غزة: استهداف "المعمداني" واستغلال الغطاء الدولي

AFP
AFP

غزة: استهداف "المعمداني" واستغلال الغطاء الدولي

مساء 17 أكتوبر/ تشرين الاول الحالي ودون سابق إنذار، سقط صاروخ وسط ساحة مستشفى الأهلي العربي "المعمداني" بالبلدة القديمة وسط غزة ما أودى بحياة 471 غزيا وإصاب أكثر من الف آخرين بجروح وهم من النازحين من منازلهم من المناطق الشرقية للمدينة بعد تهديدات إسرائيلية باستهداف مناطق سكناهم.

قبل الاستهداف بأيام، صدرت عشرات التحذيرات والبلاغات من قبل الجيش الإسرائيلي والمتحدثين باسمه، سواء عبرّ صفحاتهم الرسمية، أو من خلال الاتصال المباشر مع المواطنين. التحذيرات طالبتهم بإخلاء الأحياء الشرقية لمدينة غزة أي حي الشجاعية وحي الزيتون وحي التفاح وحي الدرج. ولم يجد السكان ملاذا آمنا تحت وقع القصف الإسرائيلي العنيف على كافة مناطق وأحياء قطاع غزة لقرابة أسبوعين سوى المستشفى الأقرب إلى مناطقة سكناهم.

المعمداني، واحد من أقدم المستشفيات في قطاع غزة، تأسس قبل أكثر من 100 عام. وقد أسسته جمعية الكنيسة الإرسالية التابعة لكنيسة إنكلترا، وأداره لاحقا المذهب المعمداني الجنوبي كبعثة طبية بين عامي 1954 و1982. عاد المستشفى تحت إدارة الكنيسة الأنجليكانية في الثمانينيات، وعمل على تقديم الخدمات الطبية وإسعاف المصابين خلال معركة "طوفان الأقصى" التي انطلقت صباح الـسابع من أكتوبر الحالي.

AFP
الدخان يتصاعد من مبنى قصغته القوات الاسرائيلية في رفح جنوب قطاع غزة في 19 اكتوبر

وقال وكيل وزارة الصحة بغزة الدكتور يوسف أبو الريش، إنّ الجيش الإسرائيلي حذر المستشفى المعمداني بقذيفتين قبل يوم من قصفه، وأشار خلال مؤتمر صحافي عقدته الوزارة بعد ساعات من الاستهداف، إلى أنّ إدارة المعمداني اتصلت بمطران الكنيسة الإنجيلية في بريطانيا وأبلغته بواقعة إلقاء القذيفتين، ليبلغ المطران وبشكلٍ عاجل، كافة المؤسسات الدولية المعنية، ثم بعث رسالة طمأنة للمستشفى وطلب من إدارته مواصلة العمل.

وأكد أبو الريش، أنّ ممثل منظمة الصحة العالمية في قطاع غزة الدكتور ماهر أبو ستة، سأل الجانب الإسرائيلي عن أسباب عدم تحذير المستشفى قبل قصفه بالقذيفتين، فأجابه المسؤولون الإسرائيليون بأنه تم الاتصال على الهاتف ولم يرد أحد فتم التحذير من خلال هذه القذائف، وسألوه "لماذا لم يخلوا المكان فورًا".

الجيش الإسرائيلي حذر المستشفى المعمداني بقذيفتين قبل يوم من قصفه،واتصلت إدارة المعمداني بمطران الكنيسة الإنجيلية في بريطانيا وأبلغته بواقعة إلقاء القذيفتين، ليبلغ المطران وبشكلٍ عاجل، كافة المؤسسات الدولية المعنية، ثم بعث رسالة طمأنة للمستشفى وطلب من إدارته مواصلة العمل

من جانبه، قال ممثل منظة الصحة العالمية، والطبيب العامل في المستشفى الدكتور غسان أبو ستة لـ"المجلة" "بعد الانتهاء من إجراء عملية، سمعت صوت صاروخ أعقبه انفجار ضخم، أدى لسقوط سقف غرفة العمليات".
هرع الطبيب للخارج حيث وجد "أطفالاً قتلى وآخرين قُطّعت أوصالهم أو أصيبوا بشظايا وحروق، مؤكدا أنه رأى عشرات من الجثث المكدسة فوق بعضها البعض، من الأطفال والنساء، وبعضهم كان عبارة عن أشلاء من الصعب التعرف على أصحابها.

