التأمين الصحي الشامل للسعوديين والسعوديات مرحلة جديدة وفريدة

خطوة تاريخية لمنظومة الصحة السعودية... ووثيقة ضمان بلا سقف للتغطية

AL Majalla
AL Majalla

التأمين الصحي الشامل للسعوديين والسعوديات مرحلة جديدة وفريدة

يرتكز القطاع الصحي في السعودية على مجموعة من الأسس القوية؛ فالسعودية تعدّ في طليعة دول العالم إنفاقاً على الرعاية الصحية، وبدأت منذ سنوات بإعداد خطة واضحة لتعزيز دعائم هذا القطاع، والانتقال به إلى مرحلة جديدة؛ يمكن من خلالها تحقيق مجموعة من الأهداف المهمة.

قبل أيام قليلة، زف وزير الصحة السعودي فهد بن عبد الرحمن الجلاجل بشرى قرب إطلاق مشروع التأمين الصحي للسعوديين والسعوديات، ما هي أبرز ميزات هذا المشروع الوطني الصحي؟ ما هي أبرز طرق وأساليب إطلاقه، جدوله الزمني المتوقع؟ من هم المستفيدون من تغطية التأمين الصحي؟ ما دور التجمعات الصحية؟ وما أبرز المرتكزات التي ينطلق منها مركز التأمين الصحي الوطني؟

آلية التطبيق... والخط الزمني

من المعروف في السعودية أن لدى وزارة الصحة ثلاثة أدوار رئيسة تقوم بها؛ فهي مقدم للخدمات الصحية، ومشرّع ومراقب، وممول للخدمات الصحية، وباتت هذه الأدوار الثلاثة الرئيسة تحتاج في عالمنا اليوم إلى آليات عمل وتطوير جديدة ومبتكرة، ومن هنا جاءت فكرة إطلاق "شركة الصحة القابضة" والتجمعات الصحية المنبثقة منها، ومركز التأمين الصحي الوطني، وبالتالي تكون هذه الأدوار الرئيسة موزعة بين الوزارة، والشركة القابضة والمركز.

المواطنون المشمولون بالتغطية التأمينية الصادرة عن مركز التأمين الصحي الوطني لن يتحملوا أية تكاليف وسيحظون بتأمين طبي مدى الحياة

ستكون التجمعات الصحية هي المنصة التي من خلالها يتلقى المستفيد الرعاية الصحية والوقائية، وستعمل هذه التجمعات تحت مظلة الشركة القابضة، وستُموَّل عبر مركز التأمين الصحي الوطني، فيما يتلقى المركز التمويل اللازم من الموازنة العامة للدولة، بذلك تكون التجمعات الصحية معتمدة على التمويل الحكومي. 

هناك حزمة كبيرة من الفوائد التي ستشهدها منظومة الخدمات الصحية في السعودية بإقرار هذه الخطة والبدء بتنفيذها، أبرزها يرتكز على تقديم الخدمات الصحية بجودة وكفاءة عالية، والاستجابة لاحتياجات السكّان الصحية، وتحقيق الاستدامة المالية في المنظومة الصحية، وذلك عبر حوكمة واضحة تمنح القطاع الصحي فرصة أكبر للتطوير والنمو؛ وذلك من خلال استثمار التمويل اللازم في تطوير أدواته.

من المتوقع أن يبدأ الخط الزمني لرحلة التحول هذه في القطاع الصحي في منتصف عام 2024، وصولاً إلى عام 2026، وعليه من المتوقع أن يكون النصف الثاني من 2026، موعد بدء التطبيق الشامل للتأمين الصحي الوطني، فيما ينتظر أن يكون لهذه الخطوة التاريخية أثر واضح في تطوير منظومة مراكز الرعاية الصحية الأولية.

سيكون التأمين الصحي الوطني الجديد للسعوديين بلا سقف، فيما يخص التغطية التأمينية، وستموله الحكومة بشكل كامل، ويستمر على مدى الحياة. هذا بالنسبة الى المواطنين الذين لا يعملون في القطاع الخاص؛ إذ من المعلوم أن القطاع الخاص في السعودية يوفر التغطية التأمينية لموظفيه وأسرهم منذ سنوات وفق مجموعة من الأنظمة واللوائح المعمول بها في البلاد.

تطوير... لا يتوقف

سيكون تمويل خدمات الرعاية الصحية لشركة الصحة القابضة والتجمعات الصحية المتفرعة منها عبر مركز التأمين الصحي الوطني، والمركز ليس جهة تشريعية إنما هو ممول خدمة؛ فيما ستكون الأدوات النظامية هي المسؤولة عن تحديد المستفيدين من خدمات التأمين الصحي الوطني.

