سيناريوهات الخروج من "جمهورية الفوضى" العراقية

عشرون عاماً من التأرجح بعد الغزو

Eduardo Ramon
Eduardo Ramon
القاضي حيدر حنون، رئيس "هيئة النزاهة الاتحادية"، يعلن استرجاع أربعة مليارات دولار أميركي في بداية العام

سيناريوهات الخروج من "جمهورية الفوضى" العراقية

مضت عشرون عاما على تغيير نظام الحكم في العراق، وعايشتُ تلك السنوات وفق منظور الباحث المختص بالعلوم السياسية، والمواطن الشاهد على التحول السياسي وصراعاته. وصفتُه قبل عامين في مقال بأنه تحول من "جمهورية الخوف إلى جمهورية الفوضى". واليوم أستذكره بعنوان أكثر قسوة عندما أصفه بـ"جمهورية اللادولة".

من يقرأ تجارب البلدان التي شهدت تغيراً سياسياً من الديكتاتورية إلى تبني النظام الديموقراطي، لا يجد العراق شاذاً عن تلك التجارب. لكن ربما يكون الاختلاف على مستوى تراكمات الفوضى والخراب التي أنتجها تغيير نظام الحكم، والتي تنحرف يوماً بعد آخر عن المحطات التي تراكم بناء دولة ديموقراطية، هي دولة المؤسسات، وتؤسس لعلاقة جديدة بين المواطن والدولة. فقد باتت الديموقراطية تختزل بالانتخابات، والقطيعة بين المجتمع والدولة تتزايد، وبات الفاعلون في النظام السياسي أكثر احترافية في تأسيس منظومة حكم اللصوصية السياسية بدلاً من أن يكتسبوا احترافية سياسية تؤهلهم لقيادة الدولة. والحال هذه، باتت قوى اللادولة هي التي تحكمنا!

في مقدمة كتابه "جمهورية الخوف"، يقول كنعان مكيّة: "إنَّ الخوف، لم يكن أمراً ثانوياً أو عَرَضياً، مثلما في أغلب الدول "العادية"، بل أصبح الخوف جزءاً تكوينياً من مكونات الأمّة العراقية". وبسبب ممارسات العنف من القتل والتهجير "كان يغرس في كلّ من الضحية والجلّاد القيم ذاتها التي يعيش ويحكم من خلالها. فعلى مدار ربع قرن من الزمان، جرت عمليات إرساء الحكم على مبادئ من عدم الثقة، والشك، والتآمرية، والخيانة التي لم تترك بدورها أحداً إلا أصابته بعدواها".

لذلك، مرَّ العراق بكل الأعراض المرضية الناجمة عن تغير الأنظمة الشمولية، من حرب أهلية، ومواجهة جماعات متمرّدة ورافضة التغيّر السياسي، وبروز زعماء و"أثرياء حروب"، وظهور مافيات. لكنْ أن تؤسس الفوضى لأعراف وممارسات سياسية، فهذه هي الكارثة الحقيقة التي حلَّت بالبلاد والعباد! إذ على الرغم من إجراء انتخابات كلّ أربع سنوات، فإن هذه الانتخابات لا تفضي إلى تأليف حكومة إلا بعد توافق زعماء الطوائف السياسية. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ لا تتم الموافقة على الحكومة إلا بحضورٍ وتدخلٍ خارجيين!

انتقلت عدوى "جمهورية الخوف" إلى "جمهورية الفوضى". وبدلاً من أن تكون الحكومة وكيلةً عن الدولة، أصبحت وكيلة الأوليغارشيات السياسية التي تبتلع الدولة ومؤسساتها. لذلك تكون مهمة الحكومة الرئيسة إدارة الريع الاقتصادي للدولة لصالح الأحزاب والطبقة السياسية. أما ما يتبقّى من هذا الريع فيتمّ توزيعه رواتبَ لموظفي القطاع الحكومي، التي بات توفيرها يعتبر منجزاً يستوجب الثناء والامتنان من المواطنين.

