ايران تدخل على الخط السعودي-الكويتي ... وتدعي حقها بـ "الدرة"

الرياض تؤكد أن ملكية الحقل تعود لها وللكويت وتجدد دعوتها لطهران للتفاوض

ايران تدخل على الخط السعودي-الكويتي ... وتدعي حقها بـ "الدرة"

المحاولات الإيرانية باستغلال حقل الدرة لإنتاج الغاز الطبيعي ليست جديدة، فقد بدأت في الستينيات، في ظل فشل المفاوضات والمباحثات المتعاقبة مع جارتيها السعودية والكويت منذ ذلك الحين، لإتمام ترسيم الحدود البحرية ووضع حد لهذا النزاع. ويبدو أن إيران غير راغبة في التوصل إلى اتفاق، وبإشراف دولي تحديدا، قد يدحض ادعاءها أحقيتها المشاركة في استثمار الحقل، وهي تلجأ بأسلوبها المعهود في التعامل مع القضايا الاستراتيجية الكبرى، في محاولة لفرض أمر واقع على ثروة من الغاز الذي قفزت أسعاره بعد الحرب الأوكرانية.

وقد تصاعدت حدة التوتر بالأمس بعد إعلان إيران عزمها على بدء عمليات الحفر في حقل الدرة، من دون أن تأخذ في الاعتبار حقوق جارتيها، في وقت أعلن فيه مصدر مطلع بوزارة الخارجية السعودية في بيان، نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس)، بأن "ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة، بما فيها حقل الدرة بكامله، هي ملكية مشتركة بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت فقط، ولهما وحدهما كامل الحقوق السيادية لاستغلال الثروات في تلك المنطقة".

وأضاف المصدر أن "المملكة تجدد دعواتها السابقة للجانب الإيراني بالبدء في مفاوضات لترسيم الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة بين المملكة والكويت كطرفٍ تفاوضيٍ واحد، مقابل الجانب الإيراني، وفقاً لأحكام القانون الدولي".

وكان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط الكويتي سعد البراك، أعلن رفضه "جملة وتفصيلا الاجراءات الإيرانية في حقل الدرة"، لافتا إلى أن الكويت والرياض متفقتان كطرف تفاوضي واحد، داعيا إلى "ترسيم الحدود الدولية".

ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة، بما فيها حقل الدرة بكامله، هي ملكية مشتركة بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت فقط، ولهما وحدهما كامل الحقوق السيادية لاستغلال الثروات في تلك المنطقة

مصدر مطلع في وزارة الخارجية السعودية

قصة حقل الدرة وأهميته

يقع حقل الدرة في المياه الإقليمية المشتركة بين الكويت والسعودية. وكان البلدان قد أعلنا في يونيو/حزيران 2006 نيتهما تطوير الحقل وإنتاج نحو 600 مليون قدم مكعب من الغاز يتم اقتسامها بالتساوي بينهما. لكن لم يتم إنجاز أي تطوير منذ ذلك الحين. وتزعم إيران أن جزءا من الحقل يقع في مياهها الإقليمية وحاولت القيام بعمليات إنتاجية من دون التنسيق مع دولتي الجوار، الكويت والسعودية، مما أدى إلى توتر في العلاقات وتعطيل أي عمليات مفيدة ومجدية.

وتشير مصادر نفطية إلى أن الحقل اكتشف عام 1967 ويقدَّر مخزونه بـ11 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهناك تقديرات لاحتياطيات نفطية في الحقل تقدَّر بـ300 مليون برميل.

لا شك في أن تطوير هذا الحقل سيكون مفيداً للسعودية والكويت وسيلبي الاحتياجات من الغاز الطبيعي محليا بحيث يمكن استخدام الغاز الطبيعي في عمليات إنتاج الطاقة الكهربائية وعمليات إنتاج البتروكيماويات. كما أن للحقل أهمية كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، باعتباره مخزناً منتظراً لإنتاج كمية كبيرة من الغاز الذي قفزت أسعاره منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.

هناك مسألة ترسيم الحدود البحرية بين الكويت وإيران منذ زمن طويل، حيث يعود النزاع بين البلدين إلى ما يقارب الستين عاماً، وكانت إيران والكويت منحتا امتيازين للتنقيب في شمال حقل غاز الدرة: إيران اتفقت مع شركة النفط البريطانية– الإيرانية، وهي شركة لم تعد قائمة في الوقت الحاضر، أما الكويت فقد اتفقت مع شركة "شل".

وبدأت إيران في عام 2012 التصريح بنيتها تطوير حقل الدرة الذي تطلق عليه اسم حقل "أراش البحري". وردت الكويت على هذه التصريحات، مطالبةً إيران بعدم القيام بعمل منفرد قبل الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. 

ويقع الحقل ضمن الحدود المشتركة بين السعودية والكويت اللتين اتفقتا على ترسيم الحدود البحرية بينهما في عام 2000. واستمر البلدان في مطالبة إيران بتحديد الحدود الشرقية للحقل قبل البدء بأي عمليات حفر وتنقيب، لكن إيران لم ترد على المطالب.

Shutterstock

وكان وزير الخارجية الكويتي الأسبق الشيخ محمد صباح السالم الصباح قد أجرى عام 2006 محادثات مع الإيرانيين لكن من دون التوصل إلى توافق. وتشكلت لجان فنية بين البلدين لم تتمكن من الوصول إلى حلول ملائمة. واستمرت إيران في التعنت وعدم الرغبة في ترسيم الحدود البحرية ومحاولة السيطرة على إنتاج الحقل على الرغم من أن الدراسات الفنية أكدت أن الجزء الواقع بالقرب من الحدود الإيرانية لا يحوي سوى 5 في المئة فقط من احتياطيات الحقل.

