33 مليار دولار جرأة استثمارية للمغرب في 2024

مرحلة انتقالية من الصمود واستيعاب الصدمات الى التطلع صوب الازدهار

REUTERS
REUTERS
الاقتصاد المغربي يتكيف مع الصدمات

33 مليار دولار جرأة استثمارية للمغرب في 2024

تزامنت مناقشة مشروع موازنة 2024 في البرلمان مع صدور تقرير جديد من البنك الدولي عن آفاق الاقتصاد المغربي للأعوام الثلاثة المقبلة تحت عنوان "من القدرة على الصمود إلى الرخاء المشترك"، شكل دعما غير مباشر للحكومة وتأييدا للإصلاحات المالية، والاختيارات والأولويات الاقتصادية والاجتماعية الواردة في مشروع القانون المالي الجديد (نحو 65 مليار دولار)، الذي تعتبره مصادر وزارة الاقتصاد والمالية جريئا وطموحا وغير مسبوق من حيث حجم الاستثمارات البالغة قيمتها 335 مليار درهم (33 مليار دولار)، منها 45 مليار درهم (نحو 4,5 مليار دولار)، من صندوق محمد السادس للاستثمار و103 مليارات درهم (نحو 10,2 مليار دولار) استثمارات من الشركات التابعة للدولة. وفي الاطار الاجتماعي، تقرر صرف مساعدات مباشرة للأسر الضعيفة، في فترة عصيبة من التحديات الخارجية والمناخية وعدم اليقين العالمي.

جاء في تقرير البنك الدولي أن المغرب "أظهر مرارا وتكرارا قدرته القوية على الاستجابة بفعالية للصدمات في السنوات الأخيرة"، ومنها زلزال الحوز الأخير في جبال الأطلس، وهو امتداد لسلسلة من الصدمات منذ جائحة كوفيد-19، لكن البلاد "أدارت الاستجابة الإنسانية بنجاح، ووضعت خطة تنموية طموحة لإطلاق إمكانات التنمية وإعادة الاعمار في الأقاليم المتضررًة". وتوقع أن يحقق الاقتصاد المغربي نموا من 2,8 في المئة السنة الجارية، على الرغم من الصعوبات، الى 3,1 في المئة عام 2024, ثم 3,3 في المئة عام 2025، ليصل الى 3,5 في المئة عام 2026، مستفيدا من تعافي الطلب المحلي تدريجيا ومن الصمود في وجه الصدمات الخارجية المختلفة التي تعوق الاقتصاد (خصوصا التغيرات المناخية والحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا).

وتتوقع الحكومة تحقيق نسبة نمو تصل الى 3,4 في المئة خلال السنة الجارية، و3,7 في المئة في 2024، على أساس فرضية سعر الغاز بـ500 دولار للطن، وتراجع التضخم الى 2,5 في المئة، ونمو الطلب العالمي على الصادرات المغربية بنسبة 3 في المئة، وعجز مرتقب في الموازنة بنحو 4 في المئة فقط، أي نصف العجز إثناء أزمة كوفيد-19 في 2020. وهو ما يسمح بتحسن في معدلات المديونية التي تتجه نحو الانخفاض إلى دون 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ثلاثة أرباعها مقوّمة بالدرهم المغربي.

يتوقع أن يحقق الاقتصاد المغربي نموا من 2,8 في المئة السنة الجارية، على الرغم من الصعوبات، و3,1 في المئة سنة 2024، ونحو 3,3 في المئة سنة 2025

البنك الدولي

اقتصاد صامد

تتجلى قدرة صمود الاقتصاد المغربي في الطلب الخارجي القوي على سلع المغرب وخدماته، بحسب تقارير مؤسسات البنك وصندوق النقد الدوليين، التي عقدت اجتماعاتها السنوية في مراكش في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. كما حافظت الرباط على إمكانات الوصول إلى أسواق الرساميل الدولية في ظروف مناسبة، وحصلت على تمويلات خط الائتمان المرن (Flexible Line) من الصندوق بقيمة خمسة مليارات دولار تحت التصرف في عند الحاجة. كما حصلت الرباط على قروض سيادية بقيمة 2,5 مليار دولار من سوق المال الدولية في لندن بشروط ميسرة، اذ بلغ المعروض 11 مليار دولار. 

استنادا الى البنك الدولي الذي يحظى بـ"شراكة الدعم الإستراتيجي القطري" مع الرباط، إن المملكة المغربية جاذبة للتدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة، وهي تتجه في شكل متزايد نحو الصناعات التحويلية، وأهمها الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر، والسيارات الكهربائية، وأجزاء الطائرات والصناعات الالكترونية والتكنولوجيا الرقمية، مستفيدة من مناخ الاستقرار والموقع الجغرافي والخبرة الإنتاجية. صدّر المغرب ما قيمته 315 مليار درهم (نحو 32 مليار دولار)، من السلع الصناعية والاستهلاكية خلال الشهور التسعة الأولى من السنة، منها نحو 11 مليار دولار مبيعات السيارات في 71 سوقا عبر العالم.

