كوكب "خفي" جديد في نظامنا الشمسي

شبيه بالأرض ويمكن أن يعزز البحث عن حياة ما خارج البسيطة

Shutterstock
Shutterstock
صورة لوكالة ناسا تظهر نشوء كواكب النظام الشمسي

كوكب "خفي" جديد في نظامنا الشمسي

في أوائل القرن التاسع عشر، كان علماء الفلك يحاولون فهم مدارات الكواكب الخارجية، وبخاصة كوكب أورانوس الذي اكتشفه السير ويليام هيرشل في عام 1781.

كانت حركة ذلك الكوكب غامضة تماماً؛ فمداره المرصود لم يتطابق مع التنبؤات النظرية المستندة إلى تفاعلات الجاذبية مع الكواكب المعروفة مثل المشتري وزحل. لذا، استنتج العلماء وجود جرم سماوي غير معروف يؤثر على مدار أورانوس.

بدأ عالم الرياضيات الفرنسي، أوربان لو فيرييه، وعالم الفلك الإنكليزي، جون كوتش آدامز، العمل على نحو مستقل على هذه الظاهرة في منتصف القرن التاسع عشر. واستخدما الانحرافات المرصودة في مدار أورانوس لحساب الموقع والكتلة المحتملين لكوكب غير مرئي قد يتسبب بهذه الاضطرابات.

كتب لو فيرييه رسائل إلى العديد من علماء الفلك البارزين في جميع أنحاء أوروبا، من ضمنهم يوهان غوتفريد جالي في مرصد برلين، موضحا تفاصيل حساباته والموقع المتوقع للكوكب الجديد. وكانت تنبؤات لو فيرييه دقيقة للغاية الى درجة أنه حدد المكان الذي ينبغي لعلماء الفلك أن يوجهوا تلسكوباتهم إليه للعثور على الكوكب الجديد.

AFP
صورة لوكالة ناسا في 6 سبتمبر/ أيلول 2023، وتظهر "المذنب نيشيمورا" في مكان غير معلوم في الفضاء.

وفي مساء 23 سبتمبر/أيلول 1846، وجه جالي تلسكوبه إلى الموقع الذي حدده لو فيرييه ليجد كوكبا جديدا، تتطابق أوصافه مع بيانات العالم الفرنسي. انتشرت الأخبار في العالم، وتحدثت الصحف عن الوافد الثامن في مجموعتنا الشمسية: كوكب "نبتون".

لكن اكتشاف الكوكب أظهر مُعضلة جديدة. فمداره هو الآخر لا يتفق مع التوقعات النظرية. وبالتالي، بدأ العلماء في البحث عن كوكب آخر تؤثر كتلته في الكوكب الجديد. وبالفعل، تمكنوا من العثور على جُرم سماوي صغير أطلقوا عليه اسم "بلوتو".

كوكب جديد

إلا أن كتلة "بلوتو" الصغيرة والمسافة المهولة التي تفصله عن "نبتون" لا يمكن أن تتسبب بانحرافات في مدار الأخير. لذا، اقترح العلماء وجود كوكب آخر، أطلقوا عليه اسم "أكس"، يقع بالقرب من "نبتون".

الآن، وبحسب دراسة حديثة نُشرت نتائجها في الدورية الفلكية، يبدو أن العلماء عثروا على كوكب جديد، بعدما قام باتريك صوفيا ليكوكا من جامعة كينداي في اليابان، وتاكاشي إيتو من المرصد الفلكي الوطني في اليابان أيضا، بالتحقيق في الأجسام العابرة لـ"نبتون" والسلوكيات المدارية الغريبة.

تخضع الحركة المدارية للكواكب في نظامنا الشمسي لتفاعلات الجاذبية بينها، وذلك وفقا لقوانين إسحق نيوتن في الجاذبية والحركة. تلعب هذه التفاعلات دورا حاسما في تشكيل مدارات الكواكب والأجرام السماوية الأخرى

يقع الكوكب الجديد في منطقة معروفة باسم "حزام كايبر"، وتقول الدراسة إنه "يشبه الأرض"، إذ يبلغ حجمه ما بين 1,5 إلى ثلاثة أضعاف حجم الكوكب الأزرق. ولم يرصد العلماء ذلك الكوكب بالتلسكوبات حتى الآن، بل استخدموا المحاكاة الحاسوبية لتحليل تأثيرات وجوده على كلٍّ من "نبتون" والأجرام الأخرى الموجودة في "حزام كايبر" والتي لا ترتقي لأن تكون كوكبا.

يقع "حزام كايبر" على بعد نحو 30 وحدة فلكية من "نبتون" ويمتد لمسافة مئات الوحدات الأخرى، ويتكون من أجسام جليدية لا حصر لها تدور حول الشمس على مسافات هائلة وكواكب قزمة بما فيها "بلوتو" و"كوار" و"أوركوس" و"ماكيماكي". ويقول علماء الفلك إن العديد من تلك الأجرام لها مدارات بيضاوية مائلة على نحو غريب، ربما بسبب جرّها من قبل "كوكب خفي".

