"الممرات الآمنة"... مخاوف مصرية من "مخيمات إيواء" في سيناء

الرئيس السيسي أكد أن مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأطراف الأخرى

Majalla/Agencies
Majalla/Agencies

"الممرات الآمنة"... مخاوف مصرية من "مخيمات إيواء" في سيناء

من المؤكد أن يؤدي القصف الإسرائيلي المستمر لقطاع غزة متضافرا مع الحرمان الشديد الذي يواجهه سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، بما في ذلك افتقارهم إلى الموارد الأساسية مثل الكهرباء والماء والأدوية والإمدادات الطبية، إلى إجبار السكان على الخروج من الأراضي الفلسطينية. ومع ذلك، فإن الهروب غربا نحو البحر الأبيض المتوسط والبحرية الإسرائيلية، أو شمالا أو شرقا باتجاه حدود إسرائيل المحصنة وأسوارها ليس خيارا ممكنا.

وهكذا لن يجد أهالي القطاع أمامهم سوى ملجأ واحد فقط، هو الحدود الجنوبية مع شبه جزيرة سيناء المصرية التي تشترك في حدود طولها 12 كيلومترا (7.5 ميل) مع الجيب الفلسطيني الساحلي.

ويشجع كثير من المسؤولين الإسرائيليين، بما في ذلك ضباط الجيش، سكان غزة على ترك أرضهم وينصحونهم بالتوجه نحو الحدود المصرية. ومع بداية الهجوم الإسرائيلي الحالي على غزة، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من سكان الأراضي الفلسطينية المغادرة، دون أن يكلف نفسه عناء تحديد المكان. واقترحت الولايات المتحدة مؤخرا تحديد "ممرات آمنة" للمدنيين في غزة.

وقد طلب الجيش الإسرائيلي بالفعل من سكان شمالي القطاع بالانتقال إلى جنوبه، قبل هجوم بري محتمل متوقع قريبا.

وردا على الطلب الإسرائيلي، حذرت حركة "حماس" سكان القطاع من الاستجابة للأوامر الإسرائيلية وطالبت الأهالي بالبقاء في بيوتهم.

وقالت الأمم المتحدة إنه من المستحيل تنفيذ مثل هذا الأمر من دون عواقب إنسانية مدمرة، وناشدت إسرائيل إلغاء أي أمر من هذا القبيل.

ومع ذلك، فإن هذه التطورات تدق ناقوس الخطر في مصر التي تعترض بشدة على نقل سكان غزة إلى سيناء. وحذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من تداعيات التصعيد الحالي بين فصائل غزة وإسرائيل، وأكد أن مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأطراف الأخرى.

التطورات تدق ناقوس الخطر في مصر التي تعترض بشدة على نقل سكان غزة إلى سيناء، وهو السيناريو الذي أصبح ممكنا نتيجة لعزم وتصميم أو من حيث النتيجة. وحذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من تداعيات التصعيد الحالي بين فصائل غزة وإسرائيل، وأكد أن مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأطراف الأخرى.

وقال الرئيس المصري في 10 أكتوبر/تشرين الأول: "الأمن القومي المصري هو أولويتي القصوى". وأضاف بعد حضوره حفل تخريج دفعة جديدة من طلاب الشرطة في العاصمة المصرية القاهرة: "لا يمكن أن يكون هناك أي تنازل عن هذا الأمن تحت أي ظرف".

وقالت سفيرة إسرائيل في القاهرة، أميرة أورون، إن بلادها ليس لديها أي نوايا فيما يتعلق بسيناء، وإنها لم تطلب من الفلسطينيين الانتقال إلى هناك.

وكتبت أورون على موقع "إكس"/تويتر باللغة العربية، بعد ساعات قليلة من تصريحات السيسي، "إسرائيل ملتزمة بمعاهدة السلام مع مصر، التي رسمت الحدود بين الدولتين بوضوح"، مضيفة أن "سيناء أرض مصرية حارب فيها الجيش المصري الإرهاب خلال السنوات العشر الماضية".

شكوك عميقة

ومن جانبه، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي في وقت سابق إن بلاده لم تطلب من سكان غزة المغادرة إلى مصر.

