حرب غزة تؤخر تطبيع العلاقات مع اسرائيل

انفجر الصراع مجددا لأسباب أميركية قبل أن تكون إسرائيلية

Reuters
Reuters
جنديان إسرائيليان داخل قطاع غزة في 4 ديسمبر

حرب غزة تؤخر تطبيع العلاقات مع اسرائيل

عادت الحرب على غزة بعد سبعة أيام من هدن متتالية تعذر تمديدها. واستعادت خلالها إسرائيل 88 إسرائيليا و22 أجنبيا. تؤكد وتيرة القصف الإسرائيلي المُستأنف على الأحياء السكنية من البر والبحر والجو أن إسرائيل طوت صفحة التفاوض إلى أجل غير مسمى قبل الانتهاء من تبادل الأسرى، وأنها سارعت إلى استئناف عمليتها العسكرية بما تبقى لها من قدرة على تسويقها داخليا بعد أن فقدت تأييد الرأي العام الدولي الذي اشتدت مطالباته بتحويل الهدنة إلى وقف إطلاق نار دائم.

ربما بدا واضحا لإسرائيل وقبلها الولايات المتحدة أن الهدن الإنسانية التي يجري التفاوض حولها ليست الإطار المناسب لطرح مستقبل قطاع غزة وماهية السلطة الجديدة وأدوار الجهات الضامنة العربية والدولية للصيغة المرتقبة. وربما يستلزم الموقف توسيع دائرة الوساطة العربية بحيث لا تقتصر على جمهورية مصر العربية ودولة قطر. لقد اقتضى كل ذلك العودة إلى الميدان فانفجر الصراع لأسباب أميركية قبل أن تكون إسرائيلية.

Reuters
رجل يحمل فتاة فلسطينية أصيبت بغارة إسرائيلية على منزل بخان يونس في 11 أكتوبر

حاولت واشنطن الاختباء خلف همجية بنيامين نتنياهو، إذ سارع وزير خارجيتها أنتوني بلينكن للانضمام إلى المجلس الوزراي المصغر "كابينيت الحرب" الذي اجتمع قبيل انتهاء الهدنة. وقد ظهر أن القيود الأميركية على العملية العسكرية لجهة حماية المدنيين وتحديد بقعة العمليات والأهداف المراد تحقيقها لم تكن سوى تأييد واضح لاستئناف القتال بل دعوة صريحة له. وفي المقابل أتى الرد الإسرائيلي بتقسيم القطاع إلى مربعات ومطالبة الفلسطينيين بالانتقال من مربع إلى آخر وفق أوامر الجيش الإسرائيلي متناغما مع السذاجة الأميركية المفتعلة.

ضبابية أم هلوسة؟

يترافق انفجار الموقف الميداني بشكل جنوني في غزة وسقوط المئات من المدنيين مع غياب أميركي واضح عن المنطقة بما يختلف تماما مع المواكبة الأميركية الحثيثة التي رافقت المرحلة الأولى للقتال والتي هدفت واشنطن من خلالها إلى تحذير القوى الإقليمية من عواقب التدخل وتوسيع دائرة الحرب. وفيما يشبه ذر الرماد في العيون ومحاولة جذب الأنظار نحو اهتمامات أميركية تحاكي ضبابية تريد واشنطن تعميمها على المشهد، اتخذ الحراك الأميركي الإسرائيلي مجموعة من الديناميات المتناقضة التي تنأى عن أولوية التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتقصي العملية السياسية:

أولا، حول التمسك بحماية المدنيين: في محاولة للتأكيد على المواقف السابقة لكل من الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الخارجية بلينكن، خاطب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، إسرائيل حول ضرورة حماية المدنيين في غزة، واصفا إياهم بأنهم "مركز الثقل" في حرب إسرائيل مع حركة "حماس"، وأن "حمايتهم مسؤولية أخلاقية وضرورة استراتيجية، وأن دفعهم إلى أذرع العدو، سيحول النصر التكتيكي إلى هزيمة استراتيجية"، هذا دون التطرق إلى مسألة عودة الهدنة وإسقاط أي جهد بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

قفز موضوع منع إيران من الوصول إلى 6 مليارات دولار كانت واشنطن حولتها إلى قطر إلى الواجهة