الفقر والتضخم والمرأة

في المقابل ينبه البنك الدولي إلى أن تضخم الأسعار يؤثر سلبا على القدرة الشرائية للأسر الفقيرة، وأن ضعف عمل المرأة يحد من مشاركتها الكاملة في الاقتصاد خصوصا في الأرياف، مما يحول دون الافادة من تحسن المؤشرات المسجلة في الاقتصاد الكلي، ومن ثمرات النمو. وينصح البنك بتحقيق نقلة نوعية مؤسساتية لتطوير الرأسمال البشري، وتحفيز الاستثمار الخاص بالاعتماد على خطة النموذج التنموي الجديد الذي كان أطلقه الملك محمد السادس قبل عامين، بهدف زيادة متوسط الدخل الفردي إلى 16 ألف دولار سنويا في أفق 2035، وزيادة نسبة مشاركة النساء في سوق العمل بـ 45 في المئة، ورفع حصة الاستثمارات الخاصة والأجنبية ضمن الاستثمارات المغربية الاجمالية. وقال البنك الدولي "إن زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل ستؤدي إلى تعزيز النمو الاقتصادي بنحو نقطة مئوية واحدة سنويا".

EPA
أساتذة يشاركون في إضراب وطني للمطالبة بتحسين ظروف العمل، الرباط، المغرب، 15 نوفمبر 2023

وتطالب الجمعيات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني بتحسين التشريعات والقوانين لجعلها أكثر تشجيعا على اندماج المرأة في سوق العمل، والحد من البطالة النسوية التي تقدر بثماني نساء من أصل عشر، وقد ارتفعت على المستوى الوطني في الشهور الأخيرة.

وأصبح معدل البطالة (ذكور وإناث) يقدر بـ 13,5 في المئة من الفئة النشيطة، بزيادة أربع نقاط على معدله قبل الجائحة. وهي النقطة السوداء في أداء الاقتصاد المغربي الذي فشل في توفير ما يكفي من فرص عمل الشباب والنساء.

وينصح البنك الدولي بتوفير الشروط الملائمة لعمل المرأة عبر آليات قانونية وإجراءات تنظيمية لزيادة مساهمة النساء في الاقتصاد والإفادة من فرص الشمول المالي، حيث يحد ذلك من الوصول إلى التمويلات المصرفية، وفرص إقامة المشاريع الذاتية والمبادرات الخاصة.

تضخم الأسعار يؤثر سلبا على القدرة الشرائية للأسر الفقيرة، وضعف عمل المرأة يحد من مشاركتها الكاملة في الاقتصاد خصوصا في الأرياف

موازنة شجاعة

وصفت الحكومة مشروعها المالي بالأكثر "جرأة وطموحا" في زمن التحديات، وأقنعت مجلس النواب بالمصادقة عليه بغالبية 180 نائبا ومعارضة 54 نائبا بعد إدخال تعديلات على بعض الضرورات الضريبية. وانتقل المشروع المالي إلى مجلس المستشارين، وهي الغرفة الثانية في البرلمان التي تتكون أساسا من ممثلي النقابات العمالية، واتحادات رجال الأعمال، والغرف الصناعية والزراعية والتجارية. وسيعود المشروع المالي إلى مجلس النواب في قراءة ثانية لاحقا. 

وقالت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي في حديث مع "المجلة" إن موازنة 2024 تقوم على أربع أولويات تشمل: أولا، تنزيل برنامج إعادة البناء والاعمار والتأهيل الكلي للمناطق المتضررة من الزلزال، الذي تقدر تكلفته 12 مليار دولار على خمس سنوات. ثانيا، الإعداد الكافي لمواجهة التأثيرات الظرفية المختلفة والمناخية، خصوصا ما يتعلق منها بندرة المياه، ونقلها من الشمال نحو التجمعات السكانية الكبيرة على المحيط الأطلسي (يستثمر المغرب 15 مليار دولار لإقامة محطات تحلية مياه البحر، وبناء سدود جديدة، وطرق سيارة تحت الأرض لنقل المياه بين الأودية). ثالثا، ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية من خلال دعم القدرة الشرائية للحد من مضاعفات التضخم، وإقرار مساعدات مباشرة للأسر الفقيرة للمرة الأولى في المغرب بتعليمات ملكية بتكلفة أولية تقدر بـ3,5 مليارات دولار تشمل التغطية الصحية المجانية، ومصرف تعويضات الدراسة لجميع الاطفال. رابعا، تحسين المؤشرات الماكرو اقتصادية وتقليص العجز والمديونية.

واستطردت الوزيرة التي لعبت دورا كبيرا في إقناع صندوق النقد بإبقاء اجتماعاته في مراكش بعد الزلزال: "إن ثقة المؤسسات المالية الدولية كبيرة في الاقتصاد المغربي".

AP
عائلة نزحت بسبب زلزال سبتمبر تلتقط صورة خارج خيمتها، في مولاي إبراهيم، خارج مراكش، المغرب، السبت 7 أكتوبر 2023.

وتشكل الاستدامة المالية والإصلاحات الهيكلية احد الرهانات المالية المستقبلية، حيث تراهن الحكومة على خفض عجز الموازنة إلى 3 في المئة من الناتج الإجمالي في أفق 2026، وحصرها في 4 في المئة فقط في 2024. ومن شأن هذه الإصلاحات الهيكلية تقوية مناعة الاقتصاد، وتقليص حجم المديونية، وتوفير هوامش مالية لإغراض تنموية واجتماعية، والانتقال من اقتصاد الصمود إلى مجتمع الرخاء.

font change

مقالات ذات صلة