ويبدو أن الأزمة السياسية في العراق ليست وليدة لحظة تغيير النظام السياسي في 2003، وإنما هي أزمة بنيوية في نمط الحكم وتفاعلاته السياسية، كما يشخص ذلك توبي دوج في كتابه "اختراع العراق"، إذ يرى "أن السياسات العراقية من خلق الدولة في أعقاب الحرب العالمية الأولى حتى إزاحة صدام حسين، قد هيمنت عليها أربع مشكلات بنيوية. هي: أولاً، نشر مستويات مفرطة من العنف المنظم من الدولة للسيطرة على المجتمع وتشكيله. ثانياً، استخدام موارد الدولة لشراء ولاء قطاعات من المجتمع. ثالثاً، استخدام دَخل النفط من الدولة لزيادة استقلالها عن المجتمع؛ وأخيراً، قيام الدولة بمفاقمة وإعادة خلق الانقسامات الفئوية والعرقية كاستراتيجيا للحكم".

في كتابه هذا، تنبأ دوج قبل عشرين عاماً بأن العراق سيكون، في المدى المتوسط، عرضة لعدم الاستقرار، ولن تخف فيه إلا درجة القسوة والفعالية التي يبديها الحكام الجدد في بغداد. وسوف تستوطن النخب الحاكمة كل جوانب الاقتصاد وسيكون الفساد المصدر الرئيس لطول عمر النظام السياسي.

مرَّ العراق بكل الأعراض المرضية الناجمة عن تغير الأنظمة الشمولية، من حرب أهلية، ومواجهة جماعات متمرّدة ورافضة التغيّر السياسي، وبروز زعماء و"أثرياء حروب"، وظهور مافيات

 

"علة مزمنة"

يختصر عالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبّار (2018) الخلل البنيوي في العلاقة بين الدولة والمجتمع بالمعادلة الآتية: "الدولة تملك كلَّ شيء والمجتمع لا يملك شيئاً". فالعراق كان ولا يزال "دولة تبحث عن أمّة وليس أمّة تبحث عن دولة". من هنا كان مشروع بناء الأمّة يعطي أسبقية لأسلوب القسر، من دون أن يقتصر عليه كليّاً، ويولي أهميّة قصوى لوسائل العنف والقائمين على استخدامها، أي الطبقة العسكريّة. فالسيطرة على الدولة، بصفتها هيئة للحكم، لا تقلّ استعصاء عن اشكالية السيطرة على المجتمع، ولهذا فإن ثمة خصوصية مزمنة تتمثل في احتدام الصراعات التآمرية بين مختلف النخب الحاكمة.

ويعتقد عبد الجبّار أن "علّة الدولة المأزومة" تكمن في: أولاً، نمط الاقتصاد الريعي الذي "حوَّلَ الدولةَ عندنا إلى محض دكان لبيع النفط والتصرّف بموارده بلا حسيب". فاختلَّت المعادلة بين الدولة والمجتمع، وانفصلت الدولة عن المجتمع عندما أصبح الحصول على الرضا يتمّ من خلال وسيلة واحدة تتمثل في منظومة مشكَّلة من مجموعة "شبكات الزبائن" (الأتباع) وتوزيع المنافع عليهم. ثانياً، البنية المؤسساتية للدولة التي تتسم بعلوية السلطة التنفيذية التي تبسط سيطرتها على السلطتين القضائية والتشريعية وتقوم بصورة تدريجية بإلحاق هاتين الوظيفتين برمتهما بها. مما يؤدي في النتيجة إلى غياب المحاسبة المؤسساتية للممسكين بالسلطة، أو التداول السلمي للسلطة، أو استبدال القادة أو تجديد ولايتهم. لذلك، إن تقويض الفصل بين السلطات أو ثلمه، هو -مؤسسياً- تقنية نهوض الاستبداد.

Eduardo Ramon
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني

كيف لا تتراكم تلك الأزمات، ومن تصدّى للسلطة والحكم هم شخصيات بلا تاريخ سياسي وخبرة في إدارة الحكم؟ بيد أن تراكمات السياسات تحوّلت إلى تركة ثقيلة جداً، تعقد التفكير في حلول لإنقاذ البلاد، وتحيل على مخيال سياسي ينتظر المعجزة أو تدخلا خارجيا يعيدنا إلى المربّع الأول من تجربة الانتقال السياسي.

