رئيس وزراء بريطانيا القادم

المشهد السياسي مثقل بالإرهاق واللامبالاة من الناخبين بحزب المحافظين الحاكم

Matt Holland
Matt Holland

رئيس وزراء بريطانيا القادم

عندما تُجري بريطانيا انتخاباتها العامة المقبلة، والتي من المتوقع أن تكون في وقت ما من العام القادم، سيكون قد مضى أربعة عشر عاما على تولي حزب المحافظين الحاكم السلطة. شهد الحزب خلال تلك الفترة تولي خمسة من أعضائه رئاسة الوزراء، بالإضافة إلى استفتاء حول استقلال اسكتلندا، كما أشرف على التصويت المثير للجدل بخصوص خروج بريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) والذي لا يزال أحد أكثر القضايا السامة في السياسة البريطانية في العصر الحديث.

ولم يكـن غـريبا تــسلل الإرهاق ولامبالاة الناخبين بالحزب الحاكم إلى المشهد السياسي البريطاني؛ ووفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإن احتمال إقامة ريشي سوناك، رئيس الوزراء المحافظ ، بمقر الحكومة في داونينغ ستريت، واستمراره في السلطة بعد الانتخابات العامة بات أمرا بعيد المنال؛ إذ يتمتع حزب العمال المعارض بتقدم ملحوظ في استطلاعات الرأي، منذ إقالة بوريس جونسون من السلطة بشكل دراماتيكي الصيف الماضي، ما يشير إلى أن الحزب يتمتع بفرصة أفضل لتشكيل الحكومة عند إجراء الانتخابات القادمة.

وعلى الرغم من عيوبه، فإن فوز جونسون بالتصويت كان أمرا مضمونا. وكانت الأغلبية التي حققها للمحافظين في انتخابات عام 2019، والتي بلغت 80 مقعدا، أكبر غالبية يحققها الحزب المحافظ منذ تولي مارغريت تاتشر السلطة في الثمانينيات.

إلا أن إقالة جونسون من منصبه أدت إلى تراجع الدعم الذي يتلقاه حزب المحافظين، لدرجة أن حزب العمال بات مؤخرا يتفوق بـ20 نقطة على منافسيه المحافظين في استطلاعات الرأي.

وبدا الدعم المتزايد لحزب العمال، والسير كير ستارمر، زعيم الحزب المعين مؤخرا، بات واضحا بشكل كبير خلال الانتخابات المحلية الأخيرة التي أجريت في بريطانيا، والتي أدت إلى خسارة المحافظين الحاكمين لـ1000 مقعد وحصول حزب العمال على أكثر من 500.

وتشير نتائج الانتخابات إلى أمرين مهمين. الأول هو الحجم الهائل لاستياء الجمهور البريطاني بعد أربعة عشر عاما من حكم حزب المحافظين. فقد عرّض الحزب البلاد لفترات طويلة من الركود الاقتصادي، كما أنه لم يستطع جعلها تتمتع بكافة الفوائد التي وعد بها عند خروج بريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي (البريكسيت).

الأمر الآخر هو أن لدى ستارمر كافة الفرص لإنهاء وجود حزبه في المعارضة بعد أربعة عشر عاما، حيث يوجد زعيم حزب العمال اليوم في موقع قوي يسمح له بتشكيل أول حكومة عمالية منذ تولي توني بلير وغوردن براون السلطة.

لم يتردد السير كير طبعا في الاستمتاع بالإذلال الذي تعرض له المحافظون في الانتخابات المحلية، حيث سخر من حقيقة فقدانهم لعدد كبير من المقاعد، والتي ذهب كثير منها لصالح حزب العمال. وقال مازحا: "قال رئيس الوزراء إنه سيخسر ألف مقعد، ونجح في ذلك حقا... بعد 13 عاما، استطاعوا في حزب المحافظين المحافظة على أحد الوعود التي أطلقوها".

وفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإن احتمال إقامة ريشي سوناك، رئيس الوزراء المحافظ، بمقر الحكومة في داونينغ ستريت، واستمراره في السلطة بعد الانتخابات العامة بات أمرا بعيد المنال

وليس من الممكن حتى الآن معرفة ما إذا كان حزب العمال سيتمكن من تحقيق الفوز القاطع في الانتخابات المقبلة، نظرا لعدد المقاعد التي يحتاج إلى الفوز بها ليعتبر ناجحا بشكل قاطع، وهو إنجاز لم يتمكن الحزب من تحقيقه منذ أن كان توني بلير رئيسا للوزراء.

