"أسبوع التصميم" في ميلانو يعلن نهاية كوفيد19

المدينة مختبر للإبداع

من فعاليات "أسبوع التصميم"

"أسبوع التصميم" في ميلانو يعلن نهاية كوفيد19

ميلانو: بعد انقطاع دام ثلاث سنوات، تخللتها مبادرات خجولة بسبب جائحة كوفيد 19، افتتحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني فعاليات "أسبوع التصميم" (من 17 إلى 23 أبريل/نيسان)، مؤكّدة، كما جل العاملين في تنظيم هذا الحدث العالمي، أن إيطاليا ما زالت مركزا عالميا من مراكز الفن في العالم. فعند دخول أرض المعرض الجديد الذي صمّمه أحد أشهر مهندسي العمارة الإيطاليين، ماسّيميليانو فوكساس، يدرك المرء على الفور أنه لم يعد مجرد معرض تجاري، لكنه كائن حي أكثر تعقيدا من حيث التصنيف والابتكار، ومن حيث الوضوح والنية الاستكشافية، وهو أمر لا يحدث في المعارض كافة.

مزيج ثقافي وفني

فهنا يندمج نسيج العمارة والطبيعة، ويعكس مزيجا من التراث الثقافي والفني المتطور والبحث والتجريب الذي يتطلع إلى المستقبل، دون نسيان الماضي.والماضي هنا يعني تلك التصاميم التي أصبحت مصدر فخر وطني على مدار السنين، وما زالت تثير اهتمام الكثير من الطلاب الذين يأتون إلى المدينة للانخراط في مدارسها ومعاهدها التي تعنى بتدريس شتى أنواع التصميم، وفي مقدمتهم اليابانيون. اللافت أن أكبر نسبة من الزوار لهذا العام، وفقا للإحصاءات الرسمية، والتي بحق أدهشت المراقبين المحليين، كانوا من الألمان ويليهم الصينيون.

من فعاليات "أسبوع التصميم"

من بين هذه التصاميم، تتصدر اللائحة ماكينة القهوة "موكا"، نسبة إلى مدينة "مخا" اليمنية، التي صمّمها ألفونسو بياليتّي عام 1933، وأصبحت علامة للابتكار الإيطالي من حيث الجودة والانتشار. تتكون الموكا من أربعة أجزاء مصنوعة من الألومنيوم، بالإضافة إلى حشية أو طوق لمنع التسرب من المطاط، قابلة للاستبدال عند التآكل، ومقبض كان يُصنع أصلا من الباكليت، والآن من البلاستيك.

أما التصميم الآخر الذي لاقى نجاحا منقطع النظير، فهو الدراجة البخارية "سكوتر فيسبا" (النحلة)، الحاصلة على براءة الاختراع في 23 أبريل/نيسان 1946، بناء على مشروع قام به مهندس الطيران كورّادينو داسكانيو، وأنتجته شركة بياجّو التي تأسست عام 1884. إنه أحد أشهر منتجات التصميم الصناعي في العالم، واستخدم عدة مرات كرمز للتصميم الإيطالي. وقد عرضت نماذج "فيسبا" في متاحف التصميم والفن الحديث والعلوم والتكنولوجيا والنقل في جميع أنحاء العالم، وهي جزء من المجموعة الدائمة لمتحف Triennale Design في ميلانو MoMA في نيويورك.

ولا يمكن التغاضي، كما بدا واضحا في التغطيات الصحفية والمرئية، عن أحد أشهر الأسماء في عالم التصاميم الصناعية، جورجيتّو جوجارو، مواليد عام 1938، المصمّم ورجل الأعمال الإيطالي، الذي انضم في سن السابعة عشرة إلى مركز فيات للتأهيل الفني كمصمّم متدرب، وانتقل بعد خمس سنوات إلى إدارة مركز التصاميم. في عام 1968 أسس شركة "ItalDesign"، مع ألدومانطوفاني، وهي شركة مستقلة تم تصوّرها بصيغة مبتكرة، بهدف تقديم خدمات الإبداع في الهندسة والإنتاج لمصنّعي السيارات العالميين. مع هذه العلامة التجارية، صمّم جوجارو أكثر من 200 نموذج، والتي دخلت حيز الإنتاج لما مجموعه حوالي 50 مليون سيارة، من بينها سيارات فولكس فاغن السبعينيات (غولف، شيروكو وباسات). أما بالنسبة إلى مجموعة فيات، فقد حملت توقيعه نماذج من مثل "دلتا لانتشيا" و"تيما" و"بريزما" و"فيات باندا" و"أونو" و"كروما" و"بونتو". تليها سيارات "مازيراتي كوبيه" و"سبايدر"، وأحدث طرازات "ألفا روميو".

 انتشرت الفعاليات في عشرات المواقع في كافة أنحاء المدينة، وبالأخص في أفنية المباني القديمة حيث الحدائق غنية بكافة أصناف النباتات، والمصانع التي تحولت إلى صالات عرض

فضاءات المدينة

وكان هناك حيّز كبير من التنظيم والاهتمام بالفعاليات الخارجية، التي انتشرت في عشرات المواقع في كافة أنحاء المدينة، وبالأخص في أفنية المباني القديمة حيث الحدائق غنية بكافة أصناف النباتات، والمصانع التي تحولت إلى صالات عرض، وحتى أحد المسالخ الذي كان قد أغلق أبوابه منذ فترة، تحول بهذه المناسبة إلى معرض يضم بين جنباته أحدث التصاميم الفنية.

