اختبار مصيري لـ "وحدة الساحات": هل يدخل "حزب الله" المعركة؟

تساؤلات عن رد حسن نصرالله على دعوة محمد الضيف

Shutterstock
Shutterstock
عناصر من "حزب الله" في تشييع أحد عناصره في ١ يونيو ٢٠١٧

اختبار مصيري لـ "وحدة الساحات": هل يدخل "حزب الله" المعركة؟

أربع نقاط رئيسة تضمنها بيان "حزب الله" في أعقاب إطلاق "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) عملية "طوفان الأقصى" ضدّ إسرائيل السبت 7 أكتوبر/ تشرين الأول؛ الأولى تعبّر عن توظيف سياسي مبكر للمعركة من خلال القول إنّ "طوفان الأقصى" هي "رسالة الى العالم العربي والاسلامي والمجتمع الدولي بأسره، وخاصة أولئك ‏الساعين الى التطبيع مع هذا العدو، أن قضية فلسطين قضية حية لا تموت حتى ‏النصر والتحرير". وبذلك يكون "حزب الله" قد ذهب سريعا إلى وضع عنوان سياسي للمعركة لم تذهب إليه "حماس" التي وضعت "طوفان الأقصى" في سياق الردّ "على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وتنكر الاحتلال للقوانين الدولية وفي ظل الدعم الأميركي والغربي والصمت الدولي"، بحسب ما جاء في بيان القائد العام لـ "كتائب عز الدين القسام" الجناح المسلح لـ "حماس" محمد الضيف والذي أعلن فيه بدء العملية، داعيا أيضا إلى "الإنتفاضة لنصرة الأقصى".

ولذلك فإنّ قراءة بيان "حزب الله"، في توقيته وسياقه العام، تدفع إلى القول إنه لا يعبّر عن موقف الحزب من الحرب وحسب بل عن موقف إيران منها أيضا، من خلال رسم الإطار السياسي الإقليمي العام للمعركة؛ أي يمكن اعتبار البيان أول المواقف الإيرانية من "طوفان الأقصى".

نقاط ثلاث متداخلة

لكن هذه النقطة على أهميتها لا تمثل الأهم في البيان، أقله في اللحظة الراهنة، أذ أنّ النقاط الثلاث الأخرى الرئيسة والمتداخلة في البيان، والتي تركز على دور "حزب الله" في المعركة، تكتسب الآن أهمية قصوى في ضوء السؤال عن إمكان دخول الحزب مباشرة على خط المعركة من خلال تنفيذ عمليات أو شن حرب عبر الحدود اللبنانية مع إسرائيل.

وفي استعادة لهذه النقاط الثلاث فقد دعا الحزب "شعوب أمتنا العربية والاسلامية والاحرار في العالم الى إعلان التأييد ‏والدعم للشعب الفلسطيني وحركات المقاومة التي تؤكد وحدتها الميدانية بالدم والقول ‏والفعل"، ثم أكد أن "قيادة المقاومة الاسلامية في لبنان تواكب التطورات الهامة على الساحة ‏الفلسطينية عن كثب وتتابع الاوضاع الميدانية بإهتمام بالغ وهي على اتصال مباشر مع قيادة المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج وتجري معها تقييما متواصلا للاحداث وسير العمليات"، وختم بدعوة ‏"حكومة العدو الصهيوني الى قراءة العبر والدروس الهامة التي كرستها المقاومة ‏الفلسطينية في الميدان وساحات المواجهة والقتال".

التركيز على الدور المحتمل لـ "حزب الله" في المعركة، يكتسب الآن أهمية قصوى في ضوء السؤال عن إمكان دخول الحزب مباشرة على خط المعركة من خلال تنفيذ عمليات أو شن حرب عبر الحدود اللبنانية مع إسرائيل

إذا، وللوهلة الأولى، لم يلبّ الحزب دعوة الضيف "إخوتنا في المقاومة بلبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا للالتحام مع المقاومة بفلسطين"، تطبيقاً لنظرية "وحدة الساحات" التي تحولت إلى "عقيدة مركزية" في أدبيات "محور المقاومة" بقيادة إيران مؤخراً، وخصوصا بعد المصالحة التي رعاها الحزب وإيران بين "حماس" والحكومة السورية في سبتمبر/ أيلول 2022، والتي كانت بمثابة إعلان رسمي لعودة العلاقات بين "حماس" و"محور المقاومة" إلى سابق عهدها قبل إندلاع الأحداث السورية في العام 2011، والتي كان موقف "حماس" منها بمثابة إفتراق شبه كلي عن هذا المحور.

