لديه القدرة على تأويل النص ليلبي توقعات القراء بنص يشبه النص العربي الذي اعتاد عليه. بين تغريب النص ومحاولة تعريبه تدور معضلة الترجمة في العربية على المستوى الفني. لكن ثمة معضلة أخرى لا يمكن التغاضي عنها، وهي متطلبات السوق والقراء ودور النشر. من هنا، يستخلص أحمد عبد اللطيف، أنه يمكن الحديث عن غياب الأعمال الفكرية والشعرية في مقابل ازدياد لافت للنظر في ترجمة الروايات من مختلف اللغات الأجنبية.

وفي عودة إلى الكلاسيكيات الإيطالية، تحدث عبد الفتاح الحجمري، أستاذ التعليم العالي - كلية آداب بنمسيك، جامعة الحسن الثاني، في المداخلة التي تحمل عنوانا مثيرا: "هَكَذا تكلّمَ بوكاتشو العَربي"، عن الديكاميرون لبوكاتشو والحكايات المئة التي تُروى خلال عشرة أيام على ألْسنة عشرة شباب، سبع نساء وثلاثة رجال، حيث يلتقون بداية في كنيسة سانتا ماريا هربا من وباء الطاعون الذي اجتاحَ فلورنسا عام 1348، ثم يفِرونَ إلى الرّيف على مَقْربة من المدينة. لحظة تاريخية مَليئة بأهوالِ الوَقت ومآسيه، حيث "الحياة تنفلت هاربة، ولا تنتظر ساعة واحدة" – كما يقول بترارك في إحدى قصائده.

 

ترجمة الشعر

علوية صبح، الكاتبة اللبنانية التي تُرجمت رواياتها الى لغات عدة قدمت في "حوار الذات مع الآخر"، ملاحظات عن دور الترجمة في تبادل المعرفة في المجالات العلمية والأدبية كافة، وأهميتها في تطور الذات. فالذات لا تتطور دون حوار مع الآخر المختلف عنها. ثم تطرقت الكاتبة اللبنانية إلى معضلة ترجمة الشعر الأجنبي إلى العربية ودور المترجم والمهارات الأساسية التي لا بد أن يعتمد عليها لأداء ترجمة جيدة. كما تناولت إشكالية اختيار النصوص التي تتم ترجمتها وعدم وضوح تلك الأسباب في بعض الأحيان.

بدوره استعرض الشاعر المصري المقيم في إسبانيا أحمد يماني، النظريات التي تقول إن الشعر لا يُترجم من الأساس، أي إنه غير قابل للترجمة، كما كتب الشاعر ثيسار باييخو (1892- 1938) في كتابه "الفن والثورة": "نعلم جميعا أن الشعر غير قابل للترجمة. الشعر نبرة، عبارة لفظية للحياة. إنه عمل مشيد من الكلمات. بترجمته إلى كلمات أخرى، مترادفة لكنها ليست متطابقة أبدا، فإنه لا يعود نفسه. بينما يرى هنري ميشونيك أن ترجمة "الشعر" ليست أكثر "صعوبة" من "النثر". فليس كل شعر قابل للترجمة. ثمة أطياف في ترجمة الشعر. إن شاعرا عظيما في اللغة العربية مثل المتنبي يفقد الكثير عند نقله إلى الإسبانية، رغم جودة بعض الترجمات، في المقابل نرى شعر محمود درويش ناصعا في الإسبانية وكأنه كُتب بها أصلا.

وهذا ما يحيلنا إلى كتاب "الجوانب اللغوية للترجمة"، لرومان أوزيبوفيتش جاكوبسون، اللغوي والسيميولوجي الأمريكي الروسي المولد، الذي نشر في عام 1959 أطروحته عن عدم إمكانية ترجمة الشعر: "فقط النقل الإبداعي هو الممكن: داخل لغة معينة (من شكل شعري إلى آخر)، أو بين لغات مختلفة. أو يمكن التحويل ما بين الدلالية من نظام إشارات إلى آخر: على سبيل المثال من فن اللغة إلى الموسيقى، والرقص، والسينما، والرسم.