Reuters
دمار في جنوب قطاع غزة جراء القصف الاسرائيلي في 19 اكتوبر


وأكد الطبيب أبو ستة، تواجد العشرات من النازحين المدنيين ضمن ساحة مستشفى "المعمداني" قبل وقوع الإنفجار، لافتًا إلى أنه وهو في طريقه للمستشفى صباح يوم الانفجار، شاهد الكثير من المواطنيين المتجهين إليها ظنا منهم أنه "مكان آمن، والآن تحول هؤلاء جميعا إلى ضحايا في جريمة حرب واضحة" بحسب ما قال.
وفرضت الحكومة الإسرائيلية حصارا مشددا على القطاع، بتعليمات من وزير الدفاع يوآف غالانت في وقت سابق خلال الحرب الدائرة، وأقر قطع الكهرباء والماء ومنع دخول أي مساعدات طبية وغذائية وحتى الإغاثية منها للسكان، كنوع من العقاب الجماعي على عملية إقتحام مقاتلي الفصائل الفلسطينية للحدود الشرقية وقتل وأسر المئات من الجنود الإسرائيليين والمستوطنين في المستوطنات المحاذية للجدار الفاصل مع غزة.
وحذر جيش الاحتلال في وقت سابق، خلال الحرب الجارية، العديد من المستشفيات وطالبها بالاخلاء، تمهيدًا لقصفها، مثل: مستشفى أبو يوسف النجار والمستشفى الكويتي برفح، ومستشفى الأندونيسي الذي تم استهدافه بالفعل سابقا، ومُجمع ناصر الطبي الذي استهدفت بداخله سيارة إسعاف، والمستشفى المعمداني الذي وصله عدة بلاغات وتهديدات وقصف الجيش بجواره في وقت سابق من الحادث الأخير الذي أخرجه عن الخدمة.
لكن الجيش الاسرائيلي، وبعد وقوع الجريمة بساعات قليلة، وربما بعدما شعر بحجم الجريمة التي ارتكبها، والتي أدت إلى خروج آلاف الغاضبين، وربما الملايين في المدن والعواصم العربية والغربية، والمطالبة بمحاسبة إسرائيل دوليا ، وتقديم الدعم والمساندة للفسطينيين في قطاع غزة المنكوب، نفى الجيش الإسرائيلي أن تكون له علاقة في حادثة الاستهداف.
واتهم الجيش الاسرائيلي الفصائل الفلسطينية، وتحديدًا "سرايا القدس" الجناح العسكري لـ"حركة الجهاد الإسلامي"، بإطلاق عدة قذائف صاروخية بذات التوقيت، مشيرا إلى أنّ أحد صواريخ "السرايا" سقط داخل ساحة المستشفى، محاولا تبرئة نفسه، والإدعاء بأنه لم يطلق أيّ صاروخ باتجاه مستشفى المعمداني، وهو الحديث الذي يتنافى مع الفيديوهات التي صورت ووثقت لحظة سقوط الصاروخ.
وتأتي حادثة استهداف المستشفى المعمداني الذي من المفترض أن يكون مكانا محميا بموجب القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف بشأن الحرب، ضمن الاستهدافات التي طالت مستشفيات ومدارس ومقرات دولية، وحتى منازل المدنيين، والتي تعتبر جميعها محمية وفق القوانين، وليست أهدافًا عسكرية.
وقال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني الدكتور حسام الدجني لـ"المجلة"، إنّ سلوك الحكومة الإسرائيلية وجيشها، وتحديدا اتجاه المؤسسات الدولية المحمي وفق القانون الدولي "لا يمكن أن يتم دون  الحصول على ضوء أخضر غربي"، مشيرًا إلى تصريحات رئيس الولايات المتحدة جو بايدن التي أكد في أكثر من مرة خلال الحرب الدائرة على دعم إسرائيل معنويا وعسكريا، وتأييد "حقها في الدفاع عن نفسها" كما قال في تصريحاته.
وأشار الدجني إلى أنّ السلوك والفعل الإسرائيليين، لا يمكن أن يتوقفا عن ارتكاب الجرائم "دون رد من شعوب العالم، ما يؤدي إلى ضغط على مصالح الدول الغربية بهدف وقف نزيف الدم"، مضيفًا "يجب أن يعمل الجميع على قاعدة أساسها، معالجة جذر المشكلة وهي الاحتلال المفروض على الفلسطينيين منذ أكثر من 70 عاما".

بعدما شعر بحجم الجريمة التي ارتكبها، والتي أدت إلى خروج آلاف الغاضبين، وربما الملايين في المدن والعواصم العربية والغربية، والمطالبة بمحاسبة إسرائيل دوليا، وتقديم الدعم والمساندة للفسطينيين في قطاع غزة المنكوب، نفى الجيش الإسرائيلي أن يكون له علاقة في حادثة الاستهداف

وفي السياق ذاته، حذرت وزارة الصحة في غزة، وعلى مدار الأيام الماضية، من نقص شديد في المستلزمات الطبية والأدوية والكوادر الطبية، لا سيما المتخصصين بإجراء العمليات الجراحية الدقيقة، وقال أحد أطباء جراحة العظام في مجمع ناصر الطبي للمجلة، أنهم يعملون في الوقت الحالي على إجراء عمليات مؤقتة يمكن أن تعين المريض على الاستمرار بالحياة، إلا أنّ هناك من الجرحى من هم بحاجة إلى عمليات دقيقة ومعقدة لا يمكن إجرائها في الوقت الحالي نظرًا إلى عدم توفر الوقت والإمكانيات في ظل استمرار تدفق الجرحى وبأعداد تفوق القدرة الاستيعابية للمستشفيات بالقطاع.
وأعلنت وزارة الصحة في آخر تحديث للإحصائيات، مساء الأربعاء، عن ارتفاع عدد القتلى إلى 3478 قتيلاً وإصابة 12065 آخرين بجراح مختلفة، فيما بلغ عدد القتلى خلال الـ 24 ساعة الأخيرة، 678 قتيل، منهم ضحايا مجزرة مستشفى المعمداني.
ولا زالت إسرائيل تمنع دخول المساعدات وخاصة الطبية منها، إلى قطاع غزة، حيث أعلنت مصر عن وصول عشرات الشاحنات من عدة دول عربية إلى معبر رفح البري تمهيدا إلى إدخالها لقطاع غزة، إلا أنّ الجيش الإسرائيلي تعمد قصف طريق المعبر الداخلية، وعلى مدار 5 أيام، منعا لإدخال المساعدات. وكانت مصر قد اشترطت دخول المساعدات مقابل سماحها بسفر أصحاب الجنسيات الأجنبية والمتواجدين في غزة، لكن إسرائيل لم تعلن موافقتها حول الأمر.

font change

مقالات ذات صلة