معرض الرباط الدولي للنشر والكتاب: إدامة المؤقَّت

مشاركة محلية ودولية واسعة

EPA
EPA
الدورة 28 للمعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط، المغرب.

معرض الرباط الدولي للنشر والكتاب: إدامة المؤقَّت

الرباط: انطلقت الجمعة الماضية (2 يونيو/حزيران) بالرباط الدورة 28 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، وتستمرّ إلى غاية 11 من هذا الشهر. وهي المرة الثانية على التوالي التي ينظم فيها هذا المعرض بالعاصمة المغربية، بعد سنوات طويلة من "احتكار" الدار البيضاء شرف تنظيمه، باعتبارها أكبر حواضر البلاد وعاصمتها الاقتصادية والمالية. ومثل كل عام، يتساءل المهتمون بشؤون الثقافة والأدب عن الوضعية الراهنة للنشر وسوق الكتاب في المغرب، وعن جديد الإصدارات الأدبية والفكرية التي يتوقّع أن تحظى باهتمام القرّاء.

وداعا معرض الدار البيضاء

ما كان مجرد حلٍّ "مؤقت"، فرضته تداعيات أزمة كوفيد19، صار اليوم وضعا قائما ودائما. إذ يبدو أن الأمور حُسمت فعلا بخصوص نقل المعرض الدولي للنشر والكتاب من الدار البيضاء إلى الرباط. فحسب تصريح لوزير الثقافة المغربي، أصبح النقل نهائيا بدءا من هذه الدورة، في حين ستُمنح الدار البيضاء (الفضاء التاريخي لمعرض الكتاب، والذي احتضن 26 دورة سابقة) إمكانية تنظيم معرض دولي سنوي آخر خاص بالكتاب الموجَّه لفئتي الطفولة والشباب. وكان هذا القرار قد أثار زوبعة من الانتقادات، خصوصا من طرف مثقفي وكتّاب مدينة الدار البيضاء، والمدن المجاورة أو القريبة منها، الذين تحدثوا وكتبوا عما أسموه عملية "خطف" أو "ترحيل" معرض له تاريخ عريق. لكن في المقابل، رأى آخرون أن هذا الإعلان كان متوقعا ومنتظرا، منذ انطلاق الدورة الأولى بالرباط - بشكل "مؤقت" آنذاك حسب الوزارة الوصية - في مثل هذه الفترة من العام الماضي، خصوصا بعد نجاحها وما سجلته من نقاط إيجابية على مستوى الإدارة والتنظيم والاستغلال الأمثل للفضاء الجديد، وأيضا نتيجة منطقية لإشارات سابقة لا يخفى مضمونها، تتمثل في الاختيار الرسمي الاستراتيجي الذي يخطط للارتقاء بالعاصمة إلى مركز إشعاع ثقافي وطني ودولي، وهو ما يختزله بوضوح شعار يروج بقوة منذ سنوات: الرباط "مدينة الأنوار"، أو "عاصمة المغرب الثقافية".

بالعودة إلى هذه الدورة، فإنها تشهد مشاركة 737 عارضـا، منهـم 287 عارضـا مباشـرا، و450 عارضـا غيـر مباشـر، يمثلـون 51 بلـدا، وما يعرض من الكتب يتجاوز 120.000 عنــوان في شتى حقــول المعرفة. وإذا كانت الآداب الإفريقية هي ضيفة العام الماضي، فإن هـذه الـدورة اختـارت مقاطعة كيبيـك (كنـدا) ضيـفا خاصّا، احتفاء بالذكـرى السـتينية لإرساء العلاقـات الدبلوماسـية المغربيـة الكنديـة، وهي علاقات تطبعها ديناميـة ملحوظـة بوجـود جالية مغربيـة نشـيطة، سواء في مقاطعة كيبك الفرنكفونية أو في باقي مقاطعات كندا. وبمـوازاة ذلـك، تشـهد الـدورة تنظيـم فعاليـات مختلفة ضمـن برنامجهـا الثقـافي العـام، يحضرهـا 661 مـن الكتـاب والمفكريـن والشـعراء المغاربـة والعرب والدوليين، تناهـز في مجموعهـا 221 نشـاطا، وتتضمـن نـدوات موضوعاتيـة، ولحظـات اسـترجاعية لفكـر وإبـداع بعض الرموز الثقافيـة التـي أسسـت مسـارات فكريـة وإبداعيـة متميـزة، بالإضافـة إلـى لقـاءات مباشـرة بـين المبدعـات والمبدعيـن وجمهورهـم. وإسـهاما مـن المعـرض في تشجيع الناشئة ودعمهم، تخصـص الـدورة فضـاء خاصا بالطفولة يتضمن ورشـات علميـة وفنيـة تعـزز علاقـة الطفـل بالمعرفـة والكتـاب وتشجع على القراءة.