يقول المؤلف الرئيسي للدراسة، باتريك صوفيا ليكوكا، في تصريحات خاصة لـ"المجلة" إن "المدارات غير المنضبطة للأجرام التي تسكن 'حزام كايبر' ظلت لغزا طوال سنوات... ويبدو أن الكوكب الجديد قادر على حل اللغز".

تخضع الحركة المدارية للكواكب في نظامنا الشمسي لتفاعلات الجاذبية بينها، وذلك وفقا لقوانين إسحق نيوتن في الجاذبية والحركة. تلعب هذه التفاعلات دورا حاسما في تشكيل مدارات الكواكب والأجرام السماوية الأخرى. 

AFP
من المرجح أن يكون الجسم الذي يظهر على شكل علامة استفهام في الصورة، هو التفاعل بين مجرتين

فلكل جسم كتلة في الكون، تجذب الأجسام الأخرى في الكتلة ذاتها من طريق الجاذبية. وفي حالة الكواكب، تمارس كتلة كل كوكب قوة جاذبية على كل الكواكب الأخرى في النظام الشمسي. وتتحرك الكواكب في مدارات شبه إهليلجية (شبه بيضاوية الشكل) حول الشمس بسبب جاذبية الشمس نفسها. هذا الشكل البيضاوي هو نتيجة للتوازن بين القصور الذاتي للكوكب الذي يميل إلى إبقاء حركته في خط مستقيم، وجاذبية الشمس التي تسحب الكوكب إلى الداخل.

يقع الكوكب الجديد في حزام كايبر ويبلغ حجمه ثلاثة أضعاف حجم كوكب الأرض ويدور حول الشمس مرة واحدة كل 11400 عام؛ مما يجعله أطول المدارات الكوكبية على الإطلاق في نظامنا الشمسي

ولا تتحرك الكواكب في مدارات إهليلجية مثالية لأنها تتأثر بجاذبية الكواكب الأخرى، إذ تخلق تفاعلات الجاذبية هذه اضطرابات أو انحرافات صغيرة في مدارات الكواكب. على سبيل المثل، تؤثر الجاذبية الهائلة لكوكب المشتري بشكل كبير على مدارات الكواكب القريبة مثل المريخ، وهذا ما يحدث أيضا بين الأجرام الموجودة في "حزام كايبر" وكوكب "نبتون".

بناءً على تلك الملاحظات، يقول ليكوكا إن عمليات المحاكاة الحاسوبية الواسعة النطاق للنظام الشمسي الخارجي تؤكد "الدور المؤثر الذي يلعبه كوكب كبير غير مرئي إلى الآن".

فرضية الكوكب التاسع

في أوائل القرن العشرين، بدأ العلماء يبحثون في الفضاء الشاسع عن الكوكب "أكس" الذي يبلغ حجمه 10 أضعاف حجم الأرض ويقع داخل مجموعتنا الشمسية. ذلك الكوكب هو المسؤول عن السمات الغريبة في النظام الشمسي، بما في ذلك المدارات المائلة على نحو غريب لعدد قليل من أجسام "حزام كايبر". 

استحوذت تلك الفرضية على اهتمام الكثيرين، لكنه لم يتم اكتشاف الكوكب بعد. يقول ليكوكا: "كوكبنا أصغر بكثير من الكوكب 'أكس' لكنه قادر على تفسير السمات الغريبة كلها".

ويقول ليكوكا إن الكوكب يمكن أن يكون على بعد ما بين 200 إلى 500 وحدة فلكية من الشمس ويميل نحو 30 درجة. ذلك البعد الشاسع يجعل رصده عملية صعبة. فعلى سبيل المثل، يبعد "بلوتو" عن الأرض 39 وحدة فلكية (الوحدة الفلكية تساوي 150 مليون كيلومتر).
ويقول العلماء إن ذلك الكوكب يدور حول الشمس مرة واحدة كل 11400 عام؛ مما يجعله أطول المدارات الكوكبية على الإطلاق في نظامنا الشمسي.

كوكب جليدي ونشط

يتمتع كوكب "أكس" بدرجة حرارة سطحية شديدة البرودة تقل عن 240 درجة مئوية تحت الصفر. لكن، وبحسب ما يقول ليكوكا، من المحتمل أن يمتلك الكوكب طاقة داخلية كبيرة، مما يدل على وجود محيطات تحت سطح الأرض؛ "اعتمادا على البيانات الموجودة لدينا، يمكن أن تنشط العديد من البراكين وتحصل تفاعلات كثيرة بين سطح الكوكب ولبّه الداخلي".

يُعدّ اكتشاف كوكب جديد في نظامنا الشمسي أمرا كبيرا. فرسميا، سيصبح لدينا تسعة كواكب مرة أخرى، بعدما تم خفض رتبة "بلوتو" من كوكب إلى جرم

ربما يحتوي الكوكب المفترض على جبال وتلال وقمم وحتى أنهار جليدية وسهول، "ومن الناحية الجيولوجية يمكنني القول إن الكوكب هو كوكب جليدي صخري نشط يشبه الأرض وأكبر بنحو 1000 مرة من الكواكب القزمة المعروفة في 'حزام كايبر'".

