مهرجان لاهاي للأفلام القصيرة: النساء والبيئة والحياة الفردية

17 فيلما تنافست على الجوائز

مهرجان لاهاي للأفلام القصيرة: النساء والبيئة والحياة الفردية

لاهاي: طغت العوالم الفردية الداخلية الشابة وتطلعات الشباب وكذلك هاجس السؤال الأخلاقي، على أفلام الدورة السادسة لمهرجان "مينا - للافلام القصيرة في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا"، التي أقيمت في مدينة لاهاي الهولندية يومي 9-10 ديسمبر/كانون الأول 2023.

حضرت "المجلة" افتتاح المهرجان وبعض أفلامه الأساسية في صالة بعاصمة هولندا السياسية، واستضافت في قاعة منها معرضا لكتب عربية مترجمة من لغات شتى، ومنها متخصصة في الفن السينمائي.

55 فيلما قصيرا

المشرف على المهرجان ومؤسسه، الشاعر والمترجم العراقي محمد الأمين الكرخي، بدا في أمسية الافتتاح مشغولا باستقبال الضيوف والمدعوين من هولنديين وأوروبيين وسواهم من جمهور جاليات عربية ومتوسطية، يكثر بينهم المغاربة. فالمعروف أن الجالية المغربية هي الأكبر عددا بين الجاليات العربية المهاجرة في هولندا.

على هامش عروض الأفلام قال الكرخي لـ"المجلة" إن المهرجان الذي تأسس قبل 6 سنوات "لدعم صانعي الأفلام القصيرة والسينما المستقلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مستمر في حرصه على تقديم وجهات نظر بصرية جديدة ومعاصرة لقضايا هذه المناطق والبلدان. ويطمح أيضا إلى إيجاد جمهور واسع لها وخارج حدودها وبلادها، ما دامت تركّز على أهداف وقيم وقواسم عالمية إنسانية مشتركة. إضافة إلى تقديمها صورة أقرب إلى الحقيقة والواقع عن قضايا الشرق الأوسط والبلاد العربية، في ما يخص المخرجين العرب ويتعلق بهم. علما أن المهرجان لا يقتصر على مشاركة مخرجين من الدول العربية، بل هو مفتوح لمشاركين من سائر بلدان العالم".

الهدف الأساسي الدائم للمهرجان هو السينما الجديدة الشابة، ودعم صانعي الأفلام الشباب والسينما المستقلة

شارك في هذه الدورة بحسب الكرخي 55 فيلما قصيرا ومتوسطا من كل دول العالم. وغالبا ما لا تتجاوز مدة هذه الأفلام 25 دقيقة. وهي تقدم أفكارا ومشاهد مكثفة عن قضايا في مجتمعات بلدانها.

وقد اختير منها 17 فيلما شاركت في مسابقة الترشح والمنافسة على جوائز الدورة السادسة لمهرجان "مينا" السينمائي في لاهاي.

سينما شابة

الهدف الأساسي الدائم للمهرجان هو السينما الجديدة الشابة، ودعم صانعي الأفلام الشباب والسينما المستقلة في شمالي أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. وذلك لتقديم وجهات نظر بصرية معاصرة لهذه المناطق، وقادرة على جذب جمهور هولندي وأوروبي ومن أوساط ثقافية متنوعة من جاليات المهاجرين، لتوسيع أفق التبادل الثقافي من خلال التركيز على الأهداف الإنسانية، وترسيخ قيم السلام في العالم.

وهذا ما أكده الكرخي في كلامه حول السعي إلى نشر أفلام جديدة وشابة، لديها رؤية مستقلة وتقدم خطابا مختلفا عن الخطاب الرسمي في البلدان العربية، لتعريف الجمهور الأوروبي والهولندي خاصة، على هذا النوع من الأفلام في المنطقة. فإدارة المهرجان تتابع منصات تواصل سينمائية كثيرة لاكتشاف الجديد والمميز في مجال الفن السابع وجذب أفلام معينة للمشاركة في المهرجان.

ومن خلال مشاهدة بعض أفلام المهرجان بدا أن ما غلب على موضوعاتها في هذه الدورة، هو دراما صراع الأفراد مع مجتماعاتهم، مناقشته، والتوغل في عوالمهم الخاصة.

نشاهد مثلا فيلم "المطبعجي" الإيراني للمخرج محمد نضير عليان، حيث تصارع الشخصية الأساسية وضعها المزري، بعدما انتهت وتعرضت للانقراض مهنتها التقليدية التي قضت عليها الوسائل العصرية المتقدمة للطباعة. ويستغرق الفيلم في رمزيته المكثفة: يد المطبعجي التقليدي، العامل الكهل في صف الأحرف الطباعية القديمة، تصاب بما يشبه نوبات جنون مفاجئة. ثم تروح تتحرك وترتجف غصبا عن إرادة صاحبها، وتقوم بأفعال هستيرية متوحشة. منها تنفيذ عمليات سرقات محترفة. فإذا بوازع أخلاقي يعصف بصاحب تلك اليد، ويرغمه في نوبة جنون كيانية على قطعها خلاصا من فسادها. غير أن الفيلم ينتهي ببداية توحش يده الأخرى السليمة.