أمينة الدهري، أستاذة التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني (المغرب)، كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية، عملت في مداخلتها، "الترجمة الأخرى"، على الاقتراب من بعض التوجهات التنظيرية لعلم الترجمة التي أسفرت عن رؤى مختلفة لدراسة جوانب من النص المترجم من وجهة لسانية، أو ثقافية، أو معرفية، أو غيرها. في ضوء هذه الخلفية النظرية وخاصة منها البلاغية، تتم قراءة نص كلاسيكي ذي مشترك إنساني متمثل في إحدى حكايات "جحا" استنادا إلى النص العربي ووصولا إلى الترجمة الإسبانية.

بينما تناول كاصد محمد، الكاتب والشاعر والمترجم العراقي المقيم في إيطاليا، والذي يُدَرِّس اللغة العربية وآدابها في جامعة بولونيا، موضوع "الممكن واللا ممكن في إشكاليّات التّرجمة الشّعرية"، وكيف يجب أنْ تكون اللغة الأخرى الّتي يُترجم إليها، وما هي الخيارات الّتي يقع عليها المترجم؟ وكيف يتعامل مع بعض الألعاب اللغويّة أو بعض الحالات الخاصّة؟ مثلا: أيمكن ترجمة كلّ شيء، أم ثمّة ما لا يمكن ترجمته؟ إذ ما زالت لعنة "المترجم الخائن" تلاحق المترجمين. ولكن ماذا تعني خيانة المترجم؟ ربّما ترجمة هذه المقولة وتفسيرها بطريقة أخرى يساعداننا على إيجاد الحلّ للقضيّة. وفقا للغوي والمترجم الروسي أندريه فينيديكتوفيتش فيدوروف (1906-1997)، فإن الترجمة، باعتبارها نشاطا ذا أهمية استثنائية للثقافة والعلاقات الاجتماعية، تحتاج إلى أساس نظري.

وقد تناول كاصد محمد كلّ هذه الإشكاليّات عبر التجربة الشّخصيّة في ترجمة الشّعر، وباستخدام أمثلة مختارة من نصوص مختلفة، اتّخذ فيها خيارات معيّنة، من أجل قول الشّيء ذاته بلغة أخرى، وممارسة "الخيانة" على أحسن وجه!

معرض "أغلفة الكتب" المرافق للمهرجان حيث تعرّف الزوار على الأعمال الفنية لناشر دار المتوسط خالد الناصري 

بناء الجسور

إسلام فوزي، مدرس مساعد بقسم اللغة الإيطالية بكلية الألسن بجامعة عين شمس، تكلم عن "نقل العناصر الثقافية في ترجمة ميرامار إلى الإيطالية"،منوها إلى أن الترجمة تعتبر أحد أهم عناصر بناء الجسور بين الشعوب والثقافات المختلفة، وتعد ترجمة الفنون والآداب جزءا لا يتجزأ من هذه العملية. ومن هذا المنطلق، يرى في محور ترجمة العلوم والفنون مدخلا إلى تناول رصد العناصر الثقافية الخاصة بالمجتمع المصري في سياق تاريخي معين وكيفية نقلها إلى الإيطالية عن طريق الترجمة الإيطالية لرواية "ميرامار"لنجيب محفوظ. كما طرح الحلول التي قد يجدها المترجمون لنقل الأفكار والمضامين الفكرية والثقافية والاجتماعية بكل ما تحويه من عناصر. ورواية ميرامار، التي ترجمتها إيلينا كيتي، تقدم صورة معقدة وعميقة لمصر، لروحها المتناقضة واشكالياتها، وتجسد شخصيات مختلفة من المجتمع المصري، في تأرجح مستمر بين الماضي والحاضر.

