"اليوم التالي" في جنوب لبنان

دعوات داخل إسرائيل لتوجيه ضربة حاسمة أو استباقية ضد "حزب الله"

AFP
AFP
ألسنة اللهب والدخان تتصاعد من مبنى زراعي في سهل الخيام بجنوب لبنان إثر غارة إسرائيلية في 23 نوفمبر

"اليوم التالي" في جنوب لبنان

إذا كان الحديث المتواصل عن "اليوم التالي" للحرب في قطاع غزة يقصد منه الترتيبات الأمنية والإدارية في القطاع بعد انتهاء الحرب، فإن "اليوم التالي" في جنوب لبنان يأخذ مسارا أو معنى مختلفا، أو بالأحرى معاكسا؛ إذ إن المقصود منه، انطلاقا مما يكتب في الصحافة الإسرائيلية وما يسرب من نقاشات مراكز القرار الإسرائيلي، أن هناك احتمالا جديا لشن إسرائيل هجوما على "حزب الله".

وهذا يعني عمليا أن توقف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي يرجح أن يستمر أسابيع وحتى أشهرا طويلة بوتائر وديناميات مختلفة، قد تتلوه مبادرة إسرائيل إلى شن هجوم على "حزب الله"، أي إلى الانتقال من "حرب الاستنزاف" على الحدود بين إسرائيل ولبنان إلى حرب أوسع.

طبعا هذا لا ينفي إمكان توسع دائرة الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" قبل انتهاء الحرب في غزة أو قبل إنهاء تل أبيب ما تعتبره المراحل الأولى من تلك الحرب. ولاسيما أنه في ظل "حرب الاستنزاف" تلك فإن احتمالات حدوث سوء تقدير في الحسابات، ومن الجانبين، كفيل باندلاع حرب أوسع على تلك الجبهة. وهو سيناريو يتعزز أكثر فأكثر مع تصاعد وتيرة الهجمات المتبادلة بين الطرفين في الأيام القليلة الماضية، ما استدعى رفع واشنطن لمستوى تدخلها "الدبلوماسي" في محاولة جديدة ومتقدمة لمنع حصول هذا السيناريو من خلال إرسال مبعوث الرئيس جو بايدن إلى إسرائيل بهدف حثها على ضبط النفس في الجبهة الشمالية مع لبنان.

دعوات في تل أبيب للجيش الإسرائيلي لتكييف نشاطه العسكري على الجبهة الشمالية مع هدف تطبيق القرار 1701

لكن وبالرغم من الجهد الأميركي لمنع توسع الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل بهدف كبح نشوب حرب إقليمية، وهو الهدف الذي لطالما ركزت عليه واشنطن منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن ما يُتداول في الصحافة الإسرائيلية بشأن الجبهة مع لبنان يؤشر إلى أن بقاء الهجمات المتبادلة بين "حزب الله" وإسرائيل ضمن سقوف مضبوطة ليس أمرا محتوما.

عودة إلى الـ"1701"

وما يعزز هذا الاحتمال ازدياد الكلام الإسرائيلي عن عدم السماح ببقاء الوضع على الحدود الشمالية لإسرائيل كما كان خلال السنوات الماضية. ويمكن رصد تركيز متزايد في الصحافة الإسرائيلية بشأن وجود "حزب الله" في منطقة جنوب الليطاني التي كان من المفترض أن يحظر القرار 1701 الذي أوقف حرب العام 2006 وجوده المسلح فيها.
هناك حديث إسرائيلي الآن عن ضرورة تطبيق الـ1701 وبالقوة ما دام "حزب الله" لن يلتزم به من تلقائه، وهو لطالما اتهم إسرائيل بخرقه أيضا. واللافت في هذا السياق أن هناك دعوات في تل أبيب للجيش الإسرائيلي لتكييف نشاطه العسكري على الجبهة الشمالية لخدمة هذا الهدف. وهذا ينقل الهجمات المتبادلة بين الحزب والجيش الإسرائيلي إلى مستوى مختلف؛ أي إنه ما عاد يمكن النظر إليها على أنها ارتداد للهجوم الإسرائيلي على غزة وحسب، بل إن لتل أبيب هدفا من ورائها، وهو ما يحولها، أقله من الجانب الإسرائيلي، إلى هجمات "منهجية".

AFP
مواطن لبناني يجلس على أنقاض منزله المدمر في قرية جبين الحدودية في 20 نوفمبر

وهذا الأمر كفيل بعكس السؤال الذي طرح منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وهو: هل يدخل "حزب الله" الحرب؟ إذ إن السؤال الآن هو: هل توسع إسرائيل دائرة الحرب مع "حزب الله"؟ وكيف ومتى توسعها؟ 
وهو ما يفترض أن يحدث تبدلا في المقاربة اللبنانية العامة لتلك الحرب؛ فكل الحديث اللبناني يدور، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، عما إذا كان "حزب الله" ومن ورائه إيران في وارد الدخول أكثر على خط الحرب عبر الحدود اللبنانية مع إسرائيل، ولا سيما أن وتيرة هجمات القوى الحليفة لإيران في المنطقة شهدت تصعيدا في الآونة الأخيرة، وبالتحديد من قبل الحوثيين و"حزب الله". وذلك بالتزامن مع خطاب إيراني ملتبس بشأن مدى استعداد إيران للانخراط في الحرب، بين التنصل من التأثير المباشر على قرارات "قوى المقاومة" والاستعداد لـ"القيام بكل ما يجب فعله في المعركة"، كما ورد في رسالة مسؤول العمليات الخارجية في الحرس الثوري إسماعيل قاآني إلى قائد كتائب القسام محمد الضيف. وهي رسالة نشرت بعد الجدل الذي أثاره تقرير "رويترز" عن تأكيد المرشد الإيراني علي خامنئي، لرئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية، بعدم دخول إيران الحرب، لأن "حماس" لم تبلغ طهران بهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

