تايوان لن تتخلى عن تفوقها في أشباه الموصلات

التوسع المفرط في الخارج يضعف شبكات البحوث المحلية ويسهل على الشركات اصطياد الموظفين

Shutterstock
Shutterstock
علم جمهورية تايوان على شريحة GPU الدقيقة على اللوحة الأم. تبرز صناعة الرقائق التصنيعية في تايوان

تايوان لن تتخلى عن تفوقها في أشباه الموصلات

بين السبعينات وبضع سنوات خلت بدا قطاع أشباه الموصلات في تايوان مهماً لكن غير جذاب. ذلك أن مصانع تصنيع الرقائق (الفبارك اختصاراً) أبقت صناعة الإلكترونيات العالمية عاملة، لكن الأدوات التي كانت تستخدم الرقائق هي التي تصدرت العناوين الرئيسة.

ليس بعد الآن. اذ تعتبر الدول ذات الأوزان الجيوسياسية الثقيلة في العالم الآن أن أدوات المعالجة الدقيقة هذه لا تشغل أنواع الآلات كلها فحسب، بل اقتصادات هذه الدول أيضاً. تقدم أميركا 50 مليار دولار إعانات لإعادة صناعة الرقائق إلى البلاد.

ولدى أوروبا خطط مماثلة، ليس أقلها خطة للحد من اعتمادها على تايوان، التي تزعم الصين المجاورة أنها جزء من أراضيها. تهدف "رابيدوس"، وهي مشروع مشترك لشركات الإلكترونيات اليابانية، إلى إنتاج رقائق متطورة بكميات كبيرة في عام 2027، بعد سنتين فقط من بدء "شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات" (تي. إس. إم. سي.)، رائدة الرقائق التايوانية، في تصنيع سيليكون مماثل.

منافسة واصطياد الموظفين

وتأمل "سامسونغ" الكورية الجنوبية، المنافسة الرئيسية لـ"تي. إس. إم. سي."، البدء في إنتاج رقائق كهذه عام 2025. ومن جانبها، تريد الصين بناء صناعة رقائق مستقلة لا تضطر إلى الاعتماد على واردات التكنولوجيا، التي تخنقها أميركا.

إن الأخطار بالنسبة إلى تايوان كبيرة، ما دام الجميع يعتمدون على الجزيرة في أشباه الموصلات، ووفق التفكير السائد، حتى الصين لن تقدم على تغيير الوضع الجيوسياسي الراهن

إن الأخطار بالنسبة إلى تايوان كبيرة، ما دام الجميع يعتمدون على الجزيرة في أشباه الموصلات، ووفق التفكير السائد، حتى الصين لن تقدم على تغيير الوضع الجيوسياسي الراهن. أما إذا جرى انتاج الرقائق في مكان آخر، فيصبح "درع السيليكون" هذا ضعيفا. 

الأمر الأكثر واقعية هو أن هذا القطاع، الذي يضم ثماني شركات من أصل 10 شركات ذات رواتب أعلى في البلاد، يوفر وظائف مميزة. ولدى شركات الرقائق التايوانية أيضاً أسباب للحفاظ على الإنتاج في البلاد. ذلك أن من شأن التوسع المفرط في الخارج أن يضعف شبكات البحوث المحلية ويسهل على الشركات الأجنبية اصطياد الموظفين.

Shutterstock

وهذا ما يفسر لماذا لن تصل فيه مصانع "تي. إس. إم. سي." المدعومة في أميركا إلى مراتب تكنولوجية متقدمة عندما ستكتمل في عامي 2025 و2026. ستبقى أحدث التقنيات في البلاد.

العام الماضي، أنفقت "تي. إس. إم. سي." نحو خمسة مليارات دولار على البحث والتطوير، بزيادة 30 في المئة عن عام 2021، وصب معظم المال في تايوان. في يوليو/تموز من هذا العام، افتتحت الشركة مركزاً جديداً للبحث والتطوير لسبعة آلاف موظف في جوار مقرها الرئيسي في سين شو. وطالما يجري البحث والتطوير في البلاد، من المحتمل أن تظل أكثر المصانع  تقدماً لدى الجهات المصنعة للرقائق هناك أيضاً.

تجري الشركات التايوانية الناشطة في أجزاء أخرى من سلسلة الإمداد، حسابات مماثلة. تُعَدّ "إيه. إس. إي." أكبر شركة لتوضيب الرقائق في العالم. كان وضع أدوات المعالجة هذه في علبة، عملاً غير لامع. مع تزايد صعوبة تقليص عرض هذه الترانزستورات إلى أقل من بضعة أجزاء من المليار من المتر، يمكن لشركات مثل "إيه. إس. إي." المساعدة في تعزيز قوة المعالجة من خلال حزم ذكية تربط الرقائق بعضها ببعض. وتضاعفت موازنة البحث والتطوير السنوية لـ"إيه. إس. إي." بين عامي 2017 و2022 لتصل إلى 800 مليون دولار. وكما هي الحال مع "تي. إس. إم. سي."، سيبقى كثير من ذلك في تايوان. 

تتمثل أحدث خطة للحكومة في دعم التصميم التايواني للرقائق، من ضمن الصناعة التي تهيمن عليها شركات أميركية مثل "إيه. إم. دي." و"نيفيديا". وتحتل "ميديا تك"، أكبر شركة تصميم في تايوان، المرتبة الخامسة في العالم 

لا تزال حكومة تايوان عازمة على الحفاظ على تفوق البلاد على صعيد الرقائق. ولطالما خفضت قيمة الدولار التايواني، الذي يدعم الصادرات، بما في ذلك الرقائق، ودعمت أسعار الطاقة والمياه، وكل منهما تستهلكه الجهات المصنعة الرقائق. وألمح موريس تشانغ، المؤسس المشارك المتقاعد لـ"تي. إس. إم. سي."، الشهر الماضي، إلى أن شبكة السكك الحديد العالية السرعة في تايوان نفسها، ربما صُمِّمت مع وضع صناعة الرقائق في الاعتبار، للسماح للعاملين بالتنقل بين مواقع الإنتاج. 

تتمثل أحدث خطة للحكومة في دعم التصميم التايواني للرقائق، من ضمن الصناعة التي تهيمن عليها شركات أميركية مثل "إيه. إم. دي." و"نيفيديا". تحتل "ميديا تك"، أكبر شركة تصميم في تايوان، المرتبة الخامسة في العالم (وفق معايير الرقائق التايوانية) لجهة مبيعات التصاميم. ولا شك في أن الشركة ترغب في الارتقاء في التصنيف، ويبدو أن الحكومة حريصة على مساعدتها في ذلك من خلال استهداف رفع حصة تايوان من عوائد تصميم الرقائق العالمية من 21 في المئة إلى 40 في المئة.

وكانت وزارة الشؤون الاقتصادية أعلنت الشهر الماضي، تقديم دعم متواضع بقيمة 25 مليون دولار لمساعدة شركات أشباه الموصلات الصغيرة والمتوسطة على تصميم رقائق أقل تقدماً. وسيجري تضمين مزيد من الأشياء الجيدة في خطة الحكومة العشرية المقبلة لصناعة الرقائق، المقرر إجراؤها العام المقبل. لن تتخلى تايوان عن درعها من دون قتال.

font change

مقالات ذات صلة