الدكتور حسين محمود، عميد كلية اللغات والترجمة بجامعة بدر بالقاهرة، طرح من خلال مداخلته الشيقة "المترجم- الآلة: منظور ما بعد الإنسانية"، تصورات تجمع ما بين "ما بعد الإنسانية" و"التحول الإنساني"، متصورا، وربما متأكدا، بأن ذلك العصر آت لا محالة. إذ بينما يفكر عالم التكنولوجيا الحيوية في مسألة الخلود، فإنه يطرح في الوقت نفسه تصورين يبدوان متضاربين: خلود الإنسان كنتيجة طبيعية للتقدم العلمي والتكنولوجي الذي من شأنه أن يهزم المرض والعجز والشيخوخة، وخلود الآلة، باعتبارها لا تصاب بأمراض ولا شيخوخة، من جانب آخر. متسائلا: هل نكتب الآن السطور الأولى لنهاية الإنسان على الأرض، وهو بالتأكيد يسعد دعاة نهاية العالم والمنذرين بقرب القيامة؟ وبينما هو في قلب هذا الجدل، لم يغب عن باله التفكير في الترجمة وفي المترجمين، وفحص فرضية النهاية أيضا للترجمة البشرية وانتصار الترجمة الآلية، في مقابل فرضية الخلود، بمعنى استمرار الحاجة للترجمة والمترجمين إلى ما لا نهاية.

فاطمة البودي، من مصر، مديرة "دار العين للنشر"، اختارت موضوع "الترجمة بين الماضي والحاضر"، كونها، أي الترجمة، نقلة نوعية في تاريخ البشرية، فالشعوب والثقافات في حالة تبادل ونقل معرفة منذ قرون طويلة. يحسب للمترجمين في العصور الحديثة أنهم الأداة الناقلة للغات والثقافات، لا غنى عنهم. وقد عانى المترجمون على مدار تاريخهم من أزمات التعرف على اللغات المختلفة والثقافات وجمع القواميس ومحاولتهم العيش والاحتكاك بالمجتمع الذي ينقلون عنه. مؤكدة أن العالم العربي يشهد حاليا حركة ترجمة واسعة، وهذا ما يحتاج إلى تنظيم، ذلك أن هذا الانتشار الواسع رغم أهميته إلا إن السيء والضعيف، حسب رأيها، أكثر من الترجمات الجيدة بكثير.

بين تغريب النص ومحاولة تعريبه تدور معضلة الترجمة في العربية على المستوى الفني، لكن ثمة معضلة أخرى لا يمكن التغاضي عنها، وهي متطلبات السوق والقراء ودور النشر

أحمد عبداللطيف، مترجم عن الإسبانية

تأملات

من جهتها، ناقشت باولا فيفياني، أستاذة الأدب العربي في جامعة كامبانيا، في ورقتها كتاب "مشهد الأحوال" للمفكر اللبناني-السوري فرنسيس فتح الله المرّاش (1836-1873)، الذي أثار اهتمام العلماء العرب والغربيين على حدٍ سواء، وهذا بفضل تنوع الموضوعات التي تناولها بالإضافة إلى قدرته الإبداعية وعمق تأملاته الطليعية مقارنة مع غيره من مفكري عصره. وقد أثر كل من فكره وكتاباته الشعرية والنثرية تأثيرا كبيرا على العصور اللاحقة له، مثل عصر النهضة والمفكرين والمؤلفين المعاصرين، سواء على مستوى الشكل وعلى مستوى المضمون.

نسمة إبراهيم، أستاذة اللغويات والأسلوبية بقسم اللغة الإيطالية وآدابها، كلية الآداب، جامعة حلوان (بالقاهرة)، هدفت ورقتها البحثية "منهجية وأدوات الترجمة المتخصصة"، إلى دراسة تحقيق النصوص اللغوية ودراسة مشكلات الترجمة للنصوص المتخصصة في مجال اللغويات. تجيب الدراسة عن سؤال ما إذا كانت القوانين التفسيرية الخاصة بالأنواع الخطابية المتخصصة تختلف من لغة إلى أخرى من خلال تحديد مناهج وأدوات الترجمة التي يمكن أن يعتمدها المترجم لتحقيق هدف الوصول إلى نص واضح وذي بناء ونسق جيد.