وأقيمت تراكيب في مقرات العديد من الشركات المعروفة في وسط ميلانو، كمنطقةبورتا فينيسيا، حيث يقع مقر شركة فورنازيتّي، وهي شركة معترف بها عالميا لتصميم وتزيين المفروشات في قطاع الرفاهية والتي أسسها بييرو فورزانيتّي، (ميلانو، 1913 - 1988)، وهو عالم حقيقي من الديكور، ومركز للبذخ الأنيق حيث يبدو أن الزمن قد توقف هناك. في تلك الغرف نفسها، حيث ولد الشاعر والكاتب تومّاسو مارينيتّي مؤسس تيار المستقبليةفي بداية القرن العشرين، يقدّم مشغل الشركة اليوم تجربة إبداعية فريدة من نوعها.

في قلب هذا الحدث واحد من أشهر أحياء ميلانو، حي بريرا، الذي لا يقتصر على متحف الفن الشهير فحسب، بل يضم أيضا مكتبة برايدينسي الوطنية، والمرصد الفلكي والحدائق النباتية، ومعهد لومباردو للعلوم والآداب، وأكاديمية الفنون الجميلة المرموقة. في الواقع، أنشئ متحف الفن في البداية لإيواء مجموعة من الأعمال التي كانت تحتفظ بها الكنائس والأديرة لدعم طلاب الأكاديمية في الدراسات الفنية التاريخية. وقد اختير هذا الحي ليكون في قلب الحدث، لما يضمه من إمكانات عديدة للاختيار بين الفن والطبيعة وعلم الفلك والثقافة، والذي كان دائما مفترق طرق للفنانين والرسامين وهواة جمع الأعمال الفنية.

وكانت بداية الجولة في متحف الفن (بيناكوتيكا بريرا)، حيث تعرض روائع مثل لوحة "العثور على جسد سان ماركو" لتينتوريتو، الاسم المستعار لجاكوبو روبوستي (1594)،"زواج العذراء" لرافائيل سانتسيو (1520)، "المسيح الميت"لأندريا مونتينيا (1506)، "عشاء في إمّاوس" لكارافاجّو، الاسم المستعار لمايكل أنجلو ميريزي (1571) "بالا مونتي فيرّاتو" لبييرو ديلّا فرانشيسكا(1492)، "القبلة" لفرانشيسكو هاييز (1791)، "شجار في معرض للفن" و"المدينة الصاعدة" لأومبرتو بوتشوني (1916). تتراوح تواريخ الأعمال التي يضمها المتحف من الألفية الرابعة قبل الميلاد، إلى القرن العشرين، ضمن سلسلة من أفضل ما في الإنتاج الفني العالمي.

من بين التصاميم، تتصدر اللائحة ماكينة القهوة "موكا"، نسبة إلى مدينة "مخا" اليمنية، التي صمّمها ألفونسو بياليتّي عام 1933، وأصبحت علامة للابتكار الإيطالي

تفاعل ومشاركة

بني هذا الصرح برغبة من ماريا تيريزا، إمبراطورة النمسا، وصمّمه وأشرف على بنائه المهندس المعماري الكبير جوزيبي بيرماريني، ويقع داخل جدران دير قديم من القرن الرابع عشر كان يشغله رهبان من مذهب المستضعفين.يزخر المتحف بمقاعد للرسم حيث يمكن الزائر التوقف والاستمتاع بها أو حتى التقاط صور لها، مع مواضع رسم مجهزة لإنجاز التصاميم. بعض الأعمال مصحوب بمواد توضيحية مثل نماذج من الأقمشة والعطور ليكون المرء قادرا على "لمسها" وتنشق رائحتها، ليجد نفسه مغمورا في مشهد اللوحة.

ويمكن أثناء التجوال في الأحياء وفي مواقع الفعاليات الاستماع إلى الموسيقى الحية التي تعزفها مجموعات وترية ونحاسية، وتذوق المأكولات الإيطالية التقليدية، في مطاعم ومقاه مشهورة، مثل كافيه فيرناندا، وهو جزء لا يتجزأ من متحف الفن.

في النهاية، لا بد من التمعّن بكلمات المهندس المعماري ماسّيميليانو فوكساس، أحد أكبر منافسي المعمارية العراقي الراحلة زها حديد، للإلمام بماهية التصميم كما يراه الإيطاليون: يقول فوكساس في مقال نشر على صفحات جريدة الكورييري ديللا سيرا عشية افتتاح الفعاليات: "إن فكرة التصميم لدينا بسيطة للغاية.  نحن نبني ونصمّم لنجعل الناس تعيش حياة أفضل، ونفعل ذلك من خلال الهندسة المعمارية، ولكن أيضا باستخدام منتجات متميزة. بعد الجائحة، تغيرت العادات والمفاهيم مرة أخرى. اختفت البساطة، التي احتدمت لسنوات في الهندسة المعمارية والفن والتصميم، لإفساح المجال لشيء مختلف: رغبة، أو بالأحرى حاجة ملحّة للراحة، واختيار ألوان غير الأبيض والأسود والرمادي. أشعر بالرضا في أعماقي لأننا أصبحنا معا مرة أخرى. لهذا السبب يمثلصالون الموبيليا والفعاليات الخارجية المرتبطة به، لحظة مهمة لإعادة النظر في أفكارنا وتوجهاتنا. فهذا الحدث يؤكد نفسه مرة أخرى كنقطة مرجعية للقطاع بأكمله في إيطاليا والعالم. في هذه الأيام، تؤكد ميلانو دورها كقوة دافعة للصناعة التي تحمل العلامة الإيطالية، وكقطب للابتكار والتجربة".

font change

مقالات ذات صلة