ثانيا، حول إثارة مسألة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء: هذا ما تدأب عليه وسائل الإعلام الأميركية في الترويج لمشروع قُدم إلى مسؤولين بارزين في الكونغرس الأميركي بشأن تهجير سكان غزة إلى دول الجوار، لإثارة مخاوف مصر حيال استمرار المساعي الإسرائيلية الرامية لتهجير سكان القطاع ودفعهم بشتى الطرق نحو الأراضي المصرية. يحاكي هذا المشروع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر ويهدف إلى إحداث نقاش أو خلاف داخلي متخذا شكل المبادرة الاقتصادية حيال أربع دول في المنطقة هي مصر والعراق واليمن وتركيا، حيث ترضخ "لـهجرة طوعية وليس بالإكراه" للفلسطينيين إلى أراضيها. يستمر التسويق الأميركي لهذا المشروع رغم تأكيدات وزير الخارجية المصري سامح شكري في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن الأسبوع المنصرم بأن "سياسة التهجير القسري والنقل الجماعي التي رفضها العالم ويعدها انتهاكا للقانون الدولي، ما زالت هدفا لإسرائيل، ليس فقط من خلال التصريحات والدعوات التي صدرت عن مسؤولين إسرائيليين، وإنما من خلال خلق واقع مرير على الأرض يستهدف طرد سكان غزة الفلسطينيين من أرضهم، وتصفية قضيتهم من خلال عزل الشعب عن أرضه والاستحواذ عليها".

Reuters
جندي إسرائيلي داخل نفق تحت مستشفى الشفاء بغزة في 22 نوفمبر

الموقف المصري صدر في بيان مشترك للرئاسة المصرية ونائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، حيث أكدا رفض البلدين القاطع للتهجير القسري للفلسطينيين من غزة أو من الضفة الغربية، أو حصار غزة، أو إعادة رسم حدود غزة خلال لقاء على هامش قمة المناخ في دبي.
ثالثا، حول الترويج الإسرائيلي للمنطقة العازلة: يتصل هذا الترويج مباشرة بمسألة التهجير، حيث دأبت المصادر الإسرائيلية على طرحه في إطار خططها الأمنية المستقبلية لغزة. وتضيف المصادر: "هذا لا يعني أن إسرائيل ستأخذ أراضي من غزة، بل يعني إنشاء مناطق أمنية داخلها لها وضعها الخاص بما يحد من قدرة الفلسطينيين على دخول إسرائيل. هذا وقد ذكرت وكالة "رويترز"، في نهاية الأسبوع المنصرم أن إسرائيل أبلغت عدة دول عربية برغبتها في إقامة منطقة عازلة على الجانب الفلسطيني من حدود غزة، لمنع أي هجمات عليها في المستقبل، ضمن مقترحات حول الوضع في القطاع بعد انتهاء الحرب.
رابعا، حول محاكاة القلق العربي حيال الدور الإيراني في المنطقة: قفز موضوع منع إيران من الوصول إلى مبلغ 6 مليارات دولار كانت الولايات المتحدة قد حولته إلى قطر في إطار صفقة تبادل سجناء مع طهران من دون مناسبة إلى الواجهة. فقد أقر مجلس النواب الأميركي إجراء يحمل اسم "قانون عدم تمويل الإرهاب الإيراني" بأغلبية 307 أصوات مقابل 119 صوتا، مدعوما من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ينتظر هذا الإجراء تبني مجلس الشيوخ ليتحول إلى قانون. هذه الاندفاعة الأميركية عبر عنها النائب مايكل ماكول، الرئيس الجمهوري للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، حيث اعتبر أن "إتاحة الوصول إلى 6 مليارات دولار لتحويلها إلى المزيد من الإرهاب الذي ترعاه إيران" تحاكي القلق العربي حيال الأنشطة الإيرانية، ولكنها في الوقت عينه تمثل نوعا من الابتزاز الأميركي للدول العربية لدفعها إلى مزيد من التنازلات حيال الموقف في غزة.

يرجح نتنياهو إمكانية مواصلة تطبيع العلاقات مع السعودية بعد الانتهاء من الحرب ضد حركة "حماس" في قطاع غزة