ولكن لا أحد في مصر يصدق أو حتى يثق في هذا النفي. ويمكن إرجاع عدم تصديقهم وانعدام ثقتهم إلى وجود خطة إسرائيلية قديمة لتغيير حدود إسرائيل بطريقة تُخرج الفلسطينيين من الدولة.

وقد جرى اقتراح هذا المخطط لأول مرة من قبل السياسي اليميني الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، عام 2004؛ فبصفته وزيرا للخارجية وقتها في حكومة بنيامين نتنياهو، أراد ليبرمان عام 2014 الاحتفاظ بمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة مقابل منح السلطة الفلسطينية مناطق مأهولة بالسكان العرب داخل إسرائيل، بما في ذلك مثلث الجليل ووادي عارة.

وقد ظلت غزة خارج هذا المخطط لعدة سنوات بعد ذلك، لكنها جاءت في قلب خطة الترانسفير الإسرائيلية عندما وصل محمد مرسي، عضو جماعة "الإخوان المسلمين"، إلى السلطة في مصر منتصف عام 2012، وقد بدأ بإعداد خطة لمنح جزء من سيناء لحركة حماس، التي تحمل آيديولوجيا جماعة "الإخوان المسلمين" نفسها، لضمها إلى غزة، وفقا لما قاله رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، عام 2018.

موقف الرئيس المصري الحازم ضد المساس بالأمن القومي المصري مجرد جانب واحد من رد الفعل الأوسع على فكرة نقل الفلسطينيين من غزة إلى سيناء. وقد أثار هذا الاقتراح مخاوف عميقة في جميع أنحاء مصر، مما دفع الجميع تقريبا إلى معارضته، على الرغم من تعاطفهم مع معاناة سكان غزة الذين يتحملون قطع الإمدادات الأساسية من قبل إسرائيل.

كان موقف الرئيس المصري الحازم ضد المساس بالأمن القومي المصري مجرد جانب واحد من رد الفعل الأوسع على فكرة نقل الفلسطينيين من غزة إلى سيناء. وقد أثار هذا الاقتراح مخاوف عميقة في جميع أنحاء مصر، مما دفع الجميع تقريبا إلى معارضته، على الرغم من تعاطفهم مع معاناة سكان غزة الذين يتحملون قطع الإمدادات الأساسية من قبل إسرائيل.

وقد رفض أعضاء البرلمان المصري هذا الاحتمال رفضا قاطعا، حتى إن أحدهم اقترح أن يتحرك مئات الآلاف من سكان غزة نحو المستوطنات الإسرائيلية جنوب إسرائيل، والتي أنشئت في الأصل على أراض مأخوذة من الفلسطينيين، بحثا عن ملجأ من القصف الإسرائيلي المستمر لغزة.

AFP
فلسطينيون يتجمعون بالقرب من أنقاض مبنى في أعقاب غارة جوية إسرائيلية على رفح بجنوب قطاع غزة في 13 أكتوبر 2023

وجاء أقوى بيان فيما يتعلق بالأحداث في غزة حتى الآن من مشيخة الأزهر، إذ نصحت سكان غزة بالثبات على موقفهم والبقاء في منازلهم. ونقلت الرسالة أنه من الأفضل الدفاع عن أرضهم بشجاعة ومواجهة أي تحديات بدلا من تركها عرضة للاحتلال من قبل الغرباء.

موقف معقد

ولكن إذا مضى أهل غزة في هذا السبيل، فإن التحرك الجماعي لسكان غزة باتجاه الحدود المصرية سيشكل تحديا معقدا ومرهقا للحكومة المصرية. وستلقى مصر عنتا في إبعاد الفارين من الظروف القاسية في المنطقة الساحلية الفلسطينية المكتظة بالسكان والتي تبلغ مساحتها 45 كيلومترا مربعا. ومع ذلك، فإن السماح لهم بالدخول قد يؤدي إلى أن تتحول أجزاء من سيناء إلى مخيم للاجئين الفلسطينيين من غزة، وهو ما ترفضه السلطات المصرية.