EPA
تشـهد الـدورة تنظيـم فعاليـات مختلفة ضمـن برنامجهـا الثقـافي العـام، يحضرهـا 661 مـن الكتـاب والمفكريـن والشـعراء المغاربـة والعرب والدوليين، تناهـز في مجموعهـا 221 نشـاطا

من جهة أخرى، هناك من يدّعي أن عدد الحضور في النسخة الماضية قلَّ عن المعارض السابقة في الدار البيضاء. إذ يتحدثون عن أكثر من نصف مليون زائر في بعض النسخ. لكن الواقع أن معرض الرباط الأول أتاح للجمهور، الذي تجاوزت أعدادُه 200 ألف زائر، فرصة اقتناء جديد الإصدارات المغربية والعربية والعالمية، حيث تجاوزت المبيعات مليونا ونصف المليون نسخة، بمعنى 37% أكثر من آخر نسخة، وهو رقم قياسي مهمّ. وحتى على مستوى الناشرين، هناك رضا وشبه اتفاق واقتناع بأن شروط وفضاءات المعرض الجديد أفضل من سابقاتها، وذلك على كافة المستويات التنظيمية واللوجستية والتجارية. ويمكن تفسير التراجع النسبي للزوار بكون هذه الفترة هي بالأساس فترة الامتحانات النهائية، سواء بالنسبة للتعليم الابتدائي أو الثانوي أو الجامعي (بينما معرض الدار البيضاء كان يقام في أوائل فبراير/ شباط من كل عام)، لكن يتم التعويض عن ذلك بالرواج والإقبال على الكتاب، وهو ما تترجمه أرقام المداخيل المهمة التي يحققها معرض الرباط.

تشهد دورة هذا العام مشاركة 737 عارضـا، منهـم 287 عارضـا مباشـرا، و450 عارضـا غيـر مباشـر، يمثلـون 51 بلـدا، وما يعرض من الكتب يتجاوز 120.000 عنــوان في شتى حقــول المعرفة

وضعية النشر والكتاب بالمغرب

بمناسبة هذا المعرض، نُشر أخيرا التقرير السنوي عن وضعية النشر والكتاب في المغرب، وهو تقرير يحدّد التوجّهات الكبرى التي تشهدها ساحة النشر في المجالات الأدبية والحقول المعرفية الإنسانية والاجتماعية، وفق مؤشرات اللغات والمجالات المعرفية والترجمات، وخصائص خارطة النشر والطبع عبر التراب المغربي، وفضلا عن ذلك يرصد الإصدارات الإلكترونية المغربية بمختلف أصنافها. لكنه عموما لا يعنيه من قطاع النشر المغربي إلا منتوجه الفكري (كتب ومجلات)، ويهدف بالأساس إلى الإسهام في التعريف بالإنتاج الثقافي والأدبي والعلمي المغربي، والإلمام بواقع النشر وديناميته، خصوصا لدى مهنيي الكتاب والقراء وكل الفاعلين المعنيين بالكتاب والثقافة بصفة عامة.

EPA
هي المرة الثانية على التوالي التي ينظم فيها المعرض بالعاصمة المغربية، بعد سنوات طويلة من تنظيمه في الدار البيضاء

بحسب هذا التقرير، تشمل حصيلة النشر المغربي لسنة 2022 ما قدره 1.320 عنوانا، وتتضمن هذه الحصيلة المطبوعات الورقية والرقمية على حد سواء.تمثل المنشورات الورقية نسبة 90 % في المجالات المعرفية التي يشملها التقرير (العلوم الإنسانية والاجتماعية، وكذلك الإبداع الأدبي). أما بالنسبة إلى حجم النشر الرقمي، فقد وصل خلال سنة 2022 إلى 10 %، معظمه باللغات الأجنبية (الفرنسية والإنكليزية) على شكل إصدارات لمؤسسات عمومية.أما في مجالات الإبداع الأدبي والعلوم الإنسانية والاجتماعية، فقد بلغت الإصدارات المغربية ما نسبته  79,32 % من مجموع المنشورات، في حين شكلت الإصدارات بالفرنسية نسبة 17,42 % والإنكليزية 2,58 %، كما يلاحظ تزايد نسبي لحضور النشر الرقمي في مجالات البحث التي تستعمل اللغة الفرنسية بشكل أساسي، كما هو الحال بالنسبة لمجالات الاقتصاد والتدبير والمالية والجغرافيا السياسية.

