غزة ...الايرانيون يعارضون الحرب خلافا لحكومتهم

الانقسام الشعبي حول دعم إيران لـ "حماس" يعود إلى الواجهة

AFP
AFP
وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قبل مؤتمر صحفي في السفارة الإيرانية في العاصمة اللبنانية بيروت في 14 أكتوبر، 2023.

غزة ...الايرانيون يعارضون الحرب خلافا لحكومتهم

لقد حظيت عملية "طوفان الأقصى" التي بدأتها حركة "حماس" منذ السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول باهتمام الصحافة والمواقع التحليلية والإخبارية الإيرانية.

ونشر موقع "دبلوماسي إيراني" (الدبلوماسية الإيرانية) في 10 أكتوبر/تشرين الأول مقالا بعنوان "قراءة في هجوم حماس على إسرائيل ومآلاته النهائية"، بقلم صادق ملكي، قال فيه إن "التأثير الأهم لهذه العملية الفلسطينية هو إعادة وضع القضية الفلسطينية باعتبارها القضية الأهم في الشرق الأوسط ولا يمكن تهميشها".

وتابع الكاتب أن "هجمات حماس أثارت صدمة عالمية... وتسببت في هزيمة أكبر من هزيمة 1973 لإسرائيل".

وأضاف: "يعتقد كثير من المراقبين أن الأوضاع الداخلية لإسرائيل هي أحد أسباب هذه العملية، غير أن هناك من يرى أن إيران وروسيا وراء هذه العملية، ولكل منهما أسبابه.. لأنها عملية لا يمكن تصديقها بسهولة، بسبب نجاحها في أسلوبها الحربي والضربات الخاطفة وفشل الموساد وكافة الأجهزة الاستخباراتية في إسرائيل... إذا لم تتسع رقعة الحرب لن يحدث أمر استثنائي وستؤدي الحرب إلى مجازر واسعة بحق الفلسطينيين وتفوق إسرائيل... إذا اتسعت رقعة العمليات وتدخلت إيران بشكل مباشر أو غير مباشر فمن غير المرجح أن يتم تدمير إسرائيل بسبب القدرات النووية وغير النووية لتل أبيب.. ولكن الأمر المهم هنا هو أن هذه العملية العسكرية الفلسطينية جاءت بالتزامن مع المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين طهران وواشنطن، حيث إن وصول هذه المفاوضات إلى الطريق المسدود في مصلحة الصقور في الولايات المتحدة وهذا أمر هام للغاية يدعو للتفكير".

يعتقد كثير من المراقبين الإيرانيين أن الأوضاع الداخلية لإسرائيل هي أحد أسباب هذه العملية، غير أن هناك من يرى أن إيران وروسيا وراء هذه العملية، ولكل منهما أسبابه.. لأنها عملية لا يمكن تصديقها بسهولة

وأضاف: "لدينا آمال كثيرة: نأمل في عالم تسوده العدالة... نأمل في تشكيل الدولة الفلسطينية... نأمل... غير أن الآمال لا مكان لها في عالم السياسة القائم على الواقع، ومن هذا المنطلق يجب أن نسعى إلى إحقاق الحق الفلسطيني ويجب أن يكون هناك برنامج مكتوب وعقلاني للسلام في فترة الحرب".

ونشرت جريدة "اعتماد" في عددها الصادر يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول حوارا بعنوان "المزيج من الدبلوماسية والميدان" مع الناشط السياسي محمد صادق جوادي، حول التطورات الجارية واللاعبين الرئيسين فيها وموقف إيران حولها.

ويعتقد جوادي أن "هذه العمليات لها تداعيات أوسع بكثير مما تبدو عليه... وأظهرت هذه العملية أن هناك واقعا جديدا بدأ يسود في المنطقة... إذا لم تقم الأطراف المختلفة في المنطقة والحكومات ومراكز صنع القرار فيها بالتأقلم مع الظروف الجديدة، فعليها أن تنتظر صدمات أكثر قوة مستقبلا".