وستيفانيا أنغارانو، التي تعيش بالقاهرة منذ 1990، حيث تقوم بالعديد من الأنشطة في المجال الأدبي، وكانت لأكثر من 20 عاما محررة ثقافية للبرنامج الإيطالي لإذاعة القاهرة، التي أطلقت في عام 2003، سلسلة ترجمات للمؤلفين الإيطاليين المعاصرين مع دار شرقيات للنشر تحت عنوان "بعد البحر"، ثم أصبحت تدير دار نشر جديدة بالاسم نفسه، حملت مداخلتها عنوان "الناشر وتحديات الترجمة"، روت من خلالها، بعيدا عن أي تنظير أكاديمي، قصة المحبة التي دفعتها للعيش في مصر، بلد بعيد ثقافيا وقريب جغرافيا، لتخوض فيه تجربتها في مجال النشر المستمرة حتى الآن. من هذه الخبرة الطويلة استنتجت بعض الملاحظات: لا قواعد ثابتة لاختيار النصوص التي ستُترجم، بل مجموعة عوامل لا بد أن تؤخذ في الاعتبار، منها صعوبة النص وبعده عن اللغة المنقول إليها، سياقه الثقافي والهدف التجاري من نشره، وارتباطه باللحظة الراهنة وقيمة شهادته وإلى ما غير ذلك، حتى ذوق الناشر الشخصي.

الحفل الموسيقي - الغنائي في مهرجان الثقافة العربية في ميلانو

توفيق الحكيم

أما نجلاء والي، وهي باحثة ومترجمة أدبية مصرية مقيمة في إيطاليا، فقد كان عنوان مداخلتها "ترجمة توفيق الحكيم، يوميات نائب في الأرياف نموذجا". كما يعرف، يعد توفيق الحاكم (1898-1987) من مؤسسي الأدب العربي المعاصر كما أنه مؤسس الأدب المسرحي العربي. في روايته "يوميات نائب في الأرياف" يحكي الكاتب المصري تجاربه في السنوات ما بين 1929 و1934 كنائب في قرية من الريف المصري. وكان الهدف من هذه الدراسة، كما ذكرت الباحثة، تسليط الضوء على الاستراتيجيات التي اعتمدتها المترجمة "صامويلا باغاني" للتغلب على الصعوبات التي يطرحها هذا النص المليء بالإشارات للثقافة الريفية المصرية، كما تقدم الدراسة تحليلا لمنهج المترجمة في تعاملها مع الخصائص اللغوية وغير اللغوية للنص، مثل عناصر الحياة اليومية والخصائص الدينية والاستعارات والأمثلة الشعبية والتعبيرات الاصطلاحية.

كاظم جهاد حسن، المعروف باسم كاظم جهاد، شاعر عراقي هاجر إلى باريس في عام 1976، يدرّس الأدب العربيّ القديم في الإينالكو-جامعة السّوربون وترجم إلى العربية (عن الفرنسية) "الكوميديا الإلهيّة" لشاعر إيطاليا الأشهر دانتي أليغييري، تناول في أطروحته "مسألة الإيقاع في ترجمة الشّعر الكلاسيكيّ"، إذ لا تزال ترجمة الشّعر الكلاسيكي في العديد من اللّغات تعاني من خطرين أو إجراءين غير سويّين: الترجمة التقليدية والتحديث المفرط في الترجمة. ولا تزال مسألة الأمانة في الترجمة محصورة في أداء المعاني وضبط الدّلالات، مع أنّ شعريّة التّرجمة ركّزت منذ عقود عديدة على أهميّة احترام شكلِ العمل الشّعريّ المترجَم وإيقاعاتِه (خارج الأوزان أو العَروض)، من مثال ذلك بعض الترجمات العربية للشّعر الأوروبيّ الكلاسيكيّ (دانتي بخاصّة)، وبعض الترجمات الفرنسيّة للشّعر العربيّ الكلاسيكيّ. 

لم يخل المهرجان من بعض المبادرات الفنية، مثل الحفل الموسيقي - الغنائي الذي قدمه طلاب قسم اللغة العربية في الجامعة الكاثوليكية بقيادة الموسيقي السوري هاني جرجي، ومعرض "أغلفة الكتب" للشاعر والناشر والفنان الفلسطيني خالد سليمان الناصري، بالإضافة إلى معرض الكتب الذي اشتمل على إصدارات للعديد من دور النشر العربية.