وتناقش الأوساط في وستمنستر بنشاط احتمالا آخر يتعلق باضطرار حزب العمال لتشكيل تحالف مع "الديمقراطيين الليبراليين"، وهو حزب أقلية شكّل في السابق تحالفا مع المحافظين عام 2010، الأمر الذي أدى إلى تولي ديفيد كاميرون رئاسة الوزراء.

ولكن في الوقت الحالي، يعتقد السير كير ودائرته الضيقة أن حزب العمال في طريقه للفوز بأغلبية برلمانية ساحقة. وفي حديثه بعد إعلان النتائج بوقت قصير، علق السير كير قائلا: "لا تخطئوا، نحن في طريقنا لتحقيق غالبية لحزب العمال في الانتخابات العامة المقبلة".

كما نُقل عن أحد الوزراء في حكومة الظل قوله: "ما فهمناه هو أنه لم يعد لدى حزب المحافظين أي طريق لتحقيق الأغلبية على الإطلاق. لن يقوم حزب المحافظين بتشكيل الحكومة".

ونظرا لوجود احتمال بوصول السير كير إلى منصب رئيس الوزراء البريطاني المقبل، فإن هناك اهتماما كبيرا لمعرفة ما سيكون عليه حزب العمال عند توليه السلطة.

وقد كشفت مسودة أولية سُرّبت إلى وسائل الإعلام البريطانيةوتحتوي على السياسات التي ستشكل البيان الانتخابي القادم لحزب العمال، عن التوجه المحتمل للحزب في حال وصوله إلى السلطة. وتضمنت الخطط، التي أعدها المسؤولون عن سياسة الحزب، التزاما بزيادة الضرائب على المدارس الخاصة ونقل قطاع السكك الحديدية إلى الملكية العامة.

ويقدم الملف، الذي نشره موقع "ليبورليست" (LabourList) ، أكثر الأفكار وضوحا حتى الآن عما قد يفعله السير كير عند انتقاله إلى مقر الحكومة في داونينغ ستريت. وتتضمن الالتزامات المنصوص عليها في وثائق مؤتمر السياسة الوطنية إلغاء التشريعات المناهضة للنقابات العمالية وإلغاء الوضع الضريبي للأشخاص غير المقيمين.

تناقش الأوساط في وستمنستر بنشاط احتمالا آخر يتعلق باضطرار حزب العمال لتشكيل تحالف مع "الديمقراطيين الليبراليين"، وهو حزب أقلية شكّل في السابق تحالفا مع المحافظين عام 2010، الأمر الذي أدى إلى تولي ديفيد كاميرون رئاسة الوزراء

Matt Holland

ويصف الملف أيضا بالتفصيل كيف سيقوم حزب العمال بتحويل الاقتصاد البريطاني إلى اقتصاد أخضر- من خلال صندوق استثمار حكومي يدعم إنشاء مصانع ضخمة جديدة لتصنيع بطاريات للسيارات الكهربائية. ويشير إلى أنه لن تكون هناك عودة إلى حرية التنقل مع دول الاتحاد الأوروبي ويتعهد بتبني نظام الهجرة القائم على النقاط بعد إصلاحه.

غير أن الحزب كان قد أعلن عن معظم الخطط الواردة في الوثيقة منذ أن أصبح السير كير قائدا له وهي تمثل مجموعة من السياسات الحالية.

وتحدث السير كير نفسه عن مهامه الخمس، والتي تغطي الاقتصاد وخدمات الصحة الوطنية ومكافحة الجريمة  وأزمة المناخ والتعليم.

ومؤخرا، كتبت كاتي بولز، المحررة السياسية لمجلة "ذا سبيكتيتور"  (The Spectator)، التابعة لحزب المحافظين، تقريرا تفصيليا عن أسلوب حزب العمال الجديد في استقطاب أعضاء البرلمان. وذكرت: "في حال فوز كير ستارمر بأغلبية ضئيلة، فسيعتمد الكثير على التحالف الذي سيتعين عليه بناؤه مع حزبه، ولهذا السبب كان حريصا جدا على رعاية جيش نموذجي جديد من أعضاء البرلمان. وبمساعدة فريقه، باتت معرفة سياسات فروع حزب العمال المحلية إحدى أولوياته، الأمر الذي قال عنه توني بلير يوما إنه سر نجاحه".