إحدى الفرضيات هي أن الضغوط الدولية (وخاصة الأميركية والأوروبية) المتزايدة على روسيا بعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا دفعت روسيا إلى مساعدة "حماس" (هذه فرضية) وتزويدها بالتجهيزات والاستراتيجية العسكرية

وأضاف الناشط السياسي الإيراني: "يجب على إيران مزج الدبلوماسية بالميدان في المنعطفات الخطيرة لكي لا تعطي الذريعة لأعداء الوطن من أجل ممارسة المزيد من الضغوط على إيران... لنفترض أن الفلسطينيين حظوا بدعم أطراف أو دول في تنفيذ هذه العملية فمن هم؟ تتوجه أصابع الاتهام مباشرة إلى إيران. تشير التصريحات الرسمية الإيرانية قبل وبعد هذه العمليات إلى أن إيران لا تخشى أبدا من التعبير عن دعمها لفلسطين والفصائل، ولطالما ساعدت إيران هذه الجماعات ولا تزال تساندها. إذا تعمقنا أكثر سنلاحظ أن هناك سناريوهات أخرى؛ إحدى الفرضيات هي أن الضغوط الدولية (وخاصة الأميركية والأوروبية) المتزايدة على روسيا بعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا دفعت روسيا إلى مساعدة حماس (هذه فرضية) وتزويدها بالتجهيزات والاستراتيجية العسكرية وأن حماس نفذت استراتيجية روسيا العسكرية من أجل كسر الحصار عن غزة. كما أن روسيا أرادت صرف انتباه العالم عن الحرب بينها وبين أوكرانيا باتجاه الحرب الراهنة. ورأينا أن روسيا سبق لها وأن دخلت إلى سوريا عسكريا من أجل تغيير المعادلات العالمية ودعمت الأسد".

امتلأت جدران المدن في إيران بدعايات الدعم لهجوم "حماس" على إسرائيل بُعيد ساعات على انطلاق "طوفان الأقصى". ولقد شاهدنا تجمعات في طهران ومدن أخرى دعما لحماس. ولكن التقارير حول الردود غير الرسمية والشعبية تشير إلى أن رفض الخطاب الحكومي (الرسمي) من قبل الشعب الإيراني تسلل حتى إلى القضية الفلسطينية"

الباحث طهمورث حسيني، في مقال بصحيفة "توسعه إيراني"

وتابع قائلا: "أعتقد أن الاستراتيجية الإيرانية يجب أن تقوم على الدعم الدبلوماسي وإدانة قتل المدنيين من الجانبين... لا ينبغي على إيران أن تظهر للعلن كافة تفاصيل دعمها لحماس وبقية الحركات الإقليمية وعليها الاكتفاء بالدعم السياسي... لقد أعلنت حماس، وحزب الله، والحوثيون، وغيرهم، مرارا، أنهم يتلقون الدعم من إيران، غير أن إيران لا ينبغي أن تؤكد في هذه الظروف الحرجة على دورها في تنمية قدرات حماس والمقاومة... لا ينبغي إعطاء الذريعة لحكومات ووسائل إعلام معارضة لإيران لتدشين حرب إعلامية ضد النظام... الاستراتيجية الفاعلة لإيران هي الدمج بين الدبلوماسية والميدان".

وقد نشر موقع "إنصاف نيوز" مقالا بقلم طهمورث حسيني، نقلا عن صحيفة "توسعه إيراني" في 10 أكتوبر/تشرين الأول بعنوان: "لماذا يختلف الرد الشعبي عن الموقف الرسمي حول القضية الفلسطينية؟"، وقال التقرير: "مسألة دعم فلسطين تحظى بدعم كبير في العالم خلال العقود الثمانية الأخيرة. وتظهر ردود فعل كثير من الرياضيين والفنانين والنشطاء المدنيين في الدول المختلفة، منها الولايات المتحدة وألمانيا وكندا، تُظهر المكانة الكبيرة للقضية الفلسطينية في العالم... لقد امتلأت جدران المدن في إيران بدعايات الدعم لهجوم حماس على إسرائيل بُعيد ساعات على انطلاق طوفان الأقصى. ولقد شاهدنا تجمعات في طهران ومدن أخرى دعما لحماس. ولكن التقارير حول الردود غير الرسمية والشعبية تشير إلى أن رفض الخطاب الحكومي (الرسمي) من قبل الشعب الإيراني تسلل حتى إلى القضية الفلسطينية".

