غادة الحسن: بينالي الدرعية حدث تاريخي

تضع نفسها في حالة تجريب دائمة

إدواردو رامون
إدواردو رامون

غادة الحسن: بينالي الدرعية حدث تاريخي

تجاوزت الفنانة السعودية غادة الحسن شكل اللوحة التقليدي المحدود بين الزوايا الأربع وقدمت العديد من الأعمال على شكل مثلث أو دائرة، وذهبت في مرات أخرى للتعبير عنه بطريقة المجسّمات التي قدّمت فيها أيضا عددا من الأشكال الهندسية مثل الهرم، لتعبر من خلال كل ما تقدمه عن رؤية خاصة تتجدّد بالخبرة والإنجاز المستمر.

تقول: "الفن وسيلة تعبير عن ذاتي في هذه اللحظة الراهنة، وسيلة للتحدث بصوت عال عن أفكاري وتساؤلاتي وفلسفاتي وحتى عن سذاجاتي، ليس من وظيفة الفن في نظري أن يناقش قضايا ولا أن يحمل شعارات ولا أن يحلّ كوارث، فتلك لها مسارات أخرى، لكن الفنّ الصادق ما ينبع من داخلك ويتحدث بلسانك. الفن باختصار أن تكون أنت".

وتوضح: "الفن التشكيلي اليوم ليس نفسه بالأمس، فهو في حالة من التطوّر والتوسّع وكلما انفتح العالم أمامنا اتسعت رؤيتنا وتغيرت أفكارنا، ما عاد للفن التشكيلي أسلوب واحد أو خامة واحدة، بل أصبحت كل الأساليب والخامات تصبّ في صالح فكرة الفنان بالطريقة التي يرغب بها في التعبير عن نفسه".

التحقت غادة الحسن الحاصلة على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية، بالعديد من الدورات الفنية في مجالات الرسم الزيتي والألوان المائية والكولاج. تؤكد: "لم تكن لدي خيارات واسعة في الدراسة كي أحدد الطريق المناسب لأتبع شغفي، كانت لدينا جامعة واحدة بفرعيها الآداب والعلوم، وقسم اللغة العربية كان واحدا من ثلاثة تخصصات متاحة في كلية الآداب لم أكن أميل لأي منها، ولكنه كان الأقرب إلى طبيعة حياتي ونشأتي في كنف والدي الشاعر علي الحسن الذي غرس فينا -أنا وأخوتي- حب القراءة والاطلاع على الآداب العربية والعالمية منذ وقت مبكر. ربما لم أتمكن من التعلّق بتخصصي هذا إلا بعد سنوات من التعمق في دراسته ومعرفة أسراره ودهاليزه، غير أنني أعترف بأنه أثّر بشكل كبير على شخصيتي وطريقة تفكيري وميلي للبحث المستمر والعميق في كل ما يثير فضولي".

ليس من وظيفة الفن أن يناقش قضايا ولا أن يحمل شعارات ولا أن يحلّ كوارث، فتلك لها مسارات أخرى، لكن الفنّ الصادق ما ينبع من داخلك ويتحدث بلسانك

وتقول: "بعد إتمام المرحلة الجامعية عثرتُ بمحض الصدفة على طريق الفن، فليست هناك دراسة متخصصة للفنون في المنطقة التي أعيش فيها. ولا بدّ من أن أشيد في هذا السياق بالجهود الكبيرة التي بذلتها الأستاذة أسماء النصر والفنانة التشكيلية المصرية سهير الجوهري في إرساء دراسة الفنون التشكيلية للموهوبات بطريقة أكاديمية من خلال دورات لجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف منذ سنوات عديدة.

عندما عرفت بأمر هذه الدورات كنت وقتها أبحث في تخصّص آخر وكأنّ القدر فتح لي باب الحلم ودعاني إلى ولوجه، فدخلت بكل ما لدي من شغف وتعلمت أساسيات الفن التشكيلي على يدي الأستاذة سهير، كما درست دورات متخصصة أخرى داخل المملكة وخارجها كي أوسع من خبراتي ومعارفي".

 

الكولاج

اتخذت الحسن من الكولاج وسيلة لإنتاج عدد من أعمالها الفنية، معتمدة على العديد من الخامات التي تطوّعها بإتقان وحرفية للوصول إلى الشكل النهائي. تبيّن: "الكولاج بالنسبة إليّ وسيلة وليس غاية وعادة ما أزاوج بينه وبين وسائل أخرى كي أخلق زخما من التنوع البصري على سطح اللوحة وعلى نحو يخدم الفكرة الأساسية".

أما مواضيع أعمال الحسن فتتنوّع ما بين أعمال تعكس البيئة المحيطة بها أو مواضيع أخرى تجد لنفسها أفقا لا يحدّه مدى إلا رؤيتها وتجربتها المتجدّدة كفنانة ترصد العالم بدقة، لتترجمه فنا بطريقة مبدعة.

