جلال لقمان: لست قلقا من الذكاء الاصطناعي

من أوائل الفنانين العرب الرقميين

جلال لقمان

جلال لقمان: لست قلقا من الذكاء الاصطناعي

تميّز الفنان الإماراتي جلال لقمان بأعماله التي ينفذها بواسطة الفن الرقمي، وكان من أوائل من عملوا بهذا الأسلوب في الإمارات ودول الخليج العربيّ، وأقام عددا من المعارض الفنية المحلية والدولية، في نيويورك والكويت وطوكيو ومصر والمغرب وجهورية التشيك وواشنطن وبكين والمملكة المتحدة. واشتهر في جمعه بين الفنون الكلاسيكية والرقمية.

حصل لقمان على الماجستير في الصناعات الثقافية والإبداعية، وهذا عزز مساهمته في المشهد الثقافي الإماراتي، إذ يعمل على تنمية مواهب الفنانين الإماراتيين عبر إطلاق عدد من المبادرات التي تروّج للفنون. ومع ذلك يؤكد أنه لا يزال يتعلم ويواكب التطورات التي تحدث في مجال الفن الرقمي وصولا إلى الذكاء الاصطناعي.

  • البداية من الفن الرقمي إلى أين وصلت الآن؟

المجال نفسه مستمر التطور، وهو لا يشبه استخدام الخامات التقليدية ذات المزايا المحدودة، فهو فن متطوّر ومتحوّر وسيبقى هذان التطور والتحور صفتين دائمتين فيه. لهذا اعتبر نفسي مثل من يسبح في محيط عميق، وهناك الكثير مما يجب عليّ تعلّمه، وهذا ما يجعلني أطور قدراتي وخبرتي ومعلوماتي في هذا المجال لكي أواكب هذا التطور السريع.

مفارقة فنية

كيف انعكس الذكاء الاصطناعي على هذا النوع من الفن؟

نظرتي الآن تشابه نظرة الفنانين الآخرين، عندما دخلت ساحة الفن التشكيلي الإماراتي باستخدام فن الكومبيوتر، مع فارق أنني أتبنّى التطور ولا أنفر منه، فالذي يقف في وجه التطور جاهل، ومن يقول إن الذكاء الاصطناعي سوف يخرّب الفن، يفكر بالعقلية نفسها التي سادت قبل سنوات عندما قالوا إن الكومبيوتر سيقضي على الفن.

من يقول إن الذكاء الاصطناعي سوف يخرّب الفن، يفكر بالعقلية نفسها التي سادت قبل سنوات عندما قالوا إن الكومبيوتر سيقضي على الفن


هناك من يقول حاليا إن فن الذكاء الاصطناعي ليس فنا، لأن الكومبيوتر هو الذي يقوم بكل شيء، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن ليس كليا، فالذكاء الاصطناعي يستطيع أن يقلد أعمال فيها مشاعر الفنان لكنه لا يستطيع خلق تلك المشاعر. لهذا باستطاعة الفنان أن يستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة فنية، مثلما استخدم الكومبيوتر من قبل، لكن إن أنتج الكومبيوتر أعمالا فنية فهناك خطر أن تتشابه الأعمال الفنية، لذا حرصت على بصمة معينة وهو ما يجعل الناس يميّزون العمل عند رؤيته، فالفنان المتمرس والمتمكن لا المقلد يعرف كيف يستخدم الكومبيوتر والذكاء الاصطناعي كأداة فنية مثل معرفته باستخدام الفرشاة والسكين والكانفس والألوان، وأنا أشدّد على القول إن من يستخدم برامج الكومبيوتر هو الفنان لا العكس، والقيمون الفنيون الذين يدفعون مئات الآلاف أو الملايين لقاء الأعمال الفنية يستطيعون التفريق بين الفنان وغير الفنان.

في بداية استخدامي برامج الذكاء الاصطناعي التقيت الكثير من الناس الذين قالوا لي إنه بات في وسع أيّ كان أن يكون تشكيليا، وهذا غير صحيح، فليس كل شخص يأتي بأدوات تقليدية ويرسم يصبح فنانا تشكيليا، والأمر ذاته ينطبق على الذكاء الاصطناعي.

خرجت أحيانا من أسلوب الفن الرقمي ومارست النحت، لماذا؟

أزاوج دائما بين قدراتي الفنية، حتى منحوتاتي ليست ببعيدة عن فن الكومبيوتر ربما أبدأ بقلم رصاص أي بالأساليب التقليدية، وحين أرى الرسم مكتملا أنتقل إلى الكومبيوتر، وبعد ذلك أخرجها إلى الأجهزة التي أقص بها الحديد من الملفات التي نفذتها على الكومبيوتر، وبعد القص ألحم الحديد ومن ثم أكمل العمليات الأخرى. أي أن لديّ قدرة على التعامل مع كل الخامات الموجودة، وإذا انعدم وجود الكومبيوتر لديّ يدي والورقة والقلم، فقد سعيت إلى تطوير كل أسلوب من أساليبي على مدى أكثر من ثلاثة عقود، ولا أزال أعتبر نفسي تلميذا، خاصة أني لم أسمح للكبرياء والكسل والغرور بأن تنخر عقلي. دائما ما أبحث عن العلم وكل سنتين أو ثلاث أبني كومبيوترا بموصفات عالية بنفسي والأمر نفسه ينطبق على أدوات النحت، وعلى ألوان الزيت والأكريليك.