الاستراتيجية الإيرانية يجب أن تقوم على الدعم الدبلوماسي وإدانة قتل المدنيين من الجانبين... لا ينبغي على إيران أن تظهر للعلن كافة تفاصيل دعمها لحماس وبقية الحركات الإقليمية وعليها الاكتفاء بالدعم السياسي

الناشط السياسي محمد صادق جوادي

وتتساءل رئيسة "جبهة الإصلاحات"، آذر منصوري، حول هذه الفجوة بين الخطاب الرسمي والموقف الشعبي في مقال بصحيفة "اعتماد" بقولها: "لماذا فقد الدعم والتضامن الشعبي في بلادنا مع المقاومة الفلسطينية بريقه ولم يعد بالمستوى الذي كان عليه إبان الثورة وبعيد قيامها؟ لماذا يقتصر الدعم للقضية الفلسطينية على قطاع الإعلام والمؤسسات الرسمية والجماعات المحسوبة على السلطة في الوقت الذي تحظى فيه القضية الفلسطينية بحساسية كبيرة للسلطة الحاكمة؟ ويمكن أن نرى هذه الصورة بشكل أكثر وضوحا عندما يعرب شخص ما في مقال ما وكتابة ما عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني المظلوم وطوفان الأقصى، حيث تقابله ردود غير تضامنية من قبل القراء ومستخدمي الشبكات الاجتماعية وقد يتعرض لحملات اتهام".

AFP
مسيرة مناهضة لإسرائيل لإظهار التضامن مع الشعب الفلسطيني في طهران في 13 أكتوبر، 2023

وتابعت منصوري: "لماذا يحصل هذا حقا؟ لماذا يقوم المجتمع الإيراني (ليس ما يبثه الإعلام الرسمي على غرار الإذاعة والتلفزيون الحكومي...) بإدانة الحرب الروسية على أوكرانيا غير أنه لا يتضامن مع الشعب الفلسطيني المظلوم على المستوى المطلوب؟ من السذاجة إذا فكرنا أن السبب يعود للشبكات الاجتماعية. أعتقد أن السبب هو ازدواجية المعايير والتعامل المتناقض من قبل السلطة الحاكمة في إيران. لا يمكن أن ندين قتل الأبرياء والمسلمين في دولة ما في العالم وأن نمدهم بالدعم اللوجستي. وفي المقابل، نمارس سياسة الصمت إزاء مقتل مسلمين على يد حكومة صديقة. لا يمكن إدانة الحرب والاحتلال في فلسطين واعتبار أن الحرب الروسية على أوكرانيا تؤدي إلى تحسين أوضاع المنطقة. إن هذه المعايير المزدوجة والتناقضات، تؤدي إلى امتناع المجتمع الإيراني عن التضامن مع الشعب الفلسطيني. هناك مجموعة كبيرة من التناقضات والمعايير المزدوجة التي تظهر للعلن في هذه الظروف الحرجة. ليس هناك ظلم سيئ وظلم جيد.. قوة معتدية ومحتلة جيدة وقوة معتدية ومحتلة سيئة. الظالم ظالم. ولكن معايير السلطة المزدوجة والهوة الآخذة في الاتساع على مستويات عديدة بين الشعب والسلطة وغياب الثقة الشعبية في النظام الحاكم لها آثارها، منها غياب التضامن الجماهيري في إيران مع الشعب الفلسطيني... يجب إيجاد حلول لرفع هذه التناقضات وازدواجية المعايير".