يقدم هذا الفيلم القصير رؤية سينمائية مغايرة للسينما الإيرانية الرائدة والمعتادة في أفلام عباس كيارستمي ومحسن مخملباف، التي تصور الدراما العامة التي يعيشها المجتمع الإيراني في ظل النظام الملالي.

أما الفيلم المصري، "صاحبتي"، للمخرجة كوثر يونس فيصور التقاطعات والاختلافات الجندرية والأبعاد النفسية بين شخصيتين أثناء ممارستهما علاقة حميمية. وتركز المخرجة في فيملها على رؤية فردية للعلاقات والمجتمع المصري في ظروفه الراهنة.

ليس بعيدا من اعتمالات الخوف في مواجهة التغيرات المناخية والحملات العالمية المنادية بالحفاظ على البيئة، يأتي الفيلم "هدنة الطبيعة" للمخرج الهولندي ثيو ريكيلهوف كي يواصل صرخة الطبيعة ضد ما تتعرض له من تدمير وحرب بين البشر وعلى سائر مخلوقاتها الأخرى المهددة بالانقراض.

وفي فيلمه "الفزاعة" يواصل المخرج المغربي أنس زماتي تقديم فانتازيا بصرية لمصير الافراد، حينما يعمل بطله الشاب سعيد فزاعة في أحد الحقول.

النساء بين مصر وإيران

وتابعت "المجلة" بانوراما متنوعة من أفلام المهرجان، تلك التي وثقت معاناة الأفراد والجماعات التي ينتمون إليها في عالم مضطرب ومتصدع ويشهد تحولات متلاحقة ودمارا مستمرا. وهذا ما ينعكس على خيارات الشخصيات الفردية والجماعات.

المثل على ذلك الفيلم الكردي – الإيراني، "الحدود لا تموت أبدا"، لمخرجه حميد ريزا أرجوماندي. وهو يصور معاناة أسرة تحملها أوضاعها البائسة على سلوك طريق الهجرة السرية إلى أوروبا والعقبات والصعوبات الدرامية التي واجهتها.

هناك أيضا - إلى الفيلم المصري، "صاحبتي"، - فيلم آخر من مصر يتناول مسألتي الحريات والحياة الفردية في المجتمع المصري. ففيلم "الغابة" يتناول ظاهرة إقدام شبان مصريين على قتل فتيات رفضن عروضهم لإقامة علاقات عاطفية بهن، أو للزواج منهن. والمعروف أن هذه الظاهرة تزايدت في السنوات الأخيرة وهزت المجتمع المصري بعنفها المفاجئ، وقد تناولتها الصحافة المصرية بتحقيقات اجتماعية موسعة.

الفيلم الإيراني الآخر المشارك في المهرجان، يتناول معاناة الإيرانيين المدنيين بعد ثورة "الحياة، الحرية، المرأة" التي أعقبت مقتل الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني وهزت المجتمع الإيراني لأكثر من سنة. وهناك من يقول إن تلك الثورة التي كان حجاب النساء وحريتهن موضوعها الأساسي، كانت الأشد تعبيرا عن توق فئات إيرانية واسعة وغالبة إلى التحرر من ديكتاتورية نظام الملالي الذي يتفنن في قمع النساء حتى القتل.

وشارك في مهرجان "مينا" فيلم من ليبيا بعنوان "حقوق تائهة" لمحمد مسلي، وفيلم آخر من السودان هو "مصير مجهول" من إخراج عمر طارق أمير. يتناول الفيلمان برؤية بصرية خاصة أوضاع ضحايا الحروب الأهلية الداخلية، وما نجم عنها من مافيات مسلحة حولت حياة الناس إلى جحيم.

وعرض المهرجان أعمالا لمخرجين من المغرب وإيطاليا واليونان وتونس والعراق، وبعض الأفلام من هولندا بصفتها البلد المضيف.

غلب على موضوعات هذه الدورة دراما صراع الأفراد مع مجتمعاتهم والتوغل في عوالمهم الخاصة

أفلام فازت بجوائز

لاختيار الأفلام الفائزة في مهرجان "مينا" بجوائزه الخمس في دورته السادسة، تكونت لجنة تحكيم ضمت كلا من باتريشيا كاردونا، مخرجة وشاعرة من إسبانيا، وعبد الرحيم الحلوي، ناقد وأكاديمي سينمائي من المغرب، وخديجة بو عشرين، صحافية مغربية في مجال الثقافة والفن مقيمة في هولندا، وعلاء الدين السعيدي، صحافي ومترجم تونسي مقيم في باريس، ونهاد القاضي، ناقد وناشط حقوقي عراقي مقيم في فرنسا.

وقدمت الدورة جوائزها الخمس على النحو الآتي:

جائزة أفضل فيلم، لفيلم على "قبر أبي" إنتاج فرنسي - مغربي.

فيلم "على قبر أبي" إنتاج فرنسي - مغربي

جائزة أفضل ممثل، للايراني محمد نظرعليان، لدوره في فيلم "المطبعجي".

جائزة أفضل ممثلة، لنجاة الوافي لدورها في فيلم "ذاكرة النسيان".

جائزة السلم والعدالة، للفيلم الليبي"حقوق تائهة".

جائزة الجمهور لفيلم "ذاكرة للنسيان" للمخرج المغربي هواري غوباري.

 

font change

مقالات ذات صلة