Getty Images
مستشفى الصحة الافتراضي

نصّ مركز التأمين الصحي الوطني على أن أبرز شريحة ستستفيد من التأمين هم المواطنون الذين ليس لديهم تأمين خاص، بالإضافة إلى غير المشمولين ببرامج رعاية صحية معتمدة، مثل بعض القطاعات التي لها مخصصات مالية تعتمد من موازنة الدولة، كما يتوقع أن يشمل التأمين الصحي الوطني شرائح أخرى، منهم على سبيل المثل المقيمون الذين يعملون في قطاع الحكومة، أو أي شريحة أخرى من الشرائح التي تفصلها المواد التنظيمية.

كل هذه الشرائح سيكون مركز التأمين الصحي الوطني مسؤولاً عن التغطية التأمينية لها، مجانا وبلا سقف، أو حدود زمنية، وهذا نظام فريد من نوعه، ولا يوجد له مثيل في العالم أجمع.

عدد المستفيدين في كل تجمع صحي

بحسب المعلومات التي حصلت عليها "المجلة"، انتهت وزارة الصحة تقريباً من تحديد نحو 80 في المئة من التجمعات الصحية - نحو 20 تجمعاً صحياً في البلاد - فيما يعرف التجمع الصحي بأنه عبارة عن شبكة من مراكز الصحة الأولية، ومستشفيات حكومية تابعة لوزارة الصحة من حيث التمويل والإشراف، فيما سيغطي التجمع الصحي الواحد من 500 ألف إلى ثلاثة ملايين مستفيد؛ يشكلون مركز التأمين الصحي الوطني المسؤول عن تقديم التغطية التأمينية لهم.

وستكون التجمعات الصحية مسؤولة، ليس فقط عن تقديم الرعاية الصحية لسكان التجمع والمستفيدين منه، بل عن صحتهم أيضاً، مثل الوقاية ونحوه، وستتحول مسؤولية كل التجمعات إلى شركة الصحة القابضة اعتباراً من السنة المقبلة؛ وهذه العملية قد تستمر نحو عامين.

انطلاق مرحلة التأمين الفعلية في 2026، وستبدأ المرحلة الأولى من انتقال التجمعات الصحية إلى "شركة الصحة القابضة" في منتصف 2024

وثيقة تأمين بلا سقف

بالمقارنة، في التأمين الصحي الصادر عن شركات التأمين يكون لدى المؤمّن عليه وثيقة تأمين تشمل سقف التغطية وشروطها، بينما التأمين الصادر عن مركز التأمين الصحي الوطني وثيقته موحدة ولا سقف لها، وهذا أمر يجعل الخدمات الصحية المقدمة الى المواطنين على أعلى المستويات من حيث سرعة الخدمة ومستويات الجودة. 

وفي معلومات لـ"المجلة" فإن التجمع الصحي سيكون مسؤولاً عن المستفيدين الذي يتم تحديدهم من قبل وزارة الصحة ومركز التأمين – وفق الأنظمة واللوائح – ، حيث سيكون التجمع الصحي مسؤولاً عن المستفيد مسؤولية كاملة، ومن ذلك على سبيل المثل مسؤوليته الكاملة عن تقديم الخدمات المتضمنة حزمة المنافع الصحية الحكومية.

التعاون لتأمين الفجوات؟

ولكن ماذا عن الخدمات الصحية التي قد لا يجدها المستفيد ضمن التجمع الذي يقع تحت تغطيته؟ عند تطبيق المرحلة النهائية لنموذج التأمين الصحي الوطني، فإن شركة الصحة القابضة والتجمع الصحي التابع له، سيلتزم وفق عقد مبرم مع مركز التأمين تقديم كل الخدمات المتضمنة في حزمة المنافع الصحية للمستفيدين الذين يقعون تحت مسؤوليته. وفي حال وجود فجوات تتعلق بخدمة علاجية أو رعاية صحية لا يمكن توفيرها من خلال التجمع فإن المركز سيقوم بشراء هذه الخدمة سواء من تجمع صحي آخر، أو مستشفى حكومي أو خاص، علما بأن تكلفة توفير هذه الرعاية من قبل المركز ستُقتطع من موازنة التجمع المسؤول عن تقديمها لأن المال يتبع المستفيد، وعليه فإن المريض لن يشعر بهذه الفجوة وسيجد التغطية التأمينية اللازمة متوفرة له وفي التوقيت اللازم.

وفي وقت تعمل السعودية على تطوير كبير لمنظومة القطاع الصحي، تمثل الخطوات الجديدة التي يعمل عليها الآن، خطوات غير مسبوقة في العالم أجمع، فيما سيعتمد مركز التأمين في أداء مهامه المنوطة به، على عدد من الأدوات الأساسية مثل التجمعات الصحية، والتمويل الكامل من الموازنة العامة للدولة.

