هل تستطيع "الديفا" إنقاذ العالم؟

معرضان جديدان في لندن

Chris-Stein Rednight
Chris-Stein Rednight

هل تستطيع "الديفا" إنقاذ العالم؟

يبدو أن المشهد الثقافي في لندن يشهد كثيرا من الأحداث. لكن كاتب هذه المقالة لا يستطيع التواجد في كل مكان للأسف، لذا تخيّلوا استيائي عندما رأيت صور المشاهير المتجمّعين في معرض اللوحات الوطني أخيرا، بمناسبة إعادة افتتاحه. كانت هناك كيت ميدلتون، المعروفة أيضا باسم أميرة ويلز، تتحدّث مع السير بول مكارتني. وكانت هناك الفنانة البريطانية الدائمة الشباب تريسي إمين، التي تزيّن لوحاتها المخصّصة للنساء أبواب المعرض حاليا.

وكان هناك، متنكّرا بزيّ "كلير" – وهي عرّابة جنّية ترتدي زي فتاة صغيرة - الفنّان غرايسون بيري الذي يحبّ أحيانا ارتداء تلك الملابس بين الحين والآخر. عندما طُلب منه التعليق على المناسبة، أشار إلى أن الجميع مشغولون بالهوية في الوقت الحاضر. ثم أضاف، بقهقهة استخفافية، أننا جميعا نريد أن نظهر كم نحن أفراد فريدون. بدا ذلك مستغربا من رجل حاول جاهدا أن يميّز نفسه عمن تبقّى منا، ومع ذلك بدا في أثناء فترة الإغلاق خلال كوفيد 19، صادقا في تشجيعه لنا نحن الفنّانين الهواة الخاضعين للإقامة الجبرية المؤقّتة في المنزل. ولعل كلير يتصرّف بخبث فحسب.

ربما تتساءل أين كنت حينما حدث كل ذلك؟ فلندن لا تبعد إلا مسافة قصيرة بالقطار عن بيتي الريفي، لذا أسعى إلى حدٍّ ما لأظلّ على اطلاع عما يحدث فيها. وكان عليّ التواجد هناك، بين المواهب والأسماء الكبيرة. لا أحد يتأثّر بالخوف من أن يفوته شيء أكثر مني، لذا يؤلمني الاعتراف بأنني كنت في المدينة، إنما في المكان الخطأ. لم أكن أسعى وراء البريق الزائل للأثرياء والمشاهير، بل كنت أمضي الوقت مؤخّرا في أماكن دون الجودة المتوسّطة، في معرض هَيوارد ذات يوم متطلّعا للخروج بحصيلة "إيجابية" بشأن أزمة المناخ - أعلم، أنها ليست قضية سهلة للجميع - وفي "متحف فيكتوريا وألبرت" في اليوم التالي متفحّصا الملابس المبهرجة للديفات (Diva لقب يطلق على المغنيات الشهيرات لكنه بات يشمل كلّ الفنانات اللواتي يحققن مكانة فنية عالية). في هَيوارد، يستطيع المرء أن يشاهد شجرة ميتة مائلة بزاوية تنذر بالخطر، ومعلما مائيا، ومجموعة من عيون الطيور التي ترمقنا بنظرة اتهامية.

وفي وسع المرء أن يشاهد أيضا فيلما عن قبيلة أمازونية تهاجم المنقّبين عن الذهب الذين يدمّرون بيئتهم وطريقة حياتهم. وقد يكون ذلك خبرا جديدا على من لا يدركون ما يجري في العالم والغافلين عن تدمير الغابات المطيرة. وذلك لا يرقى إلى أن يكون خبرا جيدا وإيجابيا، ومع كل الجهود المبذولة في معرض هَيوارد فإنه لا يزال مثيرا للكآبة مثل صوره عن الطيور المنقرضة.

المتحف يحتوي على بعض الملابس الرائعة في مجموعته لإنشاء مزار للعبادة المتحرّرة من الذنب. من ذا الذي يتمتّع بالعقلانية ولا يركع متضرّعا لكليوباترا

لم يكن خيالي قد استردّ اتزانه بعد الاطلاع على التهديدات المتعدّدة للحياة على الأرض، لذا لم أجد من الصعب أن أسأل نفسي عما إذا كانت "الديفات"، مع ما يتحلّين به من بهاء، يستطعن القيام بالكثير لإنقاذنا من الانقراض. وأعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال الفظّ بعض الشيء هي لا بالتأكيد. تستطيع "الديفات" إنقاذ المطاعم في "توتنهام" كما فعلت بيونسيه للتوّ، أو إنتاج مجموعة من أربعين درجة لونية من كريم الأساس مصمّمة للملوّنين كمجموعة ريانا. ويمكن أن تعكس شهرتهن وثروتهن علينا تجاوزات عدم المساواة أيضا. ومع ذلك يستطعن، إذا نحّينا التشكيك جانبا، صرف انتباهنا عن أي شيء من ذلك، ما دمنا مفتونين بسحرهن على الأقل.

