مخاوف عراقية من تصاعد عمليات الاختطاف

ظاهرة الاختطاف في العراق تؤرق الناشطين والصحفيين وسط ضجة حول مصير باحثة إسرائيلية-روسية

AFP
AFP
تسوركوف أكاديمية إسرائيلية روسية معروفة على النطاق الدولي كمحللة لشؤون الشرق الأوسط

مخاوف عراقية من تصاعد عمليات الاختطاف

ينظم رجال الشرطة حركة المرور تحت شمس الصيف القائظة، ويتجولون بالقرب من مركباتهم في مظاهر واضحة من الملل في منطقة الكرّادة الداخلية بالعاصمة العراقية، التي تنتشر فيها الكنائس وتغطي جدرانها ملصقات تروج للجماعات المسلحة المرتبطة بإيران.

تتصف المنطقة الآن بكونها مزدحمة وحيوية وأكثر أمانا مما كانت عليه قبل بضع سنوات فقط، وكذلك هو الحال في بقية البلاد. ولكن في شهر مارس/آذار الماضي، اختُطفت الباحثة الإسرائيلية من أصل روسي، إليزابيث تسوركوف، البالغة من العمر 36 عاما، والتي دخلت البلاد بجواز سفرها الروسي.

انخفض إلى حد كبير خطر الاختطاف أو الاغتيال الذي كان العراقيون والأجانب يواجهونه على حدّ سواء، بالنسبة لما كان عليه الحال في السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي عام 2003.

ومع ذلك، لا يزال يُنظر على نطاق واسع إلى وجود كثير من الجماعات التي تتصرف خارج سيطرة الدولة، وإلى التنسيق الضعيف ظاهريا بين بعض الهيئات الحكومية، كمشكلة حقيقية، وتجعل من الصعب التأكد من مكان احتجاز الأفراد والأشخاص الذين يحتجزونهم.

فحتى مع إزالة نقاط التفتيش، وفتح المنطقة الخضراء أخيرا أمام جميع العراقيين، يزعم الخبراء أن الاستثمار والتنمية سيتعثران إذا لم تُجرَ تحسينات في مستوى سيادة القانون، وسيطرة الدولة على الأسلحة.

تسوركوف أكاديمية إسرائيلية روسية معروفة على النطاق الدولي كمحللة لشؤون الشرق الأوسط، وقد قامت بعدة رحلات إلى العراق في السنوات الأخيرة باستخدام جواز سفرها الروسي

قضية الباحثة الإسرائيلية من أصل روسي

تسوركوف أكاديمية إسرائيلية روسية معروفة على النطاق الدولي كمحللة لشؤون الشرق الأوسط، وقد قامت بعدة رحلات إلى العراق في السنوات الأخيرة باستخدام جواز سفرها الروسي.

ومن المعروف أنها استأجرت شقة في منطقة الكرادة الداخلية ببغداد أوائل عام 2022، وكانت تعيش– وفق التقارير– في منطقة الكرّادة لحظة اختطافها المزعوم.

منع التعتيم الإعلامي كثيرا من وسائل الإعلام من الإبلاغ عن القضية حتى لحظة انتشار الخَبَر في الأسبوع الأول من يوليو/تموز الحالي، إذ أُخطِر معظم الصحافيين الأجانب العاملين في العراق، ولكن طُلب منهم عدم نقل الأخبار، حيث كان من المفترض أنّ المفاوضات الحساسة جارية على قدم وساق.

وغالبا ما كانت سياسة التعتيم الإعلامي ممارسة معتادة في حالات اختطاف الصحافيين الأجانب وعمال الإغاثة الإنسانية الذين اختطفهم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والجماعات الإرهابية الأخرى، وذلك على الرغم من أنّ سياسة التعتيم الإعلامي لم تثبت أنها ساعدت في إنقاذ الأرواح.

وعلى الرغم من أنّ بعض المصادر تزعم أنها اعتقلت من قبل عملاء المخابرات العراقية، فلم تُصدر السلطات العراقية أي بيانٍ رسمي بشأن القضية حتى صباح 7 يوليو/تموز. وأدى اختطاف مواطنة إسرائيلية في العراق إلى موجة من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ادعى كثير من المعلقين أنها على الأرجح جاسوسة. ومن المعروف أن العراق يمنع رسميا دخول الإسرائيليين إليه، حيث لا تزال الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل تجذب حشودا كبيرة.