هلا أوضحت لنا طريقة استخدام مبادئ اللوحة التقليدية في الفنّ الرقمي؟  

ما يقلل قيمة أعمال الديجيتال هو سهولة نسخها، لذا أقدم باستمرار نسخة واحدة من العمل، هناك على سبيل المثل عمل لي عُرض في سفارة الإمارات في إحدى الدول وتعرض للتلف بسبب الأمطار الغزيرة، فهاتفتني السفارة لكي أعطيها نسخة من اللوحة، فأجبت لا يمكن أن أعطيكم نسخة منها، لكنني سأنجز لوحة أخرى بديلة. بحسب المعايير نفسها، إن كنت قد أنتجت منحوتة وانكسرت فهل سأعيد بناء المنحوتة نفسها؟ بالطبع لا، فمن أجل أن أزيد قيمة أعمالي أتلف الملفات الأصلية ولا يمكنني أن أعيد طباعة أعمالي.

لكن هناك صورا للوحاتك...    

العمل الذي أتلفه يكون بمعايير معينة، فإن قررت أن تكون مساحة العمل مترين، أترك نسخة صغيرة جدا منه، لأجل الإعلام والفعاليات والمراجع، لكن إن سُرق هذا الملف وحاولوا طباعته بالمقاس الأصلي فسيظهر مشوشا.

  • الى أي مدى تشعر أن أفكارك تصل إلى الجمهور، وهل ترضى عن تفسيراته؟

الفنان غير مطالب بتفسير أعماله، فعند إنجاز العمل الفني يظهره للعالم مثل الكائن الحي الذي يمتلك أسلوبه ومشاعره، ويتكلم بشخصيته وعباراته التي تختلف باختلاف المشاهد. ذات يوم رسمت رجلا يجلس في الزاوية وينظر إلى الصور الفوتوغرافية وسمّيته "أحلم بالمالديف" وقد رسمته خلال متابعتي أحداث إحدى الحروب في دولة عربية، ولم أكن أستطيع فعل شيء سوى النظر إلى الجرائم التي ترتكب، فكنت أحبس نفسي أمام الكومبيوتر وكان على سطح الكومبيوتر صورة للمالديف، فرسمت رجلا شبه عار يقتعد الأرض في غرفة بلا نوافذ ولا أبواب وهو ينظر إلى صورة المالديف وهي الصورة نفسها الموجودة على سطح كومبيوتري. كنت أشعر أنني سجين عاجز عن فعل شيء وأنظر بألم شديد الى أخواني البشر وهم يمرون بهذه الظروف، وليس لديّ قدرة على مساعدتهم، هناك من رأى العمل وفسّره بأنني أروّج للمالديف، وتذكر شخص آخر حربا جرت في بلاده وهي غير الحرب التي كنت أتناولها وأدمعت عيناه ألما لتذكره أهلا وأصحابا فقدهم في تلك الحرب، فلوحتي خاطبته بطريقة وخاطبت سواه بطريقة أخرى، ومن غير المنطقي أن أقول لأي مشاهد إن تفسيرك خطأ، فالمتلقي حر أيضا في تأويلاته.

دائما ما أبحث عن العلم وكل سنتين أو ثلاث أبني كومبيوترا بموصفات عالية بنفسي والأمر نفسه ينطبق على أدوات النحت، وعلى ألوان الزيت والأكريليك


لماذا تحرص على تسمية أعمالك؟

أحب التسميات لأني أريد الابتعاد عن العشوائية، فالعمل الفني بالنسبة إليّ يولد قبل أن ينفذ.لكنني أعطي شخصية لكل الأعمال التي أنتجها مثل الطفل الذي يولد فمن غير المنطقي أن يكون بلا اسم، ولأن العمل الفني أقرب إلى الشخص من أولاده لأنه هو الوحيد الذي أنتجه، فإنني أفضّل أن يكون للأعمال فنية أسماء وليس من الضروري أن يكون الاسم دالا على معنى العمل، بل يكون دالا على شيء ما عند الفنان.

من وحي الخيال

لديك تجربة مع الكتابة من خلال إصدار عمل روائي، فما الذي قدمته لك الكتابة ولم يستطع الفن تقديمه؟

لا أميل إلى شرح أعمالي الفنية، أما في الرواية فأبحر في شرح شخصيات ورسم عوالم وكائنات غريبة جدا، وعندما أصمم الشخصية في خيالي، ثم أكتبها على الورق، أعود وأرسمها بالقلم ومن ثم أنفذها على الكومبيوتر، لكي أرى الشخصيات أمامي، فالكتابة تغذي خيالي الفني بل لا يوجد شيء من المواهب التي امتلكها إلا وأستخدمه في الكتابة.

ما النقلة التي أحدثتها في عرضك الفني الأخير في دبي؟ 

عرضت في دبي عملا بأسلوب الديجيتال متعدّد الحواس، فيه رائحة وصوت ومؤثرات إضاءة، فعند دخول الغرفة التي يعرض فيها العمل هناك مؤثرات صوتية ومؤثرات إضاءة وألوان الغرفة تتغير، وعندما يظهر مشهد المصنع يمكن شم رائحة الديزل المحترق، وعندما تظهر العيادة يمكن شم رائحة أدوات طبية وهكذا.

ما جديدك؟

أجهّز مجموعة من الأعمال الرقمية والذكاء الاصطناعي وأعمل على معرض استعادي ربما يقام في 2024.  

 

font change

مقالات ذات صلة