 

نجمات وأزياء

يسرد معرض "متحف فيكتوريا وألبرت" تاريخ "الديفات" منذ أيام الأوبرا وقاعة الموسيقى حتى وقتنا الحاضر. ومن المفيد أن المتحف يحتوي على بعض الملابس الرائعة في مجموعته لإنشاء مزار للعبادة المتحرّرة من الذنب. من ذا الذي يتمتّع بالعقلانية ولا يركع متضرّعا لكليوباترا، على سبيل المثال، سواء أدّت دورها ثيدا بارا، حسناء الأفلام الصامتة، أو شير، أو إليزابيث تايلور؟ الجواب، في البداية على الأقل، ريتشارد بيرتون. هذا هو نوع المحادثة التي يتوقّع المرء أن تجريها الديفات يوميا:

ستركع.

ماذا؟

اجثُ على ركبتيك.

Victoria and Albert Museum, London

تمكّن القيّمون على معرض "ديفا" من الإشادة بقوة الموضوع، من دون تحديد ماهيته تماما. فبدؤوا بداية واعدة بأصل الكلمة، وأوضحوا لنا أن الكلمة (diva) مشتقة من اللاتينية بمعنى "إلهة" وتمثّلوا قول شاعرة فرنسية في وصف إحداهن "كلما غنّت على العرش الذهبي، افترضت أن نجمها تاج الديفا".

لم أكن واثقا من أن ذلك ساعد في توضيح الأمور، لكن فكرة الإلهة تتكفّل بمكوّن واحد، نوع من الخلود، الذي نراه في حالة ثيدا بارا مع أن معظم أفلامها تلفت الأنظار. قد نقول الشيء نفسه عن مارلين مونرو، الممثَّلة هنا بفستان من فيلم "البعض يفضّلونها ساخنة"، أو عن ماي وست، مع أن المرأة التي قدّمت السطور التالية توضح مكوّنا اختياريا آخر: بدلا من صوت الغناء اللائق، قدّمت لنا ماي وست وقاحة وقلّة احتشام خالصة. فقبل وقت طويل من ولادة مادونا، بل حتى قبل وقت طويل من تأليف كتابها المصوّر الكبير، كتبت ماي وست مسرحية عنوانها الجنس – جاهزة لإحيائها في مسرح وست إند. هنا نراها مع كاري غرانت، مرتدية ملابس مفرطة في الأناقة قليلا:

في الواقع... عندما أكون طيّبة، أبدي طيبة مفرطة.

لكن عندما أكون شرّيرة... أكون أفضل.

اتخذت ديفا مثل فيروز موقفا صارما عزته إلى الخوف من المسرح، وقالت إنها تغني كأنها تصلّي. يصفها مدخلها في موقع ويكيبيديا بأنها "متحفّظة ومتواضعة للغاية على نحو ما تكون الأم" وتجسّد "المرأة اللبنانية في المنزل"

ثمة شيء آخر يتضح مع التجسّد المعاصر للإلهة: القدرة على تجاوز الحاجز الجنسي. فقد تمكّن رجال مثل برنس وفريدي ميركوري والسير إلتون جون من التسلّل إلى ما يعدّ بخلاف ذلك شركة نسائية حصرية. في حالة السير إلتون، الذي ضاهى لباسه الاستثنائي محاكاة ريانا لملابس البابا، كان عليه الانتقال إلى الحفل في شاحنة للأثاث للمبالغة في تقليد ملابس لويس الرابع عشر. وتشكّل هذه الواقعة أقوى حجّة سمعتها على الإطلاق لإعادة استخدام المحفّة وسيلة للنقل.

ربما تكون الأناقة الخالصة لملابس الديفا أمرا محتوما. لكن من الأمثلة الغامضة الأخرى هنا، اعتراف امرئ بحبّ زملائه الأندرويديين، وآخر لا يخجل من الوزن المفرط، وثالث أحدث ثورة في فكرتنا عن ملابس الأمومة. وهناك فتيات استعراض يشبهن الرجال ورجال يشبهون فتيات الاستعراض. هناك جوزفين بيكر، التي أشاعت قصّة الشعر الشديدة القصر (تبنّاها طلبة المدارس أولا، لكن لم يعتمدها بوريس جونسون البتة للأسف).