 

الإنتاج الأدبي

وبالنسبة إلى الإنتاج الأدبي المغربي (رواية، قصة قصيرة، شعر...)، فقد بلغ 18,71 % من الحصيلة السنوية (أي 247 عملا أدبيا)، وهو بالأساس إنتاج باللغة العربية (%80,97)، مقابل حضور محتشم للغة الأمازيغية ( 2,0 %). أما اللغة الفرنسية، فلم تعد تمثل سوى 14,57 % من مجموع الإبداع الأدبي المنشور، ما يعكس التراجع الكبير الذي يعرفه مجال النشر باللغة الفرنسية في المغرب خلال السنوات الأخيرة مقارنة مع فترة ازدهاره بعد الاستقلال. وهكذا، ضمت حصيلة الأعمال الأدبية 59 مجموعة شعرية، أي 23,89 % من النصوص الأدبية. أما السرديات (الرواية والقصة القصيرة) فتواصل تأكيد هيمنتها ضمن خريطة الإبداع المغربي بـ 134 عنوانا، أي 54,25  % من المنشورات في مجال الأدب. وهذا التوجه ربما صار هو التوجه العام بعد هيمنة الشعر على المشهد الأدبي لعقود طويلة، عكس ما جرى في كثير من الدول العربية. كما أحصى هذا التقرير 53 ترجمة من بين 282 عملا نشرها المؤلفون المغاربة في الخارج خلال سنة 2023، أي ما يقارب نسبة 19 %، وهي نسبة توضح الاهتمام الذي يبديه الناشرون في الشرق الأوسط والخليج العربي بأعمال المترجمين المغاربة.

EPA
يستمر المعرض إلى غاية 11 من هذا الشهر

من جهة أخرى، لا يزال الإنتاج الفكري المغربي متمركزا حول القضايا الوطنية بشكل خاص، رغم أنّنا نعيش زمن العولمة والترابط الكثيف بين المجتمعات المعاصرة، وهي الخلاصة- نفسها التي توصلت إليها التقارير السابقة. ولا شكّ أنّ هذه النزعة المحلّية المنغلقة، التي كثيرا ما وُجّه إليها النقد عند دراسة وضع البحث العلمي والنشاط الثقافي عموما، يعكسها واقع النشر الذي يشير إلى أن 977 عنوانا من المطبوعات (أي 74 % من مجموع المنشورات، بما في ذلك الإبداعات الأدبية) تتناول حصريا المجال المغربي. أما المجالان المغاربي والعربي فلا يحظيان سوى باهتمام محدود لدى الكتاب والناشرين المغاربة. وبعيدا عن الإطار المغربي، تحتل المنشورات المتعلقة بالتراث الأدبي والديني الأندلسي، لكونها امتدادا تاريخيا للتراث الثقافي الوطني، نسبة 2,27 %. أما ما يجري في باقي العالم، فلا يحظى بالاهتمام المطلوب إلا نادرا: أوروبا (62 عنوانا)، إفريقيا (34 عنوانا).

 تمثل المنشورات الورقية في المغرب نسبة 90 % في العلوم الإنسانية والاجتماعية والإبداع الأدبي، أما بالنسبة إلى حجم النشر الرقمي، فقد وصل خلال سنة 2022 إلى 10 %، معظمه باللغات الأجنبية


أخيرا، بعد جولات كثيرة وزيارات لمختلف الأجنحة والأروقة، ولقاءات مع كثير من الناشرين والعارضين، خلال الأيام الأولى من هذا المعرض، يمكن القول إن المناخ العام الذي تجري فيه هذه الدورة جيد جدا، والانطباعات الإيجابية التي يخرج بها الزائر لا تعد ولا تحصى. وهذا مكسب لمدينة الرباط أولا وأخيرا، لكونها المدينة الجامعية الأولى في البلاد، ومركزا ثقافيا له ثقله الوازن على الساحة الوطنية. لكن يبقى على وزارة الثقافة أن تفي بوعودها في عدم التنكر لإرث معرض الدار البيضاء، وذلك بتنفيذ مشروع معرض كتاب الطفولة والشباب على أرض الواقع في أقرب الآجال. ثم يجب أيضا دعم وتطوير معارض الكتاب الجهوية والإقليمية، وهي كثيرة وموزعة على امتداد التراب المغربي، وذلك من أجل التشجيع على القراءة والارتقاء بصناعة الكتاب وترويجه على الدوام.

font change

مقالات ذات صلة