وتعارض مصر بشدة إمكانية تحقيق هذا السيناريو. وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول، بذلت جهودا متضافرة لإيصال الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والوقود، إلى غزة عبر معبر رفح. لكن قوافل الوقود المصرية اضطرت إلى التراجع عندما هددت إسرائيل بضربها. وفي اليوم نفسه، شنت إسرائيل ثلاث غارات جوية على المعبر الحدودي من جهة غزة، مما جعله غير صالح للعمل. وبناء على ذلك، علقت مصر أنشطتها على الجانب المصري من المعبر.

ثمة اعتقاد سائد في مصر بأن مثل هذا الإخلاء المحتمل يمكن أن يؤدي إلى التخلي الكامل عن القضية الفلسطينية والتخلي عن أحلام الدولة الفلسطينية. ومصر، التي كانت داعما قويا للشعب الفلسطيني على مدى عقود، تشعر أيضا بقلق عميق بشأن سلامة أراضيها.

وفي الوقت نفسه، تعمل الحكومة المصرية بلا كلل لإقناع تل أبيب وواشنطن بالسماح بإيصال الإمدادات التي تشتد الحاجة إليها إلى غزة، حيث تنفد الموارد الحيوية مثل الغذاء والماء والوقود والأدوية. إن العدد المحدود من المستشفيات العاملة في غزة يستنزف إمداداتها، مما يعرض حياة الآلاف للخطر. كما تتضاءل مخزونات الغذاء والمياه، مما يزيد من الاحتمال الكئيب لاستسلام مئات الآلاف من الناس للجوع والعطش.

ورغم فداحة الأمر بما لا يمكن تصوره، فقد تم بالفعل تهجير عشرات الآلاف من سكان غزة داخل أراضيهم بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة والقصف المدفعي وتدمير أحياء ومناطق سكنية بأكملها. وعلى الرغم من مواجهة التهديد المستمر بالموت، يرفض سكان غزة بشكل ثابت مغادرة وطنهم، مدركين جيدا أن المغادرة قد تعني النزوح الدائم. إن إجلاء سكان غزة سيكون بمثابة سيناريو مروع بالنسبة لحركة "حماس" الحاكمة، لأنه من المرجح أن يعجل بسقوطها وتآكل سلطتها، على افتراض نجاة الحركة وجناحها المسلح من الحملة الإسرائيلية المستمرة.

حلم الدولة الفلسطينية

ثمة اعتقاد سائد في مصر بأن مثل هذا الإخلاء المحتمل يمكن أن يؤدي إلى التخلي الكامل عن القضية الفلسطينية والتخلي عن أحلام الدولة الفلسطينية. ومصر، التي كانت داعما قويا للشعب الفلسطيني على مدى عقود، تشعر أيضا بقلق عميق بشأن سلامة أراضيها.

وفي الثقافة المصرية، تعتبر الأرض مرادفة للكرامة والشرف. المشهد الأكثر شهرة في السينما المصرية، من فيلم "الأرض" عام 1970، يصور المزارعين في قرية مصرية يعارضون بشدة خطة لمصادرة أراضيهم الزراعية لبناء طريق حتى أنفاسهم الأخيرة. وفي العقيدة العسكرية والوطنية المصرية، فإن خسارة الأرض أشبه بخسارة الحياة.

وعندما احتلت إسرائيل سيناء عام 1967، لم تستسلم مصر، بل قامت ببناء جيش هائل واستعادت السيطرة على الأراضي في نهاية المطاف من خلال حرب التحرير بعد 6 سنوات، على الرغم من خسارة الآلاف من القوات المصرية. كما فقد آلاف المصريين الآخرين أرواحهم عندما عملت مصر على القضاء على وجود فرع لتنظيم داعش في سيناء منذ عام 2013. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014، أكد الرئيس السيسي أن مصر لن تسمح بضياع سيناء، معلنا: "إما أن نحتفظ بالسيطرة على سيناء وإما الهلاك". وتعكس هذه العقلية الإصرار الذي ستواجهه تل أبيب إذا فكرت في نقل سكان غزة إلى سيناء، وهي فكرة ستقاومها مصر بشدة.

font change

مقالات ذات صلة