لا تزال الأسئلة نفسها تُطرح منذ تأسيس أول حكومة في العراق المعاصر: ما هي هوية العراق؟ ولماذا لا يتعايش أبناؤه في نظام يرضيهم جميعاً؟ لماذا تستمر الغربة بين النظام السياسي والمجتمع؟ لماذا تتغير أنظمة الحكم، ولا يغادر العنف والقسوة هذا البلد، بل يبقى شبح الموت يطارد العراقيين؟

"الدولة تملك كلَّ شيء، والمجتمع لا يملك شيئاً". فالعراق كان ولا يزال "دولة تبحث عن أمّة، وليس أمّة تبحث عن دولة"

عالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبّار (2018)

العودة الى نقطة الصفر

قَرنٌ من الزمان، ولا تزال هذه الأسئلة تبحث عن إجابات. وعلى الرغم من كثرة السرديات التي تحاول الإجابة إلا أن واقع الحال لا يزال كما هو من دون تغيير، ومع كل تجربة حكم جديدة نعود إلى نقطة الصفر لنواجه الأسئلة ذاتها! تتغير الأنظمةُ والحكومات، لكنَّ واقع الدولة المأزومة يبقى عصياً على التغيير، حيث تفشل الحكومات والنخب السياسية في إنتاج مشروع دولة عراقية وطنية يؤسس لأمة، ويكون قادراً بعقلانية على احتواء تنوعها الداخلي واستيعابه، وتأسيس دولة حديثة قائمة على حكم المؤسسات.

أنظمة الحكم في العراق تغيرت عناوينها وايديولوجياتها وشعاراتها، لكنها لم تنجح في مد جسور الثقة بينها وبين الشعب؛ لأنّها عملت على استمرار حالة القطيعة، وبقيت تتعالى على المجتمع وتهمش دوره في الحياة السياسية، لذلك لم تتردد الحكومات يوماً في ارتكاب المجازر والمذابح في حق مواطنيها.

أما النظام الديموقراطي الذي تتحدث عنه اليوم طبقة سياسية، فهو نموذج لديموقراطية هشة تُختزَل بالانتخابات، ولا يمكن التعويل عليها لبناء الدولة ولا لإقامة حكم المؤسسات. بل على العكس، ستبقي الباب مفتوحاً أمام المغامرين والديماغوجيين الذين يسعون إلى الاستيلاء على الدولة. وهذه الديموقراطية لن تعالج أزمة الهوية، بل ترسخها وتعمل على إدامتها.

تكمن المعضلة أيضاً في ثقافتنا السياسية التي يتم النظر من خلالها إلى الدولة بمنظارَين مختلفين: الأول، نخبوي يرى إلى الدولة باعتبارها تمثل المجتمع وتتعالى على تناقضاته، وتنفذ إرادتها من خلال حكم المؤسسات وفاعلية القانون، فتكون ضامنة للحقوق والحريات. أما المفهوم الذي يحضر في ذهن المواطن الباحث عن الدولة، فيريد أن يتلمس وجودها من خلال قدرتها على منع الانفلات الأمني وفرض هيبتها بالقوة والقهر. لعلَّ للمواطن كل الحق في اختزال الدولة بوظيفة احتكار العنف وممارسته بعد الأهوال التي شاهدها من تخاذل الحكومات عن وظيفتها الأمنية، حيث باتت مافيات السلاح هي التي تتحكم بأمنه وأمانه وتصادر وظيفة الدولة.

في النتيجة، لم نحظَ، لا بالمفهوم النخبوي للدولة، ولا بمفهومها الذي يحصرها في وظيفة واحدة فقط؛ لأنَّ الغلبة دائماً لمن يهيمن على الدولة ويتحكم بمقدراتها ويسيطر على مواردها. ستبقى الدولة مشروعاً مؤجَّل التنفيذ. الموجود من رمزية الدولة وعنوانها، يخوض صراعاً للحفاظ على ما تبقى منه. إذ لا تزال مشاريع الهيمنة على الدولة هي التي تسيطر على تفكير القوى السياسية وسلوكها في العراق. لذلك تعطّل كثيراً مشروع بناء الدولة، لأنه لم يتم الاتفاق على المرتكزات الرئيسة التي تشكل اجماعاً وطنياً وتنهي حالة اللادولة. سيظلّ الصراع قائماً ومحتملاً، وسيظل احتدام المواقف وفرصة الآخرين للتدخل كبيرة، ما لم يتم حسم قضايا رئيسية مثل العلاقة بين المركز والأطراف، والشكل النهائي للمؤسسات، ودور الدين في الحياة السياسية.