ومن المتوقع أن يخصص حجم التمويل للتجمعات الصحية بناءً على معايير يضعها المركز، ومن ضمنها عدد المستفيدين، والوضع الصحي لهم، ومن هنا يمكن ضمان الاستدامة المالية لهذه التجمعات الصحية، والاستدامة في تقديم الخدمات لمستفيديها بجودة عالية، هذا بالإضافة إلى تحقيق معدلات استجابة أسرع لحاجات السكان الصحية، والسيطرة على الهدر المالي والتكلفة العلاجية غير الدقيقة. 

Shutterstock
المركز الطبي التخصصي في العليا

أبرز الفروقات بين وثيقة التأمين الحكومية ووثيقة القطاع الخاص

حددت أبرز الفروقات بالآتي:

- أن وثيقة التأمين الحكومية صالحة لمدى الحياة، إما وثيقة التأمين الصادرة عن شركات التأمين فعلاقتها بالمستفيد سنوية.

- أن وثيقة التأمين المقدمة من شركات التأمين لها سقف محدد للتغطية التأمينية، بينما في وثيقة التأمين الحكومية لا سقف لها، هذا بالإضافة إلى أن حزمة المنافع الحكومية أكثر شمولاً من حيث العدد والنوع، وتغطي خدمات لا يتم تغطيتها في التأمين الخاص؛ مثل خدمات الوقاية.

- وكذلك لا سقف للتغطية التأمينية في بعض المجالات؛ مثل خدمات الرعاية التأهيلية، والأسنان، وخدمات الحمل والإنجاب، وغير ذلك، كما أن وثيقة التأمين الحكومية لا تتطلب موافقات مسبقة، ولا يدفع المستفيد أي مبلغ مالي، بعكس وثيقة تأمين القطاع الخاص التي تحتاج إلى موافقات مسبقة، وقد يدفع المؤمَّن عليه مبلغاً بحسب تصنيف التأمين الطبي الذي لديه، هذا بالإضافة إلى التكلفة الأساسية للتأمين التي يدفعها صاحب العمل، أو الموظف نفسه بالاتفاق مع جهة عمله.

منظومة القطاع الصحي السعودي تدخل مرحلة تاريخية جديدة مرتكزاتها القوية تستند على: شركة الصحة القابضة، ومركز التأمين الصحي الوطني

قرار صحي يجسد رؤية 2030

وكان وزير الصحة السعودي فهد الجلاجل قد رفع قبل أكثر من عام، شكره إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد، لمناسبة صدور الموافقة على قرار مجلس الوزراء القاضي بتأسيس شركة الصحة القابضة، والموافقة على تنظيم مركز التأمين الصحي الوطني. 

وأوضح الجلاجل حينها، أن القرار يأتي تجسيداً للدعم والاهتمام الكبيرين اللذين توليهما القيادة الرشيدة لتطوير خدمات الرعاية الصحية المقدمة الى المواطنين والمقيمين، وتسخير الإمكانات كافة لتعزيز جودة تلك الخدمات وكفاءتها سعياً لتحقيق المستهدفات الطموحة لرؤية المملكة 2030.

AFP
خلال افتتاح مستشفى صحة الافتراضي، الذي يستخدم التطبيب عن بعد ويقدم استشارات مع الأطباء عبر اتصال الفيديو، في المدينة الرقمية بالعاصمة السعودية الرياض في 28 فبراير 2022.

وأضاف الجلاجل أن هذا القرار سيمكّن من رفع فاعلية أداء المنظومة الصحية، بحيث تكون وزارة الصحة هي الجهة المنظمة والمشرفة على المؤسسات الصحية العامة والخاصة، وتتولى التجمعات الصحية تقديم خدمات الرعاية الصحية المتكاملة للمستفيدين في كل مناطق المملكة وفقاً لنموذج الرعاية الصحية الحديث بمستوياتها المختلفة.

وبيّن  أن هذا القرار يضع الأسس النظامية لتنفيذ إستراتيجية التحول في وزارة الصحة التي ستتم في مراحل متتابعة خلال السنوات المقبلة، حيث ستعمل التجمعات الصحية على تنفيذ مجموعة من البرامج التحولية الرامية إلى تعزيز صحة المجتمع والوقاية والكشف المبكر عن الأمراض والأخطار الصحية، وإلى رفع مستوى الجودة والكفاءة للخدمات المقدمة للمستفيدين عبر برامج تطوير الرعاية الصحية الأولية، كبرنامج طبيب لكل أسرة وبرامج رعاية الأمراض المزمنة، وتطوير خدمات الرعاية المتخصصة مثل رعاية مرضى السرطان والفشل الكلوي، وتطوير خدمات الرعاية الحرجة لضمان سرعة التعامل مع الجلطات القلبية والدماغية والإصابات، والتوسع في برامج الصحة الرقمية وخدمات الرعاية الطبية الافتراضية، مؤكدًا أن هذا القرار من شأنه أن يساهم في دعم مسيرة التحول الصحي في المملكة ومواكبة "رؤية المملكة 2030".

font change

مقالات ذات صلة