آفاق التقارب السعودي التركي

العلاقات السعودية-التركية آخذة في التطور

SPA/Reuters
SPA/Reuters

آفاق التقارب السعودي التركي

بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الاثنين، جولته التي تستغرق ثلاثة أيام في المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، صحبةَ عدد من وزرائه ونحو 200 رجل أعمال وصحافي تركي. وكانت المحطة الأولى لأردوغان في المملكة العربية السعودية، التي بدأت العلاقات الدبلوماسية معها عام 1929.

وقد بدأت، بعد عام 2013، فترة عصيبة بين تركيا والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، ولكن يبدو أن الطرفين قد رميا تلك الفترة وراءهما، مع المقاربات الواقعية والبرغماتية.

بعبارات عامة، يمكن وصف العلاقات التركية- السعودية بأنها "أقل بكثير من الإمكانات"؛ فوفقا لأرقام معهد الإحصاء التركي، بلغ حجم التجارة بين البلدين 5.198 مليار دولار أميركي، فيما وصل عدد السياح السعوديين في تركيا إلى نحو نصف مليون سائح في الفترة ما بين يوليو/تموز إلى ديسمبر/كانون الأول 2022، وكلاهما مثال يمكن أن يشرح المقصود من عبارة "أقل من الإمكانات".

في يونيو/حزيران 2022، أعطت زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى تركيا دفعة قوية لتجديد العلاقات بين البلدين.

وكان الرئيس أردوغان قد صرح قبل الانتخابات التركية التي جرت في مايو/أيار 2023 أنه في حال فوزه، سيزور دول الخليج للتعبير عن تقديره لدعمها واستكشاف فرص تعاون جديدة. وقد فاز في الانتخابات، وها هو ينفذ وعده.

كما صرح أردوغان في مؤتمره الصحافي في المطار قبل مغادرته أن الاستثمار المشترك والتمويل سيكونان موضوعين رئيسين للمحادثات في الرياض. وقال إن للسعودية مكانة خاصة في مجالات التجارة والاستثمارات وخدمات المقاولات. وذكَّر بأن إجمالي حجم المشاريع التي نفذها المقاولون الأتراك في المملكة العربية السعودية خلال الخمسين عاما الماضية قرابة 25 مليار دولار، مؤكدا رغبة الشركات التركية في لعب دور أكبر في المشاريع السعودية الكبيرة.

يعرف الجميع أن الاقتصاد التركي يمر بفترة حرجة جدا، وقد وعد الرئيس أردوغان في الانتخابات بإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح. ولكنه لكي يكون قادرا على الوفاء بوعده، يحتاج إلى القيام بأشياء كثيرة، ويحتاج بخاصة إلى الرأسمال الأجنبي. ولا ريب أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى هي وجهاته المفضلة في هذا الصدد.

المسألة لا تقتصر على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إذ إن التقدم الاقتصادي والاجتماعي المنشود في الشرق الأوسط لن يتحقق بطريقة هادفة ومستدامة إلا إذا أمكن تحقيق السلام والاستقرار

ويناسب هذا الأمر بداهة رؤية المملكة العربية السعودية 2030؛ فقد تبنى السعوديون رؤية قوية ومبتكرة ورائدة. إنهم يريدون تنويع الاقتصاد غير النفطي وتطويره وتشجيع السياحة وجذب الاستثمار، إلى جانب جملة من المشاريع الضخمة شديدة الوضوح، مثل "نيوم"، التي لا بد أن تتحقق.

ولا خلاف في أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لتركيا ودورها كجسر بين المناطق الجغرافية المختلفة هو أحد مصادر القوة لتركيا. على سبيل المثال، تركيا ليست دولة نفطية، وهي، على الرغم من بعض الاكتشافات الحديثة ، ليست دولة منتجة للغاز. لكنها تعمل من خلال خطوط الأنابيب المحورية التي تمر عبر أراضيها من الشرق والشمال إلى الغرب. إن شبكة خطوط الأنابيب التي تم إنشاؤها وتشغيلها بالفعل في تركيا جاهزة للربط مع تلك التي يمكن أن تأتي من الشرق الأوسط والخليج.

Saudi Royal Palace/AFP
استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جدة في 17 يوليو 2023

على أن المسألة لا تقتصر على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إذ إن التقدم الاقتصادي والاجتماعي المنشود في الشرق الأوسط لن يتحقق بطريقة هادفة ومستدامة إلا إذا أمكن تحقيق السلام والاستقرار. ذلك أن المنطقة المليئة بالتحديات والمخاطر المختلفة هي موطن للصراعات المستمرة، ناهيك عن الصراعات المجمدة والمحتملة. وبالطبع تحتل الأزمة السورية والوضع في العراق والصراع في اليمن مركز الصدارة.

يعرف الجميع أن الاقتصاد التركي يمر بفترة حرجة جدا، وقد وعد الرئيس أردوغان في الانتخابات بإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح. ولكنه لكي يكون قادرا على الوفاء بوعده، يحتاج إلى الرأسمال الأجنبي. ولا ريب أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى هي وجهاته المفضلة في هذا الصدد

لقد اتبعت المملكة العربية السعودية وتركيا في السنوات الأخيرة نهجا عمليا من أجل إيجاد حلول دبلوماسية لمشاكل قائمة منذ فترة طويلة. ولعل التقارب السعودي الأخير مع إيران وسوريا، وتقارب تركيا مع مصر، ومحاولاتها لفتح صفحة جديدة مع سوريا هي بعض الأمثلة الرئيسة في هذا الصدد. وقبل أسابيع قليلة فقط، أعلنت مصر وتركيا في بيان مشترك أنهما رفعتا علاقاتهما الدبلوماسية إلى مستوى السفراء، في تطور مرحب به للغاية.

التعاون الأمني مجال آخر من مجالات الاهتمام المشترك، فلا شك أن المنظمات الإرهابية تنتظر اللحظة المناسبة لتخرج من جحورها وتضرب من جديد، ولذا فإن محاربة الإرهاب في مصلحة البلدين ومنطقة الخليج بأسرها. ولم يكن التدخل من خارج المنطقة غائبًا أبدا، ودائما ما زاد الوضع سوءا. والمؤكد أن اجتراح الحلول من قبل الأطراف المعنية في المنطقة نفسها له الأفضلية على فرض الحلول من الخارج.

وواضح أن التعاون بين تركيا والمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، سيضع الجميع في مكان أفضل بكثير لمواجهة التحديات.

font change

مقالات ذات صلة