Victoria and Albert Museum, London

أخضع آخرون الأنثوية لنوع من المبالغة، مثل تينا تيرنر أو شير. أما آني لينوكس، التي قدّمت ألبوما منفردا بعنوان "ديفا"، فأعلنت "أحب أن أكون فرديا، وأن أتجاوز الجندر". وكان لكوين باي نفسها أغنية اسمها "ديفا" تعلن فيها عن نفسها بأنها "نسخة أنثوية من الشخص المحتال" في حين تترك لنا أن نخمّن ماذا تقصد بذلك.

 

فيروز

في المقابل، اتخذت ديفا مثل فيروز موقفا صارما عزته إلى الخوف من المسرح، وقالت إنها تغني كأنها تصلّي. يصفها مدخلها في موقع ويكيبيديا بأنها "متحفّظة ومتواضعة للغاية على نحو ما تكون الأم" وتجسّد "المرأة اللبنانية في المنزل"، مع أن من غير المألوف أن تجد ربّة منزل ترتدي ملابس تثير الإعجاب. صوتها مشوب بالحزن وهي تتذكر المناظر الطبيعية البكر التي تمثّل ماضي لبنان الشاعري، حيث الحياة الجبلية الهادئة والحبّ البريء والاحتفالات الخالية من الهموم.

معرض "متحف فيكتوريا وألبرت" شامل جدا، ويضمّ أيضا بيلي هوليداي وبيلي إيليش وإيمي واينهاوس وغريس جونز، ومجموعة من النجوم المهمّين الذين يتشاركون في شيء من الإلوهة ونوع من البراعة في اختيار الملابس التي تجعل البشر الفانين يشهقون إعجابا

وفي حين أن هذا الحنين البسيط بعيد عن الزيف، فإنها "ديفا" مهمّة لهذا السبب. كما أن تعريف "متحف فيكتوريا وألبرت" شامل جدا، ويضمّ أيضا بيلي هوليداي وبيلي إيليش وإيمي واينهاوس وغريس جونز، ومجموعة من النجوم المهمّين الذين يتشاركون في شيء من الإلوهة ونوع من البراعة في اختيار الملابس التي تجعل البشر الفانين يشهقون إعجابا.

قبل بضع سنوات، انتقدت صحيفة "صن" دوا ليبا - إحدى "الديفات" التي تجاهلها المتحف – لأنها أصيبت بنوبة غضب. فقد انزعجت من كثرة عدد الأشخاص الذين دخلوا غرفة تغيير الملابس الخاصة بها، وقيل إنها "مزقت" اسمها الملصق على الباب وصفقت الباب خلفها. وعلّقت صحيفة التابلويد أن ليبا تصرّفت مثل "ديفا صحيحة". وربما قصدت بذلك أنها "مغنّية أولى". أيا يكن الأمر، فأنا على يقين إلى حدٍّ ما بأن الديفا المعنيّة قد تعاملت مع الموقف الصعب بطريقة مقبولة. فمن الإلهة المجيدة في عملها التي تمنح جزءا من وقتها للمجدّفين؟

Victoria and Albert Museum, London

لذا على من يجرؤون على الاعتقاد بأن تلك المحبوبات يعانين من عيوب أن يفكّروا في الجزمة المطّاطية المتواضعة ذات الساق الطويل. فطالما كانت تلك الجزمة الحذاء المفضّل في مهرجان غلاستونبري الموسيقي، في أعماق ريف سومرست، بسبب قسوة المناخ الإنكليزي. عندما جاءت الديفا التي لا ريب فيها، شيرلي بسّي، للأداء هناك، ظهرت في ثوب زهري من تصميم (يقوم المصمّمون بدور المفسّرين للإلهة الحديثة) جوليان ماكدونالد. وقد ارتدت جزمة طويلة الساق لاجتناب أثار الطين، لكنها كلّفت 3000 جنيه إسترليني وكانت مرصعة بالماس.

بما أننا نبدي تبجيلنا وحبّنا للديفا، لماذا نتوقّع أن يلامس قدماها مع الأرض؟

يستمرّ معرض "الأرض العزيزة: الفنّ والأمل في زمن الأزمة" في غاليري هَيورد بلندن حتى 3 سبتمبر/ أيلول 2023.

يعرض "ديفا" في "متحف فيكتوريا وألبرت" بلندن حتى 7 أبريل/ نيسان 2024.

font change

مقالات ذات صلة