Getty
نصرالله يخطب في ذكرى اغتيال الأمين العام السابق للحزب عباس الموسوي في العام 2006


ولكن في قراءة متأنية للبيان ذاك، فإن الحزب لم يغلق الباب تماما أمام إمكان إنضمامه إلى المعركة بين "حماس" وإسرائيل، وذلك من خلال تأكيد بيانه وحدة حركات المقاومة "الميدانية بالدم والقول والفعل"، وأن "المقاومة الإسلامية في لبنان تواكب التطورات (...) وتتابع الأوضاع الميدانية (...) وهي على اتصال مباشر مع قيادة المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج، وتجري معها تقييما متواصلا للأحداث وسير العمليات". وهو ما يحيل إلى كلام الحزب في أعقاب معركة "سيف القدس" بين "حماس" وإسرائيل (2021) عن وجود غرفة عمليات مشتركة بين الحزب وحركات المقاومة الفلسطينية، وكان الأمين العام للحزب حسن نصرالله قد أعلن ذلك في 25 يوليو/ تموز 2022، وقبله أكد عضو هيئة أركان "كتائب القسام" محمد السنوار، في 22 مايو/ أيار 2022 عن تشكيل غرفية أمنية مشتركة مع محور المقاومة، وهذا قبل "ظهور" نظرية "وحدة الساحات" أو ان الأمر كان تمهيدا لها.

حسابات دقيقة

بالتالي فإن بيان الحزب هو، بالدرجة الأولى، تأكيد على التنسيق المباشر بين الأخير و"حماس" بشأن المعركة القائمة، سواء انضم "حزب الله" إلى المعركة بصورة مباشرة أو لم ينضم. والأكيد أن إنضمام الحزب هذا من عدمه خاضع لحسابات دقيقة من جانب "حزب الله" وإيران، تبعاً لاستعدادهما أو لا، في هذا التوقيت بالذات في ضوء الظرف الإقليمي والدولي الراهن، لخوض "معركة شاملة" ضد إسرائيل. ثم وفي ما يعني "حزب الله" مباشرة، فإن الأوضاع السياسية والإقتصادية المعقدة في لبنان، لناحية الفراغ المتمادي في رئاسة الجمهورية اللبنانية والإنهيار الإقتصادي المتفاقم، تدفعه إلى دراسة خياراته بتأن ووضعها في ميزان الربح والخسارة، سواء دخل الحرب أو لم يدخلها. 

الأوضاع المعقدة في لبنان، لناحية الفراغ المتمادي في رئاسة الجمهورية والإنهيار الإقتصادي، تدفع "حزب الله" إلى دراسة خياراته بتأن ووضعها في ميزان الربح والخسارة، سواء دخل الحرب أو لم يدخلها. 

وهنا تُدرج دعوة "حزب الله"، "حكومة العدو الصهيوني إلى قراءة العبر والدروس الهامة التي كرستها المقاومة ‏الفلسطينية في الميدان وساحات المواجهة والقتال"، وهو يمكن اعتبار هذه الدعوة رسالة ردع من قبل الحزب إلى إسرائيل، مفادها أن لا تذهب بعيدا في ردها ضد "حماس" و"محور المقاومة" لأن ما حصل لها في جنوبها قد يتكرر في شمالها المحاذي للبنان وفي "ساحات" أخرى. 
في الواقع إن رسالة الحزب هذه إلى إسرائيل تتضمن أعلانا من جانبه أنه غير راغب في معركة كبرى وشاملة معها، إلا إذا اضطر لها خصوصا إذا وسعت إسرائيل نطاق عملياتها لتشمل "الجبهة الشمالية"، وهذا مستبعد حتى الآن؛ لكن الأمر هنا لا يقتصر على التطورات المحتملة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، بل إن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه في السياق عينه، هو كيف سيتصرف "حزب الله" في حال كان الرد الإسرائيلي على "طوفان القدس" كبيرا وأكثر من المتوقع بالنسبة للحزب وإيران؛ أي إذا استشعرا أن هذا الرد سيقلب موازين القوى الراهنة بين "حماس" وإسرائيل لصالح الأخيرة، خصوصا في ظل إعلان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن إسرائيل في "حالة حرب... ليست عملية وليست جولة"، كما أن الجيش الإسرائيل أعلن أنه "يعتزم إطلاق عملية واسعة وقوية جدا في غزة".