من دون شك، يُعدّ اكتشاف كوكب جديد في نظامنا الشمسي أمرا كبيرا. فرسميا، سيصبح لدينا تسعة كواكب مرة أخرى، بعدما تم خفض رتبة "بلوتو" من كوكب إلى جرم في عام 2006، لتصبح مجموعتنا تحتوي على ثمانية كواكب.

البحث عن حياة

الاعتراف بذلك الكوكب لن يكون سهلا بكل تأكيد، كما يقول ليكوكا، الذي يؤكد وجود حاجة ماسة لإعادة تعريف الكواكب؛ "من المحتمل أن تنتمي الكواكب الواقعة في منطقة ما بعد 'نبتون' إلى فئة جديدة من الكواكب من حيث المدار والتكوين والحجم وحتى ظروف النشأة".

كما سيحدث الاعتراف بالكوكب ثورة تحتاج لمراجعة جميع النظريات المتعلقة بتكوين الكواكب ونظامنا الشمسي، "سوف نحتاج إلى فهم كيفية اكتساب الكواكب الشبيهة بالأرض مدارا بعيدا وغريب الأطوار ومائلا، خصوصا أن الكواكب الثمانية المعروفة لديها مدارات شبه دائرية ومنخفضة الميل".

سنحتاج أيضا إلى اختبار ما إذا كان هذا الكوكب قد تَشكّل "وحده" في "حزام كايبر" البعيد، واكتسب في ما بعد مداره المائل الغريب، أو ربما تَشكّل في المنطقة التي تَشكّلت فيها الكواكب العملاقة وأصبح "الناجي الوحيد" من التفاعلات الديناميكية العميقة والعنيفة التي حدثت بين تلك الكواكب الضخمة، والتي ربما أدت لابتلاع "كواكب صغيرة".

إذا ما أطلقنا العنان للخيال، قد يكون الكوكب الشبيه بالأرض يؤوي كائنات بسيطة أو حياة غريبة في محيطاته الافتراضية تحت سطح الأرض. بهذا المعنى أعتقد أن اكتشاف هذا الكوكب المفترض يمكن أن يعزز أيضا مناقشة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض في نظامنا الشمسي

باتريك صوفيا ليكوكا من جامعة كينداي في اليابان

يمتلك ذلك الكوكب الخفي ظروفا مشابهة أو أفضل من تلك الموجودة في الأقمار التي تدور حول كواكب مجموعتنا الشمسية العملاقة، مثل "تيتان" أو "يوروبا". يقول ليكوكا إن آفاق الحياة على ذلك الكوكب يمكن أن تكون أفضل مما نعتقد: "إذا أطلقنا العنان للخيال، قد يكون الكوكب الشبيه بالأرض يؤوي كائنات بسيطة أو حياة غريبة في محيطاته الافتراضية تحت سطح الأرض. بهذا المعنى، أعتقد أن اكتشاف هذا الكوكب المفترض يمكن أن يعزز أيضا مناقشة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض في نظامنا الشمسي".

Shutterstock
نموذج النظام الشمسي بحسب وكالة ناسا

لكن، وعلى الرغم من أن فرضية وجود ذلك الكوكب اكتسبت اهتماما كبيرا من مجموعات البحث في جميع أنحاء العالم، إلا أن النظرية كانت أيضا مثيرة للجدال. 

سيحدث الاعتراف بالكوكب ثورة تحتاج الى مراجعة كل النظريات المتعلقة بتكوين الكواكب ونظامنا الشمسي

إذ يجادل بعض علماء الفلك بأن المدارات الشديدة الانحراف للأجسام الموجودة في "حزام كايبر"، والتي اعتبر وجود ذلك الكوكب ضروريا لها، يمكن أن تحدث من دون وجود الكوكب المخفي.

فقد زعمت دراسة مستقلة أخرى أن البيانات التي استخدمها الفريق الذي يقف وراء ذلك الاكتشاف متحيزة، وخلصت إلى أن هناك فرصة منخفضة جدا لوجود مثل هذا الكوكب.

يقول ليكوكا إنهم استخدموا محاكاة حاسوبية مثلما فعل عالم الرياضيات الفرنسي لو فيرييه قبل أكثر من 170 عاما: "استخدم لو فيرييه الرياضيات وخطّ على أوراقه معدلات وحسابات الميكانيكا المدارية وتوقع بدقة متناهية وجود كوكب 'نبتون'... استخدمنا الحاسوب لتكرار ذلك الأمر وتنبأنا عبر قوة البيانات بوجود ذلك الكوكب كما حددنا بدقة مداره ومكانه... فليس كل ما لا نراه بالعين غير موجود".

font change

مقالات ذات صلة