تتحدّث تومسون في يومياتها عن جارها "السوري القديم" خليل جبران: "كان يعيش قبالة الشارع، لم يكن فقيرا ولا غنيا، هو في حالة متوسطة. كان يعمل في صحيفة عربية؛ حر في الرسم والكتابة. كانت صحته على ما يرام في سنواته الأولى، ولكن الحزن سيطر عليه في سنواته الأخيرة بعد اكتشاف مرضه، حيث كان يعلم أن حياته ستنتهي في وقت قريب جدا، وقد توفي في التاسعة والأربعين من العمر".
وتضيف: "كانت رسوماته وتخطيطاته أجمل من لوحاته الملونة. لوحاته ضبابية للغاية، غامضة تعبر عن الفقد، ولكنها شعرية للغاية... أحضره سوري لرؤيتي، لا أتذكر اسمه الآن. كان خليل يقول إنني صديقته المفضلة في نيويورك. لقد أصبحنا صديقين مقرّبين جدا، وكان يقرأ عليّ جميع كتبه قبل دفعها للنشر".
النسخة الأولى من كتاب "النبي"
حول كتاب "النبي" تقول تومسون: "سمعت منه كتاب النبي حين كان مخطوطة. أحب كتاب 'النبي' كثيرا، ولا أظن أن ثمة صلة بين 'النبي' وعبد البهاء. لكنه قال لي إنه فكَّر بحضرة البهاء عندما كتب "يسوع ابن الإنسان" على الرغم من أن حضرة البهاء مات قبل أن يكتب هذا الكتاب، لقد أكّد لي أن ابن الإنسان تأثر بعبد البهاء".
حب من نوع آخر
تفصح تومسون عن وجود علاقة حب بينها وبين جبران، لكنه لم يكن مجرد حبيب كما تقول، لأنه هو نفسه لم يكن من ذلك النوع من الرجال. وتلفت النظر إلى المكانة الكبيرة التي كان يحظى بها جبران بين أبناء وطنه المهاجرين، إذ كانت ترى "الأرمن والسوريين يقبلون يده ويسمونه السيد، وهو أمر كان يسبّب ازعاجا لجبران"، بحيث بدا زعيم طائفة دينية، كما تقول.
تتذكر تومسون صوت جبران المميز: "كان صوته مرتفعا وحادا ولكن بطريقة خجولة إلى حد ما، لا أعرف كيف أصفه. وحين كنت أقول له إنه صورة طبق الأصل عن تشارلي شابلن، كان ذلك يخرجه عن طوره".
تتحدث طومسون عن بداية تواصله مع البهائيين فتنقل إعجابه الشديد بلغة بهاء الله العربية، حتى أنه قال لها إنه لم يكن يعرف اللغة العربية حتى لمس لغة بهاء الله. وتقول إن فكرة الاتصال المباشر مع الله استحوذت على عقله منذ أن تعرف إلى البهائيين، فكان ينهض ويقول ما حاجتنا إلى شكل من أشكال الإله طالما أننا نستطيع التواصل مباشرة مع الله!
بوتريه عبد البهاء بتوقيع جبران خليل جبران أبريل 1912
بورتريه عبد البهاء
تروي تومسون قصة اللقاء بين عبد البهاء وجبران وقصة البورتريه الذي رسمه له فتقول: "أخبرته أن السيد قادم. فسألني إن كنت سأطلب منه أن يجلس لكي يرسمه. أعطاه السيد ساعة واحدة في في السادسة والنصف صباحاً. لقد رسم بورتريها رائعا. لا يبدو مثل السيد، ثمة شبه خفيف جدا، لكنه بورتريه يبدو ذا قوة عظيمة من خلال الكتفين، وإشراق الوجه. إنها ليست صورة للسيد ولكنها عمل فنان عظيم. أنا أعتبره فنانا رائعا".
تحدّثنا تومسون عن ملازمة جبران لعبد البهاء خلال وجوده في نيويورك وسفره معه إلى بوسطن، حيث تؤكّد أن صداقة عميقة نشأت بين الرجلين، فقد أحبّ جبران عبد البهاء بكل بساطة، وكان ملازما له قدر استطاعته.
تقول: "ذهب السيد عبد البهاء بعيدا، واستقر خليل ليكتب كتبه، لكنه غالباً ما كان يتحدث عنه بتعاطف وحب كبيرين. لم يعد يقبل بوجود وسيط. كان يريد التواصل المباشر مع الله".
بوتريه عبد البهاء بتوقيع جبران خليل جبران أبريل 1912
وتتابع: "بعد سنوات، في إحدى الليالي، حين كانت صورة السيد ستُعرض في المركز البهائي، جلس جبران إلى جانبي في الصف الأمامي، ورأى الصورة، وبدأ يبكي، لقد طلبنا منه أن يتكلم بضع كلمات، وعندما حان الوقت ليتحدّث، سيطر على نفسه وتوجّه إلى المنصة وهو يبكي ثم قال: "أشهد أن حضرة البهاء تجلى هنا هذا اليوم"، ثم استمر بالبكاء، ويبدو أن رؤية الصورة أعادت إليه الذكريات، ثم هرب من القاعة.
تروي تومسون شيئا من أواخر أيام جبران حين اشتدّ عليه المرض، وكيف خرج في ليلة كان الثلج يتساقط فيها بغزارة إلى "سنترال بارك"، ولخص لها حواره مع شرطي استغرب وجوده في هذا الجو والوقت، وكيف شكا له الشرطي تغير حال زوجته بعدما بدأت بقراءة كتب جبران، فغدت متمرّدة عليه.
تأثيرات بهائية
يعتبر الكاتب الأميركي ديفيد لانغنس محرر موقع "تعاليم البهاء" أن تأثيرات عبد البهاء في كتاب "النبي" كبيرة، ويقول إن جبران أخبر أصدقاءه أنه بدأ بكتابة "النبي" في عام 1912، أي في العام نفسه الذي التقى فيها عبد البهاء. ويرصد لانغنس التقاطعات بين زيارة عبد البهاء وشخصية النبي في كتاب جبران فيقول: "بدأ الكتاب بالمصطفى وهو على وشك مغادرة منفاه والسفر على متن سفينة، تماماً كما فعل عبد البهاء بالضبط. في 'النبي' صاغ جبران مضمون الكتاب على شكل ردود على أسئلة طلب سكان البلدة منه أن يجيبهم عنها، تماماً كما رأى سكان نيويورك يفعلون مع عبد البهاء. وفي 'النبي' يسمي القرويون المصطفى باسم "السيد"، تماماً كما سمع البهائيين يخاطبون عبد البهاء باعتباره السيد".