وتقول بولز أيضا إن كثيرا من المرشحين الطامحين في حزب العمال يعتبرون أن عملية الاختيار الجديدة، التي يتعرض فيها المرشح للتدقيق بحثا عن وجهات نظر قد تكون محرجة للحزب، تجاوزت مجرد البحث عن أمور تتعلق بمواضيع عنصرية أو معادية للسامية، وأنها في الواقع عملية فحص جديدة "ستارمرية". وهم، بحسب أحد الأشخاص الساخطين: "يختارون أشخاصا يشبهونهم".

إنها مقياس لتصميم كير ستارمر على السيطرة على حزبه، حيث إنه لا يشعر بالقلق لكونه يحرم حزبه من أن تكون له شخصيته الخاصة. لن يقبل ستارمر أبدا انحراف حزب العمال عن مساره نحو اليسار المتشدد مرة أخرى كما حدث في أيام جيريمي كوربن.

وتسبب ستارمر مؤخرا في عاصفة، عندما قدم اقتراحا بمنح المواطنين الأوروبيين المقيمين منذ عقود طويلة في المملكة المتحدة الحق في التصويت في الانتخابات العامة. واتهم وزير مجلس الوزراء مايكل جوف السير كير بالتخطيط لتزوير الانتخابات، معتبرا أن من شأن هذا الاقتراح "التقليل من الامتياز الأعلى للجنسية البريطانية". وقال السيد جوف إن حق التصويت كان مقصورا على البريطانيين والأيرلنديين ومواطني الكومنولث المؤهلين، وهذا كان "الموقف الدستوري الثابت منذ عقود طويلة".

تسبب ستارمر مؤخرا في عاصفة، عندما قدم اقتراحا بمنح المواطنين الأوروبيين المقيمين منذ عقود طويلة في المملكة المتحدة الحق في التصويت في الانتخابات العامة

والآن، ماذا عن حياة ستارمر ونشاطه؟ انتُخب زعيم حزب العمال نائبا في البرلمان عام 2015 فقط، بعد مسيرة مهنية كمحامٍ ناجح في مجال حقوق الإنسان ورئيس نيابة عامة. وفي غضون خمس سنوات فقط، استطاع أن يصل إلى منصب زعيم الحزب.

وفي سيرة جديدة لحياة ستارمر بعنوان "مشروع ستارمر"، يصف الكاتب أوليفر إيغلتون السير كير بأنه رجل لا يرحم، ويبين كيف استطاع أن يقوّض جيريمي كوربن كجزء من خطة طويلة الأجل لتنصيب نفسه زعيما لحزب العمال. وبنى حملته للوصول إلى هذا المنصب على برنامج يقوم على مواصلة سياسات السيد كوربن. ولكن ما إن وصل إلى السلطة حتى قام بتنظيم حملة تطهير قاسية لليساريين الذين كانوا يسيطرون على آلة الحزب.

يقول بن نان، المساعد السابق لزعيم حزب العمال، إن حديث السير كير عن "المهمات الوطنية"، و"الخطط طويلة الأجل"، و"عقد من التجديد الوطني"، خلال خطاب ألقاه مؤخرا، لا يشير فقط إلى تعطشه للسلطة أو خطة للحكومة، بل إلى تصميمه على أن يكون أكثر من رئيس وزراء لولاية واحدة.

هو رجل لا يمكن إرضاؤه (وهذه الآن أقذر كلمة في مكتبه)، فهو يعرف من التاريخ أن أكثر الحكومات تحولا– سواء كانت حكومة تاتشر المحافظة أم بلير العمالية– كانت عاقدة العزم على الاستمرار في الأمر حتى تنجزه بنجاح. ويضيف نان: "إذا أراد ستارمر أن ينجز خطته الحكومية العشرية فلا بد أن تكون هناك استراتيجية مدروسة على مدى عشر سنوات للفوز. ويبدأ ذلك بتحديد هدفه في الحكومة. ففي عهد بلير كان هدفه تحديث النظام، وكاميرون كانت لديه مسألة العجز المالي، أما اهتمام جونسون فانصب على الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت)".