أنظمة الحكم في العراق تغيرت عناوينها وايديولوجياتها وشعاراتها، لكنها لم تنجح في مد جسور الثقة بينها وبين الشعب؛ لأنّها عملت على استمرار حالة القطيعة، وبقيت تتعالى على المجتمع وتهمش دوره في الحياة السياسية

 

تصدر القوائم

بعد عشرين عاماً، يتصدر العراق قائمة الدول الأكثر فساداً، إذ يصنَّف في مؤشر مدركات الفساد العالمي ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم، حيث احتلّ المرتبة 157 في التقرير الصادر عن "منظّمة الشفافية الدولية" للعام 2022. فالفساد في العراق يعكس صراعاً على تقاسم الاقتصاد الريعي بين الفرقاء السياسيين وقوى السلطة والنفوذ، وبهذا يصبح عبارةً عن شبكات عنكبوتية، فهو لا يقف عند حدود شخصيات تشغل مناصب عليا في الدولة، وإنما يمتدّ ليشمل مافيات سياسية، وشخصيات خارجة عن التوصيف السياسي والطبقات الاجتماعية، تعمل وفق علاقات شخصية مع شخصيات حكومية أو حزبية متنفّذة، أو تعمل بعناوين "مكاتب اقتصادية" تابعة لأحزاب سياسية أو ميليشيات مسلّحة.

تصف ممثلة بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) جينين هينيس-بلاسخارت، الفساد في العراق بأنه "سبب جذري رئيسي في الاختلال الوظيفي في العراق، وبصراحة، لا يمكن لزعيم أن يدعي أنه محصن منه". في النتيجة كانت كلفة الفساد في العراق ضياع ما بين 100و 150 مليار دولار، وهي المبالغ التي جرى الاستيلاء عليها بطريقة غير شرعية طوال الثماني عشرة سنة الماضية، كما صرح بذلك وزير المالية السابق علي عبد الأمير علاوي.

تعتبر عاصمة العراق من بين أسوأ المدن في العالم التي يمكن العيش فيها حاليا، إذ تشهد بغداد أعمال عنف وتدهورا أمنيا متواصلا منذ الغزو الأميركي عام 2003، وتبلغ مستويات الفقر والتفاوت الاجتماعي معدلات قياسية، بحسب تقرير "مجلة موي نيغوثيوس إي إيكونوميا" الإسبانية التي وضعت قائمة بأسوأ المدن العالم التي لا يُنصح بالعيش فيها بسبب التدهور الأمني والنزاعات المسلحة وسوء الخدمات وتدني مستوى المعيشة. ووصفت مجلة "إيكونوميست" البريطانية بغداد في تقرير لها في بداية شهر مارس/آذار 2023، بأنها واحدة من أسوأ عواصم الشرق الأوسط على صعيد حركة السير.

Eduardo Ramon
احتجاجات في بغداد

إذاً، جميع تداعيات الفوضى والخراب والفساد هي نتيجة لتصرفات من يستولي على السلطة بشرعيات ورمزيات وهمية، مرة يكون عنوانها "شرعية ثورية"، وأخرى تدّعي امتداد شرعيتها من معارضة النظام الديكتاتوري، وثالثة تريد فرض نفسها بعنوان "شرعية الجهاد وحمل السلاح". ودائماً ما يكون الشعب خارج حسابات منظومة السلطة والقوى المرتبطة بها.

عشرون عاماً استبدلنا فيها "جمهورية الخوف" التي أسس لها حكم "البعث"، بـ "جمهورية الفوضى والفساد" التي أسست لها جميع الأحزاب السياسية التي كان مشروعها بعد 2003 تقاسم السلطة أولاً وأخيراً، متجاهلةً تماماً أي مشروع لبناء الدولة، بل هي لم تكن تحمل مشروعاً للدولة مِن الأساس، لأنها لم تكن تحلم بأن تتاح لها فرصة حكم العراق، ولولا التدخل العسكري الأميركي لبقي الموضوع مجرد حلم وأمنيات.