أمام كل ذلك تطرح تساؤلات عديدة حول الموقف الأميركي الملتبس وحول الأهداف التي تصبو إليها واشنطن مقابل الضغط على إسرائيل لوقف العملية العسكرية. فهل تريد واشنطن توسيع دائرة الوساطة العربية لتشمل دولا عربية أخرى لا سيما المملكة العربية السعودية التي تحافظ على موقعها خارج دائرة التفاوض رغم موقفها المعروف من حركة "حماس"؟ وهل تريد واشنطن وضع ملف التطبيع على طاولة التفاوض بشأن الوضع النهائي في غزة؟ 
يقول الصحافي الأميركي توماس فريدمان، في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز" نشر يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني: "لستَ في حاجة إلى التحدث بالعربية أو العبرية أو الفارسية أو الروسية أو الأوكرانية لتفهم أن حماس المدعومة من إيران شنت حربها لإحباط التطبيع السعودي الإسرائيلي ومنع طهران من العزلة، وأن فلاديمير بوتين شن حربه للحيلولة دون انضمام أوكرانيا إلى أوروبا وتوسعها".
ويضيف فريدمان: "يواجه التقدم العسكري الإسرائيلي بالفعل تحديا مشتركا في حرب المدن؛ حيث تتوقف الوحدات العسكرية في الأزقة ثم تستدعي القوة الجوية لضرب العدو وأي شخص آخر قريب منها، مما يؤدي إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين". ويقول المسؤولون الأميركيون إن الولايات المتحدة لا يمكنها تجاهل هذه الاستراتيجية أو الدفاع عنها لفترة أطول.

Reuters
رجل ينحني فوق جثامين أشخاص قتلوا في قصف إسرائيلي بخان يونس في 24 أكتوبر

في هذا السياق يرجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إمكانية مواصلة تطبيع العلاقات مع السعودية بعد الانتهاء من الحرب ضد حركة "حماس" في قطاع غزة، حيث يقول خلال حديثه مع رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، الذي وصل إلى إسرائيل يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني وقام بزيارة إحدى المستوطنات الإسرائيلية التي هاجمتها "حماس" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول: "بعد هزيمة حماس، سنكون قادرين على العودة إلى السلام مع المملكة العربية السعودية، وأعتقد أننا سنكون قادرين على توسيع دائرة السلام مع الدول العربية بما يتجاوز توقعاتنا الجامحة". وأضاف: "لكن علينا أولا أن نهزم حماس".

فهل يكون ملف التطبيع أحد الأثمان لإنهاء الحرب في غزة؟

يبدو أن الحرب في غزة لم تغير من نظرة نتنياهو لاتفاقات التطبيع، وهو يلاقي ما سبق أن صرح به لـ"CNN عربية" يوم 23 سبتمبر/أيلول المنصرم، حيث قال: "أعتقد أنه من الأكثر حكمة معرفة كيف يمكن أن يكونوا جزءا من العملية وهذا لا يعني طبعا أن لديهم حق النقض، وإلا فإننا سنمضي ربع قرن آخر دون سلام".

تدرك واشنطن حاجة إسرائيل إلى عملية سلام، وأنها لا تستطيع أن تخرج من غزة دون وجود شريك فلسطيني يتولى الحكم فيها

ولدى سؤاله عن التنازلات التي ستقدمها إسرائيل للفلسطينيين على وجه التحديد لقاء التطبيع، أجاب: "من الأفضل إحضار الحزمة بأكملها في وقت واحد، أعتقد أن صنع السلام مع المملكة العربية السعودية والبدء أساسا بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي سيساعدنا على إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. يعتقدون أنه عليك أولا إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ثم الذهاب إلى العالم العربي، أي من الداخل إلى الخارج، وأعتقد أن النهج من الخارج إلى الداخل لديه فرصة أكبر بكثير لإنهاء مجموعتي النزاع مع الدول العربية ومع الفلسطينيين". 
وختم نتنياهو بعد سؤاله عما إذا كان تجميد المستوطنات في الضفة وفي المناطق المخصصة لذلك مطروحا على الطاولة بالقول: "لن أعرض مصالح إسرئيل الوطنية وأمننا للخطر، ولن أعرض النجاح للخطر بالتحدث عنه علنا".
يبدو أن الضبابية الأميركية وتشتت الموقف حيال غزة  ليس مرده إلى من سيحكم القطاع إذا ما تم طرد "حماس"، وليس في السير بحل الدولتين. تدرك واشنطن حاجة إسرائيل إلى عملية سلام مع السلطة الفلسطينية، وأنها لا تستطيع أن تخرج من غزة وتحافظ على الدعم الغربي دون وجود شريك فلسطيني ذي مصداقية يتولى الحكم في غزة. ولكن يبدو أن الولايات المتحدة تريد استحضار كل الملفات وربطها بإنهاء الصراع في غزة وذلك بتوسيع دائرة الوسطاء وإشراك المملكة العربية السعودية ووضع الاتفاق الإبراهيمي على الطاولة مقابل تسوية نهائية لم تتضح معالمها حتى الآن.

font change

مقالات ذات صلة