وأكدت الكويت والسعودية منذ ديسمبر/كانون الأول 2019 أهمية استغلال الحقل وتطويره. وفي مارس/آذار 2022 وقّع وزيرا النفط في البلدين محضر اجتماع يؤكد حق البلدين في استغلال حقل الدرة وثرواته الطبيعية في المنطقة المقسومة، وذكّر الوزيران إيران بأهمية تعيين الحد الشرقي مما يطلق عليه اسم المنطقة المغمورة المقسومة. واعترضت إيران على المحضر آنذاك باعتبار أنها تشارك في الحقل ويجب أن تنضم لأي إجراء لتشغيله وتطويره.

عودة التوتر

تصاعدت مستويات التوتر نتيجة إعلان إيران نيتها البدء بعمليات الحفر والتنقيب في حقل الدرة للغاز تمهيداً لبدء تركيب منصات حفر والقيام بدراسات زلزالية. وقال مصدر في شركة النفط الإيرانية الوطنية، إن الشركة بصدد مباشرة عمليات الحفر ثم الإنتاج على ضوء تأكيد كل من السعودية والكويت أنه ليس هناك حقل مشترك مع إيران. 

وفي حين يطالب الجانب الإيراني بترسيم الحدود البحرية الكويتية- الإيرانية خارج قانون البحار، بحيث يتم الترسيم من جزيرة خرج الإيرانية إلى البر الكويتي، وهو أمر غير منطقي، تطالب الكويت بأن يكون الترسيم من جزيرة فيلكا إلى جزيرة خرج.

ولا تزال الفجوة قائمة إزاء إمكانات التوافق في ضوء الحقائق الجغرافية والجيولوجية المؤكدة التي يستند إليها البلدان. ومن غير المحتمل أن توافق السعودية والكويت على المطالب الإيرانية الهادفة إلى إشراكها في أعمال التنقيب والإنتاج وتقاسمها ريع إنتاج الحقل.

وتشير المعلومات المتخصصة إلى أن الإنتاج سيكون مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي يومياً إضافة إلى إنتاج 84 ألف برميل من المكثفات كل يوم. وسيقسم ريع الإنتاج بالتساوي بين السعودية والكويت بموجب الاتفاقات المعتمدة بين البلدين. 

وفي حديث لوكالة "سبوتنيك"، قال مبارك محمد الهاجري، المستشار النفطي الكويتي: "يحاول الجانب الإيراني في ظل التقارب مع دول الخليج أن يناور ويماطل في موضوع حقل الدرة عن طريق رفض الجلوس على طاولة المفاوضات، ومن المعروف أن لطهران خبرة طويلة وباعا في عملية التفاوض... ودائما ما تماطل طهران وتريد شراء الوقت لتحقيق أهداف تصب في صالحها، ومن أجل إيقاف العمليات ووقف تطوير الحقل".

وأكد أن "الحقل سيتم تطويره على الرغم من احتجاجات الجانب الإيراني، حيث إن هناك اتفاقات موقعة، بين أعضائها الجانب الإيراني، مع الكويت والسعودية، أهمها اتفاقية الأمم المتحدة لترسيم الحدود البحرية والتي توضح أن حقل الدرة حقل كويتي سعودي حدودي، وليس للجانب الإيراني أي جزء أو حقوق فيه".

دائما ما تماطل طهران وتريد شراء الوقت لتحقيق أهداف تصب في صالحها، ومن أجل إيقاف العمليات ووقف تطوير الحقل

مبارك محمد الهاجري، مستشار نفطي الكويتي

بدوره، اعتبر عماد أبشناس، المحلل السياسي الإيراني، أن خلاف حقل الدرة البحري قديم، وأوضح أن الخلاف حول هذا الحقل يأتي بسبب إصرار إيران على أن ترسيم الحدود يكون على أساس الجرف القاري، وهنا يكون 40 في المئة من هذا الحقل في مياه إيران الإقليمية، فيما تصر الكويت على أن يكون الترسيم طبقًا للحدود البرية، وهذا يعني أن إيران خارج الحقل بشكل كامل.

تسوية النزاع؟

غني عن البيان أن هذه التوقعات تؤكد أهمية الحقل وضرورة إفادة البلدين من إنتاجه من الغاز والنفط. وتسعى الكويت لبدء الإنتاج في أسرع وقت ممكن نظراً إلى احتياجاتها من الغاز الطبيعي الذي لا يزال غير متوفر في البلاد بما يتواءم مع الطلب المحلي. وقد يمكّن إنتاجُ الحقل الكويتَ من الالتحاق بنادي منتجي الغاز ويعزز صادراتها. 

لكن يجب معالجة التوتر مع إيران دون الرضوخ لتعدياتها غير المنطقية. فهل تقبل إيران بتحكيم دولي لترسيم الحدود البحرية، ينهي النزاع المزمن مع الكويت حول الجرف القاري؟ وهل يساعد التفاهم بين السعودية وإيران الذي تم التوصل إليه قبل فترة في رعاية الصين، في تسوية مثل هذا النزاع؟

تظل الشكوك قائمة حول النيات الإيرانية ومدى رغبة طهران في اعتماد سياسات أو علاقات مبنية على القانون الدولي والعلاقات المتوازنة مع دول الجوار. 

font change

مقالات ذات صلة