ما يشهده العراق أخطر من الديكتاتورية والأنظمة الشمولية. فهو لا يعاني فقط من انعدام وجود الدولة، وإنما يعيش في ظلّ تعددية مفرطة للقوى "اللادولتية" أو قوى الدولة الموازية، ومن غياب المؤسساتية التي يتجسد فيها مفهوم الدولة

تعددية مفرطة

يرتهن مستقبل العراق بالخروج من دوامة الخوف والفوضى وواقع اللادولة، وإلى أن يتحقق ذلك لا يملك العراقيون ترف مفاضلة الاختيار بين البدائل، فالواقع السياسي اليوم يؤشر إلى سيطرة القوى الموازية للدولة على المجال السياسي، مما يجعل مأساتنا مركّبة من غياب للدولة، وهيمنة "مافيات سياسية" على مفاصل الحياة العامة، يساعدها في ذلك اقتصاد ريعي يجعل السيطرة السياسية بوابة للهيمنة على جميع الموارد الاقتصادية، ويجعل العلاقة بينهما طردية، فمن يملك السلطة يملك الثروة. وهنا لا تُمارس السلطة السياسية سياستها على الاقتصاد بصفتها أداة ضبط وإدارة وتطوير، وإنما هيمنة وتحكّم بمجمل الثروات الوطنية، لتتم إدارتها وفق منطق الغنيمة وتوزيع المزايا والمنافع على الأتباع والموالين، بدلاً من أفراد المجتمع بوصفهم مواطنين.

ما يشهده العراق أخطر من الديكتاتورية والأنظمة الشمولية. فهو لا يعاني فقط من انعدام وجود الدولة، وإنما يعيش في ظلّ تعددية مفرطة للقوى اللادولتية أو قوى الدولة الموازية، ومن غياب المؤسساتية التي يتجسد فيها مفهوم الدولة. ففي النظام الديكتاتوري تتمركز السلطة بيد "القائد الضرورة" أو "الحزب السياسي"، أمّا في نظامٍ يخضع لهيمنة القوى الموازية للدولة، فتتعدد مراكز القرار والنفوذ، وتضيع جميع ملامح الدولة برمزيات الزعامات المتناحرة.

ويبقى الرهان في السنوات المقبلة محصوراً في ثلاثة سيناريوهات:

الأول، التوافق السياسي على بقاء العراق ضمن دائرة التخادم المصلحي بين الأطراف الفاعلين والمؤثرين في النظام السياسي القائم، بحيث يكون تقاسم السلطة والنفوذ وموارد الدولة هي نقاط الالتقاء بين جميع الفرقاء السياسيين. يتوافق هذا السيناريو ربما مع الرغبة الدولية والإقليمية لتحقيق الاستقرار بغض النظر عمن يمسك بزمام السلطة، حتى لو كان العراق يصنف ضمن الدول الهشة.

الثاني، الانقلاب البنيوي من داخل منظومة الحكم، ويبقى هذا السيناريو رهناً بقدرة الحكومة الحالية على توثيق علاقتها مع الجمهور وتجاوز أخطاء الحكومات السابقة. ومن ثم ربما يكون رئيسها محمد شياع السوداني رقماً صعباً في معادلة الزعامات السلطوية في الانتخابات المقبلة، وهو من يحمل مشروع حسم ثنائية السلاح والسياسة، وربما الحد من بعض مظاهر الفساد.

الثالث، عودة الاحتجاجات بقيادة "التيار الصدري"، الذي قد تكون عودة نفوذه السياسي رهن عجز الحكومة الحالية ومن يقف خلفها من القوى السياسية المنافسة لـه. وربما تكون الاحتجاجات هي البوابة التي يعود من خلالها "الصدريون" إلى الواجهة. لكن يبقى احتمال قدرتهم على تغيير منظومة الحكم من التوافقية إلى الأغلبية، صعب التحقق في الدورات الانتخابية، إلا إذا فكروا في الانقلاب البنيوي على تلك المنظومة من خلال التمكن والسيطرة على الحكومة.

font change