ويقول السير كير نفسه: "لقد تبادلت أطراف الحديث مع توني بلير وغوردن براون لبعض الوقت الآن. وأنا أعلم أننا خرجنا من السلطة لمدة 13 عاما. هذا يعني أنه ليس لدي أشخاص يشغلون مناصبهم في حكومة الظل ممن لديهم خبرة كبيرة في الحكومة. لذلك، فأنا أزداد تصميما على ضرورة أن نكون مستعدين لبدء العمل على الأرض".

وظهرت في الفترة الأخيرة مقالات في الصحافة البريطانية تشير إلى أن موظفي الخدمة المدنية البريطانيين على ثقة تامة من أن حزب العمال سيتولى مقاليد الأمور العام المقبل، بل إن ثقتهم جعلتهم يقدمون بالفعل المشورة لحكومة الظل التابعة لحزب العمال بشأن أفضل السبل للاستعداد للحكم. وأكد مصدر في حكومة الظل أن كبار موظفي الحكومة المدنيين يجرون اتصالات غير رسمية مع الحزب، على الرغم من أن ذلك يشكّل انتهاكا لقواعد الخدمة المدنية في المملكة المتحدة.

وقال المصدر العمالي: "بعض موظفي الخدمة المدنية يتواصلون معنا بالفعل للإدلاء برأيهم أو ما لديهم من معلومات، وبعضهم يوقفونني في الشارع قائلين: أنا أعرف من أنت، وهناك أشياء تحتاج إلى معرفتها. علما أنه يسمح لموظفي الخدمة المدنية بإجراء محادثات مباشرة مع سياسيي المعارضة فقط في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة".

وأمر السير كير بالفعل كبار مساعديه بوضع خطط لأول 100 يوم من تولي حزب العمال منصبه في حالة فوزه بالسلطة.

في سيرة جديدة لحياة ستارمر بعنوان "مشروع ستارمر"، يصف الكاتب أوليفر إيغلتون السير كير بأنه رجل لا يرحم، ويبين كيف استطاع أن يقوّض جيريمي كوربن كجزء من خطة طويلة الأجل لتنصيب نفسه زعيما لحزب العمال.

Matt Holland

وبصفته أبا وزوجا، فهو قلق بشأن تأثير دخول داونينغ ستريت على زوجته فيكتوريا وولديهما، وقد أعلن ذلك صراحة حين قال: "أفكر في هذا كثيرا... لقد اتخذنا، أنا وزوجتي، القرار بشكل مشترك وتعهدنا بأن نحميهما بقدر ما نستطيع. نحن لا نستخدمهما في جلسات التصوير، ولا أذكر اسميهما في الأماكن العامة. ولكن الأمر ليس سهلا أبدا". هو أمر معقد ربما، ولكن من الواضح أنه مدروس بعناية. فمن المرجح أن يكون لدى زعيم حزب العمال بقية هذا العام لبناء قضيته الخاصة مع الناخبين الذين تخلوا عن المحافظين لكنهم ما زالوا غير متأكدين مما إذا كان السير كير هو الرجل المناسب لدخول داونينغ ستريت.

 وهي بالتأكيد ليست مهمة سهلة، إلا أن السير كير أصبح الآن أقرب إلى تحقيق طموحه مما كان عليه عندما أصبح زعيم حزب العمال عام 2020، عندما لم يعتقد كثير من نشطاء حزب العمال أنه يمكن أن يصبح رئيسا للوزراء. وقتها، كان الحزب قد خرج مترنحا من أسوأ أداء له في صندوق الاقتراع منذ عام 1935، وقد مزّقته الانقسامات الداخلية وتعرض لانتقادات بسبب سجله في معالجة معاداة السامية ومواجهة بوريس جونسون الذي كان يتمتع بأفضلية 80 مقعدا.

الآن، تقول شركة إبسوس (Ipsos)، المتخصصة في نشر أحدث نتائج استطلاعات الرأي وتوجهات الناخبين في المملكة المتحدة، إن اثنين من كل ثلاثة بريطانيين يعتقدون أن الوقت قد حان للتغيير في الانتخابات العامة المقبلة. وإذن صارت الجائزة قريبة، وما على السير كير إلا أن يمدّ يده ويأخذها.

font change

مقالات ذات صلة