هل استخدام القوة العسكرية الصينية أمر لا مفر منه؟

لا تملك الصين أي رغبة أو قدرة على استعراض قوتها العسكرية في الشرق الأوسط حاليا

Reuters
Reuters

هل استخدام القوة العسكرية الصينية أمر لا مفر منه؟

لا يصعب علينا أن نرى لماذا يشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق من ازدياد التأثير الصيني في الشرق الأوسط. فمن خلال الاستثمارات والتجارة ومبيعات الأسلحة، ومن خلال الدبلوماسية في الفترة الأخيرة، استطاعت الصين وبصبر بناء مجال استراتيجي للنفوذ، والذي سيستمر في النمو وسيشكل تحديا كبيرا لموقع أميركا الإقليمي ومصالحها في المنطقة.

لكن، هل ستطلق الصين الإنذار في واشنطن، وتحاول تأكيد نفوذها الإقليمي من خلال إقامة وجود عسكري دائم في المنطقة؟ لا تملك الصين، بحسب اعتقادنا، أي رغبة أو قدرة على استعراض قوتها العسكرية في الشرق الأوسط حاليا. ولربما لن تحتاج الصين لفعل ذلك في سبيل تحقيق أهدافها هناك.

النفوذ المتزايد

تدفقت استثمارات صينية بقيمة مئات المليارات من الدولارات في البنية التحتية المادية والاتصالات في المنطقة خلال العقد الماضي. فمعظم الدول التي تقع ضمن مسؤولية القيادة الوسطى الأميركية (سنتكوم) لديها اتفاقيات بخصوص مبادرة الحزام والطريق مع الصين، كما وقعت هذه الدول نفسها عقود اتصالات للجيل الخامس مع شركة "هواوي" الصينية المملوكة للدولة. وحتى في إسرائيل- الشريك الأقرب للولايات المتحدة في المنطقة- قامت الصين بافتتاح مشروع ميناء تكنولوجي جديد بقيمة 1.7 مليار دولار لدعم السفن الكبيرة التي تستطيع حمل أكثر من 18 ألف حاوية.

في الفترة بين عامي 2015 و2021، خصصت الصين 2.6 تريليون دولار للتجارة مع المنطقة التي تعتمد عليها للحصول على نصف احتياجاتها من النفط الخام. وقد تجاوزت تلك التجارة الولايات المتحدة منذ أكثر من 10 سنوات. فاليوم، تفوق صادرات الصين إلى المنطقة ثلاثة أضعاف صادرات الولايات المتحدة تقريبا. وينتقل الآن أكثر من ثلثي صادرات الصين إلى أوروبا وأفريقيا عبر البنى التحتية التي بنتها دول الخليج. وباتت منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول الخليج، والتي ستكون ضخمة بالنسبة للتعاون الاقتصادي الصيني العربي، مسألة وقت لا أكثر.

تدفقت استثمارات صينية بقيمة مئات المليارات من الدولارات في البنية التحتية المادية والاتصالات في المنطقة خلال العقد الماضي. فمعظم الدول التي تقع ضمن مسؤولية القيادة الوسطى الأميركية (سنتكوم) لديها اتفاقيات بخصوص مبادرة الحزام والطريق مع الصين

ولا تزال مبيعات الأسلحة الصينية إلى المنطقة تشكل جزءا صغيرا مقارنة بتلك التي تقوم بها واشنطن، ولكن ذلك لا يعني أنها لم تتزايد؛ فخلال الفترة 2012-2016 إلى الفترة 2017-2021، زادت صادرات الصين بنسبة 290 في المئة إلى السعودية وبنسبة 77 في المئة إلى الإمارات العربية المتحدة. وللتعويض عن أسلحتها الأقل جودة من الناحية التكنولوجية، تقدم الصين تكاليف أقل- للمعدات والصيانة على حد سواء-  وتمويلا مناسبا وسرعة في التسليم وعدم وجود اتفاقيات مراقبة الاستخدام النهائي، وكل هذا يجذب الشركاء الإقليميين. حاليا، وباستثناء عدد متواضع من الصواريخ البالستية الصينية التي تم بيعها إلى الرياض أواخر الثمانينيات، فإن حركة الأسلحة الصينية باتجاه المنطقة مقتصر على التجهيزات الصغيرة والمنخفضة المستوى، بما في ذلك الطائرات المسلحة دون طيار. 