امتحان حقيقي

بالتالي فإن توسع الرد الإسرائلي، ولو ضمن قطاع غزة وحسب، واحتمال تكبد "حماس" خسائر كبيرة فضلا عن الضحايا المدنيين، سيخضعان نظرية "وحدة الساحات" لإمتحان حقيقي وربما مصيري، إذ أنه الإمتحان الأول والأكبر  ميدانيا لها، وقد يكون بهذا المعنى إمتحانها الأخير؛ إذ متى ستتوحد تلك الساحات إن لم تفعل أمام التطور الكبير المتمثل بالعملية النوعية التي نفذتها "حماس" السبت في المناطق الإسرائيلية المحاذية لقطاع عزة، وإحتمال الرد الإسرائيلي "النوعي" ضدها أيضا؟ 
لكن غالب الظن أن منطق نظرية "الرد في التوقيت والمكان المناسب" التي لطالما استخدمها "محور الممانعة" كلما استهدفت إسرائيل مواقع له في المنطقة، وتحديدا في سوريا، سينسحب أيضا على نظرية "وحدة الساحات"، باعتبار أن أي حركة لهذا المحور بدوله ومنظماته المنضوية خاضعة لحسابات "إستراتيجية" إيرانية بالدرجة الأولى؛ بمعنى أن كل حركة هذا المحور مرتبطة بقائمة الأولويات الإيرانية في المنطقة والعالم، لكن وبالرغم من ذلك فإن حدثا كبيرا مثل عملية "طوفان الأقصى" يمكن أن يعيد ترتيب تلك الأولويات، ولكن ليس بصورة مرتجلة أو متسرعة وإنما من ضمن خيارات متأنية.

توسع الرد الإسرائلي، ولو ضمن قطاع غزة وحسب، واحتمال تكبد "حماس" خسائر كبيرة فضلا عن الضحايا المدنيين، سيخضعان نظرية "وحدة الساحات" لإمتحان حقيقي وربما مصيري

من هذه الحسابات أن "حزب الله" قد وسع نفوذه في لبنان إلى الأقصى في السنوات الأخيرة، إلى حد تحول لبنان إلى ساحة نفوذ رئيسة لإيران في غرب المتوسط، وهو نفوذ لا يقتصر على الجانب السياسي وحسب بل يشمل الجانبين الأمني والعسكري أيضا، ولاسيما أن لبنان تحول، إلى حد بعيد، بديلا من سوريا بالنسبة إلى الفصائل الفلسطينية الموالية لإيران وفي مقدمتها "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، لناحية وجودها السياسي والعسكري – الأمني فيه؛ وهو ما عبّرت مؤخرا، دعوة كل من هاتين الحركتين إضافة إلى "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، من بيروت، إلى تصعيد "المقاومة الشاملة"، وكان مستوى تمثيل كل من "حماس" و"الجهاد" في هذا الإجتماع الثلاثي لافتا جدا، إذ مثل الأولى صالح العاروري نائب رئيس مكتبها السياسي، أما الثانية فمثلها أمينها العام زياد النخالة، وهما كثيرا الوجود في بيروت.

حصر المعركة

بالتالي فإن "حزب الله" وإيران غير مستعدين، أو يتجنبان معركة مباشرة بين الحزب وإسرائيل، ويفضلان بقاء ما يسمى بـ "توزان الردع" على حاله بينهما، لكي لا تؤثر أي مواجهة مفتوحة بين الطرفين على وضعية "حزب الله" الشعبية والسياسية في لبنان، خصوصا في ظل الأوضاع الإقتصادية الصعبة والتي قد تزيدها صعوبة أي حرب من هذا النوع، وهذا فضلا عن الدمار الهائل الذي يمكن أن تحدثه، في وقت لا تتوفر جهات دولية وعربية يمكنها هذه المرة أيضاً ان تغطي جهود إعادة الإعمار كما حصل بعد حرب يوليو / تموز 2006؛ ناهيك بأن "حزب الله" الذي كان العراب اللبناني الرئيس لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ينتظر إستخراج النفط من المياه الإقليمية اللبنانية لعله يخفف من وطأة الأزمة الإقتصادية ويصور نفسه في موقع المنقذ للبنان والحريص على ثرواته.

Getty
من شأن أي حرب جديدة بين حزب الله وإسرائيل أن تفاقم الأزمة الإقتصادية في لبنان


في المحصلة، فإن المعطيات المحيطة بظروف المعركة بين "حماس" وإسرائيل" حتى الآن ترجح حصر العمليات العسكرية ضمن نطاق إسرائيل – قطاع غزة، في ظل تأني "محور المقاومة" في خوض مواجهة شاملة مع إسرائيل وتعديل قواعد الإشتباك معها في عموم المنطقة، لكن الأمر يتوقف في نهاية المطاف على سير العمليات العكسرية وحجم الرد الإسرائيلي وتأثيراته الإستراتيجية. والأكيد أن غرفة العمليات المشتركة التي سبق أن تحدث عنها كل من "حزب الله" و"حماس" موجودة وفاعلة وتأخذ من بيروت مركزا رئيسا لها، وربما فإن الحزب سيكتفي بهذا الحد من "توحيد الساحات"، بمعنى أن عدم انخراطه مباشرة بالمعركة لا يعني أنه لم يؤازر "حماس" ضمن غرفة العمليات المشتركة تلك، وهو ما قد يشكل أحد المخارج اللفظية الرئيسة لعدم "توحيد الساحات" ميدانيا.

font change

مقالات ذات صلة