مبادرة ترجم

حاتم الشهري، وكيل أدبي معتمد من وزارة الثقافة السعودية، يعمل حاليـا على مشروع هيئة الأدب للنشر لترجمة مائة كتاب سعودي إلى اللغات الأخرى، أشار في بحثه إلى مسألة "وكالة الحقوق في العالم العربي بين الواقع والمستقبل". بعد طرح قضايا الترجمة العامة والمشتركة بين كل اللغات، منها أصالة عمل الترجمة وصعوباتها. تطرقت المداخلة أيضا إلى قضايا الترجمة إلى العربية، ومنها الانتشار السريع لأعمال دون وجود معايير نقدية تضمن مستوى الجودة. ومن هنا ينتقل إلى الحديث إلى أهمية وكالات النشر مثل وكالة "حرف" السعودية، التي تقوم بتقييم النصوص العربية وتقديم عينات منها إلى دور النشر العالمية. وبهذا تروج لترجمة النصوص العربية ذات القيمة الفنية العالية. ومن أهم المبادرات في مجال نشر النصوص المترجمة مبادرة "ترجم" السعودية التي قدمت الكثير من المؤلفات السعودية إلى القراء الناطقين الإنجليزية والكردية والبوسنية وتستعد لترجمة اثنا عشر كتابا إلى اللغة الإيطالية. وهذه المبادرة تحدثت عنها نورة القسومي، من هيئة الأدب والترجمة السعودية التي في جلسة حملت عنوان "مبادرة ترجم، الإنجاز والآفاق".

عمرو خفاجي، صحافي مصري ومقدم برامج تلفزيونية، تطرق في مداخلته التي تحمل عنوان "بين الصحافة والترجمة" إلى تاريخ الصحافة في العالم العربي وارتباطها مع الترجمة منذ نشأتها الأولى. فالصحافة ظهرت في مصر في القرن الثامن عشر مع الحملة الفرنسية، حينما استخدمت المطبعة التي أتى بها الفرنسيون إلى مصر لطباعة أول صحيفة باللغة الفرنسية وبعض الوثائق المترجمة إلى العربية. ثم جاءت أول صحيفة عربية في مصر، "الوقائع المصرية"، باللغتين العربية والتركية. وتحسن أسلوب الترجمة تدريجيا وخاصة بفضل جهد رفاعة الطهطاوي. ومن هنا بدأ الحديث عن إشكاليات ترجمة المصطلحات وسياسات الترجمة في الصحافة العربية إلى يومنا الحاضر.

ولم يخل المهرجان من بعض المبادرات الفنية، مثل الحفل الموسيقي - الغنائي الذي قدمه طلاب قسم اللغة العربية في الجامعة الكاثوليكية بقيادة الموسيقي السوري هاني جرجي، ومعرض "أغلفة الكتب" للشاعر والناشر والفنان الفلسطيني خالد سليمان الناصري، الذي تشارك داره "المتوسط" في تنظيم المهرجان، وقد استطاع الناصري عبر أعماله في "المتوسط" أو مع دور نشر إيطالية وعربية وعالمية أن يرسخ حضوره الفريد في فن صناعة الأغلفة الفنية للكتب، بالإضافة إلى معرض الكتب الذي اشتمل على إصدارات للعديد من دور النشر العربية.

وفي ختام المهرجان أعلن القيم عليه الدكتور وائل فاروق عن أن الدورة المقبلة منه ستكون مخصصة للذكاء الاصطناعي وما يمكن أن تخبئه لنا هذه التكنولوجيا من مفاجآت في المستقبل القريب، نظرا لتسارع وتيرتها و"طموحها الآلي" في حجز حيز لها في النشاط البشري أو حتى الحلول مكانه في مجالات كثيرة، على وجه الخصوص في مجال الإبداع الأدبي والفني.

font change

مقالات ذات صلة