AP
عربة تحمل الصاروخ النووي "دي أف 41" اثناء عرض عسكري في بكين في الذكرى السبعين لانتصار الثورة الصينية في الاول من اكتوبر 2019


ولكن هذا الأمر قد يتغير، بالنظر إلى الاهتمام السعودي والمصري الأخير بأنظمة الدفاع الجوي الصينية، بالإضافة إلى طائرات القتال المتقدمة.


في السياسة الإقليمية، كثفت الصين جهودها في الوساطة، مما سهل إبرام اتفاق دبلوماسي بين الخصمين القديمين إيران والسعودية في مارس/آذار من هذا العام. وبات قيام الرياض وطهران بالتفاوض في السنوات التي سبقت الاتفاق بينهما- دون الحاجة إلى تدخل الصين- أمرا ثانويا. ما يهم هو أن توغل الصين السياسي في المنطقة، والذي يهدف إلى دعم أولوياتها الاقتصادية ولا شيء غير ذلك، يخلق انطباعا بأن بكين تحل محل واشنطن في الدبلوماسية الشرق أوسطية. والمعنى الملموس لهذا الأمر ليس واضحا، إلا أن التصورات غالبا ما تجد طريقة لتصبح حقيقة واقعة في الشرق الأوسط.

النوايا


يجب أن تبدأ أي محاولة لتقييم ما إذا كانت الصين ستستخدم الأداة العسكرية بشكل أكبر لتمكين أنشطتها الاقتصادية في الشرق الأوسط بفهم الرغبة المحتملة للصين في المضي بهذا المسار.
إذا كانت الاستراتيجية تتكون من الغايات والسبل والوسائل، فإن استراتيجية بكين تسعى إلى توسيع نفوذ الصين في الشرق الأوسط- وعلى الصعيد العالمي- واستبدال الهيمنة الأميركية في النهاية (الغاية). وتسعى لذلك من خلال المنافسة مع الولايات المتحدة في مجالات مختلفة وتنمية الشراكات الاستراتيجية مع القوى الإقليمية (السبل). وتستخدم الاقتصاد في المقام الأول والدبلوماسية مؤخرا لتحقيق أهدافها (الوسائل).
في هذا البناء المثلث، يندرج وجود عسكري صيني محتمل في المنطقة تحت فئة الوسائل. منطقيا، لن تفكر الصين في ذلك إلا إذا كان ضروريا لتحقيق غاياتها وسبلها وإذا كان ناجعا من حيث التكلفة. وهو ليس كذلك في هذه الحالة.


إذا كانت الصين قادرة على تحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال الوسائل الاقتصادية والمعلوماتية والدبلوماسية، فما الداعي لإقحام القوة العسكرية ضمن المعادلة؟ إذ تفضل الصين الاستمرار في الاستفادة المجانية من الأمان الأميركي، الذي يضمن حرية التجارة والملاحة في المنطقة، وهو ضروري لواردات النفط الصينية. وإلى أن تقرر الولايات المتحدة إعادة النظر في دور الشرطي الذي تلعبه وخفض وجودها العسكري في المنطقة بشكل كبير- وهو أمر غير مرجح في أي وقت قريب- فإن الصين لا تشعر بحاجة كبيرة لنشر موارد عسكرية أكبر في ذلك الجزء من العالم.


وعندما بدأت الولايات المتحدة في بناء بنية تحتية عسكرية في المنطقة في أوائل الثمانينيات، كان ذلك استجابة لتهديدين رئيسين لأولويتها الأساسية لأمن الطاقة: أولا، السوفيات. وثانيا، نظام الملالي في إيران. نشر الرؤساء الأميركيون المتعاقبون القوة العسكرية في المنطقة لمنع الاتحاد السوفياتي من الاستيلاء على الحقول الغنية بالنفط في الخليج بعد غزوه لأفغانستان عام 1979، ولحماية الشركاء العرب المنتجين للنفط من الثيوقراطية في طهران. 
كانت الفكرة- ولا تزال- منع أي قوة إقليمية أو دولية من السيطرة على موارد الطاقة في المنطقة ومعها أسعار النفط عالميا. لذلك، عندما اختار صدام حسين تهديد هذا الركن الأساسي لركائز الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من خلال احتلال الكويت وتحدي المملكة العربية السعودية، ردت الولايات المتحدة بسرعة وبحزم باستخدام القوة العسكرية.