التدهور الدراماتيكي للأوضاع في الجنوب اللبناني هو سيناريو محتمل جدا وأكثر من ذي قبل، وبدفع إسرائيلي هذه المرة

لكن إذا كانت صحة تقدير الموقف على الحدود بين لبنان وإسرائيل تقتضي الأخذ في الاعتبار حسابات كل من "حزب الله" وإيران، فإن الأهم في اللحظة الراهنة تتبع الموقف الإسرائيلي، وخصوصا أن "حزب الله" يسعى منذ بداية الحرب إلى تصوير الأمر وكأن زمام المبادرة بيده وأنه هو من يتحكم بقواعد الصراع وليس إسرائيل، بينما الواقع أن إسرائيل لا تكتفي بالرد على هجمات "الحزب" ضدها، بل إن ضرباتها تأخذ أيضا طابعا هجوميا متدحرجا كما حصل ليل الأربعاء الماضي من خلال استهداف كوادر لـ"حزب الله" في منزل يبعد نحو 11 كيلومترا عن الحدود ما أدى إلى مقتل 6 منهم بينهم نجل رئيس كتلة الحزب في البرلمان محمد رعد؛ وبذلك فإن "حزب الله" لا ينقل للبنانيين صورة حقيقية عما يجري على الحدود، كما أن خصوم "الحزب" في لبنان هم في الغالب أسرى خطابه.

هل تنجح واشنطن؟

لكن ذلك على أهميته ليس الأمر الأكثر أهمية في سياق المواجهات الدائرة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، إذ إن المعطى الرئيس الآن هو الدعوات المتزايدة داخل إسرائيل لتوجيه ضربة "حاسمة" أو "استباقية" ضد "حزب الله" لا على خطوط التماس وحسب، بل في عمق بضعة كيلومترات شمال الحدود. وكل ذلك من ضمن الهدف الإسرائيلي "الاستراتيجي" والقاضي بإبعاد مقاتلي "حزب الله"، وبالتحديد فرقة الرضوان، عن الحدود وإخراجها من منطقة جنوب الليطاني.

AP
الدخان يتصاعد من داخل بلدة عيتا الشعب الحدودية إثر غارة إسرائيلية في 21 نوفمبر

وإذا كان بعض الكلام الإسرائيلي يعتبر أن نجاح الهجوم الإسرائيلي في غزة كفيل بردع "حزب الله" لكي لا يكرر تجربة "حماس" في "طوفان الأقصى"، فإن هذا الكلام يبدو أنه لا يقنع كثيرين من سكان شمال إسرائيل على الحدود مع لبنان والذين يحذرون من أنهم لن يعودوا إلى منازلهم قبل التأكد من أن فرقة الرضوان لن تفعل بهم ما فعلته "حماس" بسكان غلاف غزة. وفي هذا السياق نشرت "وول ستريت جورنال" الثلاثاء الماضي مقالا بعنوان: "الجيش الإسرائيلي وسكان الحدود يضغطون على نتنياهو للقضاء على تهديد حزب الله".
لكن الأهم مرة أخرى هو الدعوات الإسرائيلية لتطبيق الـ1701 بالقوة. والكلام هنا لا يأخذ بعدا عسكريا وحسب بل يأخذ بعدا سياسيا أيضا، إذ ثمة رأي إسرائيلي يقول إن الضغط العسكري لدفع "حزب الله" إلى ما وراء النهر يجب أن يترافق مع "صوغ الإطار السياسي المطلوب من أجل خلق واقع جديد على امتداد الحدود اللبنانية، بمساعدة من الأميركيين". ويعزز هذا الرأي حجته بأن إيران لن تكون مستعدة، في ظل حساباتها الدولية، للذهاب بعيدا في الدفاع عن وجود الحزب في منطقة محظورة عليه بموجب قرار دولي.

 AFP
خلال تشييع نجل النائب محمد رعد الذي قتل في غارة إسرائيلية في 22 نوفمبر

لكن بغض النظر عن صحة هذا الرأي من عدمه، فإنه لا يمكن مقاربة ما يجري في جنوب لبنان بوصفه حربا مضبوطة إلى الأبد. بل إن المعطيات الراهنة، ولاسيما داخل إسرائيل "المختلفة" والتي تتصرف بدافع من هواجسها الأمنية المستقبلية، والمستفيدة من دعم أميركي مفتوح، تفيد بأن التدهور الدراماتيكي للأوضاع في الجنوب اللبناني هو سيناريو محتمل جدا وأكثر من ذي قبل، وبدفع إسرائيلي هذه المرة... إلا إذا نجحت واشنطن في سياق "الدبلوماسية الحمراء" مع طهران في توفير "ضمانات" لإسرائيل على حدودها الشمالية. لكن هذا لا يتوقع أن يحصل بين ليلة وضحاها، وستيطلب الوصول إليه مزيدا من تسخين الجبهة، ولذلك فإن الأوضاع في جنوب لبنان تبقى دقيقة بل خطيرة.

font change

مقالات ذات صلة