لقد دخلت تسوركوف بجواز سفرها الروسي، ويبدو أنها استخدمت بين الحين والآخر تحويرا طفيفا في اسمها، ربما كإجراء احترازي، باعتبار أن اسمها سبق وظهر في فيديو على "إنستغرام"، ومن ثمّ أُزيل بين 5 و6 يوليو/تموز. لكنها، نشرت أيضا صورا لمدن عراقية مختلفة زارتها على حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، ولم تحاول أن تخفي وجودها في البلاد.

كما أنها كتبت علانية على وسائل التواصل الاجتماعي عن أدائها الخدمة العسكرية الإجبارية في إسرائيل، لكنها كانت تنتقد السياسات الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين انتقادا شديدا. 

وعلى الرغم من التقارير الأولية التي ظهرت لأول مرة في مارس/آذار الماضي والتي تحدثت عن اعتقال "باحثة أميركية روسية"، فإن تسوركوف في حقيقة الأمر لا تحمل الجنسية الأميركية، بل إنها دَرَسَت في كل من الجامعة العبرية وجامعة تل أبيب، وهي زميلة في معهد نيوزلاينز للاستراتيجية والسياسة والذي مقره واشنطن. وهي تحضّر أيضا لدرجة الدكتوراه في جامعة برينستون في الولايات المتحدة، ويُقال إنها كانت في العراق لأغراض بحثية تتعلق بدرجة الدكتوراه.

كثير من الذين اختُطفوا أو احتُجزوا في السنوات الأخيرة، والذين أُطلق سراحهم فيما بعد، يرفضون التحدث عن قضاياهم حرصا على سلامتهم أو سلامة عائلاتهم

وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 7 يوليو/تموز أن "مسؤولا حكوميا إسرائيليا أكد يوم الأربعاء أن تسوركوف سبق وقامت برحلات إلى العراق، والذي تعتبره إسرائيل دولة معادية. (نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين عراقيين قولهم إنها قامت بأكثر من 10 زيارات). وبموجب القانون الإسرائيلي، فإنه من غير القانوني دخول المواطنين الإسرائيليين إلى دول معادية، حتى بجواز سفر أجنبي".

ظاهرة الاختطاف

وسلطت حادثة الباحثة الضوء مجددا على ظاهرة الاختطاف في العراق للناشطين والباحثين. ففي مطلع العام الجاري، اختطفت جماعة مسلحة مجهولة عالم البيئة العراقي المعروف جاسم الأسدي أثناء سفره برا من محافظة بابل إلى بغداد. وورد عقب إطلاق سراحه بعد أكثر من أسبوعين أنه تعرض "لأشكال شديدة من التعذيب" باستخدام "الكهرباء والعصي" وأن يديه قد قُيدتا، وأنه عُرّض للإيذاء النفسي.

ولم تُعرف شروط الإفراج عنه، وما إذا كانت دُفعت أموال لمختطفيه، ومَنْ هَؤلاء المختطِفون، أو أي تفاصيل أخرى. ولم يرد على الفور على أسئلة أرسلتها له "المجلة" عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وعرف أن كثيرا من الذين اختُطفوا أو احتُجزوا في السنوات الأخيرة، والذين أُطلق سراحهم فيما بعد، يرفضون التحدث عن قضاياهم حرصا على سلامتهم أو سلامة عائلاتهم.

"سرقوا بلدي مني"

وعن حادثة اختطاف أخرى، قالت أفراح شوقي، وهي صحافية وموظفة سابقة في وزارة الثقافة العراقية، كانت فصائل مسلحة اختطفتها من منزلها أواخر عام 2016، لـ"المجلة" عبر الهاتف من فرنسا في 7 يوليو/تموز إنها غادرت البلاد بعد شهر ونصف من إطلاق سراحها.

وقالت "ببساطة حان وقت الحصول على جواز سفر"، مشيرة إلى أنها حصلت على حق اللجوء، ولم تتمكن من العودة إلى العراق منذ ذلك الحين.

وتروي أفراح أن "مجهولين ملثمين يحملون السلاح دخلوا الى بيتي واقتادوني بالقوة مقيدةً ومعصوبة العينين إلى جهة مجهولة مساء يوم 26 ديسمبر/كانون الأول عام 2016. لقد كان الطريق طويلا، فقد كان تقريبا ثلاثة أرباع الساعة حتى وصولنا إلى مقرٍ يبدو أنه تابع لفصيل مسلح، حيث كانت البوابات الكبيرة، وكان الحرس والسيارات موجودين في موقف السيارة.