وبما أن نصف واردات الصين من النفط الخام يأتي من الشرق الأوسط، فإن لدى الصين اليوم نفس الحسابات الاستراتيجية التي كانت لدى الولايات المتحدة قبل عقود. إلا أن الاتحاد السوفياتي وصدام باتا خارج الصورة، كما أن خطر الاستيلاء على أراضي الدول الخليجية لا يكاد يذكر. ولذلك، لم يعد هناك سوى إيران التي لا تعتبرها الصين تهديدا لمصالحها في مجال الطاقة. بل على العكس من ذلك، فإن الصين وإيران شريكتان استراتيجيتان، على الرغم من عدم وضوح ماهية البنود الحقيقية لتلك الشراكة. باختصار، ومن وجهة نظر بكين، وبغض النظر عن بعض القراصنة الصغار والإرهابيين والمخربين، لا يوجد تهديد عسكري كبير لمصالح الطاقة الصينية يتوجب معالجته بالقوة العسكرية الصينية. 
 

لا تمتلك الصين قواعد عسكرية أو تحالفات رسمية في الشرق الأوسط، ولكن قواتها لا تزال تعمل بفعالية في المنطقة، وإن كان على نطاق محدود

وبرغم حقيقة أن الصين لا علاقة لها تقريبا بالموضوع، إلا أن الاتفاق الدبلوماسي السعودي الإيراني كان بمثابة "ضربة معلم" لبكين لأنه يحفز طهران، إن لم يكن يُلزمها، لتهدئة أعمالها في المنطقة بطرق تتوافق مع الأهداف الصينية والأميركية على حد سواء.

AP
الرئيس الصيني شي جينبينغ مصافحا نظيره الايراني ابراهيم رئيسي اثناء زيارته الى بكين في 14 فبراير


لعلّ الصين تعلمت من الولايات المتحدة محدودية تمركز أصول عسكرية دائمة في المنطقة والأعباء المترتبة عليها. ولعلهم يسألون أنفسهم ما جدوى استخدام ذلك النموذج غير الكافي– وأغلب الأحيان غير المجدي- في حين أن الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية قد تؤدي نفس المهمة بنفس الكفاءة إن لم يكن بشكل أفضل؟ لماذا عليهم أن يكونوا رهينة لتقلبات المزاج السياسي في الدول المضيفة والتي تتطلب إذنا للوصول وبناء القواعد؟


وبالرغم من أن الغرض من الوجود العسكري الأميركي في المنطقة يتعدى الردع والحرب، فإن الصين لا تملك أي مصلحة في تطوير علاقات عسكرية أوثق مع القوى الإقليمية، ذلك أن نهج الصين يعتمد على التربّح بشكل كبير؛ فهي سعيدة جدا ببيع المزيد من الأسلحة إلى المنطقة، ولكنها لا ترى قيمة تذكر في الاستثمار في أشكال أخرى من التعاون الأمني. ويعود هذا إلى تصورات الصين لموضوع التهديد. فما لم تنظر بكين إلى إيران على أنها تهديد، فلن تشعر بالحاجة إلى التعاون مع دول المنطقة على تحسين قدراتهم العسكرية لمواجهة هذا التهديد بشكل مشترك، بخلاف بيعهم أسلحة صينية مرة أخرى.

 

إلا أن ما سبق لا يعني أن الوجود العسكري الصيني لن يقدم مزايا أو يعزز أهداف الصين في المنطقة وحول العالم. فمن الناحية النظرية، يمكن للوجود العسكري الصيني أن يعزز إلى حد كبير تصور الهيمنة الصينية في المنطقة، وبالتالي، يمكنه تمكين كثير من مساعي بكين الاستراتيجية والسيطرة على الولاءات الإقليمية. ويمكن لرمزية القوة العسكرية الصينية المحسنة في المنطقة أن تكون مؤثرة.


يمكن أن تكون القاعدة العسكرية الصينية في المنطقة مفيدة أيضا لإجلاء المواطنين الصينيين، تماما كما حدث عندما استخدمت الصين قاعدتها في جيبوتي لإجلاء الآلاف من مواطنيها من ليبيا، ولزيادة وتيرة عمليات مكافحة القرصنة في البحر، وحماية خطوط الاتصال البحرية، والمزيد من الانخراط في حفظ السلام. ومع ذلك، فإن هذه ليست من الأولويات أو المكونات الأساسية لاستراتيجية الصين.