"لماذا فقد الدعم والتضامن الشعبي في بلادنا مع المقاومة الفلسطينية بريقه ولم يعد بالمستوى الذي كان عليه إبان الثورة وبعيد قيامها؟ لماذا يقتصر الدعم للقضية الفلسطينية على قطاع الإعلام والمؤسسات الرسمية والجماعات المحسوبة على السلطة في الوقت الذي تحظى فيه القضية الفلسطينية بحساسية كبيرة للسلطة الحاكمة؟

آذر منصوري - رئيسة "جبهة الإصلاحات"

وأشار الباحث طهمورث حسيني مقطع فيديو في الشبكات الاجتماعية الإيرانية حول هتافات مثیرة للجدل أطلقها بعض مشجعي فريق "برسبوليس" في مباراة داخلية بين "برسبوليس"، و"كل كهر سيرجان"، يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول، حيث أفادت وكالة أنباء "إيرنا" بأن عددا من مشجعي "برسبوليس" جلبوا أعلام فلسطين محتفلين بـ"انتصار محور المقاومة" غير أن هذه الحركة قوبلت بردة فعل وشعارات مضادة ومسیئة من قبل عدد آخر من مشجعي "برسبوليس". وهو ما يدل على حجم "الفجوة العميقة بين الشعب والسلطة".

وتابع حسيني في "توسعه إيراني": "يقول مصطفى فقيهي، مدير موقع (انتخاب) الذي تم حجبه، إن الشعب الإيراني لم يقم في أية فترة من الفترات من التاريخ بتمجيد الظالم والشماتة في المظلوم. ولكن ما نلاحظه اليوم بين جزء كبير من الإيرانيين حول فلسطين هو ردة فعل على الدعاية الحكومية الواسعة، وصرخة (لا) للسلطة الحاكمة مما يظهر حجم الكارثة الكبيرة بين الشعب والسلطة. وهذا ما رأيناه في ردة فعل عدد من المشجعين في مباراة لكرة القدم، حيث إن الجماهير اعتقدوا أن السلطة الحاكمة هي التي قامت بجلب علم فلسطين في الملعب... وكانت ردة فعلهم إزاء ما تحاول السلطة الحاكمة القيام به عبر هتافات مسيئة".

ردة فعل معاكسة للموقف الرسمي

ويقول الصحافي والمحلل في شؤون الشرق الأوسط أحمد زيد آبادي إن جزءا من المجتمع الإيراني يتخذ ردة فعل معاكسة للموقف الرسمي وهذا يشمل القضية الفلسطينية، حيث إنه يظهر "وكأنه محامي الدفاع عن حكومة نتنياهو ويتخذ موقفا عدائيا تجاه كل الفلسطينيين". ويضيف أن الدافع هنا "إظهار الموقف المعادي لنظام الجهمورية الإسلامية غير أن هذا الجزء من المجتمع الإيراني يبدو أنه لا يستطيع فصل مواقفه عن بعضها البعض بسبب عدائه لنظام الجمهورية الإسلامية مبتعدا عن الضمير الإنساني"

ويرى كثير من المراقبين أن استمرار سياسة ازدواجية المعايير الحكومية على المستوى السياسي، والاجتماعي، وغيرهما، يؤدي إلى ردود فعل شعبية حادة مناهضة للموقف الرسمي؛ حيث نشرت مواقع التواصل الاجتماعي صورة امرأة ترتدي قبعة بدلا من الحجاب الإسلامي وشعرها ظاهر للعيان وترفع صورة لقاسم سليماني، خلال أحد التجمعات الاحتفالية التي نظمها موالو السلطة دعما لعمليات "طوفان الأقصى" في ساحة فلسطين بطهران. وكانت هذه المرأة تجري حوارا مع إحدى القنوات الحكومية دعما لـ "حماس". وقارن رواد الشبكات الاجتماعية بين هذه المرأة والفنانة آزاده صمدي التي حكم عليها بحظر استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لمدة 6 أشهر وزيارة الطبيب النفسي، لأنها كانت ترتدي قبعة بدلا من الحجاب المفروض".

font change

مقالات ذات صلة