AFP
متظاهرون يحملون صورا للصحفية العراقية أفراح شوقي خلال مظاهرة تطالب بالإفراج عنها في 30 ديسمبر / كانون الأول 2016 ، في ساحة التحرير ببغداد

"لقد أدخلوني إلى غرفة صغيرة بلا نوافذ، ومحكمة الإغلاق ببوابة حديدية وبأقفال كبيرة، وفيها مرحاض صغير سيئٌ، وكانت الغرفة تبدو كزنزانة استخدمت قبلاً في احتجاز آخرين، لأني وجدت كتابات على الحائط تشبه ما يكتبه السجناء من أسماء أو تواريخ اعتقالهم على الجدران. وخضعت للتحقيق اليومي طيلة مدة احتجازي على مدى تسعة أيام. وقد اشتمل التحقيق على الضرب والتعذيب وإجباري على اعترافات بأفعال لم أرتكبها، وكنت معصوبة العينين أيضا. لقد علّقني أحدهم من يدي إلى سقف الغرفة بواسطة سلاسل حديديةٍ، حتى كادت كتفي تنخلع".

وأضافت: "خلال فترة التحقيق، قال لي المحقق لماذا تكتبين ضد عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وايران بشكل سيئ؟ إنهم كانوا السبب في استمرارك بالعمل ولولاهم لكان داعش اغتصبك".

وقالت: "أنا اعرف ويعرف كثيرون غيري أن السجون السرية موجودة حتى الآن وهي تابعة لفصائل  مسلحة وأحزاب، وهي موجودة داخل مقراتهم أحيانا وأحيانا في أماكن أخرى وخاضعة للحراسة المشددة حتى لا يكشف أمرها وتكون أحيانا داخل بيوت تبدو سكنية في الظاهر لكن في الداخل هناك غرف سرية للاعتقال".

وقد أكدت شوقي التالي: "كل يوم أتمنى أن أعود إلى وطني مع أسرتي لأنني سئمت الاغتراب". وقالت إنها ستعود على الفور "إذا شعرت بالثقة في قدرتي على العودة إلى عملي دون تهديدات، أو خوف من الاعتقال أو الاغتيال".

وأضافت بحسرة: "لقد سرقوا بلدي مني. الحكومة العراقية في كل دوراتها، كانت عاجزة عن السيطرة على تلك الجماعات رغم أنها تعرفهم وتعرف مقراتهم. إنها تخشى على نفسها من بطشهم وانتقامهم، كما حصل مع حكومة الكاظمي عندما داهمت المجموعات المسلحة حتى بيته وأطلقت الصواريخ المسيرة نحوه".

أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 5 يوليو/تموز الحالي أن ميليشيا شيعية تحتجز تسوركوف، بينما زعم المتحدث الروسي ديمتري بيسكوف الخميس أن الكرملين لم يكن على علم بأن تسوركوف قد أخذت رهينة

من اختطف الباحثة الإسرائيلية الروسية؟

أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 5 يوليو/تموز الحالي أن ميليشيا شيعية في العراق، لم يحددها، تحتجز تسوركوف، بينما زعم المتحدث الروسي ديمتري بيسكوف الخميس أن الكرملين لم يكن على علم بأن تسوركوف قد أخذت رهينة.

ونقلت شبكة التلفزة الرسمية الإسرائيلية "كان" عن مسؤول عراقي كان على اتصال مع تسوركوف قوله إنها "احتُجزت في البداية من قبل المخابرات العراقية ثم نُقلت بعد ذلك إلى كتائب حزب الله، وأكد المسؤول، وفقا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن الإيرانيين متورطون في عملية الاختطاف".

لكن لم تعلن "كتائب حزب الله" مسؤوليتها عن اختطاف الباحثة.

بعد حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن خطف تسوركوف في الخامس من يوليو/تموز، نفى أبو علي العسكري من كتائب حزب الله على "تلغرام" معرفته بالقضية.

وكتب العسكري أن الجماعة المسلحة ستكثف الآن، على الرغم من ذلك، جهودها لتحديد مصير الأسيرة الإسرائيلية في العراق لما فيه مصلحة الشعب العراقي و"الحصول على مزيد من المعلومات حول نوايا العصابة الإجرامية وأولئك الذين يسهلون أنشطتهم داخل البلد الذي يحظر أي تعامل معهم".

وزعم أن الحكومة لا تظهر "جدية كافية" في إنهاء الوجود الأجنبي في البلاد وأن "المحتل يواصل التدخل بشكل علني وسلبي في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية في العراق".

وكان البرلمان العراقي قد أقر في مايو/أيار 2022 قانونا يجرم تطبيع العلاقات مع إسرائيل ويعرّض المخالفين لعقوبات شديدة تشمل الإعدام والسجن مدى الحياة.

جاء القانون بعد أشهر من انعقاد مؤتمر مثير للجدل في إقليم كردستان العراق روج لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

font change

مقالات ذات صلة