القدرات


يمكن أن تتغير رغبة الصين في زيادة قوتها العسكرية في الشرق الأوسط  في أي وقت، ولكن هل لدى جيش التحرير الشعبي القدرة على تحقيق هذا الهدف؟ تركز الاستراتيجية العسكرية للصين على تحديث وتطوير القدرات من أجل قتال متطور قصير الأمد ضمن سلسلة الجزر الأولى، بما في ذلك الصواريخ المتقدمة تقنيا وطائرات الشبح والسفن البحرية والغواصات وغيرها من المعدات. وبينما يمكن للصين حاليا استخدام هذه القدرات عندما تكون قريبة من أراضيها، إلا أنها تواجه نقصا في العمليات المشتركة والتكتيكات والاستدامة ونشر هذه الأصول على مستوى العالم.
يظل بناء القدرات لإبراز القوة والحفاظ على القوات الكبيرة خارج المحيط الهادي أولوية استراتيجية ثانوية ويأتي بتكلفة عالية، مما يحول التركيز والتمويل بعيدا عن الاستعداد لحالة الطوارئ الخاصة بتايوان. كما أن حاملتي الطائرات النشطتين في الصين لا تشكلان بعد تهديدا خطيرا. كما أنهما لن تشكلا قدرة معتبرة، ولن تكونا قادرتين على الانتشار بعيدا عن شواطئ الصين حتى يتمكن جيش التحرير الشعبي من من تحسين عملية هبوط الطائرات بشكل مثالي وتوفير الحماية دون الاعتماد على المطارات البرية لإطلاق الطائرات واستعادتها وتوفير الدعم في مجال المراقبة.

لا تمتلك الصين قواعد عسكرية أو تحالفات رسمية في الشرق الأوسط، ولكن قواتها لا تزال تعمل بفعالية في المنطقة، وإن كان على نطاق محدود. ومن خلال القيام بما تطلق عليه الولايات المتحدة اسم أنشطة الحملات، فإنهم يشاركون في عمليات حفظ السلام والأمن البحري ونقل الأسلحة، وعادة ما يتم تنفيذ هذه الأنشطة عبر مهمة واحدة؛ إذ يقومون، في كل عام، بالمشاركة في بعض التدريبات العسكرية، وزيارات الموانئ البحرية وزيارات كبار القادة. وبشكل عام، يفتقر الجيش الصيني إلى المهارات الثقافية واللغوية المطلوبة لمزيد من المشاركة العسكرية المتكررة والهادفة. ولا تعمل قيادة جيش التحرير الشعبي على تمكين فرق الاشتباك من التفاوض، مما يتطلب منهم الالتزام بنقاط الحوار المكتوبة والمضبوطة والتي تؤكد على الموقف الجماعي- وتقلل من قدرتهم على تكوين علاقات دفاعية قوية.

AP
وزير الدفاع الصيني لي شانغ فو اثناء زيارته موسكو في 18 ابريل 2023 والى جانبه نظيره الروسي سيرغي شويغو

والأهم من ذلك، أن الصينيين لا يتمتعون بالقدرة العسكرية الكافية لوقف هجوم إيراني عبر الخليج العربي أو القتال بشكل فعال مع شريك عربي والمساعدة في الدفاع عنه في مثل هذه الحالة الطارئة. ولن تكون الصين قادرة على إجراء مثل هذه العمليات الطارئة واسعة النطاق في المنطقة خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة بسبب وجود ثغرات أساسية في قدراتها. إذ يفتقر جيش التحرير الشعبي الصيني إلى ما يكفي من الأصول الاستراتيجية الجوية والبحرية والناقلات والدفاع الصاروخي والدعم الطبي والهندسي واللوجستيات المشتركة ومهارات البحث والإنقاذ وقدرات القيادة والتحكم المشتركة اللازمة للعمليات القتالية العالمية. وكقوة مشتركة، لا يتمتع الصينيون بأي خبرة في العمليات العسكرية المعقدة ويفتقرون إلى هيكل قيادة عالمي.
 

الصينيون لا يتمتعون بالقدرة العسكرية الكافية لوقف هجوم إيراني عبر الخليج العربي أو القتال بشكل فعال مع شريك عربي والمساعدة في الدفاع عنه في مثل هذه الحالة الطارئة

وحتى لو افترضنا أن جيش التحرير الشعبي يمكنه إصلاح هذه النواقص الحرجة في وقت أقرب مما هو مخطط له، فسيظل بحاجة إلى شبكة من القواعد العسكرية الإقليمية والبنية التحتية لاستقبال أي قوة مشتركة منتشرة في المنطقة لأغراض الردع أو التدخل أو العمليات القتالية، وتنظيمها ونقلها ودمجها وتوفير الدعم لها. وعلى عكس واشنطن  لا تمتلك بكين ميزانية دفاعية أو علاقات عسكرية طويلة الأمد لدعم شبكة قواعد كبيرة أو وجود عسكري في المنطقة.