إدواردو رامون

 تقول: "في عصرنا الراهن، ليس الفنان ابن بيئته وحسب، ولكنه صنيعة هذا الكون الواسع بمتغيراته السريعة، وكل ما يحدث حوله يؤثر فيه ويطبعه بطابعه، فإذا كان الفن الترجمة الصادقة لما يحمله صاحبه من أفكار ورؤى ومشاعر، فلن نجده كما كان في السابق محصورا بقضايا فكرية محدودة بل متسعا باتساع الفكر الإنساني وعميقا بعمقه".

 

خارج البيئة

خلال مسيرتها أقامت غادة الحسن خمسة معارض وشاركت في العديد من المعارض حول العالم، حيث عرضت أعمالها في المغرب وألمانيا وتركمانستان وطاجيكستان والصين وتشيكيا وغيرها من دول. تذكر: "كي يتمكن أي فنان من تقييم تجربته الفنية ومعرفة موضع قدميه لا بد من مشاركة تجربته مع الآخرين، وأعني بهذا المتلقّي المختص وغير المختص، فهذه المشاركة لها أهمية كبيرة في إعادة نظر الفنان تجاه عمله، إذ أن العمل حينئذ يتحول إلى ملكية عامة يتفاعل معه البشر بطرائقهم المختلفة. وتزداد أهمية المشاركة بالنسبة للفنان عندما يُعرض عمله في غير بيئته الأصلية، ورغم أن الفن لغة عالمية إلا أن هناك سمات معينة تطبعها جغرافية المكان على العمل الفني في كل بقاع الأرض عموما، لذلك فإن المشاركات الدولية تمنح العمل الفني فضاءات جديدة وسماء أوسع يحلق فيها".

تضيف الحسن كاشفة عن تجربتها مع المعارض الشخصية: "طرحت من خلالها حمولة تجارب وأبحاث استغرقت مني وقتا طويلا في كل معرض من المعارض الخمسة، كي تنضج وتخرج بالصورة التي خرجت بها، فالمعرض الشخصي يشبه إلى حد كبير مقطوعة موسيقية بعازف واحد وآلة وحيدة تمنحك التفاعل والتماهي معها بإحساس يتصاعد وينخفض مع أداء العازف. المعرض الشخصي لا يختلف عن أيّ من الفنون الفردية التي تستلزم تركيزا خاصا على تجربة واحدة".

 

بينالي الدرعية

تنتقل الحسن إلى التحدث عن مشاركتها في بينالي الدرعية للفن المعاصر الذي نظّمت دورته الأولى في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2021 بتنظيم من وزارة الثقافة ومؤسسة بينالي الدرعية: "عندما نتحدث عن بينالي الدرعية، فإننا نتحدث عن حدث هام في تاريخ الفن السعودي يشهد على الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الثقافة من أجل تأسيس حركة فنية متطوّرة ومواكبة لما يحدث في العالم من حولنا. وأن أكون إحدى الفنانات المشاركات في البينالي الأول يمنحني شرف المشاركة في صناعة هذا الحدث التاريخي الكبير والذي انتظرناه طويلا. بينالي الدرعية حلم يتحقق على أرض الواقع وبداية لإنجازات أكبر تخطو بثقة بخطوات واسعة نحو العالمية".

التجربة الفنية كائن حي، لا تكفي ولادتها كي تستمر في الحياة، ولكنها بحاجة إلى الاهتمام والرعاية المستمرين وإلى التجريب والتغذية البصرية كي تنمو وتكبر

ترى الحسن أن استمراريتها الفنية وتطورها يحدثان بوعي ودراية. تقول: "التجربة الفنية كائن حي، لا تكفي ولادتها كي تستمر في الحياة، لكنها بحاجة إلى الاهتمام والرعاية المستمرة كي تنمو وتكبر، وهي بحاجة إلى التجريب كي تتسع آفاقها، وأيضا تحتاج إلى التغذية البصرية والفكرية بشكل مستمر".

والاستمرارية قد تعني التجديد والتجريب بتقنيات متنوعة وإن كان الأساس هو الهاجس الفني.

 تقول عن أعمالها الخزفية: "تجربة الخزف والتعامل مع الطين لم يكن الهدف الأساسي منها التخصص في هذا المجال ولكنها واحدة من تجارب أخرى كثيرة مارستها كي أضيف لخبراتي وبشكل يخدم تجربتي الحالية ويوسع من آفاقها".

وتشير الحسن إلى أن "الطموحات والآمال رفيقة الفنان، وطالما لا يزال على ظهر الأرض فهو في سباق مع الحياة كي يضع بصمته قبل أن يرحل".

 لتختتم حديثها بمقولة الأديب الروسي أنطون تشيخوف والتي كثيرا ما تحب تكرارها "من لا يريد شيئا ولا يأمل في شيء ولا يخاف من شيء لا يمكن أن يكون فنانا".

font change

مقالات ذات صلة