Getty Images
طائرة التدريب القتالي الصينية "جي أف 17 ثاندر" اثناء معرض للصناعات الجوية في جوهاي في 9 نوفمبر 2022


وسيواصل جيش التحرير الشعبي بلا شك سد الثغرات الحرجة في تكنولوجيا الأسلحة والعقيدة والتنظيم لتحقيق أهدافه لعام 2035. كما سيستمرون في التفاوض مع دول الشرق الأوسط واستكشاف الخيارات المتاحة لإقامة قواعد عسكرية محدودة من شأنها أن تساعد في حماية مواطنيهم وتأمين الموارد وحماية الممرات البحرية وتعزيز نطاقهم اللوجستي، وتوفير القدرة على توسيع العمليات، إذا لزم الأمر.


ومع ذلك، سيظل تركيزهم على الاستعداد للقتال بالقرب من البر الرئيسي. وستستخدم الصين، على المدى القريب، قدراتها الحالية لمواصلة المشاركة الإقليمية المحدودة من خلال الأمن وحفظ السلام ومبيعات الأسلحة، مع الاحتفاظ بقدراتها المتطورة للاستخدام في نهج القوة العسكرية الصلبة لردع خصومها والاستعداد للعمليات القتالية حول محيطها.

استراتيجيات مختلفة


على الرغم من أنه لا ينبغي لواشنطن أن تقلق كثيرا بشأن احتمالية زيادة القوة العسكرية الصينية في الشرق الأوسط، يجب على صانعي السياسة الأميركية والقادة العسكريين القلق بشأن قدرة الصين على استغلال جميع أدوات القوة الوطنية لتحسين موقعها الاستراتيجي في المنطقة. بعبارة أخرى، مشكلة الولايات المتحدة تكمن في النفوذ الصيني، وليست قوة الصين العسكرية، الأمر الذي يتطلب من واشنطن إعادة النظر بجدية في جوانب عديدة من نهجها تجاه الشرق الأوسط.
وبعد عقود من خوض حروب الشرق الأوسط وتوفير الأمن الإقليمي ونشر مئات الآلاف من القوات في مواقع كبيرة في جميع أنحاء المنطقة، يجب على الولايات المتحدة أن تستلهم من استراتيجيات الصين وتعزز أنشطتها الدبلوماسية والإعلامية والاقتصادية للحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى رفع مستوى التعاون العسكري.
ويجب على الولايات المتحدة استغلال وجود قواتها الحالي وعلاقاتها وقدراتها لتعزيز وتبسيط التعاون الأمني والتدريبات والارتباطات، بما في ذلك برامج المبيعات العسكرية الخارجية وبرامج التعاون في مجال التسلح. ونظرا لوجود عناصر سياسية وإعلامية وعسكرية واقتصادية لمبيعات الأسلحة والتعاون، فإنها تشكل أساسا لعلاقات طويلة الأمد وتساهم في تعزيز النفوذ.
يمكن للولايات المتحدة أيضا الحفاظ على نفوذها من خلال الحفاظ على جهوزية قدراتها القتالية وبنيتها التحتية الإقليمية. على عكس الصين، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بالقدرة على بسط نفوذها بسرعة في المنطقة. وتحتاج القوات الأميركية إلى الاستمرار في استعراض هذه القدرة مع الشركاء الإقليميين، للمحافظة على صورتها القوية وطمأنة الشركاء وردع الخصوم ومنع المنافسين من ملء الفراغ.
ولا يعد تأثير الصين المتزايد في الشرق الأوسط أمرا نظريا، بل هو في الواقع أمر حقيقي. إلا أن البنية التحتية لشركاء واشنطن الإقليميين لا يعلى عليها. ويجب أن تخفف السياسة الأميركية من تركيزها على ما تفعله بكين وما تخطط للقيام به وأن تركز أكثر على إيجاد أفضل السبل للاستفادة من كافة عناصر القوة الوطنية الأميركية لحماية مصالح الولايات المتحدة طويلة الأمد. 
 

font change


مقالات ذات صلة